الاتفاقات الاستعماريةالديونالعولمة الرأسماليةحركة عولمة بديلةملفات دراسية

التقشف والتقويم في المغرب : الحكومة تحافظ على ” خط ” صندوق النقد الدولي والمواطن يدفع الثمن

التقشف والتقويم في المغرب.
الحكومة تحافظ على خطصندوق النقد الدولي والمواطن يدفع الثمن.

صلاح الدين المعيزي، مناضل أطاك المغرب[1].

في شهر غشت 2012 ، استغاث المغرب بصندوق النقد الدولي من أجل “الاستفادة” من خط الوقاية و السيولة ( (Ligne de Précaution et de Liquidité بلغ قدره 6,2 مليار دولار، و قد تم تجديد هذا الخط في فبراير 2014 . قدم القرار على أنه “علامة على الثقة” التي تحظى بها الحكومة لدى مؤسسات بروتن وودز. وفي الواقع ، لم تحظ الحكومة بهذه الموافقة إلا بعد انتهاجها لسياسات تقشفية طبقتها منذ أكتوبر 2012. و تعتبر هذه الإجراءات امتدادا لبرنامج التقويم الهيكلي، ويؤدي المواطن المغربي، بما لا يحصى من المرات، الثمن غاليا لهذه المعالجة التقشفية.

يتطرق هذا النص لهذه المسألة من خلال لحظات ثلاث ، أولا عبر تقديم وجيز لخط الوقاية و السيولة ((LPL، ثم الإجراءات المطبقة من طرف الحكومة انصياعا لإملاءات صندوق النقد الدولي و أخيرا سيتم إعطاء أمثلة ملموسة على العواقب المباشرة لهذه الإجراءات.

كل الطرق تؤدي إلى التقشف

مهما يكن من أمر العلاقة مع صندوق النقد الدولي، سواء تمت في إطار خط الوقاية و السيولة، أو في إطار خط الائتمان المرن، أو في إطار أي أداة من أدوات التمويل، فإن الصندوق سيملي نفس السياسات. فخط الاحتياط و السيولة المخصص “للتلاميذ النجباء” ليس إلا وسيلة لإدامة “التقويم”. يرمي هذا الخط إلى ” الاستجابة المرنة جدا لحاجيات السيولة لدى البلدان ذات الأساس الاقتصادي المتين و التي أثبتت جدارتها بتطبيقها لسياسة اقتصادية متبصرة، لكنها تظل مع ذلك معرضة لبعض عوامل الهشاشة و الضعف.

 يستمر خط الوقاية و السيولة ((LPL لمدة 24 شهرا و سينتهي في شهر غشت 2014. و على العكس مما يدعيه وزير المالية و والي بنك المغرب، فإن هذا الخط يخضع لشروط. وبالإضافة إلى المغرب، “يستفيد” كل من الأردن و مقدونيا  من هذه الوسيلة، وتقدم تكلفة ذلك على أنها “غير مكلفة كثيرا”، ذلك أن سعر الفائدة متغير، و مرتبط بالسعر الأساسي ل DTS -عملة صندوق النقد- و هو ما يبلغ 1,13%، ويضاف إلى ذلك عمولة 0.5  % عن كل سحب.

بالمحصلة، تعددت الأسباب و الموت واحد.يعني ذلك، ببساطة، أن الاقتصاد المغربي خاضع لوصايا هذه المؤسسة أو على الأقل لتوجيهاتها.فما خط الوقاية و السيولة ((LPL إلا فخ منصوب للحكومة كما يشرح ذلك نجيب أقصبي: “تتضمن هذه الأداة المشروطة من الآن فصاعدا طابقين، لأن التوفر على خط الوقاية و السيولة ((LPL لا يعني أنه يمكن للحكومة استخدامه متى تشاء وكما تريد. ففي اليوم الذي سوف تحتاج إلى استخدامه، من الواضح أن صندوق النقد الدولي، سيشترط حزمة أخرى من الشروط للسماح بالإفراج عن الأموال، وهذا هو الطابق الثاني“.

النتيجة : يحل لدينا كل ستة أشهر طاقم من موظفي صندوق النقد الدولي لمراقبة المالية العمومية مصحوبا بحقيبة إصلاحات جاهزة.

فوائدشراكة دوفيل   

ابتداء من نهاية عام  ، 2012 وعلى الرغم من خطابات المسؤولين المغاربة المطمئنة ، غرقت البلاد في برنامج  التقويم الخادع. في   هذا الجزء، فإن إعادة النظر في التدابير، التي جرى أو يجري تنفيذها، من قبل الحكومة في إطار اتفاقها هو أمر مشروط بموافقة صندوق النقد الدولي.

قبل الحكم على هذا البرنامج التقشفي، من المفيد إبداء ملاحظتين. أولا، التدابير المطبقة في المغرب مماثلة تماما لتلك التي يجري تطبيقها في عدة بلدان بدءًا من  تونس وصولا إلى اليمن، مرورا بمصر والسودان والأردن. “تستفيد” هذه البلدان من شراكة دوفيل، باسم اجتماع للثمانية الكبار G8 المنعقد في شهر ماي2011 ، في أعقاب ربيع الشعوب. وهذا يدل على دوغمائية صندوق النقد الدولي، الذي لا يتردد في تطبيق نفس الإصلاحات في بلدان ذات سياقات اقتصادية و اجتماعية شديدة الاختلاف.

ثانيا، من الأكيد أننا أمام “إستراتيجية الصدمة”، و بصفة خاصة في مصر. فإرغام الحكومات على المضي قدما في إصلاحات مؤلمة  اجتماعيا في هذه الفترة المضطربة، هو من دون شك إستراتيجية الصدمة من طرف صندوق النقد الدولي، وإليكم الخطوط العريضة لهذه الإستراتيجية التي يجري تطبيقها بالمغرب:

  1. 1.     تفكيك نظام دعم المنتوجات الغذائية والبترولية (صندوق المقاصة) واستبدالها بمساعدات مباشرة. بات هذا الشرط القديم لصندوق النقد الدولي، مطروحا من جديد على طاولة الحكومة. و  يتم العمل على تطوير الدراسات والسيناريوهات من قبل البنك الدولي للانتقال إلى “سرعة قصوى”. نذكر أن تفكيك جزء من هذا النظام كان، في الأصل، وراء اندلاع الانتفاضات الشعبية سنة 1981 بالمغرب. وقد  أدى هذا النوع من التدابير مؤخرا إلى تمردات في اليمن والسودان والأردن.  
  2. المصادقة على القانون التنظيمي للمالية. سيرسي هذا القانون قواعد انضباط صارم في الميزانية،  وهو مبدأ موجود أساسا في الدستور )المادة (66. كان مشروع القانون هذا مجمدا منذ سنوات داخل المسار التشريعي، وهو الآن قيد المناقشة في الغرفة الأولى من البرلمان ، بعد ما تم اعادة اطلاقه.
  3. إصلاح صناديق التقاعد.يجري الإعداد للانتقال إلى التقاعد عن 65 سنة، و الرفع من مساهمات الأجراء،إلخ…وفضلا عن ذلك،  قدم المجلس الأعلى للحسابات تقريرا عن إصلاح نظام التقاعد، يتضمن سيناريوهات كارثية.
  4. 4.     استعادة التوازنات الماكرو اقتصادية العزيزة على صندوق النقد الدولي. احتواء التضخم، وتقليص العجز إلى أقل من 3٪ بحلول عام 2016 .

وصفة مغربية من صنع صندوق النقد الدولي

حرص الحكومة على “كسب ثقة الأسواق” جعلها تنفذ بسرعة هذا البرنامج، غير عابئة بالثمن.

الإجراء الأول: قررت الحكومة الزيادة مرتين في أسعار البنزين والديزل في يونيو 2012 و شتنبر2013 . تسبب هذا القرار آليا في غلاء أسعار المواد الغذائية و كذا أسعار النقل ( سيارات الأجرة، النقل سواء بين المدن أو القرى).

وبما أن الحكومة لم تتمكن، في عام 2013، من تحقيق الأهداف التي وضعها صندوق النقد الدولي في ما يتعلق بمستوى العجز في الميزانية؛ فقد قررت حذف 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار[2]  . وقد كان لهذا الإجراء التقشفي تأثير حقيقي على الطلب العمومي commande publique. تشعر الاسر بعد هذا القرار، وكذا أرباب العمل، بالقلق من الوضع الاقتصادي. ومع ذلك، فالبدائل موجودة. فقد كان بمستطاع السلطة التنفيذية، على سبيل المثال، إيقاف سداد الديون الداخلية أو الخارجية في العام 2013 لحين تدقيق الدين العمومي . وهو باب التهم 105,8 مليار درهم سنة 2012. الأسواق و دركيوها (صندوق النقد الدولي) يراقبوننا… !

هناك مقترح بديل آخر. يمكن تقليص  أو حذف الهدايا و الإعفاءات الضريبية الممنوحة في غالبيتها لشركات القطاع الخاص التي بلغت36  مليار درهم. إساءة إضافية ل”الأسواق” لأرباب العمل!

الإجراء الثالث: إن إقرار نظام المقايسة على أسعار الدييزل و البنزين و الوقود الصناعي حسب تقلبات أسعار السلع  في الأسواق  العالمية. هذا النظام الذي تم تطبيقه بين عامي 1995 و2000  تمت إعادة تفعيله و تنشيطه، في شهر غشت  2013. وهو نظام يسمح  للدولة بتقليص دعمها السنوي المخصص لأسعار هذه المنتوجات. ذلك أن كل زيادة في الأسعار يتم تحميلها للمستهلكين. وقد تم الإعلان عن هذا الإجراء، كإجراء” جزئي” و “محدود”. بيد أن السنة الجارية تبين أنه على العكس تماما، إنه إجراء دائم و مستديم. ليس نظام المقايسة إلا مرحلة من مراحل تفكيك صندوق المقاصة.

لقد  انتقد هذا القرار من داخل الدولة نفسها. إذ تقدر المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة عمومية مكلفة بالإحصائيات “إن تخفيض التعويضات عن المنتوجات البترولية من شأنه تحسين توازن ميزانية الدولة، لكن في آن ذاته من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار المحلية وانخفاض الطلب الداخلي.لذلك، علينا أن نتوقع انخفاضا في الناتج الداخلي الخام”.

قانون المالية التقشفي

للوفاء بالتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي، عمدت الحكومة إلى وضع قانون تقشفي للمالية 2014. وعلى العكس من خطابه الشعبوي، لم يتردد رئيس الحكومة في تحميل الأسر ثمن الأزمة المزمنة للاقتصاد المغربي.

أ‌.        الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة على السلع الأساسية على النحو التالي:

من 14إلى 20٪ على الزبدة وزيوت المائدة والشاي.

من 10إلى 20٪ على السكر والأرز والملح وأسعار الحمامات الشعبية.

من 7إلى 10٪ على السكر المصفى ، والسردين المعلب، والمعجنات، والمعدات الزراعية والأعلاف الحيوانية وأسعار المطاعم ، ونقل المسافرين والبضائع.

 

ب‌.    تقليص مناصب الشغل ب 30٪

 

       تم حذف 6000 منصب شغل مقارنة مع السنة الماضية من المناصب المخصصة في الميزانية. في الوقت الذي تحتاج فيه القطاعات الاجتماعية إلى مناصب موارد بشرية هائلة. هذا النزوع نحو تقليص التشغيل القطاع العام ما فتئ يزداد منذ ثلاث سنوات.ففي سنة 2012 تم خلق 26200 منصب، وسنة2013 ، 24960 منصب، وفي سنة 2014 بالكاد 18000 منصب.   

ت‌.    تخفيض ميزانية الاستثمار العمومي ب 16٪

 

بعد الحذف العشوائي ل 15 مليار درهم في ماي 2013، تواصل السلطة التنفيذية خفضها لميزانية الاستثمار، إذ قلصتها ب 16٪ . وهكذا تراجعت هذه الميزانية من 58,9 إلى 49,5  مليار درهم .

تؤثر هذه التدابير سلبا على برامج القطاعات  الاجتماعية، وهي القطاعات التي يدعو صندوق النقد الدولي لتعزيزها عبر خلق ما يسميه ب “شبكات الحماية الاجتماعية” للتخفيف من أثر تفكيك نظام دعم الأسعار. مثالا القطاع الصحي و إدارة السجون يوضحان ذلك بجلاء.

 

التقشف و الصحة

تقلصت ميزانية الاستثمار في الصحة سنة 2014 بنسبة 25٪. في الوقت الذي يسعى فيه وزيرها للترويج لحملة تغطيته الصحية لفائدة الفقراء التي انطلقت في 2012. الوسائل الموضوعة تحت تصرفها غير كافية. على سبيل المثال: فقد تراجعت مناصب الشغل المخصصة للصحة ب 300منصب شغل.

النتيجة: أنه تم ببساطة حذف مباراة الأطباء الداخليين في المراكز الاستشفائية الجامعية .وطلب من 700 طبيب مكون في كليات الطب البحث عن منصب شغل في القطاع الخاص. نحن أمام دولة ترفض توظيف أطباء هي التي كونتهم، في حين أن بلدنا يعاني من نقص حاد في الموظفين الطبيين وشبه الطبيين. و فوق ذلك كله، شهد هذا القطاع إحالة 1200 شخص على التقاعد سنة 2013.

 

التقشف وإدارة السجون

سيتحمل السجناء العبء الأكبر من سياسة التقشف. فعلاوة عن قضائهم لعقوباتهم في ظروف لا إنسانية، يشدد قانون مالية 2014 الخناق، بالحكم عليهم بالموت جوعا. ذاك أن ميزانية الإدارة العامة للسجون و إعادة الإدماج، ستتقلص بنسبة 60 ٪ فحتى ميزانية التسيير لم تنج من التقليص.هكذا تم تخفيض متوسط التغذية اليومي للسجين، الذي هو أصلا دون مستوى المعايير الدولية من 12 إلى 11 درهم للسجين الواحد. كما تم أيضا تقليص متوسط المساحة الخاصة بكل سجين لتتراجع من مترين مربعين لكل معتقل ((2m² إلى متر واحد و 67 سنتمتر ((1.67m²

يمكن أن نعدد، أمثلة كثيرة، من قطاعات اجتماعية متضررة من التخفيضات في الميزانية … إن الوضع يبعث على القلق الشديد .

هذا في الوقت الذي لا تتوانى فيه الحكومة التي يقودها إسلاميو حزب العدالة و التنمية،عن فعل أي شيء لإرضاء  القصر والدائنين في الداخل والخارج و خدامهم (صندوق النقد الدولي و البنك العالمي). تقدم هذه الحكومة هدايا غير متوقعة لأرباب العمل وتحكم على المواطنين ببرنامج جديد للتقويم الهيكلي، نحس منذ الآن بعواقبه على القدرة الشرائية للموطنين. وسيتم الإحساس بأضراره أكثر فأكثر في السنوات المقبلة. إن التأخر الهائل في القطاعات الاجتماعية لن يكف عن التفاقم. وبعد كل هذه السياسات التراجعية المشار إليها في هذا النص، تندهش الدولة من كون المغرب يقبع في المرتبة 130 حسب مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD)، بالنسبة للشعب، يكفي أن نفتح عيوننا لنرى، أنه التقشف على طول خط صندوق النقد الدولي.

ص. المعيزي، أطاك المغرب
ترجمه من الفرنسية إلى العربية خليل صدقي (أطاك أسفي)


[1] نص مداخلة خلال الجامعة الإفريقية الأولى للشبكة الدولية من أجل إلغاء ديون العالم الثالث التي نظمت بتونس من 21 الى 23 مارس 2014

[2] لتفاصيل أكثر حول هذا القرار أنظر:أبراهيم أوباها، قرار إلغاء 15 مليار من ميزانية الاستثمار انعطاف جديد في احتداد أزمة الخيارات النيوليبرالية بالمغرب

الرئيسية

زر الذهاب إلى الأعلى