الاتفاقات الاستعماريةملفات دراسية

استجواب للكاتب العام لاطاك المغرب مع مجلة افاق متوسطية : التبادل الحر يعمق العجز التجاري

 

التبادل الحر يعمق العجز التجاري

 

استجواب كاتب عام جمعية أطاك مع مجلة آفاق متوسطية  Perspectives Med في عددها رقم 107 الصادر في مارس 2016 حول اتفاقيات التبادل الحر ومستتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية على المغرب.

—————————–

يوجد بالمغرب أيضا مناهضو العولمة. وتعد جمعية أطاك المغرب ضمنهم وهي تعتد بخطابها البديل. فهي تعرض حصيلة التبادل الحر مع الأخذ بعين الاعتبار تضليلات الرأسمالي العالمي الذي لا يهمه سوى إنتاج التبعية.

في هذا الاستجواب، يقدم لنا عمر أزيكي الكاتب العام لأطاك المغرب وجهة نظره بشأن مستتبعات اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب وتأثيراتها المختلفة. وهي مقنعة بشكل تام.

 

PERSPECTIVES MED: لماذا تعارض أطاك المغرب اتفاقيات التبادل الحر ؟ 

 

ع. أ : نعتبر في أطاك المغرب هذه الاتفاقيات غير متوازنة. ولسنا وحدنا  من يقول ذلك.  أذكر بالعديد من الدراسات التي أجريت من قبل المؤسسات الرسمية والتي تؤكد بأن اتفاقيات التبادل الحر تعمق العجز التجاري في المغرب. وأظهرت هذه الدراسات، بالأرقام التفصيلية، أن تبادلات المغرب مع مجموعة الدول التي وقعت على هذه الاتفاقات، سواء مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أو تركيا، أو مع الدول العربية (الأردن وتونس ومصر)، أصبحت غير متوازنة على نحو متزايد منذ إبرامها. والأسوأ من ذلك، فالعجز المسجل في إطار اتفاقيات التبادل الحر يفاقم العجز التجاري المغربي الإجمالي.

ربما لهذا السبب علق المسؤولون مؤخرا المفاوضات حول اتفاق التبادل الشامل والعميق العميق (أليكا) مع الاتحاد الأوروبي حتى يمكن تقييم أثرها على الاقتصاد والمجتمع المغربي.

من جانبنا، نحن نرى أيضا أن هذه الاتفاقيات لها آثار سلبية على المجتمع والنسيج الإنتاجي. بحيث تسمح هذه الاتفاقيات بدخول المنتجات المدعمة من الخارج كالولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي الذين يخصصون مبالغ كبيرة لدعم قطاعاتهم الإنتاجية، والتي تباع بأسعار جد منخفضة في أسواقنا، وبالتالي تقويض الإنتاج المحلي أو حتى تدميره. هذا التدمير للنسيج الوطني يزيد من تعميق معدل البطالة بشكل غير مباشر. وهذه هي الأسباب الرئيسية التي تجعل المغرب يخرج خاوي الوفاض من هذه الاتفاقيات.

 

بعد توقيف المفاوضات مع الاتحاد الأوربي، بدأ الحديث داخل الوزارة المكلفة بالتجارة الخارجية عن تغيير في نموذج هذه الاتفاقيات، ما رأيكم؟

 

ع. أ :في الواقع، أظهرت الدراسات الرسمية أن العجز التجاري ارتفع بما يقرب من 212 مليار درهم، وهو رقم يعود إلى عام 2012. وعلى الرغم من أن الدولة قد أوقفت المفاوضات، يجب علينا أن نعرف أن “اتفاق الشراكة الموقعة في عام 2000 لا يزال ساري المفعول (أو جاري به العمل) وأن الاتحاد الأوروبي يسعى الآن لتوقيع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق (أليكا). ويهدف هذا الاتفاق الجديد لتعميق اتفاقية التبادل الحر الموقعة في عام 2000 لتشمل القطاعات التي لم تتطرق لها سابقا مثل: الخدمات والبنوك، إلخ، أي جميع المجالات التي لم تأخذ بعين الاعتبار في الاتفاق القديم.

يعيش المغرب حاليا مشاكل لأن الاتحاد الأوروبي يريد أن يغزو كل القطاعات المربحة. زد على ذلك، أن البلد يتفاوض من موقف ضعف. وإن كان المغرب يرغب في توقيف هده المفاوضات، فهو لازال مجبرا على تسديد ديونه إزاء أوربا بشكل عام وإزاء فرنسا بشكل خاص. وتبقى أوروبا السوق الرئيسية للصادرات الزراعية المغربية. وتلاحظون الضغط المفروض على المغرب لعرقلة ولوج منتجاته إلى السوق الأوروبية.

وتهدد بروكسل بإبطال الاتفاق الفلاحي (القرار الأخير لمحكمة العدل في الاتحاد الأوروبي).  وفي نهاية المطاف، سيقبل المغرب بالشروط المفروضة من قبل الأوروبيين. ويقع نفس الأمر مع تونس. فسياسة الجوار الأوروبية خاصة في شمال أفريقيا، تهدف إلى دمج هذين البلدين ليس كشركاء، وإنما فقط كمجرد أسواق. هذا لاسيما في هذه اللحظة التي يعاني فيها الاتحاد الأوروبي من أزمة ويسعى لإيجاد منافذ وقطاعات مربحة لمستثمريه.

كيف تفسرون استبعاد القطاع الفلاحي من اتفاقيات التبادل الحر الشامل والمعمق- أليكا-؟ أين هي الاتفاقية الشاملة والمعمقة إذن؟

 

ع. أ :هذه نقطة مهمة. يجب أن نعرف أن استبعاد اتفاق الفلاحة يتعارض حتى مع مبادئ منظمة التجارة العالمية التي تقول بأن اتفاقيات التبادل الحر يجب أن تكون متكافئة. خلال المفاوضات في أواخر عام 1994 لإنشاء منظمة التجارة العالمية في مراكش، نجح الاتحاد الاوروبي في استبعاد الاتفاق الفلاحي من اتفاقية التبادل الحر. وبقيت هذه الاتفاقيات مقتصرة منذ البداية على قطاعات الصناعة في حين أن الاتفاقيات الفلاحية تناقش على حدة. وبالعكس، شمل الاتفاق الذي وقع مع الولايات المتحدة جميع القطاعات (الفلاحة وغيرها). فالأوروبيون يريدون إذن اتفاقا لا يشمل الفلاحة. ومن خلال حكاية إبطال الاتفاق الفلاحي لعام 2012، يريد الاتحاد الأوروبي أن يضغط على المغرب لفرض تبادل حر شامل ومعمق بشروط تناسبهم…

ماذا عن ملائمة القوانين التنظيمية؟

 

ع.أ : يتعرض المغرب لفترة طويلة لضغوطات لملائمة  قوانينه التنظيمية مع البلدان الأعضاء في الاتحاد. وقدم الاتحاد الاوروبي برامج خاصة للدعم المرحلي. ويتعلق الأمر بملائمة تهم جميع القطاعات (البنوك، والتأمين، والعقار، والعدالة، والصحة، إلخ ..) وذلك لتسهيل ولوجها من قبل المستثمرين الأوروبيين بأقل تكلفة، ودون عوائق وشروط. وكما قال مستثمر من بلدان الخليج:”إن كان المغرب يريد الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فعليه إعداد السجادة الحمراء أمام المستثمرين الأجانب”، أي إعداد العقار والبنية التحتية وتسهيل القوانين، إلخ. وهذا ما تقوله الحكومة الحالية أيضا وهي تتحدث عن إصلاح المحاكم التجارية، وتسهيل الإجراءات الإدارية، الخ.. انها جزء من توجيهات قانون المالية لسنة 2016. وهذا هو الحال بالنسبة للاستراتيجيات القطاعية أيضا، التي حددت هدف تسهيل الشروط للمستثمرين الأجانب. يشمل هذا مجال الصحة أيضا ، حيث يفتح القانون الجديد المجال أمام المستثمرين الأجانب لفتح العيادات واستغلال الأطباء كأجراء.  وحتى التعليم والعديد من القطاعات الاستراتيجية الأخرى يشملها هذا المنطق. تحرص الدولة على سن قوانين مرنة يستفيد منها الرأسمال الأجنبي.

ماذا تقولون عن ملائمة القوانين التنظيمية فيما يخص الصفقات العمومية؟ وماذا عن ولوج المستثمرين المغاربة إلى الطلبات العمومية في بلدان أوروبا؟

 

ع.أ :إن مثل هذا النوع من الملائمة سيعرض الشركات الوطنية لمنافسة لا يمكن تحملها . ورغم كل ما يقوله الأوروبيون لإقناعنا، فإن الشركات المحلية ستواجه صعوبات لتلبية المعايير المحددة من قبل الاتحاد الأوروبي. ونفس الأمر مع أمريكا. إذا كان الاتفاق مع الولايات المتحدة يفتح الباب أمام الشركات المغربية، فهي تواجه صعوبات كبيرة في الاستجابة للمعايير المطلوبة. وأحسن مثال على ذلك هو البرتقال المغربي الذي منع من الدخول لكونه لا يتوافق مع معايير الوقاية الصحية في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تواجه المنتجات الفلاحية باستمرار مثل هذه المشاكل. وبالتالي، لا يمكن لأي مستثمر مغربي أن يتنافس مع مستثمر محلي حول الصفقات العمومية في هذه البلدان. وبالمقابل، فالأوروبيون لهم الأفضلية في الفوز بمثل هذه الصفقات في بلدنا. ولا يتوقف أرباب العمل عن المطالبة ب”الأفضلية الوطنية “بالنسبة للصفقات العمومية.  فبقوة الواقع إذن، يبقى المستثمرون الأجانب هم دائما الرابحون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ماذا عن ولوج المغاربة  للأدوية والجنيسة منها، في حالة وجود تقارب قانوني؟

 

ع. أ : يجب أن نعرف أن اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة على سبيل المثال تنص على عشرين سنة لكي يتمكن المغرب من الحصول على  براءات الاختراع لإنتاج الأدوية الجنيسة. ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يطالب بثلاثين سنة . والأفظع من ذلك، أنه حتى لو ظهر وباء، لا يمكننا أن ننتج دواء له  دون الحصول على موافقة مسبقة من عمالقة أوروبا، لا سيما وأنها قد أنشأت محكمة لتسوية المنازعات لاتفاقية التبادل الحر. أي ترسانة قانونية رادعة مع عقوبات في حال عدم تلبية بنودها. إنها محكمة تابعة لمنظمة التجارة العالمية والخاصة بالصفقات واتفاقيات التبادل بدلا من المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار التابع للبنك العالمي.

هل تعتقدون أن المغرب سيقوم بخطوة إلى الوراء؟

 

ع. أ : لا يستطيع المغرب أن يفعل أي شيء الآن لأن ما يقارب 80٪ من الإنتاج المحلي موجه إلى أوروبا. فطالما المغرب لا يزال غير قادر على فتح منافذ جديدة للتخفيف من الضغط الأوروبي المعرقل لدخول منتجاته، فأي حديث عن الرد سيكون واهما. وفي ظل الظروف الراهنة، كل شيء يبدو صعبا للغاية. فلنأخذ على سبيل المثال القطاع الفلاحي، بمجرد أن الأوروبيين بدأوا بتشديد إجراءات دخول منتجات المغرب إلى أسواقهم، وقعت أزمة حادة لدينا. أعتقد أن المغرب ليس لديه هامش كبير في ظل الظروف الحالية، قد يسعى للمزيد من الوقت، لكنه من الصعب للغاية أن يرفض اتفاقيات التبادل الحر الشامل والمعمق.

ما هو الحل للتخلص من التبعية للأسواق الأوربية؟ وكيف يمكن الخروج منها؟

 

ع.أ : في الواقع تحتاج هذه الإشكالية إلى استراتيجية تعتمد على بديل اقتصادي. إن المندوبية السامية للتخطيط  قدمت دراسة مقارنة خلال الستينيات لاستراتيجيات التنمية في المغرب ودول أخرى على نفس المستوى من التطور ، كما هو الحال بالنسبة لإندونيسيا وتونس اللتان طبقتا نفس النموذج الليبرالي. ولنر أين وصل هذين البلدين اليوم؟ اندونيسيا، على سبيل المثال، تطورت كثيرا بتطبيق نفس النموذج مقارنة مع المغرب الذي ظل يلاحقها. نفس المقارنة مع بلدان أمريكا الجنوبية التي اعتمدت استراتيجية للتنمية معتمدة على الذات (تطوير الاقتصاد الداخلي أولا). في البداية كان المغرب مصدرا للحبوب، لكنه همش أكثر من 6 ملايين هكتار من الأراضي المخصصة لزراعة الحبوب، وتحول بالتالي إلى أكبر المستوردين حيث تمثل واردات الحبوب الجزء الأكبر من فاتورة الغذاء. ورث المغرب استراتيجية التصدير من الحماية الفرنسية وواصل تطبيقها.

ويتعلق الأمر هنا في الحقيقة بالدائرة المفرغة للديون. تسديد هذه الديون يستوجب تنمية الاحتياطيات الدولية من العملة الصعبة، وهلم جرا. وما فتأت مديونية المغرب تتفاقم، حيث بلغت 82٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ومع تباطؤ النمو في عام 2016، ستنخفض مداخيل الدولة. وستزداد الحاجة إلى التمويل خصوصا مع ارتفاع خدمات الدين. وأعتقد أن تبعية المغرب ستزداد حدة مع توجيهات النموذج الاقتصادي التي يفرضها علينا الثلاثي: صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية، وهو نموذج ليس بالضرورة ملائما لتنمية البلاد. وأمامنا تجربة دول أمريكا الجنوبية التي تعمل على إعادة توجيه اقتصادها نحو أولوياتهم الوطنية.

تعريب: خديجة معراس

اطاك المغرب / عضو الشبكة الدولية للجنة من أجل الغاء ديون العالم الثالث

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى