ملفات دراسية

قانون المالية 2018: الباطرونا تكافئ نفسها

القانون المالي مر في جو من لا مبالاة شبه تامة. النقاش لم يتم لا من طرف الأحزاب، ولا الجمعيات، ولا حتى النقابات ساهمت بانتقادات أو ملاحظات لتطوير المشروع الأولي. و من قام بذلك، كان دافعه تسجيل الموقف لا غير. وحتى نعطي لكل دي حق حقه، ننوه بالدينامية التي أطلقها نائبا فيدرالية اليسار الديمقراطي من خلال مقترحات عملية (وإن كنا لا نتفق مع عدد منها) وقراءة نقدية ومواقف سياسية (الامتناع عن التصويت على ميزانية القصر والدفاع). ماعدا هذا، كان النقاش غير ذي جدوى، ويعكس حال الساحة النضالية والفكرية في المغرب.

الميزانية عنوان أزمة الدولة

القانون المالي ل2018 جاء والمغرب يعيش أزمات متعددة الأوجه: أزمة تدبير حراك الريف، و أزمة الفراغ الحكومي، و أزمة النموذج الاقتصادي الرسمي… في ظل هذا السياق نحن أمام قانون يمدد عمر نفس الإجراءات المعززة للنيولبرالية من خلال تحسين شروط الاستغلال للرأسمال في مقابل التضييق المستمر على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة وخوصصة مستمرة للخدمات العمومية.

مع هذا القانون والجو العام الذي ميز تمريره نكون قد قطعنا شوطا جديدا من انصياع الفاعل السياسي لطلبات الرأسمال المحلي، بل أن درجة اندماج الاثنين في الحقل السياسي جعلت من الباطرونا هي من تعد أهم فقرات القانون المالي.

Made by CGEMقانون  

قانون المالية مليء بالحشو والكلام الرنان حول ” الدعم غير المسبوق للقطاعات الاجتماعية” ولكن في نهاية الأمر أكبر مستفيد من ميزانية 2018 هم رجال الأعمال  الكبار . منذ شهر غشت قامت نقابة الباطرونا بعمل جبار من أجل تنزيل المخطط الرامي لتطبيق إصلاح ضريبي تراجعي جديد خاص بالضريبة على الشركات. أكيد أن عمل الباطرونا كان يتم في ميدان مضمون فكريا وبشريا. أولا، الإدارة الجبائية الكبرى في المغرب مقتنعة بوهم “دعم الاستثمار”. ثانيا، مقترحات الباطرونا تجد دعما غير مشروط من طرف السياسيين من مختلف الأطياف.

وفي 20 أكتوبر قدمت الحكومة بالبرلمان مشروع قانون مالي حافل بالهدايا الضريبية. الحكومة جعلت من  “اتخاذ حزمة من الإجراءات الضريبية لتحفيز الاستثمار” أولية أساسية لمشروع قانون المالية 2018. بناء على ذلك تم اعتماد سلم “تصاعدي” للضريبة على الأرباح على الشكل التالي:

10 % إذا كانت الأرباح أقل من 300 ألف درهم-

20 % إذا كانت الأرباح ما بين 300 ألف إلى مليون درهم-

31 % لما تفوق الأرباح مليون درهم-

هذا التخفيض الجديد في الضريبة على الأرباح سيشكل خسارة للخزينة العامة ولا يشكل بأي حال من الأحوال، إجراء تصاعديا بل هو رجعي في كل الأبعاد. من خلال هذا السلم الجديد ستسمر الشركات في التملص من أداء الضريبة والإعلان عن الخسائر وبالتالي سيبقى 2 في مائة من الشركات هم من يسددون هذه الضريبة.

هذا الانتصار الكبير للباطرونا كان سهلا جدا ولم يكلف نقابة الشركات إلا عدد من اللقاءات مع الحكومة وإدارة الضرائب. في قلب هذه الخريطة الضريبية الجديدة، حضور العديد من رجال الأعمال كوزراء وازنين في الحكومة الحالية. حيث يلعب اليوم وزير كأخنوش، ثالث أغنى رجل في المغرب، دور ممثل الباطرونا من قلب الحكومة.

المثير في الأمر أن الحكومة تكذب على نفسها. فلا أحد أصبح يصدق العبارات  من قبيل: “اعتماد التدابير الموجهة لتحفيز الاستثمار الخاص، يهدف، بالأساس، إلى إعادة الثقة للمستثمرين وتشجيع المقاولات على خلق فرص الشغل للشباب”، الكل اليوم اقتنع أن هذه الاسطوانة مشروخة، الاستثمار العمومي لا يخلق مناصب شغل ذات جودة. والطامة الكبرى أن القطاع الخاص لا يستثمر ولا يشغل ورغم ذلك يستمر في تلقي الإعفاءات والهدايا الضريبية. ما سبق ليس تشخيص حزب معارض، بل هو الخطاب الرسمي الحالي لرئيس الدولة.

انتصارات الباطرونا لم تقتصر على مرحلة إعداد القانون المالي، بل استمرت من داخل البرلمان. حيث  استطاع فريق نقابة الباطرونا (4 نواب) من داخل مجلس المستشارين من إدخال تعديلات مختلفة على النسخة المحالة من طرف مجلس النواب. من بين التعديلات التي مررها هذا الفريق هي إعفاء بنسبة 80 في المائة من نتائج الصناديق الاستثمارية في مجال العقار وكذا اعتماد ضريبة على الدخل تفضيلية لصالح أجراء الشركات التي تتواجد بالقطب المالي لمدينة الدار البيضاء بنسبة 20 في مائة. إجراء صالح لمدة 10 عوض 5 سنوات، كما كان مسبقا. هذه التعديلات كان ثمرة عمل نشيط للفريق النيابي للباطرونا، في الوقت التي ظلت الفرق النيابية للنقابات العمالية تعيش على وقع الجمود النضالي والكسل الفكري والخطابات الفارغة.

الطبقات الشعبية تخسر مجددا معركة القانون المالي. وللإنصاف، هذه المعركة لم تخضها هاته الفئة في ظل تغييبها من طرف من يجب أن يرفعوا راية النضال الشعبي من نقابات، و أحزاب معارضة، وجمعيات نقدية، وأكاديميين نقديين.

وفي الأخير، لنا عبرة فيما تم الحصول عليه من مكتسبات متضمنة في قانون المالية 2018  لصالح منطقة الريف حيث تم تعزيز (أو رفع عن تجميد) جميع ميزانيات المشاريع الخاصة بالمنطقة في جميع المجالات.  سنة من النضالات الشامخة والتضحيات الجسيمة أسفرت عن العديد من المكاسب للساكنة ترجمها القانون المالي الحالي. الحراك الشعبي يؤكد راهنية النضالات الميدانية.

صلاح الدين المعيزي

 عضو أطاك المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى