العولمة الرأسماليةبيانات وتقاريرملفات دراسية

أي سياق و انعكاس لقانون مالية 2014 التقشفي

أي سياق و انعكاس لقانون مالية 2014 التقشفي

 ياسير بلهيبة

صودق  على مشروع قانون المالية لسنة 2014 ب 186 صوتا مقابل 59 صوتا  بعد ان تم رفضه في مجلس المستشارين ..ليعاد قراءته مرة ثانية ،حيث  أبرز وزير الاقتصاد والمالية، السيد محمد بوسعيد أن ميزانية 2014 تحكمها ظروف اقتصادية ومالية خاصة بالبلد.و يرمي المشروع إلى تقليص عجز الميزانية، في سنة 2014، إلى تحقيق 4.9 % من الناتج الداخلي الخام…فما هي انعكاساته على الشعب المغربي ، وفي أي سياق يتأطر المشروع ، وما المدخل إلى امتلاك الجماهير سلطة الشارع لتغيير ميزان القوى وفرض مشاريعها الملائمة لطموحاتها.

سياق قانون المالية أو مباشرة الإجراءات التقشفية

مع دخول الرأسمالية طورا جديدا من انفجار الأزمة البنيوية الخانقة و الشاملة (أزمة مالية وأيكلوجية وغدائية واقتصادية وسياسية ..) طفا على السطح من جديد مساءلة النموذج النيوليبرالي في إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي للبشرية ، ومع اندلاع  أزمة الديون  التي رافقها تبني سياسات تقشفية ، بات من الواضح أن الشعوب باتت قربانا جديدا تضحي به الرأسمالية من اجل إعادة بعث ركائزها ، وبالرغم من الآثار السلبية على الاقتصاديات المحلية نتيجة التشبيك العولمي ، فان المغرب بادر إلى تكذيب هذه الحقيقة ، متذرعا انه في منأى المغرب عن أي تأثير سلبي ، وهو ما ستكذبه الوقائع بعد الربيع العربي ، حيث أخدت تطفو ملامح الأزمة ، و إعلان الحكومة عن سياسات تقشفية .

وجدير بالذكر ان الذاكرة الجمعية للمغاربة تحفل بصور البؤس و الفقر ، جراء انعكاس سياسات التقشف  التي تبناها المغرب  في بداية الثمانينات بغية تسديد الديون المتراكمة ( بلغت نسبة فوائدها 18% ) و التي لم يستفد منها الشعب المغربي إلا سنوات الجمر و الرصاص و قمع الحريات العامة و الحركات الاحتجاجية …

في سنة 2006 سيصل حجم الديون العمومية المغربية إلى 381 مليار أي ما يعادل 80 % من الناتج الداخلي الخام  منقسمة إلى ديون داخلية (265.8 مليار درهم)و ديون خارجية : 115.2 مليار ومع صعود حكومة بنكيران في ظل سياق الربيع العربي ارتفع الدين العمومي في السنة الأولي من عمر الحكومة إلى مليار درهم مقارنة مع نهاية 2011 ضمنها 17.3 مليار درهم كنمو في الدين الخارجي للخزينة العامة. و 6.3 مليار درهم كنمو في المديونية الخارجية للمؤسسات العمومية وقد.” جاء الدين الخارجي للخزينة العامة الذي فاق 116 مليار درهم على رأس جدول المديونية الخارجية للمغرب إذ يمثل 54.9 في المائة بينما تمثل مديونية المؤسسات العمومية حوالي 44.5 في المائة . وتشكل الديون الممنوحة في سياق اتفاقيات متعددة الأطراف 49.2 في المائة والاتفاقيات الثنائية 35.2 في المائة بينما تأتي المؤسسات الدولية المانحة والبنوك التجارية في المرتبة الثالثة ب 15.6 في المائة من مجموع الدين الخارجي للمغرب” 1

تبين الأرقام المتضمنة في مشروع  قانون مالية 2014 ، تراجعا في  المبلغ الإجمالي لموارد الدولة برسم لهده السنة 2014 بقيمة 335.17 مليار درهم مقابل 345.91 مليار درهم لسنة 2013، أي بانخفاض قدره 3.1 في المئة ،وتتوزع حسب :

ـ  الميزانية العامة بـقيمة 264.43 مليار درهم

ـ الحسابات الخصوصية للخزينة بـقيمة 67.65 مليار درهم

ـ مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة بـقيمة 3.09 مليار درهم.

ان تبني هده السياسات لا يرتبط فقط بالوضع العالمي (تدهور أشكال التبادل التجاري ـ تراجع الطلب الخارجي ـ ارتفاع فاتورة النفط ) بل يتجانس في تازيم الوضع مع طبيعة التدبير السياسي و نمطه وتركيبته الطبقية التي تقف عائقا أمام  تبني سياسات متجهة لخدمة الشعب المغربي ( فشل إجراءات و قرارات السياسة الاقتصادية للدولة ـ طبيعة نمط التراكم ـ  سوء تدبير الشؤون العمومية للدولة)2

و تعتز الدولة بكون المشروع يبشر بسنة سداد المديونية بامتياز 57,3 مليار درهم (أي بزيادة 46% مقارنة ب 2013) مع استقرار نفقات التسيير في 199 مليار وتراجع الاستثمار العمومي في ميزانية الدولة بحوالي 10 مليار درهم مقارنة ب 2013.

لم يكن الشعب المغربي ينتظر  ان تصفع حكومة بنكيران الشعب المغربي بتبني مثل هده السياسات ، خصوصا أنها انبثقت في شروط مد جماهيري قوي تزامن و الربيع العربي ، وبصعود المد الإسلامي إلى تدبير أزمة الحكم في المغرب ، يكون قسم عريض من الشعب  المغربي² كغيره من شعوب المنطقة (مصر وتونس ..) قد أنهى سنين طويلة من عقد الآمال على حكومات تلبس الزي الإسلامي لتمرر ابغض السياسات الامبريالية معاداة للشعوب.

انعكاسات سياسات التقشف على الشعب المغربي

وحسب ما ورد في المذكرة التأطيرية لمشروع قانون مالية 2014 ، فإن الحكومة تسعى إلى  التحكم الهيكلي في عجز الميزانية،والإسراع بأجرأة الإصلاحات سالفة الذكر للرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني وضمان استدامة النموذج التنموي للمغرب ، وخاصة إصلاح النظام الجبائي والقانون التنظيمي لقانون المالية ونظام المقاصة وأنظمة التقاعد والتحكم في تطور كتلة الأجور أي تجميد مسلسل التشغيل، حيث يلحظ تراجع التوظيف العمومي إلى 26084 سنة 2012 و24290 سنة 2013 ، حيث ازدادت  المناصب المالية تراجعا ، رصدتها الحكومة تقشفا في 17975 منصب خلال سنة 2014.

وترى الحكومة أنها مضطرة للاستعاضة عن هاته الإجراءات التقشفية بتشجيع الاقتصاد التضامني و تفعيل النموذج التنموي ..  فحسب جريدة المساء تبنت الحكومة  إجراءات تمس بالقدرة الشرائية للفئات الاجتماعية المهمشة :

 رفع  الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على مجموعة من المواد الأساسي: أسعار الشاي والسكر (يستهلك المواطن المغربي سنويا 37 كيلوغرام وهي أضخم حصيلة عالمية التي تنحصر فقط في 20 كغم) ، كما ترنو الى رفع الدهون الغذائية والتبغ والسيارات النفعية ، حيث سينتقل معدل الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على الشاي والدهون الغذائية والسيارات النفعية من 14 إلى 20 في المائة. بينما سيرتفع هذا المعدل بالنسبة إلى السكر وعلف المواشي من 7 إلى 10 في المائة. في حين ستؤدي الزيادة في الضريبة الداخلية على الاستهلاك الخاصة بالتبغ والمشروبات الكحولية والطاقية وتذاكر الطائرات إلى ارتفاع مباشر في أسعار هذه المواد…حيث تعمدت الدولة اعتماد سعرين للضريبة هما 10 و20 في المائة، وهذا يعني أن مجموعة من المواد المعنية بالضريبة على القيمة المضافة ستشهد زيادات مهمة في الأسعار.وللتذكير فقد نهجت الدولة رغم تحذيرات صندوق النقد الدولي من فكرة  الزيادة في أسعار المحروقات لمرتين في يونيو 2012 وشتنبر 2013

كما تراهن الدولة على إصلاح النظام الجبائي: حذف الاستثناء الضريبي بالنسبة للمستثمرين الفلاحين الكبار ، إصلاح نظام المقاصة سيتم في إطار مقاربة تشاركية وتدريجية توازي بين تحقيق التوازنات الماكرو اقتصادية والمالية والحفاظ على التوازنات الاجتماعية،تفعيل نظام المقايسة النسبي لأسعار بعض المواد النفطية السائلة و تدفع الحكومة في اتجاه دعم الاستثمار بالحفاظ على نسبة نمو تفوق 4 % من خلال النهوض بالاستثمار العمومي والخاص.

 

إمكانيات نهوض جماهيري

تسعى الدولة بإجراءاته التقشفية إلى تعبيد الطريق أمام التطبيق الحرفي لتوصيات المؤسسات المالية و استرجاع التوازنات الماكرو اقتصادية حفاظا على المظهر الخارجي للمغرب . وقد سبق لصندوق النقد الدولي ان طالب  المغرب ب “تسريع الإصلاحات الهيكلية، خلق فرص العمل، الحد من ارتفاع معدلات البطالة، تحسين مناخ الأعمال والإدارة الاقتصادية، الشفافية والمساءلة وتطبيق القانون، تحسين القدرة التنافسية..

وهو ما يدفع الدولة إلى  خوض مغامرة ردود الفعل داخل أوساط الكادحين و الطبقة العاملة و الطبقة المتوسطة…أمام استحسان البرلمان الأوربي الذي  أصدر مؤخرا تقريرا يشيد فيه بالمجهود الإصلاحي ..وبدفع الحكومات لمشاريع تهم إعفاء الأغنياء من ضريبة تحمل بدور الأزمة التي تسببوا فيها ،تكون بتمرير قانون مالي متقشف ، تستهدف كعادتها إثقال الكادحين بالضرائب و الزيادة في الأسعار وتجميد للأجور و كدا تكبيد خسائر نهب صناديق التقاعد و الحماية الاجتماعية وعدم تحمل الدولة و الباطرونا لتسديد مستحقاتها  للعمال …مراهنة على أن تقوم القيادات النقابية بدور التهدئة التزاما بما وقعوه من سلم اجتماعي .

 الدولة وحكومتها ومكونات اللعبة السياسية المنخرطة في برنامج طبقي عام بانتقاداتها المسرحية الطفيفة المتبادلة في خشبة التدبير السياسي للازمة ، تستثمر الظرفية السياسية  التي تتسم بفتور ردود الفعل الضعيفة نتيجة  حصيلة الثورات العربية و الوضع المحلي ومقارنة مع سنتي الزيادات في الأسعار 1981و1984 ، مع ترقب امني حدر لما قد تترتب عنه مفاجآت  تراكم  خيبات الأمل(تعكسه حالة الرفع من الأجور و التوظيفات النشطة في الأجهزة الأمنية )…

لم تتوقف اتساع مقدمات الاحتجاجات بالمدن و القرى المغربية و التي تستأنف من جديد في المدن الصاعدة (بعد ان عانت احتجاجاتها من العزلة و القمع الشرس : بوعياش ـ العرائش ـ وارززات ـ خنيفرة ـ بني ملال…) و إعادة التمركز الجزئي  في المدن الكبرى خاصة الدار البيضاء وأكادير ومراكش وطنجة و اسفي …  وفق حالة التمازج بين قدرات التأطير ( المجتمع المدني : الأحزاب السياسية المعارضة و النقابات و الجمعيات و التنسيقيات ) والاستفادة من دروس النضال الجماهيري ومراعاة حالة الإحباط العام للجماهير.و القدرة على تجاوز حلقية القمع و المقاربة الأمنية بالتنسيق بين مختلف المكونات و تحصين القوى من مقاربات الاحتواء ..وهي إمكانيات جد ضعيفة بالمقارنة مع الثقافة المستهلكة و الضعف التنظيمي لهاته المكونات ..

وهو ما سيفتح مصراع الصراع الاجتماعي على دفتيه ، مستفزا من جهة  السلم الاجتماعي اما بانسلاخ الشغيلة عن التحكم الرقابي للبيروقراطية ، ومن جهة أخرى ميول ظرفي نحو التضامن و التنسيق بين حلقات مكونات النضال الأساسية بالمغرب ، ويزيد من ضعف هدا الاحتمال غياب بدائل سياسية منسجمة  ، لكن هاته الاحتمالات تظل ضعيفة هي الأخرى ، وترتهن بعنصر العفوية في حدوث شرط  الصدف التاريخية في صعود مد المهمشين و المقصيين مثل العاطلين و المطرودين و تلاقحها بالنضالات العمالية المشتتة في جبهة او تنسيقيات محلية تتخد بعدا وطنيا  …الخ فتشكل موجة احتجاجات عارمة ، تظطر فيها النقابات المهنية إلى إعادة رفع سقف مطالبها بغية مسايرة ايقاع الجماهير.

 

الهامش

1ـ عماد عادل : المديونية الخارجية للمغرب تقفز ب 24 مليار درهم في السنة الأولى لحكومة بنكيران : نشر في جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 01ـ04ـ2013

2ـ ميمون الرحموني : أزمة المديونية بالمغرب وانعكاساتها على الوضع الاجتماعي http://mimounrahmani.wordpress.com

 

زر الذهاب إلى الأعلى