النضالات في المغرب

منطقة تالسينت: السكان يحتجون من أجل قطرة ماء

منطقة تالسينت:  السكان يحتجون من أجل قطرة ماء

تقع تالسينت في جنوب شرق المغرب على مساحة تقدر بنحو 11000 كيلومتر مربع، وتنتمي إداريا إلى إقليم فجيج يحدها شمالا، كل من ميسور، واوطاط الحاج، وجنوبا بني تاجيت،وشرقا معتركة ومن الغرب كرامة ، يقطنها نحو 16166 نسمة  (احصاء2014) (1)

ظلت المنطقة تكابد وتعاني من شدة المشاكل المتراكمة عليها منذ الاستقلال الشكلي، وبسبب سياسة التفقير والحرمان من  ضروريات الحياة، التي جعلت سكانها يخرجون في كل مرة  إلى الشوارع محتجين على تهميشهم وينظمون أشكالا نضالية  في الميادين لإيصال أصواتهم/ن للسلطات المحلية  وباقي المسؤولين .

لهاث الرأسماليين على المدينة سنة 2000  وراء سراب البترول

 اشتهرت مدينة تالسينت عالميا بشكل كبير عبر وسائل الإعلام الوطنية والدولية في صيف 2000 بعد إعلان رسمي عن اكتشاف النفط فيها بكمية وفيرة بإمكانها أن تكفي الاستهلاك الوطني المغربي لمدة  قدرت بنحو أكثر من 30 سنة.

وقد نتج عن ذلك اهتمام واسع وغير مسبوق من طرف الرأسماليين  بالمنطقة وتوالت الزيارات من كل جهة صوب المدينة  بشكل لافت وغير عادي وسط ذهول سكان تالسينت ونواحيها.

إنزال قوي لقمع احتجاجات تالسينت سنة 2005

في أواخر اكتوبر2005 وبعد مرور خمس سنوات على قضية نفط وغاز تالسينت وانقشاع حقيقتهما، وخفوت الكلام عن العناية بالمنطقة  خرج الناس في كل من تالسينت وبوعرفة في مظاهرات واحتجاجات شعبية  ضمت الحرفيين والتجار الصغار، الذين أغلقوا محلاتهم بشكل جماعي وانضموا إلى حركة الاحتجاج التي طالبت بتحسين الأوضاع وخلق مناصب شغل تضمن الحياة الكريمة وتزويد المنطقة بكميات كافية من مادة الدقيق المخصص لصناعة الخبز الجيد، وتوفير الماء الصالح للشرب، وتخفيض أسعار فواتير استهلاك الكهرباء والماء التي تجاوزت حدود طاقة المواطنين…الخ من المطالب البسيطة الضرورية لخلق تنمية فعلية وحقيقية  ). لكن الطبقة الحاكمة ودولتها الرأسمالية ونظام الاستبداد والاستغلال رفضت تحقيق مطالب سكان تالسينت وتدخلت بعنف وقمعتهم/ن مستعملة قواتها التي جلبتها من المناطق المجاورة، ونتج عن تدخلها جروح بالغة في صفوف المواطنين والمواطنات المحتجين/ات ، وحملات اعتقال واسعة بين قادة الاحتجاج.

سكان تالسينت والتدبير الديمقراطي للماء قبل الاستعمار الأجنبي

يعرف السكان قيمة الماء وينظمون عملية الاستفادة منه  بشكل جماعي، حيث أن البساتين والحقول والأشجار المثمرة دفعتهم إلى حسن تدبير المياه الجوفية ومياه الأمطار، واستند نظام السقي بالقسمة العادلة للماء والعمل الجماعي والمشاركة في تصميم طريقة التوزيع وانجازها والعناية والصيانة ..ثم تدبير الخلافات والنزاعات بشكل يضمن للجميع حق إبداء الرأي واتخاذ القرارات الصائبة والمنصفة ، وفي ظل ندرة المياه السطحية ، تم البحث عن المياه الجوفية بحفر الآبار الأكثر عمقا، وقد أنجز السكان أحواض وصهاريج لحفظ وجمع الماء واختيار موقعها بعناية ودقة حيث يتم إنشاؤها بين الآبار، وتوزيعها بشكل عادل لفائدة جميع الفلاحين والسكان الفقراء .

الماء  ثروة وطنية  ضرورية للحياة

من واجب الدولة توفير الماء للمواطنين والمواطنات وعليها أن لا تتركه للرأسماليين يستثمرون فيه أموالهم للبحث فقط عن مزيد من الأرباح. لكن الأمر ليس كذلك، فقد أنتجت السياسة المائية المتبعة التي تعطي لراسالمال الحق في استغلال المياه دون حسيب أو رقيب أنتج عطشا اضطر معه السكان المكتوين بناره إلى الخروج إلى الشارع  للاحتجاج في عدة مناطق أبرزها في هذه السنة مدينتي زاكورة  وتالسينت، وهي مناطق توجد بالجهة الشرقية التي تعرف حرارة شديدة في فصل الصيف.

إن السياسة المتبعة في بلدنا لا تخدم مصالح المواطنين والمواطنات الفقراء ولا توفر لهم ضروريات الحياة بالأسعار المناسبة، لأنها خاضعة فعلا لتعليمات وشروط المؤسسات المالية الدولية(صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية..وغيرهم) هذه المؤسسات الاستعمارية المتحكم فيها من طرف الدول الصناعية الكبرى لاتهمها حياة الشعوب، و لذلك من الضروري النضال الجماعي الموحد والديمقراطي طويل النفس  ضد هذه السياسات التفقيرية والاستعمارية ، من اجل التحرر من قبضتها وتخليص الثروات الوطنية من سيطرة الشركات الرأسمالية ووضعها تحت السيادة الشعبية للسكان .

تالسينت العطشى سنة 2018

يوم 11 يوليو2018 تأجج الاحتجاج بتالسينت نتيجة الحرمان من الماء. هذا الوضع الذي طال ولم يعد الناس قادرين على مزيد من الصبر، بعد أن استمر انقطاع الماء عنهم/ن  لمدد زمنية طويلة.  وعندما أراد المواطنون إيصال معاناتهم للمسؤولين، واجهتهم الدولة حامية الشركات الرأسمالية بإنزال القوات والأجهزة  القمعية يوم الخميس 12 يوليو2018 من أجل قمع احتجاجهم/ن بالعنف،  وامتصاص غضبهم بالحوارات الطويلة والوعود بالحلول المؤقتة التي لا تخرج عن السياسات النيوليبرالية الخاضعة لهيمنة العولمة الرأسمالية، إن حاجة المغاربة إلى الماء ستتفاقم مستقبلا والنضال من أجل السيادة الغذائية والاستقلال الحقيقي مرتبطان بشكل وثيق بقضية الماء التي فجرتها مدينتا زاكورة وتالسينت هذه السنة .

محمد الحيحي – عضو اطاك المغرب.

(1)https://www.hcp.ma/region-oriental/docs/ASR2015/1%20Terr%20et%20pop2014.pdf

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى