إن النضال ضد الهجوم على مكسب التقاعد لابد أن يترافق
مع النضال من أجل إلغاء الديون العمومية
أزيكي عمر[1]
تنفيذ الهجوم على مكسب تقاعد الموظفين والموظفات وشيك جدا
صار تنفيذ الهجوم على مكاسب أنظمة التقاعد بالمغرب[2] وشيكا جدا. فصندوق النقد الدولي يضغط بقوة ويتابع عن كثب منذ أزيد من ثلاث سنوات مراحل هذا التدمير، بعد أن جعل من تفكيك أنظمة التقاعد شرطا ضروريا للاستفادة من خط الاحتياط والسيولة. وكان البنك العالمي قد سبقه في ذلك بعد أن دفع بالدراسات الأولى[3] في سنة 1997 لمجمل صناديق التقاعد بالمغرب، وأشرف مذاك على جميع مراحل الإعداد التقني، وتوريط المنظمات النقابية في منهجيته عبر إرساء اللجنتين الوطنية والتقنية المكلفتين بإصلاح أنظمة التقاعد[4]، وتكثيف الحملة الإعلامية لتهييئ الرأي العام لتمرير الهجوم.
وبعد الفاصل الذي شكله بروز حركة 20 فبراير في سنة 2011 التي أرغمت الحاكمين على تنازلات لصالح الطبقة العاملة وتأجيل الهجومات على المكاسب، استأنفت الحملة ضد التقاعد مع صعود حكومة بنكيران كأداة تنفيذ مباشرة، بلون “إسلامي” هذه المرة، لما تمليه المؤسسات المالية الدولية والقصر، وسُخرت من جديد جميع مؤسسات الدولة للتهويل من عجز أنظمة التقاعد[5]، وأدوات الإعلام والصحافة المأجورة، واللجنتين الوطنية والتقنية لإصلاح التقاعد[6]. وهذا ما مهد الطريق وزاد من إصرار الحكومة بإيعاز من الملك[7] على تطبيق مخطط ضرب مكاسب التقاعد مع نهاية هذه السنة كأبعد تقدير وفق التزاماتها مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. لقد تبين لجميع هؤلاء أن ميزان القوى الحالي بعد انتكاسة حركة 20 فبراير والسياق الدولي والجهوي يمنحان الفرصة المواتية لتمرير الهجوم.
خطة البنك العالمي للإجهاز على نظام التوزيع التضامني للتقاعد
لن ندخل هنا في تفاصيل دحض مختلف تبريرات ومزاعم الدولة ومؤسساتها، ونحيل هنا على عديد من الجهود الجدية لتفكيكها[8]. ما نريد التأكيد عليه بالأحرى هو أن جميع هذه الدراسات، والمناظرات، والأيام الدراسية، والاجتماعات، والأسفار، على مدى أكثر من 10 سنوات تطلبت أموالا باهضة[9] صرفت من ميزانية الدولة لنصل إلى نتيجة معروفة سلفا كان البنك العالمي قد حددها منذ بداية التسعينات (1994). إنها استراتيجية الدعائم الثلاث:
الدعامة الأولى، قائمة على نظام التوزيع التضامني الذي يمنح حق التقاعد القانوني للأجراء والموظفين وتموله الاقتطاعات على الأجور (مكسب الحماية الاجتماعية). وهذه الدعامة يجب تقليص حجمها بشكل كبير.
الدعامة الثانية تكميلية قائمة على نظام الرسملة (أي أن التقاعد يأتي من مردودية توظيفات أموال الادخارات) تسيره مجموعات مالية خاصة. يجب توسيع هذه الدعامة وتعميم إجباريتها.
والدعامة الثالثة اختيارية وفردية مبنية على رسملة صافية تسيره أيضا مجموعات مالية خاصة (تأمينات وبنوك). يجب تشجيع هذه الدعامة الثالثة أكثر بإعفاءات ضريبية.
وتترافق هذه الاستراتيجية لضرب نظام التوزيع التضامني مع رفع السن القانوني للخروج إلى التقاعد وتخفيض معاشات التقاعد، وذلك لدفع الأجراء والموظفين إلى البحث عن معاشات تكميلية بالرسملة.
الأزمة الرأسمالية كذريعة لاستهداف نظام الحماية الاجتماعية
إن نظام الحماية الاجتماعية باعتباره توزيعا لقسم غير مباشر من الأجرة يعد مكسبا للطبقة العاملة فرضته موازين القوى لما بعد الحرب العالمية الثانية. لكن الهجوم النيو-ليبرالي المعمم الذي تلا أزمة الرأسمالية في أواسط السبعينات سيجعله هدفا إلى جانب الأجور المباشرة من أجل تدعيم هامش ربح الرأسماليين. بدأ ذلك الهجوم بشكل حاد في الولايات المتحدة الأمريكية (ريغان) وبريطانيا (تاتشر) مع بداية 1980، وفي بلدان العالم الثالث مع برامج التقويم الهيكلي 1980-1990 التي نتجت عن أزمة الديون، وفي البلدان الشرقية التي تعرضت بدورها لسلسلة من البرامج التقشفية العنيفة منذ سنوات 1990. وجاءت الأزمة الرأسمالية 2007-2008 لتشكل ذريعة تسريع نفس هذه الهجومات على مكاسب الأجراء وخاصة في البلدان الأوربية في إطار حرب شاملة يشنها الرأسمال ضد العمل بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. ونرى في اليونان كيف أن تقليص معاشات التقاعد يشكل إحدى ركائز خطط الترويكا (المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي) لحل الأزمة المالية وتسديد الديون. وفي هذا السياق العام، تندرج خطة الدولة المغربية والبنك العالمي وصندوق النقد الدولي لضرب مكسب التقاعد.
الموظفات والموظفون هم الضحايا المباشرين في مرحلة أولى
تتلخص التعديلات القانونية لــ “الإصلاح المقياسي” لمعاشات التقاعد المدنية الخاصة بموظفي الدولة الرسميين والجماعات المحلية التي يديرها الصندوق المغربي للتقاعد، والتي تعد خطوة أولى نحو تدمير هيكلي لأنظمة التقاعد التضامنية، فيما يلي:
– رفع سن التقاعد بشكل تدريجي إلى 62 سنة إلى 65 سنة.
– الزيادة في الاقتطاعات في الرواتب من 10% حاليا إلى 14% مقسمة على سنتين ابتداء من 2015.
– الاعتماد التدريجي، على مدى 4 سنوات، للراتب السنوي المتوسط خلال 8 سنوات الأخيرة عوض آخر راتب حاليا.
– تخفيض نسبة الأقساط السنوية لاحتساب المعاش، من 2,5% إلى 2% بالنسبة للتقاعد العادي، ومن 2% إلى 1,5% بالنسبة للتقاعد النسبي.
– رفع المدة الأدنى لطلب التقاعد النسبي إلى 26 سنة عوض 21 سنة للموظف، و20 سنة عوض 15 سنة للموظفة حاليا.
هذه هي إذن العناصر الرئيسية لتدمير المكاسب التاريخية للموظفين/ات والمستخدمين في مجال التقاعد، والتي يصفها النقابيون والنقابيات بــ “الثالوث الملعون” المتمثل في اقتطاع نسبة أكبر من الأجور والرواتب، مع مدة عمل أطول، مقابل معاش منخفض. وسيكون لهذا التدمير تبعات مباشرة على الراتب الصافي للموظف الذي سينخفض ما بين 140 حتى 2.100 درهم في الشهر، وعلى معاش التقاعد الذي سينخفض بنسبة 30% في فترة من عمرهم تزيد فيها مصاريف المرض[10]. وسيلزم مزيدا من العمر للحصول على تقاعد هزيل. وهذا ما سيدفع بالموظفين والموظفات، كما أشرنا سابقا، إلى البحث عن معاشات تكميلية في نظام الرسملة. وهكذا تنفذ بشكل تدريجي خطة البنك العالمي وصندوق الدولي وخدامه المحليين لتعميم رسملة التقاعد وتفكيك نظام التوزيع التضامني.
بعض الأسباب الرئيسية التي شكلت ذريعة لاستهداف نظام المعاشات الموظفين/ت بشكل خاص
فصلت بعض المنظمات النقابية المكافحة[11] الأسباب التي أوصلت بشكل خاص نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد إلى الأزمة التي شكلت ذريعة لاستهدافه بشكل مباشر حاليا. ويمكن تلخيصها كالتالي:
– عدم اداء الدولة كمشغل خلال فترة 40 سنة للمساهمات القانونية المتوجبة عليها.
– سوء تدبير الصندوق المغربي للتقاعد، واستشراء الفساد والنهب فيه كمؤسسة عمومية، واستعمال أموال الصندوق في توظيفات مالية مضارباتية. فقد بلغت التوظيفات التي قامت بها الصناديق الثلاث[12] (الصندوق الوطني للتقاعد، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، والصندوق المهني المغربي للتقاعد) 207,76 مليار درهم وسجلت ارتفاع سنويا بمعدل 6,7% في الست سنوات الأخيرة[13]. ونشير هنا إلى أن هذه الأموال تسيل لعاب المجموعات المالية والبنوك وشركات التأمين الخاصة التي تضغط بشكل كبير أيضا نحو رسملة أنظمة التقاعد.
– استعمال جزء من موارد نظام المعاشات المدنية ولمدة طويلة لحل أزمة نظام المعاشات العسكرية[14] للصندوق المغربي للتقاعد.
– تجميد التوظيف الذي أدى إلى تنامي عدد الموظفين/ات المحالين على التقاعد، في حين أن عدد الموظفين/ات الجدد ظل في تقلص مستمر استجابة لإملاءات البنك العالمي.
– المغادرة الطوعية لعبت بدورها دورا تخريبيا من خلال تكاثر عدد المتقاعدين/ات وتقلص عدد الموظفين/ات النشيطين دون الحديث عن التكاليف الباهظة لتعويضات المغادرة وعن افتقاد قطاعات حيوية كالصحة والتعليم لكفاءات عالية لم يتم تعويضها حتى الآن.
تعود المسؤولية المباشرة إذن إلى الدولة التي تطبق سياسات نيو-ليبرالية نتج عنها تقليص عدد الموظفين وتخفيض الأجور وتوسيع البطالة. لذا يجب القطع مع سياسات التقشف واعتماد سياسة تشغيل واسعة لتوسيع قاعدة انظمة التقاعد.
لا يمكن تقليص العجز العمومي الهيكلي دون إلغاء المديونية
من بين الذرائع الأخرى التي يرتكز عليها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي لتسريع الهجوم على أنظمة التقاعد هي تقليص العجز العمومي. وهذا ما نجده في توصياتهما لفرض”مسار تقشفي” مرتكز على تقليص نفقات الدولة عبر تقليص كتلة الأجور (المباشرة وغير المباشرة)، وتفكيك نظام المقاصة، وخفض أو تجميد ميزانيات القطاعات الاجتماعية[15].
إن العجز العمومي الهيكلي لميزانية الدولة يعود إلى مختلف الإعفاءات والتحفيزات الضريبية لصالح الرأسماليين الكبار، والتهرب الضريبي، وتهريب الرساميل، إلخ. كما يعود إلى ثقل المديونية التي تمتص بشكل مباشر قسطا هائلا من موارد الدولة لأداء خدمة الدين التي بلغت 163 مليار درهم سنة 2013 مقابل 98 مليار لنفقات الموظفين. فلابد إذن من إلغاء الديون العمومية والقطع مع إملاءات المؤسسات المالية الدولية.
إن النضال ضد الهجوم على مكسب التقاعد لابد أن يترافق مع النضال من أجل إلغاء الديون. وعلى هذا الأساس يجب أن تتوحد معارك جميع منظمات النضال من نقابات وجمعيات وحركات يسارية لصد التعديات، ومن أجل برنامج بديل شعبي للتدبير الرأسمالي الذي يريد أن يحمل أعباء الأزمة إلى الطبقة العاملة والفئات الشعبية. وللمساهمة في هذا التوحيد تطرح أطاك المغرب تدقيق الديون كمطلب ديمقراطي مرتكز على التعبئة الاجتماعية. فمن حقنا كشعب أن نسائل حكامنا على هذه الديون العمومية التي تفرض علينا جميع هذه التدابير المدمرة لمكاسبنا وتحكم علينا بالتخلف والفقر والبطالة.
04 غشت 2015
الصندوق المغربي للتقاعد (CMR): الموظفون المرسمون للدولة (مدنيون وعسكريون) والجماعات المحلية،
النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR): مستخدمو المؤسسات العمومية،
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS): أجراء القطاع الخاص،
الصندوق المهني المغربي للتقاعد (CIMR): نظام تكميلي اختياري لفائدة أجراء القطاع الخاص.
[3] – تسمى الأكتوارية، وهي تطبق حساب الاحصاء والاحتمالات على التأمينات وانظمة الاحتياط. [4] – تتكون اللجنة الوطنية، التي تأسست في 2004، من الأمناء العامين للمركزيات النقابية الخمس الأكثر تمثيلا (الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد الوطني للشغل)، ورئيس نقابة أرباب العمل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وممثلين عن الوزرات المعنية بهذا الملف (الاقتصاد والمالية، التشغيل والتكوين المهني والوظيفة العمومية وتحديث الإدارة). أما اللجنة التقنية، التي تعمل تحت إشراف اللجنة الوطنية، فتتكون من ممثلين (2) عن كل من المنظمات النقابية وأرباب العمل والقطاعات الحكومية الممثلة في اللجنة الوطنية، وكذا من ممثلين (2) عن كل نظام من أنظمة التقاعد الأربع ذات الطابع العام. [5] – دراسة المندوبية السامية للتخطيط في غشت 2012 بعنوان “استدامة نظام التقاعد بالمغرب”. تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول “منظومة التقاعد بالمغرب، التشخيص ومقترحات الإصلاح”، في يونيو 2013. رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مشروعي قانونين بشأن نظام المعاشات المدنية في أكتوبر 2014. التقرير حول الاستقرار المالي برسم سنة 2014 أصدره في يوليوز 2015 كل من مجلس القيم المنقولة وبنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية، ويتضمن فصلا حول أنظمة التقاعد. [6] – شكلت اللجنتين الوطنية والتقنية وسيلة فعالة لجعل النقابات تبتلع منطق البنك العالمي بصدد العجز التقني وسخاء الأنظمة والنمو الديموغرافي، إلخ، ولم تستوعب جوهر الهجوم الليبرالي على التقاعد الذي يريد ضرب مكسب التوزيع التضامني وتعميم نظام الرسملة، وسقطت في فخ القبول المبدئي للإصلاحات المقياسية (المرتبطة بالمقاييس أو المعايير التي على أساسها سيحتسب المعاش) كخطوة أولى لهذا الهجوم. [7] – في خطابه ليوم 20 غشت 2014: ” كما ينبغي أيضا تعزيز الدور الاستراتيجي للدولة، في الضبط والتنظيم، والإقدام على الإصلاحات الكبرى، لاسيما منها أنظمة التقاعد…”. وفي نفس الخطاب، وجه إلى المنظمات النقابية «عبارات الشكر، على دورها الكبير، في توطيد السلم الاجتماعي”. وهذا عامل رئيسي آخر في قبول النقابات لمخطط تفكيك التقاعد والاستنكاف عن أي تعبئة عمالية ضده حفاظا على “السلم الاجتماعي”. فبعد أسبوع، ستتقدم قيادة الاتحاد المغربي للشغل إلى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمذكرة منفردة عبرت فيها عن نزولها عند طلب الملك، معلنة موافقتها على الإصلاحات المقياسية. [8] – منها خاصة مجهودات جريدة المناضل-ة التي جمعت أهمها في كتاب بعنوان “صندوق المقاصة، والتقاعد، والخدمة العمومية، والإضراب، مكاسب عمالية وشعبية يجب الدفاع عنها”. منشورات المناضل-ة، ماي 2013. [9] – مثلا، تم اسناد إنجاز الدراسة المتعلقة بإصلاح قطاع التقاعد إلى مكتبي الخبرة الفرنسيين (Actuaria – Charles Riley) في إطار طلب عروض مفتوح كلف ما يناهز 8,6 مليون درهم. [10] – مطوية نقابية تحريضية حول الهجوم على التقاعد بعنوان “ماتقيش تقاعدي” أعدها الاتحاد النقابي للموظفين التابع للتوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل. [11] – أساسا الاتحاد النقابي للموظفين التابع للتوجه الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل والجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي. [12] – بالنسبة لأموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فهي تودع بموجب القانون لدى صندوق الإيداع والتدبير. [13] – تقرير مجلس القيم وبنك المغرب ووزارة المالية حول الاستقرار المالي برسم سنة 2014. يوجد بالفرنسية على موقع بنك المغرب. [14] – العسكريون وأفراد القوات المساعدة مدمجون في الصندوق المغربي للتقاعد، وهذا لا يجب أن يكون لأن هذه الفئات لا تنتمي للطبقة العاملة، وبالتالي لا يفترض أن تستفيد من تضامن الشغيلة معها في تحمل معاشاتها. إن الدولة حصرا هي من يجب أن تتحمل معاشات عساكرها. [15] – راجع بيان أطاك المغرب حول تجديد خط الاحتياط والسيولة. 04 غشت 2014. نشرته عديد من المواقع الإلكترونية.