البيئة

الفيضانات الأخيرة والبديل البيئي المنشود

الفيضانات الأخيرة والبديل البيئي المنشود

بات مؤكدا اليوم هول الفظاعات الاجتماعية والإنسانية للتغيرات المناخية التي باتت تتخذ اشكالا متطرفة باطراد. ففيضانات آخر شتنبر 2018 قريبة من سيناريو 2014 (عندما عزلت الفيضانات قرى بأكملها عن العالم)؛ وكلاهما ليسا سوى النموذج المصغر للكوارث الكبرى المروعة المنتظرة مستقبلا على صعيد الكوكب؛ إذا لم يتم الحسم في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري التي اتضح حسب آخر تقرير للعلماء الحكوميين المختصين بالمناخ، انه يتطور بوثيرة مروعة وأكثر بكثير مما كان متوقعا.

الفيضان الأخير

بلغ ذروته يومي الجمعة والسبت 28و29 شتنبر، يومان لن ينسى  مآسيهما سكان قرية تنكرفة بمنطقة افني ايت بعمران إثر سيول جارفة لا عهد لهم بها أودت بحياة ثلاث نسوة(والرابعة مفقودة) ولن ينسى مآسيهما سكان قرية بوشان 84 كيلومترا عن مراكش باتجاه الجديدة، حيث فيضان واد جويهل وانحرافه عن مجراه لأول مرة في تاريخ القرية، ووضعه حدا لحياة طفل لم يتجاوز التاسعة أمام أعين أفراد اسرته. توفي كذلك تقنيان فلاحيان كانا في مهمة على متن سيارة العمل بمنطقة اجعافرة، كما جرفت السيول مستخدما بوكالة بريدية. تم التصريح رسميا ب 6 قتلى غير أن ظهور صور لجثت  غارقة في الأوحال هنا وهناك بعد انحسار المياه دليل على عدد أعلى من ذلك الرقم. ستظل ذكرى هذا الفيضان منقوشة في ذاكرة ساكنة مناطق اخرى ككلميم وأولوز وقرية تمكروت بزاكورة و تازناخت وسكورة بإقليم ورزازات وغيرها. تسبب الفيضان طبعا بخسائر مادية كاتلاف المحاصيل الزراعية ونفوق حيوانات بما فيها الإبل وتخريب طرق وقنوات وقناطر…

في وصف الظاهرة

أجمع السكان في المناطق التي شهدت الكارثة على أنهم فوجؤوا بزخات وأمطار رعدية غزيرة تتهاطل في وقت قياسي، وهو ما يفسر عدم قدرة القنوات على استيعابها وانحراف بعض الأودية عن مسارها المعتاد منذ عشرات السنين ومهاجمتها القرى الآمنة واخذها على حين غرة، وبالتالي انجراف البشر والحيوانات والتربية مع السيول المتدفقة بسرعة مدهشة. وقد صرح عجوز في 68 من عمره انه لا عهد له بمثل ما رآه. إلا أن الصورة الأكثر تعبيرا عما ينتظرنا مستقبلا، يجسدها فيديو يظهر سيولا تنحرف عن مجراها وسط الجبال وتتحول إلى شلالات ضخمة ذات لون بني، تصب من أعلى مباشرة فوق قرية اكجكالن نواحي تازناخت، ثم تتحول إلى مجاري ضخمة وسريعة الجريان وسط أزقة القرية، في احتكاك مباشر مع جدران المنازل، وانهيار تلك المبنية بالطين.

في تفسير الظاهرة

في تفسيرها لسبب الاضطرابات المناخية الاخيرة، صرحت مسؤولة الأرصاد الجوية للقناة الثانية في نشرة الظهيرة ليوم الجمعة 28 شتنبر، أن السبب ” وصول كتل مدارية إلى الأجواء السفلى لبلادنا. هذه الكتل الساخنة والرطبة جدا ما يفسر احساسنا الشديد بارتفاع درجات الحرارة. هي إذن كتل ساخنة بالأجواء السفلى توازيها أخرى باردة بالأجواء العليا تحديدا، هذا التقابل على مستوى الحرارة هو الذي يؤدي إلى تكون غيوم غير مستقرة تنتج عنها زخات عاصفية، وتعطي تساقطت غزيرة. عندما نتحدث عن زخات فإننا نتحدث عن تساقط كميات كبيرة من الأمطار في ظرف زمني وجيز، لذا لا تستوعبها المجاري المجهزة لاستقبال أمطار مسترسلة، أي التي تتساقط بكمية هامة لكن خلال حيز زمني طويل”(السيدة رحمة، مسؤولة بالارصاد الجوية ). أما نحن المناضلين من أجل العدالة المناخية، فلا نكتفي بهذا التفسير إزاء التطرف المناخي المستجد، بل نعزو السبب للشركات الرأسمالية الباحثة عن الأرباح، بفعل استهلاكها المكثف للوقود الأحفوري وما ينتج عن ذلك من غازات كثاني أكسيد الكربون، أدت إلى نقل درجة حرارة الأرض إلى 1.5 بالمائة أو أكثر، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية. فبعد كل التقارير ذات الاختصاص، لم يعد هناك مجال للشك حول تهديد الاحتباس الحراري لبقاء الجنس البشري على وجه الأرض بسبب نمط الإنتاج والاستهلاك الرأسماليين (إنتاج واستهلاك يفوقان الحاجيات بحثا عن الربح منذ أن حول الرأسمال السلعة من قيمتها الاستعمالية إلى قيمة تبادلية).

البديل البيئي النضالي

يكمن البديل في نظرنا نحن المناضلين من أجل عدالة مناخية في بناء حركة بيئية مناضلة بالمغرب، قادرة على تحدي خطاب الرأسمالية الخضراء المضلل، وعلى إبراز أثر ومسؤولية النموذج الرأسمالي الحالي للإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وكذا على ربط الخطر المناخي بالمشكلات الاجتماعية. فمن المؤسف بعد مقدمات الكوارث هاته، أن نرى مثقفين مناضلين لازالوا يعتبرون المسألة مجرد ترف فكري. بل المؤسف أن ترى إطارات يسارية وحقوقية ونقابية تعقد ندوات في شتى التيمات باستثناء موضوع البيئة، وهو كذلك حال شتى البيانات الصادرة عن اجتماعات أجهزة وطنية نادرا ما تشير عرضا إلى الموضوع البيئي رغم ما يحبل به الحاضر والمستقبل من مخاطر. إن واجبنا جميعا هو تحويل مشردي الفيضانات وكل الظواهر الجانحة والمشردين المنزوعة أراضيهم والمهدمة بيوتهم والفلاحين ضحايا انجراف الحقول، إلى جسم نضالي منظم وقاعدة صلبة لحركة بيئية مناضلة كجواب وحيد ممكن إزاء المعضلة البيئية.

لنغير النظام الرأسمالي لا المناخ

– أرواحنا أغلى من أرباحهم

*********

مراجع

*- مقال قصير للجنة البيئة – الأممية الرابعة- موقع المناضل-ة- 9 أكتوبر 2018

*- منظورات للنضال من اجل العدالة المناخية. صمود. العدد 16. نشرة داخلية لجمعية أطاك المغرب

*- كتاب :الرأسمالية والأزمة البيئة. منشورات جريدة المناضل.2016.

*- القناة الثانية- نشرة الظهيرة- 28 شتنبر 2018.

ورزازات في 10 اكتوبر 2018

بقلم: ح.ح. مناضل أطاك المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى