الديون

لماذا يضرب الطلبة الممرضون؟ ولماذا يجب أن تنظم إليهم باقي فئات الشغيلة الصحية؟

لماذا يضرب الطلبة الممرضون؟

ولماذا يجب أن تنظم إليهم باقي فئات الشغيلة الصحية؟

 

  1. I.                    هجوم نيوليبرالي شامل على الخدمات العمومية: 

 

  في سياق الهجوم الشرس والشامل للمؤسسات المالية العالمية على حقوق ومكتسبات عقود من النضال والكفاح ،تجري الآن أكبر عملية تفكيك للخدمات الاجتماعية بما هي خدمات عمومية لكل الأجيال، الحالية والقادمة،لها الحق في الاستفادة منها مجانا وبجودة عالية.  لا يسلم قطاع الصحة من هذا الهجوم البشع، ويتمثل منطق استهداف صحة المواطنين في تقليص دور الدولة في تمويل القطاع و التقشف إلى اقصى ما يمكن في الميزانيات المخصصة له وتحويل معاناة المرضى إلى سلعة تتنافس عليها الشركات المتعددة الجنسيات، فلا غرابة أن نجد مثلا في المستقبل القريب المستشفى الجامعي ابن رشد تسيره شركة نستلي أو فيفاندي. إنه استعمار جديد.

    يستند هذا الهجوم الرأسمالي على قطاع الصحة والخدمات الاجتماعية بصفة عامة على ترسانة من القوانين والاتفاقيات الدولية (الاتفاقية العامة للاتجار في الخدمات AGCS ، اتفاقية التبادل الحر تحت رعاية منظمة التجارة العالمية OMC و البنك العالمي BM و صندوق النقد الدولي FMI  …).

 تهدف هذه الهجمة بشكل عام إلى إلغاء ما تبقى من مجانية الخدمات الصحية العمومية وفتح الباب أمام القطاع الخاص للاتجار في صحة المواطنين.

 

  1. II.                    قطاع الصحة بالمغرب: قطاع مريض بدأ يتعفن.

 

   يعاني قطاع الصحة بالمغرب من مرض عضال ناتج على السياسات النيوليبرالية المنتهجة من طرف النظام الحاكم والمطبقة من طرف الحكومات المتعاقبة، فرغم مرور ستين سنة تقريبا على استقلاله الشكلي، مازال المغرب يحتل الرتب الدنيا في التنمية البشرية (احتل المغرب المرتبة 130 سنة 2011 عالميا من أصل 181 دولة و 15 عربيا من أصل 20 دولة). إن التبعية المطلقة والتطبيق الحرفي لتوصيات المؤسسات المالية العالمية هي من أوصلت قطاع الصحة بالمغرب إلى هذه الدرجة من التعفن التي لم يعد ينفع معه علاج سوى التدخل الجراحي.

 

الدول

المغرب

تونس

مصر

لبنان

السنوات

2000

2011

2000

2011

2000

2011

2000

2011

الميزانيات المخصصة لقطاع  الصحة بالنسبة ل PIB

4,2

5,2

6

6,2

5,4

4,8

10,7

7

نسبة وفيات لأطفال لكل  1000 طفل (أقل من 5 سنوات)

53

33

30

16

44

21

19

9

نسبة وفيات الأمهات أثناء الحمل لكل 100000 امرأة

170

100

84

56

100

66

38

25

عدد المصابين بداء السل لكل 100000 مواطن

109

91

24

25

26

18

17

15

المصدر: تقارير البنك الدولي على الانترنيت

 

v      رغم التقدم الحاصل في مجموعة من المؤشرات فالقطاع الصحي بالمغرب مازال بعيدا عن تلبية حاجيات المواطنين.

      فحسب تقرير لوزير الصحة المغربي الحسين الوردي أمام البرلمان فهناك بالمغرب:

–          عدد المستشفيات  141 بطاقة استيعابية 27326 سرير أي سرير لكل 1000 مواطن (مقابل 2,2 في تونس – و 7 في الدول المتقدمة)

–          مركز صحي لكل 42 ألف مغربي و ربع سكان القرى يبعدون بأكثر من 10 كلم عن أقرب مركز صحي

–          طبيب لكل 1630 مواطن و  ممرض لكل 1109 مواطن

–          نسبة  45% من الأطر الصحية تتمركز بمحور الرباط –الدار البيضاء،اما باقي المناطق فلا حق لها في الاستفادة حتى من ذلك النزر اليسير.

إن هذا الوضع الكارثي لقطاع الصحة ليس قدرا محتوما على المغاربة بل هو ناتج عن تطبيق الوصفات الإمبريالية للمؤسسات المالية العالمية. ففي أوساط التسعينات أوصى البنك الدولي المغرب من أجل تفادي السكتة القلبية الاقتصادية و تسديد ديونه بالانسحاب تدريجيا من تمويل قطاع الصحة وبخفض الميزانية المخصصة لذلك، وفي سنة 1998 نصت استراتيجية البنك الدولي في قطاع الصحة الموجهة للمغرب والتي وافق عليها “على الدولة أن تنسحب من تقديم الخدمات العلاجية وتتركها للخواص”. وفي مارس 1999 صدر المرسوم القاضي بإلغاء مجانية الخدمات الصحية، وسنة 2004 سيصدر قرار مشترك بين وزير الصحة ووزير المالية يقضي بالزيادة في تسعيرة الخدمات العلاجية والصحية. وبناءا عليه فالإستشارة الطبيبة تتراوح بين 40 درهما و60 درهما دون احتساب سعر الكشوفات سواء بالأشعة أو التحاليل الدموية التي تفوق في غالب الأحيان 100 درهم، بالإضافة إلى أن ثمن غرفة من سريرين بالمستشفى يعادل ثمنها غرفة بفندق مصنف من ثلاث نجوم. وما نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض إلا حلقة أخرى من مسلسل تدمير الخدمات الصحية. (أنظر جريدة المناضلة 26 يونيو 2010 -31 دجنبر 2010).

      أمام هذا الوضع فالكادح المغربي يعاني الأمرين، إما اللجوء إلى المصحات الخاصة حيث الأثمان باهظة أو اللجوء إلى المستشفيات العمومية التي لم تعد مجانية وحيث انتشار الفساد ولعنة المواعيد الطويلة، وتردي الخدمات وضعف التجهيزات ونقص الأطر…).

 

  1. III.            نضال الطلبة الممرضين: نضال في جوهره ضد خصخصة الصحة.

 

يخوض طلبة معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي (الطلبة الممرضين) معارك بطولية تحت لواء التنسيقية الوطنية منذ أزيد من شهرين احتجاجا على قرار لوزير الصحة يسمح لطلبة المعاهد الخاصة باجتياز مباراة ولوج الوظيفة العمومية، وتتمثل هذه المعارك في:

  • مقاطعة شاملة للدروس والتدريب في كل المعاهد.
  • وقفات احتجاجية محلية أمام المندوبيات.
  • وقفات احتجاجية محلية أمام مقرات حزب التقدم والاشتراكية.
  • وقفات احتجاجية محلية أمام مقرات حزب العدالة والتنمية.
  • وقفات احتجاجية واعتصامات جزئية أمام وزارة الصحة.
  • مسيرات وطنية في اتجاه البرلمان.
  • إضرابات عن الطعام (بين 24 ساعة و 48 ساعة).

ما يميز هذه الإضرابات، الدينامية الكبيرة والعدد الكبير (أكثر من 4000 مشارك في إحدى المسيرات الوطنية) وخصوصا النساء والشباب بمختلف ميولاتهم السياسية وانتماءاتهم النقابية.

ويجب الإشارة إلى أن إضرابات الطلبة الممرضين ليست وليدة اللحظة بل تمتد جذورها إلى إضرابات طلبة التمريض لسنة 2007-2008 احتجاجا على قرار التوظيف بالمباراة وإلى المعارك التي خاضتها الشغيلة الصحية (قطاع التمريض) تحت لواء التنسيقية الوطنية ابتداءا من سنة 2011 دفاعا عن ملف مطلبي متمثل أساسا في معادلة شهادة ممرض مجاز من الدولة بإجازة مهنية ، تعديل القانون الأساسي المنظم لمهنة التمريض، العمل بنظام جامعي لتكوين الممرضين (إجازة-ماستر-دكتوراه)  وإعداد هيئة الممرضين.

تعاملت الدولة بنوع من الاستخفاف بمعارك الطلبة الممرضين فتارة بالمنع والقمع وتارة بمحاولة الالتفاف على مطالبهم وجر الطلبة إلى خندق الحوارات العقيمة التي لا تهدف الا لكسب مزيد من الوقت وإرهاق الطلبة وزرع اليأس في صفوفهم.

  1. IV.            القرار الوزاري: حلقة أخرى في مسلسل خصخصة الصحة.

     صادقت الحكومة يوم 6/9/2011 على المرسوم الذي تقدم به وزير الصحة تحت رقم 380-212 لتغيير وتتميم المرسوم رقم 620-206 الخاص بالنظام الأساسي لهيئة الممرضين بوزارة الصحة.

بناء على هذا المرسوم تم تغيير الماد 17 من النظام الأساسي للممرضين قصد السماح لخريجي المدارس الخاصة حاملي تقني متخصص شعب التمريض باجتياز مباراة التوظيف قصد الولوج للوظيفة العمومية ضمن إطار ممرض مجاز من الدولة. ولتمرير قراره هذا اعتمد الوزير على مجموعة من الحجج غير المقنعة غايتها كسب تأييد الرأي العام واتهامه بالتالي لنضالات الطلبة بغير المفهومة. فالوزير أكد أكثر من مرة على أنه لم يتم إلا تطبيق القانون 00.13 وخاصة المادة 33 منه التي تنص على أن الدبلومات المعترف بها من طرف الدولة في مجال التكوين المهني تخول لصاحبها نفس الحقوق المخولة بموجب التشريعات والقوانين الجاري بها العمل لحاملي دبلومات المؤسسات العمومية. وللإشارة فمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي تدخل ضمن لائحة مؤسسات تكوين الأطر العليا، وقد تم الحاق هذه المعاهد بالتعليم العالي ابتداء من سنة 1993. وبالتالي فالاعتماد على القانون 13.00 الخاص بمؤسسات التكوين المهني هو تحايل على القانون.

    الحجة الأخرى التي اعتمد عليها وزير الصحة هي حجة الخصاص المهول وهو حق يراد به باطل، صحيح أن قطاع الصحة يعاني من خصاص كبير في الموارد البشرية يقدر ب 7000 طبيب و9000 ممرض (انظر جريدة ليكونوميست عدد 3839 بتاريخ 2 غشت 2012). لكن الحقيقة هي أن الخصاص المهول في قطاع الصحة ناتج عن ضعف الموارد المالية المرصودة للقطاع وليس غياب الأطر الصحية. فالمناصب المالية التي تخصصها وزارة المالية لقطاع الصحة لا تتجاوز 2000 منصب مالي سنويا تضم كل الفئات هي في حدود 3200 منصب مالي في قانون لمالية 2013 (في المقابل 6400 الداخلية -3000 الدفاع) جميع الفئات(الأطباء، ممرضون، مهندسون، تقنيون…) في حين أن أعداد الممرضين العاطلين خريجي معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي يتجاوز 2550 ممرض عاطل، إذن حجة الخصاص هي حجة ضد سياسة التقشف في ميزانيات الخدمات العمومية.

على سبيل الخلاصة:

      إن قرار الوزير هذا الذي أشعل فتيل نضالات الطلاب ما هو إلا خطوة أخرى في درب خصخصة قطاع الصحة، مسمار آخر في نعش الخدمات الاجتماعية، هدفه الأساسي تسليع قطاع تكوين الأطر الصحية (قطاع التمريض). مما يستدعي فتح نقاش جدي حول الخدمات العمومية. وتوحيد جهود كل القوى الديمقراطية الحق (تنظيمات سياسية، نقابات، جمعيات…) في جبهة اجتماعية للنضال ضد خصخصة الصحة ومن أجل خدمات صحية مجانية وبجودة عالية.

ح.علي

طنجة في 3دجنبر 2012

 

1)       أنظر مقال “كيف يمكن قيادة عربة جاجرنو للاتفاق العام حول تجارة الخدمات”  منشورات مقاومة –أطاك أكادير عدد 12 يوليوز 2003

2)       في وثيقة صادرة عن الاتحاد الأوروبي البرنامج التوجيهي الوطني 2002-2004: “تشكل الإدارة العمومية بالمغرب ثقلا كبيرا على الإقتصاد حيث تمثل كتلة الأجور 13% من PIB… ويتميز التسيير العمومي بالمركزة، وفرط الشكليات، مما يحد من فعالية الإدارة ويزيد من احتمالات الفساد، وبالتالي فهي عائق كبير لتنمية البلد”.

زر الذهاب إلى الأعلى