الديونحركة عولمة بديلة

لبنان: الديون غير الشرعية أصل البلاء، يجب إلغاءها

لبنان:  الديون غير الشرعية أصل البلاء، يجب الغاءها

فجر الشعب اللبناني يوم 17 أكتوبر2019 ثورته ضد النظام السياسي الحاكم وسياساته المتتالية عبر عقود، والتي تسببت للأغلبية الساحقة بالتفقير والتجويع والقهر، وظل الشعب المتضامن مستمر إلى اليوم  10  نونبر/ تشرين الثاني 2019 بالاحتجاج في الساحات العمومية وأمام المؤسسات والمصارف والموانئ والشركات وحتى أمام منازل بعض المسؤولين الحكوميين ونواب برلمانيين وأمناء أحزاب توظف الطائفية السياسية بالسلطة والحكم ، وذلك من اجل تحقيق استقلاله عن التبعية للمؤسسات المالية الدولية قناع الاستعمار الجديد، وفرض سيادته على ثرواته والعمل والاستقرار ببلده، بدل هجرته القسرية للخارج، وتقرير مصيره ببناء جمهورية لبنانية جديدة حرة ومستقلة تضمن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية  لكل المواطنين /ات اللبنانيين على اختلاف معتقداتهم /ن الدينية، وإسقاط نظام الدولة الطائفية السياسية الرأسمالية.

الشعب اللبناني الذي قاوم العدو الذي خلقته الرأسمالية الامبريالية بحدوده ليكون قاعدة عسكرية رجعية بإيديولوجية دينية بالمنطقة وتشريد الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه، وظل لبنان يتعرض للعدوان والاحتلال ويناضل من اجل بناء دولة وطنية ديمقراطية علمانية.

بعد نهاية الحرب الأهلية  نهجت الحكومات المتعاقبة سياسات اقتصادية واجتماعية خطيرة دمرت جل المكتسبات الطفيفة، والاقتصاد المنتج، حيث ركز الرأسماليين على مراكمة الأرباح بقطاعات المصارف المالية والعقارات.

بالفترة ذاتها عرف المجتمع اللبناني تطورات منها: الهجرات الجماعية الاضطرارية من الأرياف  صوب ضواحي وهوامش المدن والمراكز، وتدهورت القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من  المواطنين/ات، مقابل أرباح طائلة للمصارف وتمركز الأموال والسلطة لدى قلة قليلة.

لقد أجهزت الدولة على الخدمات الاجتماعية، من أهمها : الصحة والتعليم، وتفاقمت مشكلات النقل العمومي، وجمدت الأجور الزهيدة مع خفضها بالقطاع العام، وتقليص الإنفاق العمومي المدعم للمواد الأساسية، بالأخص تلك المتعلقة بالاستهلاك اليومي ومائدة الغذاء، وخصخصة القطاعات الهامة، بالإضافة لمشكلات البنية التحتية والشبكات الكهربائية وعدم الالتزام بتوفيرها للسكان بشكل دائم بدون انقطاع من حين لأخر، وكذا ربط البيوت بشبكات الماء الشروب، وجمع النفايات المنزلية وحماية البيئة، والانشغال الجدي  بإصلاح كل ما دمرته الحرب.

 المؤسسات المالية الدولية أدوات استعمار

 اللجوء للديون منذ العام 1990 حتى 2000، وما يليها من مؤتمرات الاستدانة الاقتصادية المتتالية بكل من باريس وبيروت، اغرق لبنان بمخططات المؤسسات المالية الدولية البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرهما.

ثم توالت مؤتمرات  الاستعمار الجديد، وفقد السيادة الوطنية والخضوع للسياسات الرأسمالية والرجعية للدول الكبرى والإقليمية التي تعمل لمصالحها ضد حقوق وحاجات اللبنانيين واللبنانيات.

الاقتراض غير المجدي، تودع معظم الأموال المقترضة بالمصرف المركزي، ويجري تكبيد اللبنانيين بالوطن أو بالخارج فوائد هذه الأموال، وتعد سياسة “إعادة الاعمار” بعد الحرب الأهلية  اكبر عملية نقل أموال من عرق وتعب اللبنانيين إلى أرباب المصارف والرأسماليين الكبار، حيث وظفت فيها  سياسة التضليل وراء ذلك الشعار، بدأت الدولة بالاقتراض عام 1992 وكان حجم الدين العام نحو 159 مليون دولار بفائدة 48 بالمئة سنويا، وبذلك تراكمت الديون وفوائدها مما رفع من حجم الدين العمومي بشكل كبير، انعكست نتائجه على الشعب اليوم. سدد لبنان منذ ذلك التاريخ  أكثر من 77 مليار دولار كخدمة ديون، وقد ربحت من هذه العملية المصارف حيث زادت من رأسمالها بنحو 100مرة منذ عام 1993 وتركت ديون قدرتها وزارة المالية بنحو 80 مليار دولار وهي قيمة أصل الدين بدون احتساب قيمة مستحقات الفوائد، التي تصل بالدين العام  لنحو 106 مليون دولار(1)

الظلم الاجتماعي والفوارق الشاسعة

المضاربات المالية والعقارية والأرباح الريعية بلبنان، ركزت الثروة بيد مجموعة قليلة جداً، توضحها بشكل جلي المباني الفاخرة والسيارات الفارهة بالعاصمة بيروت، بينما الأغلبية الساحقة بأطرافها بالأحياء الشعبية وباقي المدن اللبنانية لا تملك شيء، ويعيش بعضها من جمع النفايات بالمزابل، هذا الظلم الاجتماعي الكبير جعل الكثيرين يهاجروا من لبنان والباقي منهم/ن يفكرون بذلك.

 ماذا قدم وفد صندوق النقد الدولي للشعب اللبناني الذي جاء للبلد أيام 19 يونيو/حزيران و2 يوليو/ تموز 2019 وهذه الأيام مع اندلاع الثورة؟ فقد شكر الدولة ونظامها السياسي الطائفي على كرم الضيافة، وأكد على تطبيق مخططاته وبرامجه الجهنمية لا ريب، فمنذ زمان ولبنان يعاني من عجز كبير بالمالية العامة، حيث وصلت نسبة الدين العام نحو مبلغ فاق 150بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي/المحلي، ووصل عجز الحساب الجاري إلى أكثر من 25 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

 إن البنك الدولي يفرض شروطه لتجويع الشعب من خلال سياسات الليبرالية الجديدة، المتعلقة بالضبط المالي الكبير، وتعديلات هيكلية، منها إصلاح قطاع الكهرباء وخفض تكلفته على المالية العامة، وتخفيض عجز الميزانية الإجمالي لسنة 2019، التي تستهدف عجزا بنسبة 7.6بالمئة من إجمالي الناتج المحلي بإجراءات مجحفة وظالمة  بحق الفقراء وأصحاب الدخل المحدود بزيادة الضريبة على الدخل، من 7 بالمئة حتى 10 بالمئة، وفرض ضريبة على البضائع المستوردة بنسبة 2 بالمئة، وتجميد التوظيف العمومي، ورفع سن التقاعد بالقطاع العام، وفرض ضريبة على لوحات ترخيص سيارات الأجرة، وعلى لوحات الترخيص المكونة من ثلاثة أو أربعة أرقام، وزيادة رسوم الأمن العام  (تصاريح العمل، والتأشيرات  وغيرها) (2)

 حسب وزارة المالية اللبنانية ارتفع الدين العام الإجمالي بنسبة 1.2 بالمئة شهريا، وبنسبة 5.3 بالمئة سنويا، ليصل ببداية سنة 2019 نحو 86.2 مليار دولار، وحسبها، فإن هذا الارتفاع سببه الزيادات بديون العملة المحلية، أي الليرة، وديون العملة الأجنبية بالأشهر الثلاثة الأولى من  سنة 2018، وأن نمو حصة الديون الأجنبية من إجمالي  الدين اللبناني الإجمالي من 37.4 بالمئة بالربع الأول من 2018 إلى 39.2 بالمئة  بالأشهر الأولى من 2019،وأن الدين المحلي السنوي بلغ 2.3 بالمئة، ليصل 52.4 مليار دولار بداية شهر مارس 2019، مستحوذا على نحو 60.83 بالمئة من إجمالي الدين خلال نفس الفترة.(3)

حقيقة الادعاء بمحاربة الفساد المالي

يعد مصرف لبنان عماد الاستقرار المالي وحارس نظام سعر الصرف، جاء ذلك على حساب تكثيف الروابط بين المصارف والمالية العامة، وإثقال كاهل ميزانيته العمومية. وطيلة الفترة الماضية وفرت العمليات النقدية التي قام بها مصرف لبنان عائدات حدية مهمة بالعملة الوطنية الليرة اللبنانية على الودائع الجديدة للبنوك بالدولار الأمريكي لدى المصرف. مما أدى لزيادة حيازات المصرف اللبناني بالدولار الأمريكي دون التأثير على أسعار الفائدة على الودائع القديمة لديه، وكذا الدين الحكومي.

وقد ساعدت هذه العمليات البنوك بتقديم أسعار فائدة مرتفعة لمودعيها بهدف جذب تمويلات جديدة، وكذلك الاحتفاظ بالتمويلات القائمة مع أرباحها، وبذلك أصبحت الأوراق المالية الحكومية والودائع لدى مصرف لبنان تشكل الآن نحو 14 بالمئة و55 بالمئة على الترتيب، من أصول البنوك، حيث يبلغ حجم الانكشاف الكلي على الديون السيادية نحو 68.5 بالمئة من الأصول(أكثر من 8 أضعاف رأس المال الأساسي).

فخبراء البنك الدولي يطلبون خطوات عاجلة وملموسة، واستجابة للدول الرأسمالية الكبرى والمؤسسات المالية الدولية أدوات وأقنعة الاستعمار الجديد، لذلك وغيره قررت السلطات اللبنانية تشريعات تتعلق بقاموس هذه المؤسسات منها : شفافية المعلومات العامة، مكافحة الفساد، حق الوصول للمعلومة، قانون حماية فاضحي وكاشفي عن الفساد المالي، قانون تأسيس لجنة وطنية لمكافحة الفساد، قانون شفافية قطاع النفط والغاز…الخ) وما يسمى لدى الليبرالية الجديدة واليمين الرجعي بالحوكمة الرشيدة.

وتعيين لجنة “مستقلة” لمحاربة الفساد بموارد وصلاحيات كافية، وسن تشريعات تتعلق بمسألة الإثراء غير المشروع، والتصريح العلني عن الأصول، وملاحقة مرتكبي الفساد المالي وتقديمهم للقضاء، والإلغاء الكامل للحسابات الرقمية بالجهاز المصرفي والحسابات السرية(4)

نضالات الشعب اللبناني لسنوات قبل ثورة 17 اكتوبر2019

لقد عانى الشعب اللبناني من تحمل أعباء ونتائج هذه الديون غير الشرعية التي تسببت لأغلبيته بالفقر المدقع، ومع ذلك تزيده الحكومات المتعاقبة ثقل على أخر بجملة من الإجراءات التقشفية المدمرة لحياته تنفيذا لتوصيات الدول المانحة من اجل الحصول على المساعدات المالية الموعودة، وكذا مخططات وبرامج المؤسسات المالية الدولية الاستعمارية، مما دفع بالجماهير الشعبية المفقرة  والطبقة العاملة والفلاحين الصغار والمتقاعدين  والنساء والشباب ضحايا النظام السياسي الطائفي إلى الاحتجاج والتظاهر والنضال منذ سنوات إلى الآن، ففي 30 ابريل/ نيسان نزل متقاعدو الجيش الوطني اللبناني للاحتجاج على خطة خفض معاشاتهم، وباليوم نفسه دعت نقابة العمال لإضراب لمدة ثلاثة أيام احتجاجا على سياسة التقشف التي تضمنتها الميزانية الجديدة، وشمل الإضراب العام عدة قطاعات مهمة منها: ميناء بيروت، ومؤسسة التأمين الاجتماعي، ومؤسسة كهرباء لبنان، وشركة الهاتف النقال/المحمول”اوجيرو”.

وفي 8 مايو / أيار ألغت النقابة الإضراب بعدما أكد رئيس الجمهورية ميشال عون تعليق مادة ميزانية 2019 المتعلقة باحتمال خفض رواتب العمال  حتى تتم دراسة حالة كل قطاع بالتنسيق مع الوزارات المعنية. وأعلن كذلك الموظفون والموظفات بالبنك المركزي تعليقا مؤقتا لإضراب كان مقررا. واستمرت الدولة بتنفيذ مزيد من القهر على الشعب، وأعلنت عن فرض ضريبة بقيمة 6 دولارات على مستعملي تطبيق” واتساب”  بالإضافة لجملة ضرائب،وفي 17 أكتوبر / تشرين الأول نزلت الجماهير الشعبية إلى الشوارع  والساحات بشكل واسع مفجرة  ثورة  ضد النظام السياسي الطائفي ودولته وسياساته الرأسمالية، وحاولت الطبقة الحاكمة المناورة والإعلان عن إلغاء تلك الضريبة التي كانت وراء شرارة الانفجار الثوري، لكن  الأوضاع تغيرت بالكامل(5)

من واجبنا نحن مناهضي العولمة الرأسمالية  والسياسات التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية، البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرهم، الذين خربوا البلدان وفقروا الشعوب من خلال تفويض تدبير القطاعات الحيوية، الماء والكهرباء للشركات الرأسمالية الأجنبية والمحلية، و خصخصة الخدمات الاجتماعية، النقل والصحة والتعليم ، وتفويت الأراضي الزراعية الخصبة والمياه على حساب السيادة الغذائية للشعوب، أن نساند وندعم ونقف بجانب الشعب اللبناني وكل الشعوب التي تناضل من اجل حريتها وكرامتها وحقها بالاستفادة من ثرواتها الوطنية.

من حق الشعب اللبناني الذي اظهر للعالم عن وحدته المتماسكة والقوية بين كل أبنائه وبناته خصوصا تلاميذ/ات المدارس و طلاب وطالبات الجامعات الذين واللواتي خرجوا بتنظيم مسيرات عارمة بجميع مناطق تراب لبنان أن  يشكلوا لجنة وطنية من اجل افتحاص وتدقيق الديون غير الشرعية التي جوعتهم وعطشتهم/ن بشكل مواطني وشعبي وديمقراطي، الديون التي تعد كريهة والمتسببة بما وصل إليه الشعب اللبناني اليوم من ويلات.

لا يمكن تحقيق تنمية بشرية مستديمة حقيقية وفعلية بدون إلغاء الديون غير الشرعية، إن المؤسسات المالية الدولية تهدف إلى سحق الناس واستعمار البلدان من خلال مخططاتها وبرامجها القهرية الاستعمارية، ومن واجبنا التصدي لها والعمل على بنا عالم أخر ممكن وضروري.

محمد الحيحي – عضو اطاك المغرب

 

(1)http://www.almayadeen.net/news/politics/953357/%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86—-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AF%D8%AF%D8%A9.

(2)https://www.imf.org/ar/News/Articles/2019/07/02/mcs070219-lebanon-staff-concluding-statement-of-the-2019

(3)https://arabic.rt.com/business/1021472-%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86/

(4)https://www.imf.org/ar/News/Articles/2019/07/02/mcs070219-lebanon-staff-concluding-statement-of-the-2019

(5)https://www.bbc.com/arabic/business-50199922

 

زر الذهاب إلى الأعلى