الديونملفات دراسية

إعادة هيكلة الديون اليونانية مشروطة بإجراءات نيو-ليبرالية ستعد اتفاقا مخزيا للبلد على اليونان أن توقف تسديد ديونها إزاء صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي

 

إعادة هيكلة الديون اليونانية مشروطة بإجراءات نيو-ليبرالية ستعد اتفاقا مخزيا للبلد

على اليونان أن توقف تسديد ديونها إزاء صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي

إريك توسان

بين أبريل ويونيو 2015، قامت لجنة تقصي الحقيقة حول الديون العمومية اليونانية التي أرساها البرلمان اليوناني وتضم 30 خبيرا (15 من اليونان و15 أجانب) بتدقيق مدى احتمال استمرار اليونان في أداء ديونها العمومية التي بلغت 180% من الناتج الداخلي الخام بعد أن تنامت بشكل هائل خلال السنوات الخمس الأخيرة التي كان فيها البلد تحت رقابة الثالوث (الترويكا). أوكلت الرئاسة العلمية لهذه اللجنة إلى إريك توسان الذي سبق وأن اشتغل سابقا مع الإكوادور وبلدان أخرى كانت تبحث إمكانية إلغاء الديون إزاء دائنيها. قدمت نتائج التدقيق في يونيو الماضي وكانت واضحة جدا: على اليونان أن توقف التسديد لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي.

وفي ما يلي استجواب عبر الهاتف مع إريك توسان قامت به جريدة الأخبار اليومية الإسبانية ElDiario ساعات قبل أن تنشر رسميا حكومة سيريزا لائحة الإصلاحات التي قدمتها للدائنين مقابل خطة إنقاذ ثالثة والبقاء داخل منطقة اليورو.

 

 بابلو غارسيا (ب.غ)  : كيف تمر المفاوضات بين اليونان والترويكا الآن؟ يبدو أن هناك إمكانية معالجة مسألة الديون مقابل تخفيضات إضافية في ميزانية الدولة؟

ايريك توسان(ا.ت) : للمرة الأولى منذ فبراير تضع السلطات اليونانية بشكل صريح على الطاولة مسألة إعادة هيكلة الديون. منذ فبراير وحتى وقت قصير قبل الاستفتاء لم يكن هناك طلب رسمي لذلك. وهذا مؤشر إيجابي بالنسبة لي، وإن كان يجب القيام به قبل فترة طويلة.

(ب.غ)  : ربما لم يكن حدوث ذلك ممكنا من قبل لأن الدائنين رفضوا بشكل قاطع حتى الآن تناول الدين العمومي اليوناني؟

(ا.ت) : الدرس الذي يمكننا استخلاصه من هذه الأشهر الخمسة هو إذا لم يعلق بلد ما سداد الديون سيكون في وضع غير مناسب للتفاوض مع الدائنين. ما عدا إذا وافق الدائنون، لأسباب تناسبهم، على خفض الديون. هناك بعض الحالات قبل فيها الدائنون القيام بذلك، كما في ألمانيا في عام 1953 أو العراق بعد الغزو العسكري، عندما أراد المنتصرون تقليص الديون العراقية. ليس هذا هو الحال في الاتحاد الأوروبي: هنا إذا لم يعلق البلد المدين سداد الديون فليس لديه طريقة لتحويل ميزان القوى لصالحه في التفاوض. تتحدث اليونان الآن للمرة الأولى عن تقليص الديون وهي توجد عمليا في وضع تعليق تقني للسداد. والسؤال هنا هو ما إذا كانت السلطات اليونانية سوف تسير في هذا الاتجاه.

(ب.غ)  : ماذا يعني تعليق تسديد الديون؟ هل هي إلغاء الأداءات للدائنين مؤقتا؟

(ا.ت) : يعني الامتناع عن الأداء وفقط. وفي الحالة اليونانية الأمر بسيط جدا: القانون الأوروبي الذي صدر في ماي 2013 يفرض على الدول الأعضاء القيام بتدقيق الديون إذا كانت غير محتملة وتحتوي على خروقات. يجب على السلطات اليونانية، استنادا إلى التدقيق، أن تقول: نحن اليونانيين أفرغنا صناديقنا لضمان تسديد أكثر من 7 مليارات يورو التي وصلت آجالها بحلول 30 يونيو الماضي، لكنكم أنتم أيها الدائنون، أخلفتم وعدكم بدفع هذا المبلغ لنا. لقد عبرنا عن حسن نيتنا وعن حسن إرادتنا، والآن سنعلق سداد الديون لكم.

(ب.غ)  : ألا يفترض هذا خروج اليونان من منطقة اليورو؟

(ا.ت) : لماذا؟ ما العلاقة؟

(ب.غ)  : كان من المحتمل أن يرفض البنك المركزي الأوروبي ليس فقط تمديد خطة الإنقاذ أو بلورة أخرى جديدة، ولكن أيضا قطع السيولات الطارئة التي تقي البنوك اليونانية من الإفلاس.

(ا.ت) : أتعتقد أن ما حدث خلال الأشهر الخمسة الماضية ليست تهديدات وابتزازات كافية؟ هاجموا بكل ما كان لديهم. فهم لم يقدموا أي تنازلات، وطالبوا بسداد الديون، وحصلوا عليه. اقترحوا مزيدا من التضحيات، وقبلت بها الحكومة اليونانية في نهاية المطاف … ماذا كان يمكن أن يحدث أكثر من ذلك؟ إن أفضل استراتيجية كانت هي تعليق سداد الديون.

(ب.غ)  : ألا تعتقد أن هذا القرار قد يعني التخلي الفوري عن اليورو؟

(ا.ت) : إنه تبسيط كبير التأكيد على أن يبقى بلد في منطقة اليورو ويدفع ديونه مقابل تضحيات أو يتوقف بلد عن السداد ويخرج من منطقة اليورو. لا توجد صلة ميكانيكية بين هاتين الحالتين.

(ب.غ)  : كل المؤشرات تدل على أن اليونان يقبل إصلاحات الدائنين مقابل موافقة على إعادة هيكلة للديون لا تزال بحاجة إلى توضيح. تبدو لك صفقة جيدة؟

(ا.ت) : لا. وأعتقد أن إعادة هيكلة مشروطة بالتدابير النيو-ليبرالية هي صفقة سيئة. يجب علينا خفض الدين والتخلي عن السياسات النيو-ليبرالية. هذا هو برنامج سيريزا، وعلى أساسه انتخبت. والشعب اليوناني قال في استفتاء 5 يوليوز الحالي بأنه لن يقبل متطلبات الدائنين. ولكننا نعرف أيضا أن اليونانيين يؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي واليورو. وبهذا المعنى يبدو لي من التبسيط القول بأن تخفيض الديون ووقف سياسات التقشف ستؤدي إلى الخروج من منطقة اليورو. يجب أن تقرر اليونان رقابة فعلية على بنوكها، خصوصا وأنها تعد المساهم الرئيسي في أربعة بنوك يونانية تمثل 85٪ من السوق المصرفي المحلي. يمكن لليونان أن تخلق عملة تكميلية على شكل يورو الكتروني غير مطبوع. وهذا ما سيسمح بالأداءات باليورو داخل البلد لمعاشات التقاعد ورواتب الموظفين، والمساعدات الإنسانية، إلخ، كل هذا بالنقود الإلكترونية. هذه الأخيرة ستمكن الناس من أداء الضرائب وشراء الأغذية والأدوية، الخ. هناك عدة مقترحات ملموسة متداولة في هذا الاتجاه. والسؤال هو ما إذا كانت الحكومة سوف تفعل ذلك أم لا.

(ب.غ)  : اسمحوا لي أن أؤكد على مسألة الخروج من منطقة اليورو في حال تعليق سداد الديون. سبق للبنك المركزي الأوروبي أن شدد بالفعل، في فبراير الماضي، من شروط حصول البنوك اليونانية على السيولة لكون الاتفاق لم يكن ممكنا.

(ا.ت) : لا يمكننا أن نعرف ماذا كان سيحدث لو ان الحكومة اليونانية نهجت استراتيجية متشددة أكثر. وأعتقد أن اليونان لو تبنت موقفا أكثر صرامة في المفاوضات، لكانت أجبرت الدائنين على السعي إلى عقد اتفاق. لو لم يحصل صندوق النقد الدولي على 3 مليارات دولار التي حصل عليها من البلد كان سيركض للحصول على اتفاق. وسيحدث نفس الشيء إذا قالت اليونان الآن للبنك المركزي الأوروبي بأنها لن تسدد 6,5 مليار المستحقة له في يوليوز وغشت.

(ب.غ)  : ربما تسيبراس لم يفعل ذلك لكي لا تكون حكومته أول حكومة في منطقة اليورو تمتنع عن تسديد ديونها للبنك المركزي الأوروبي.

(ا.ت) : فعلا، نستحضر هنا الخوف من المجهول. بالطبع هناك تفسيرات عقلانية لسلوك تسيبراس. فقد أعرب عن اعتقاده أن المفاوضين الأوروبيين كانوا على استعداد للتفاوض، وكان ذلك مغلوطا. كان هدف اللجنة الأوروبية، وأنجيلا ميركل، وماريو دراجي، وكريستين لاغارد أن يبينوا بأنهم كانوا على استعداد للتفاوض مقابل تنازلات على شكل إصلاحات من الجانب اليوناني. وفي النهاية ينتهي الأمر بهم إلى القول: نريد أكثر من ذلك. كانت استراتيجية الدائنين، باعتراف الجميع، مربحة لهم بالمعنى الحرفي، حيث أدت اليونان جزءا كبيرا من التزاماتها دون أي مقابل. ما لم تحصل عليه السلطات الأوروبية هو إخضاع الشعب اليوناني وجعله يفقد الثقة في سيريزا. وفي هذه النقطة الأخيرة، فشلت المؤسسات الأوروبية. ولكن على المستوى السياسي الأوروبي وبدعم إعلامي هائل، تريد المؤسسات الأوروبية أن تجعل الناس يعتقدون أن اليونانيين متصلبون في موافقهم. في حين أن الدائنين هم المتصلبون.

(ب.غ)  : يبدو أن تسيبراس لا يأخذ بنصيحتكم بإلغاء الديون على النحو الذي اقترحه التدقيق البرلماني، ولكن على الأقل كان يمكن انتزاع موافقة على إعادة الهيكلة.

(ا.ت) : لا، وأكرر ذلك، سيكون اتفاقا مخزيا. إذا كانت هناك إعادة هيكلة الديون فلن يكون ذلك كافيا. وسوف تستمر تدابير التقشف وسوف لن يكون هناك نمو اقتصادي في اليونان، كما حدث في عام 2012 (عندما كان هناك إلغاء جزئي للديون اليونانية). في غضون ستة أشهر، وثمانية أشهر أو سنة، سوف تبرز مشكلة الديون كقضية ترتبط بفشل النيو-ليبرالية.

(ب.غ)  : ما رأيك في استبدال فاروفاكيس  (Varoufakis) بـ تساكالوتوس (Tsakalotos) في وزارة المالية؟

(ا.ت) : الأمر في غاية البساطة. لا يريد تسيبراس أن يعطي الحجج للترويكا ليقولوا بأنه متصلب. أفهم إشارته ولست ألومه عليها.

12 يوليوز 2015

 

المصدر: http://cadtm.org/Une-restructuration-conditionnee

تعريب: جمعية أطاك المغرب.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى