الهندوراس: مستنقع تصفية النشطاء البيئيين/ات
”ستظلّ جبهتي مرفوعة، وسأقول لهم بكل كرامة: يخطئ رجال الأعمال خطأً فادحًا إن كانوا يعتقدون أنّ شعب الانكا سيكفّ عن نضاله التاريخي دفاعًا عن أرضه وأملاكه المشتركة… جريمتي هي أنني حملت بطانيات عليها شعار المجلس المدني للمنظّمات الشّعبيّة والأهليّة (COPINH) ، وأنني هتفتُ وكتبت القصائد دفاعًا عن النّهر الأبيض“.
بيرتا كاسيريس“BERTA CÁCERES“ (2016-1973)
يتعرّض المدافعون /ات عن حقوق الانسان و ناشطون/ات بيئيون في دولة الهندوراس لعمليات قمع وملاحقة ممنهجة من قبل الجيش الهندوراسي، وتحظى هده العمليات بتأييد الجهاز القضائي الفاسد المتواطئ مع الجيش وكبريات الشركات العالمية، التي تطمح الى مصادرة أراضي السكان الأصليين لشعب اللنكا (lenca) في منطقة النهر الأبيض المهددة ببناء مشروع ضخم مدمر للبيئة مؤلّف من أربعة سدود كهرومائية في قلب نهر الغوالكاركي (Gualcarque ).[1]
يشرف على هذا المشروع المهدد للطبيعة والانسان شركتان عملاقتان (Multinationale)، إحداهما صينيّة والأخرى محلية من الهندوراس. فمند التسعينات تصاعدت وثيرة النضالات الشعبية والحملات التي قادها النشطاء/ات الايكولوجيين وتنسيقيات أصدقاء البيئة [2]،وهذا ما دفع الشركة الصّينيّة للتلويح بالانسحاب من المشروع خشية أن يتوقّف ذلك المشروع بسبب معارضة معظم السّكان المحليّين له، فلجأت الشركة الهندوراسية (ديساDISA) بمساعدة الجيش والحكومة والجهاز القضائي ، إلى استهداف مباشر لأبرز المعارضين/ات للمشروع بهدف ترهيب شعب اللنكا (lenca) وإرغام السّكّان الاصلين على توقيع أوراق تنازل عن أراضيهم قصد تفويتها لبناءالسد والقبول بفتات هزيل من التعويضات المادية.[3]
خلال 2009 قاد الليبراليون الجدد بزعامة «ميتشيليتيMicheletti »[4] انقلابا واستولوا على السّلطة في هندوراس بمباركة من إدارة الرّئيس الأميركي (باراك أوباما) التي اعترفت بـ(ميتشيليتي) بل وموَّلَت جيشه بالعتاد، ومنذ ذلك الحين يقوم الجيش الهندوراسي باستخدام كل وسائله القمعية تجاه السّكّان الأصليّين والمعارضين السياسيين والناشطين البيئيين، وقد فرض الرئيس(ميتشيليتي) “الغير الشرعي”، قانون طوارئ وبموجبه وسّعَ بشكل تدريجيّ من صلاحيّات الجيش وزاد من عسكرة الدّولة لحماية مصالح الشركات المتعددة الجنسيات. مستعملا كل تلك الإمكانيات في الاغتيالات السياسية التي طالت 109 مناضلي حقوق الإنسان ونشطاء بيئيين خلال أعوام 2010 – 2015 حسب المنظمة الغير الحكومية (Global Witness) [5]
في ظل تعاقب الانظمة التوتاليتارية العسكرية الليبرالية بالهندوراس، لا يزال 3.7 مليون من السكان يرزحون تحت عتبة الفقر، وتعد ثالث أفقر دولة في نصف الكرة الغربي، وذلك بعد نيكاراغوا وهايتي. ويقدر أن هناك أكثر من 1.2 مليون شخص عاطل عن العمل، ولذا فإن معدل البطالة يبلغ ما يزيد عن 27.9 % ، فهندوراس واحدة من الدول الفقيرة المثقلة بالديون. [6]
برتا كاسيريس: قصة نضال امرأة هندوروسية من أجل العدالة البيئية:
معروفة لدى رفاقها ب ” برتا BERTA “، من مواليد يوم 4 مارس 1973، حاصلة على شهادة جامعية في التعليم، أم لأربعة أطفال هي قائدة لشعب اللنكا (Lenca People) أحد الشعوب الأصلية لأميركا الوسطى، والذين ينقسمون بين كل من هندوراس (100 ألف)، وإلسلفادور (37 ألف)، وهي عضو مؤسس في مجلس المنظمات الشعبية والأصلية في هندوراس والمعروف اختصاراً باسم كوبيناه (COPINAH)، والذي تأسس في 27 مارس 1993. شاركت “برتا كاسيريس” وقادت عدداً من الحملات طوال حياتها، سواء ضد تدمير الغابات، أو ضد أصحاب الرأسمال الزراعي والصناعي، وكذلك ضد وجود قواعد عسكرية أميركية على أرض ” اللنكا “، أو دعماً لحقوق المرأة المضطهدة، وطيف آخر واسع من القضايا الاجتماعية والبيئية والثقافية في أمريكا الوسطى.[7]
في عام 2006، لجأ سكان “اللنكا” الذين يسكنون في ريو بيانكو الى المناضلة البيئية “برتا”، حيث أفادوا بوصول معدات بناء إلى منطقتهم، وعندما تقصت “كاسيريس” الأمر تبين أن تحالفاً يضم عدداً من الشركات الدولية والمحلية لديها خطط لبناء أربعة سدود على نهر Gualcarque River دون استشارة أهل المنطقة المحيطة بالنهر، بما يخالف القانون الدولي.[8]
تزعمت برتا جماعة اللنكا Lenca الأصلية في الهندوراس، التي تعرض أفرادها للتهديد بالتهجير القسري ولانتهاكات جسيمة طالت حقوقهم في المياه والغذاء والصحة نتيجة بناء سد اغوا زاركا ، (Agua Zarca) وبفضل المعارضة الشعبية المتواصلة التي أبدتها المجتمعات المحلية المتضررة، بقيادة برتا ، التي نظمت المجالس المحلية واللجن الشعبية وتم التصويت الجماعي ضد مشروع السد، وقد قادت” برتا” مظاهرات ومسيرات ،ووسعت رقعة الحملة على المستوى القاري والاممي بتنسيق مع المنظمات المدافعة عن البيئة والمناضلة من أجل العدالة المناخية، كما عرضت قضية شعب اللنكا أمام لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان.[9]
وخلال عام 2013 قادت “كاسيريس” السكان الاصلين والفلاحين البسطاء في سلسلة من الاحتجاجات لمنع الشركات المشاركة في صفقة انجاز السدود من الاقتراب من أراضيهم واستمرت الاحتجاجات طوال العام، مما أدى لانسحاب الشركات الدولية، وبقاء الشركة المحلية فقط.
برتا كاسيريس وتجربة مجلس المنظمات الشعبية والأصلية (COPINAH):
يُعتبر تجمّع )كوبينه COPINAH ( أحد أبرز القوى الناشطة في أميركا الوسطى في مجال الدّفاع عن حقوق السّكّان الأصليّين وحماية أراضيهم من جشع الشّركات متعدّدة الجنسيّات. ومنذ تأسيسه في بداية التّسعينات من القرن الماضي، دأب” التّجمّع “على مقاومة الشّركات التي تعمل على تدمير الغابات في المناطق التّابعة لشعب اللنكا، وقد نجح، بعد أكثر من عقدين من كفاح شعبي، بطرد عدّة شركات من أراضي اللنكا واستعادة الملكيّة على 100 قطعة أرض سلبتها تلك الشّركات. كما وينشط تجمع ”كوبينه“ في المنتديات الدّوليّة على تسليط الضّوء على قضيّة اللنكا والتّأكيد على حقّ السّكّان الأصليّين في تقرير مصير أراضيهم وحرّيّتهم المطلقة بمنح أو سحب موافقتهم على مصادرة أراضيهم. إن إجبار اللنكا على التّنازل عن أراضيهم أو إقامة مشاريع على أراضيهم دون موافقتهم الصّريحة الحرّة يتنافى مع اتّفاقيّة منظّمة العمل الدّوليّة التي تعنى بحقوق السكان الأصليّين، والتي صادقت عليها هندوراس.[10]
حصلت (بيرتا كاسيريس) على ثلاث جوائز خلال الأعوام من 2012 إلى 2015، وهي جائزة جمعية العدالة والسلام الكاثوليكية عام 2012، وجائزة مؤسسة فرونت لاين ديفيندرز للمدافعين عن حقوق الإنسان Front Line Defenders عام 2014، وجائزة غولدمان إنفيومنتال Goldman Environmental Prize) (عام 2015. [11]
وقد سبق (لبيرتا كاسيريس Berta Caceres) أن تلقت تهديدات بالقتل، لوقوفها ضد تأسيس أكبر مشاريع السدود في بلادها، وجهت لها تّهمة تحريض السّكّان الأصليّين على إلحاق أضرار مادّيّة بممتلكات شركة ”ديسا“. وحسب رفاقها فالسّلطات في هندوراس لا تريدُ اعتقالها فحسب، بل تريد إنهاء حياتها وتصفيتها جسديا كما فعلت مع مناضلين آخرين من شعب اللنكا.
اغتيلت بيرتا كاسيريس رمياً بالرصاص في منزلها يوم الخميس 3 مارس 2016 في بلدة اسبيرانزا La Esperanza) (، في مقاطعة انتيبوكا، غرب هندوراس.
وحل بالهندوراس يوم، 16 مارس 2016، ممثلون عن عدة شبكات اجتماعية من مختلف بقاع العالم في إطار البعثة الدولية «العدالة لبيرتا كاسيريسJUSTICE POUR BERTA CÁCERES»[12]. احتجاجا على اغتيال بيرتا كاسيريس وتضامنا مع غوستافو كاسترو Gustavo Castro، الذي أصيب خلال الهجوم على بيرتا، والذي مازال موقوفا من طرف سلطات الهندوراس على الرغم من أنه قد جرى أخذ أقواله في عدة مناسبات.
أدانت عدة منظمات عالمية بيئية وحركات اجتماعية معادية للرأسمالية اغتيال برتا كاسيريس ،واعتبرت المسيرة العالمية للنساء(MMF) ما وقع جريمة مشتركة بين الجيش الهندوراسي والشركات الرأسمالية التي تعارض “برتا “مصالحها.[13]
رحلت برتا عاشقة الانهار والمياه وقد قالت ذات يوم ” يجب أن نأخذ هذا النضال إلى جميع بقاع العالم، أينما كنا، لأنه ليس لدينا كوكب آخر أو بديل يمكننا أن نذهب إليه، لدينا فقط هذا الكوكب الذي نعيش فيه، وعلينا أن نقوم بواجبنا تجاهه”.
حسن اكرويض(اطاك المغرب)
[1] – تعتمد الهندوراس في مجالها الفلاحي على الانهار في زراعة الموز والبن التبغ اضافة الى فواكه اخرى استوائية
[2] – تضم ثلة من الباحثين و أساتذة جامعيين، حقوقيين نقابيين، مناضلات نسوانيات …
[3] – للإشارة فشركة ”ديسا DISA “ تلقت مساندة من طرف بنك امريكا الوسطى للإدماج الاقتصادي(BCIE) ومؤسسات مالية دولية اخرى وتدعي الشركة في الاعلام الرسمي أن إقامة السد تحظى بموافقة معظم سكّان النّهر الأبيض .
[4] – تم الانقلاب على الرئيس خوسي مانويل زيلاياManuel Zelaya الدي يقترب انداك من ثكثل يسار امريكا خصوص بعد انضمامه الى تحالف البديل البوليفاري في 2008 ALBA) (
[5] – راجع الرابط التالي : http://www.franceameriquelatine.org/au-honduras-les-assassinats-de-militants-ecologistes-se-multiplient /
[6] – تمثيل 44.3 ٪ من PIB حسب البنك الدولي .راجع كدلك: http://cadtm.org/Honduras-Pourquoi-le-coup-d- Etatفمجموعة من المنظمات الغير الحكومية تناضل ضد المديونية وجشع المؤسسات المالية الدولية التي تفتح صنبور الديون لصالح النظام الاوليغارشي العسكري بالهندوراس.
7– موقع لوموند الفرنسيhttp://www.lemonde.fr/planete/article/2016/03/10/le-meurtre-d-une-ecologiste-au-honduras-suscite-l-indignation-internationale_4880808_3244.html
[8] – جاء في اعلان الامم المتحدة بشان حقوق الشعوب الاصلية المعتمد سنة 2007 في المادة 29 ” للشعوب الاصلية الحق في حفظ وحماية البيئة والقدرة الانتاجية لأراضيها او اقليميها ومواردها. وعلى الدول ان تضع وتنفذ برامج لمساعدة الشعوب الاصلية في تدبير الحفظ والحماية هذه دونما تمييز”.
[9] – وسعت برتا ورفاقها حملتها امميا ونالت دعما لا مشروط من حركة اصدقاء الارض في جبال التشيباس بالمكسيك.
[10] _ راجع اعلان الامم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الاصلية المعتمد سنة 2007
[11] – http://www.franceameriquelatine.org/au-honduras-les-assassinats-de-militants-ecologistes-se-multiplient/
[12] – شارك في هده البعثة ممثل البرلمان الاوروبي عن حزب بوديموس وشخصيات اروبية وامريكية المدافعة عن العدالة الاجتماعية والمناخية.
[13] – بيان المسيرة العالمية للنساء بشان اغتيال برتا كاسريس