البيئةملفات دراسية

البنك الدولي وخرافة التنمية المستدامة بيئيا

البنك الدولي وخرافة التنمية المستدامة بيئيا

 علي اموزاي

   الأزمة البيئية تهدد الحياة على كوكب الأرض. تعمل منظمات الرأسمال العالمي على تغطية مسؤولية نمط الإنتاج الرأسمالي في تدمير أسس الحياة المادية وتهديد الأرض بالفناء. وفي حين تطالب ملتقيات الشعوب ومنظمات النضال ضد تدمير البيئة، يعمل ممثلو الرأسمال وأيديولوجيوه الليبراليون على ابتداع مقترحات لا تحد من جشع الرأسمال وفي نفس الوقت طلائه بصباغة خضراء تساهم في المزيد من تدويخ ضحاياه.

 

البنك الدولي ولعبة المعطيات

 

   لتبرير مقترحاته يستعمل البنك الدولي الحقائق المرعبة لما وصل إليه مناخ وبيئة الكوكب، “بدون إدخال تغييرات على مزيج إمداداتنا من الطاقة وكيفية استخدامنا لها، ستكون النتيجة مستويات أعلى من انبعاثات الغازات الدفيئة التي يمكن أن تؤدي إلى رفع درجة حرارة الكرة الأرضية بمقدار درجتين مئويتين خلال الفترة من العشرين إلى الثلاثين عاما القادمة، مع ما لذلك من آثار متفاقمة تشمل زيادة العواصف الشديدة وموجات الجفاف والإضرار بالأمن الغذائي والمائي.. ويؤدي استمرار اعتمادنا على الوقود الأحفوري إلى تلويث البيئة وانبعاث كميات هائلة من غازات الدفيئة- ففي الصيف الماضي فقط، تجاوز تركز انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مستويات لم تحدث منذ 3 ملايين عام”. (راشيل كايت، 20/01/2014، موقع البنك الدولي الالكتروني).

   وكما “تشير تقارير مجموعة البنك الدولي بعنوان “اخفضوا الحرارة” التي تُحذِر من نوبات متكررة لنقص الغذاء ولاسيما في أفريقيا، تُحذِّر الهيئة الحكومية الدولية من مخاطر كبيرة على الأمن الغذائي مع تحوُّل أنماط الطقس وزيادة حدتها في بعض الحالات. ويقول العلماء أن ما يبعث على القلق بدرجة أكبر هو أن غلال المحاصيل ستنخفض سواء أكانت هناك إجراءات للتكيُّف أم لا… فأكثر من 840 مليون شخص يعانون من نقص حاد في التغذية. ومخزونات الغذاء آخذة في التناقص كنسبة مئوية مما نستهلكه الآن، ويشهد العالم زيادات حادة في أسعار الغذاء وتقلُّبها”. (راشيل كايت، 30/03/2014، موقع البنك الدولي الالكتروني).

 

البنك الدولي وتحميل مسؤولية الأزمة للكادحين

 

   طبعا لا تظهر تقارير البنك الدولي حجم الكارثة البيئية وهو ما يعد استخفافا واستهتارا للنظام الرأسمالي وممثليه السياسيين بحجم الخطر المحدق، وفي نفس الوقت يعمل أيديولوجيوه على تحميل الأزمة للكادحين باستحضارهم لأيديولوجية مالتوسية جديدة تحمل مسؤولية الأزمة البيئية للتزايد الديمغرافي الكثيف وليس لنمط إنتاج غايته الأساسية الربح؛ “إننا صرنا في منطقة مجهولة المعالم. فعدد سكان الأرض يتجه في زيادة مطردة من 7.1 مليار نسمة اليوم إلى أكثر من 9 مليارات بحلول عام 2050. ومع تنامي أعدادنا، وزيادة تطلعاتنا إلى المشاركة في جني ثمار الرخاء، يتزايد الطلب على الطاقة مع احتياجنا إلى إنارة منازلنا وشركاتنا وتشغيل مصانعنا ووسائل النقل”. (راشيل كايت، 20/01/2014، موقع البنك الدولي الالكتروني).

 

هل الأزمة مرتبطة بنوع الطاقة المستعملة؟

 

   هذا ما يسعى أيديولوجيو البنك تسييده وغرسه في العقول؛ “يؤدي استمرار اعتمادنا على الوقود الأحفوري إلى تلويث البيئة وانبعاث كميات هائلة من غازات الدفيئة” والتصدي لذلك بالنسبة لهم هو “الانتقال إلى مسار للطاقة منخفض الانبعاثات الكربونية”. (راشيل كايت، 20/01/2014، موقع البنك الدولي الالكتروني).

   إن الطاقة تبقى طاقة، لكن المحدد في آخر المطاف هو نمط الإنتاج الذي يستعملها، فالبنك يريد الإيهام بإمكانية استعمال عقلاني للوقود الأحفوري داخل نفس النظام الرأسمالي؛ “مطلوب: قيادة براغماتية تعزف عن استخدام الوقود الأحفوري وتتجه نحو الوقود منخفض الكربون”. (راشيل كايت، 20/01/2014، موقع البنك الدولي الالكتروني).

   إن نمط إنتاج يأخذ كأولوية أساسية تنمية أرباح أقلية رأسمالية حاكمة، لا يمكن أن تشكل بالنسبة له الاعتبارات البيئية أي هاجس، فالعقلانية الرأسمالية لا يهمها إلا الأرقام والحد الأقصى من الأرباح مع الحد الأدنى من التكاليف، وما دامت الطاقة ذات المورد الأحفوري تضمن ذلك فلا يمكن للنظام الرأسمالي الاستغناء عنها وتعويضها “بالطاقة النظيفة” المعتمدة على التكنولوجيا، مهما بلغت تعهدات حكام العالم في القمم العالمية. فالمشكل بالدرجة الأولى اقتصادي وبالتالي سياسي؛ ” التكنولوجيا الخضراء حاليا في مجال الطاقة لا تزال أقل ربحية من أشكال التكنولوجيا الأحفورية والنووية. وسيدوم هذا الوضع بالأقل من 15 إلى 25 سنة. و بالتالي ما لم نخرج من الآلية القائمة على سعي مجموعات إنتاج الطاقة الكبرى إلى الربح، لن نستطيع إيجاد حل لاستبدال الطاقة الأحفورية بالطاقة المتجددة. ليس ثمة حل للانتقال الطاقي دون إضفاء طابع عمومي عبر مصادرة المجموعات الكبرى متعددة الجنسية المتحكمة في قطاع النفط و الفحم و الغاز الطبيعي”. (“هل يمكن للرأسمالية أن تكون خضراء؟”، موقع المناضل-ة، 21- 10- 2012).

   بدل ذلك يسعى ممثلو الرأسمال العالمي إلى تحويل الأزمة البيئية ذاتها إلى مورد للربح من خلال تسليع الأنشطة التي تدعي حماية البيئة، وهذا هو مغزى كل اللغط الذي يثيره البنك الدولي حول تسعير الكربون والضريبة على الكربون إضافة إلى تنويعات كثيرة من مقترحات طلاء الرأسمالية باللون الأخضر. لذلك يحتفظ شعار “غيروا النظام بدل المناخ” الذي رفعه المناضلون من أجل عدالة مناخية إبان قمة كوبنهاكن براهنيته.

 

تحويل للمسؤولية

 

   إن كل هذه المقترحات تحوي مغزى سياسيا رئيسيا وهو إزالة عبئ التحدي المناخي عن “المنتظم الدولي” وقممه البعيدة جدا عن سطح البحر، وتحويلها إلى “المجتمع المحلي” والقطاع الخاص. بحسب “مدونة البنك الدولي، يوضح تقرير “حالة واتجاهات سوق الكربون 2014″، الذي صدر خلال معرض الكربون الحادي عشر في كولونيا، ألمانيا، أنه في حين أن المفاوضات الدولية قد تتسم بالبطء، فإن البلدان والمدن تتحرك على مسار تسعير المناخ”، فالبنك الدولي يعتبر أن “العمل المحلي لديه القدرة على التغلب على الفجوة التنظيمية الدولية من خلال تعزيز الاستثمارات الموجهة منخفضة الكربون..”. (صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4287 – 03- 06- 2014).

   ذلك طبيعي، ما دامت جميع الدول في القمم العالمية لم تستطع الوفاء بالتزامات تقليص الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، وما دامت الولايات المتحدة- الدولة الصناعية الأولى في العالم- ترفض الانضمام إلى تلك الاتفاقيات.، فجواب أوباما على سؤال توماس فريدمان أحد كتاب الأعمدة  بصحيفة نيويورك تايمز: “ما هو الشيء الواحد الذي لا تزال تود أن ترانا نقوم به للتصدي لتغير المناخ؟” كان هو: “أن نكون قادرين على تسعير تكلفة انبعاثات الكربون”. (ماذا يعني تسعير الكربون؟2014/06/11، موقع البنك الدولي الالكتروني).

   لا ضير إذن من تحويل الاتجاه نحو أقل المتسببين في هذه الانبعاثات أي المدن ودول العالم الثالث لتطبيق تسعير الكربون وتحويله إلى سوق مربحة.

 

ما نقصد بتسعير الكربون؟

 

   بالنسبة للبنك الدولي “يساعد تسعير الكربون على إعادة تحميل عبء الضرر الناجم عن انبعاثات الغازات الدفيئة على المسؤولين عنها والذين يمكنهم التقليل من الانبعاثات”. لذلك يدعو البنك الدولي الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى مساندة تسعير الكربون لخفض الانبعاثات. (“ماذا يعني تسعير الكربون؟”، 2014/06/11، موقع البنك الدولي الالكتروني).

   تدعو حركات النضال من اجل البيئة إلى خفض جذري للانبعاثات الغازية بمعدل لا يقل عن %70 في أفق 2050، وبدل ذلك يدعو البنك الدولي إلى وضع سقف لهذه الانبعاثات وتحويل حقوق الدول التي لا تصل إلى ذلك السقف إلى سوق لبيع حقوق الكربون لتلك الدول التي يتجاوز فيه الانبعاث السقف المتفق عليه.

   “إن أسواق الكربون هي المجال الذي يتم من خلاله مقايضة إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون أو ما يعادلها من الغازات الدفيئة. ويمكن لبلد أو منطقة أو مدينة تنظيم التلوث الناجم عن إنبعاثات الغازات المسببة للإحتباس الحراري من خلال إنشاء سوق مالي لمقايضة الكربون يعمل على أساس ما يعرف بـ cap-and-trade أو “وضع حد أقصى للانبعاثات-  والمتاجرة بها”. ووفقا لذلك، تُحدّد الجهات الرسمية المعنية الحد الأقصى المسموح به من انبعاثات الكربون أو مكافئها الناتجة عن النشاطات الصناعية. ويمكن للمنشآت الصناعية التي تنتج كمية أقل من هذا الحد المسموح به من الانبعاثات أن تبيع الفرق من خلال ما يسمى بائتمانات الانبعاثات الكربونية (يعادل كل ائتمان طناً من الكربون أو مكافئه من الغازات الدفيئة)، بينما على المنشآت التي تنتج أكثر من هذا السقف المسموح به أن تشتري ائتمانات الانبعاثات الكربونية من أسواق الكربون حتى يُسمح لها بإنتاج الكميات الزائدة من الانبعاثات. وهذا يعني أنه يمكن للمنشآت التي تنتج انبعاثات كربون أقل من الحد المسموح به أن تكسب المال، بينما تضطر تلك التي تنتج أكثر من الحد المسموح به أن تدفع المال”. (نورهان الكردي، 28 آذار 2013، مركز دراسات البيئة).

   بشكل عام، معروف أن هناك نوعين من سياسات تسعير الكربون، أحدهما علي المستوي الوطني، مثل الذي تنتهجه استراليا حاليا، والآخر من خلال فرض رسوم على الواردات التي تحوي محتوى كربونيا، أو انبعاثات كربونية، مثل الذي انتهجه الاتحاد الأوروبي تجاه وارداته من النفط، أو تجاه الطيران العابر لقاراته في 2012. (“سياسات المناخ: التأثيرات الاقتصادية والسياسية لضريبة الكربون في استراليا”، بقلم: مصطفى عيد مصطفى، الأهرام الرقمي يناير 2012،المصدر: السياسة الدولية).

   إن وهم شعار “الملوث يدفع الثمن” يفقأ الأعين، فرأس المال الذي حررته الهجمة النيوليبرالية لنهاية السبعينات يتقن جيدا التملص من جميع الالتزامات الاجتماعية والضريبية والقانونية، فما الذين سيمنعه من التملص من الالتزامات البيئية، خصوصا أن تطبيق “تسعير الكربون” يعتبر مبدأ اختياريا وليس هناك من قانون دولي يلزم بذلك: “ويساعد تسعير الكربون على إعادة تحميل عبء الضرر على المسؤولين عنه، والذين يمكنهم الحد منه. وبدلا من إملاء أسماء الجهات التي يجب أن تخفض انبعاثات الكربون ومكانهم وكيفية ذلك، فإن تسعير الكربون يعطي إشارة اقتصادية ويقرر الملوثون بأنفسهم ما إذا كانوا سيحدون من الانبعاثات، أو يحدون من نطاق نشاطهم المسبب للتلوث أو التوقف عنه أو الاستمرار في التسبب في التلوث ودفع الثمن”. (“ماذا يعني تسعير الكربون؟”، 2014/06/11، موقع البنك الدولي الالكتروني).

   لقد تحول تسعير الكربون إلى سوق ضخمة يدر الأرباح وفي نفس الوقت يعطي وهما بأن الدول التي تبيع حقوق الكربون والتي تشتريها تحد من الانبعاثات، في حين أن كل ذلك مجرد خدعة “سوقية” يعوض فيه الذي ينفث أكثر تلك الدول التي لا تساهم أصلا بأي انبعاثات.

   يوضح نورهان الكردي  في مقاله ” ما هي أسواق الكربون؟” أن “سعر ائتمان الكربون اليوم يتراوح ما بين 20 و 35 دولار للطن من الكربون أو مكافئه من الغازات الدفيئة، ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار إلى 65 دولار بحلول عام 2050. وتقدر قيمة نظم تجارة الانبعاثات في العالم تقدر بنحو 30 مليار دولار وفي عام 2011 وصلت عمليات التداول في أسواق الكربون إلى 10.3 مليار طن من الكربون أو مكافئه من الغازات الدفيئة بقيمة تداول تبلغ 176 مليار دولار ، فقد “تم افتتاح ما مجموعه ثماني أسواق جديدة للكربون عام 2013، وتم تدشين سوق أخرى في أوائل عام 2014. وبهذه الإضافات، فإن قيمة نظم تجارة الانبعاثات في العالم تقدر بنحو 30 مليار دولار. وتضم الصين الآن ثاني أكبر سوق للكربون في العالم، وهي تغطي ما يعادل 1115 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، بعد برنامج الاتحاد الأوروبي للاتجار في الانبعاثات، ويصل سقفها إلى 2039 مليون  طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون عام 2013”. (“تقرير جديد يبين تزايد استخدام تسعير الكربون”، 2014/05/28، موقع البنك الدولي الالكتروني).

   وبالنسبة للبنك الدولي يمثل عمل القطاع الخاص أمرا حاسماً لأي حل من الحلول: “فالتحول التكنولوجي والاقتصادي والمؤسسي والسلوكي الكبير نحو تنمية منخفضة الكربون يعد ضرورة لتجنب ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم بأكثر من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، والوقت يمثل عنصراً أساسياً في هذا الصدد”.

   لكن الاعتقاد بإمكان محاربة ظاهرة ناتجة عن السوق بتوسيع السوق أمر عبثي، ولا يؤدي إلى تشويه وعي الحركات المناضلة من أجل عدالة بيئية ويتيح الفرصة للبنك الدولي لاختراقه بخطاباته المرتبطة بنوايا القطاع الخاص الحسنة: ” فرض سعر على انبعاثات الكربون. ففرض سعر مرتفع وواضح على انبعاثات الكربون من شأنه تحفيز الشركات على الاستثمار في مصادر الطاقة منخفضة الكربون والتكنولوجيا ذات الصلة، ويحد من الطلب على الوقود الأحفوري.. ويبث تسعير الكربون الطمأنينة ويحقق تكافؤ الفرص أمام الجميع. ويدرك رؤساء الشركات باطراد المخاطر التي يشكلها تغير المناخ على قطاعاتهم، وعلى نماذج أنشطة أعمالهم، وسلاسل التوريد والموارد”. (راشيل كايت، 20/01/2014، موقع البنك الدولي الالكتروني).

 

هل يستطيع تسعير الكربون الحد من الانبعاثات؟

 

   الجواب طبعا لا. فالطابع اللا إلزامي للخيار يحد من فرضه على الملوثين الكبار على المستوى العالمي الذين يعتبرونه نوعا من “التسعير العقابي”، وحتى أستراليا نفسها التي سبق لها تطبيقه تجد نفسها “مضطرة للتخلي عن مشروع الدولة الرائد لتسعير الكربون، في إجراء من شأنه أن يُصدر إشارة سلبية للدول الأخرى التي تمتلك خططًا لتجارة الكربون أو تسعيره”. (E. Diringer, Nature 501, 307–309; 2013).

   إن آلية السوق لا تستطيع معالجة اختلالاتها ذاتها، فبالأحرى أن تعالج اختلالات البيئة، وسيتحول سوق الكربون إلى ميدان للمضاربة وأرباح البورصة دون أن يتم محاربة احترار الكوكب الأرضي. ويدعي البنك الدولي أن تسعير الكربون سيدفع القطاع الخاص إلى الاستثمار في قطاع الطاقة النظيفة، لكن هذا الاستثمار موجود، وحتى ذو مردودية عالية. “لكن الأمر لا يتعلق بهذا ! المطلوب معرفة ما إن كان مجمل الرساميل التي تشكل الرأسمالية قادرة على احترام حدود الموارد”.

 

الضريبة على الكربون

 

   الآلية الأخرى التي يدعي البنك الدولي أن بإمكانها خفض الانيعاثات هي “الضريبة على الكربون”: “تمثل ضريبة الكربون نهجاً أكثر بساطة. حيث أنها تحدد سعراً للكربون بشكل مباشر عن طريق تحديد سعر ضريبة على انبعاثات غازات الدفيئة أو- بشكل أعم- على محتوى الكربون بالوقود الأحفوري. وتختلف ضريبة الكربون عن نظم الاتجار في الانبعاثات من حيث أنها لا تحدد مسبقاً ناتج الحد من الانبعاثات المرتبطة بها، ولكنه محدد بالنسبة لسعر الكربون”. (“ماذا يعني تسعير الكربون؟”، 2014/06/11، موقع البنك الدولي الالكتروني).

   ونفس الملاحظة تسجل هنا على هذه الضريبة فهو ليس قرار دوليا ملزما بل متروكا لطواعية الحكومات وبشكل تدريجي: “تحقق ضرائب الكربون مكاسب باطراد على الأرض. فقد تم تطبيق ضرائب جديدة على الكربون في المكسيك وفرنسا عام 2013. وفي  أمريكا الشمالية، تبحث ولايات أوريغون وواشنطن خيارات لتسعير الكربون (e) لتنضم بذلك إلى كاليفورنيا وكيبيك وكولومبيا البريطانية في جهود متضافرة للتصدي لتغير المناخ”. (“تقرير جديد يبين تزايد ستخدام تسعير الكربون”، 2014/05/28، موقع البنك الدولي الالكتروني).

   إن الضريبة على الكربون لا تعني بالضرورة تخفيضا للانبعاثات الغازية، ولكنه يعني أن الشركات المفروضة عليها هذه الضريبة ستدرجها في تكاليف الإنتاج وتحمل المستهلك النهائي تكلفتها، وهو ما أشار إليه مصطفى عيد مصطفى بـ”آلية المرونة وقدرة المنتج على نقل العبء الضريبي، أو جزء منه إلى المستهلك النهائي”، وهو ما حدث مع “برنامج تداول الانبعاث” بدءا من عام 2012، الذي بمقتضاه تم فرض ضريبة كربون 15% من نسبة انبعاث الكربون علي شركات الطيران العابرة للقارة الأوروبية، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف وأسعار الطيران في العالم.

   “وتلعب المرونة دورا في مدي تحمل المنتج لعبء الضريبة أو جزء منها، ونقلها للمستهلك النهائي. ومن ثم، نشهد ارتفاعا في الأسعار علي الأقل في الأجل القصير، مما يولد ضغوطا تضخمية، وقد تشجع منتجين آخرين علي الدخول في حلبة الإنتاج علي عكس ما تسعي إليه الضريبة ذاتها، أو قد تشهد ضغوطا علي المنتج، خاصة الذي يحقق أرباحا هامشية، فيخرج من حلبة الإنتاج والمنافسة”. (“سياسات المناخ: التأثيرات الاقتصادية والسياسية لضريبة الكربون في استراليا”، بقلم: مصطفى عيد مصطفى، الأهرام الرقمي يناير 2012،المصدر: السياسة الدولية).

   كما سبق لهذه الضريبة أن اعترضتها صعوبات الالتزام والتطبيق، فقد سبق للاتحاد الأوروبي في مطلع التسعينات أن فرض رسما ضريبيا علي وارداته التي تحوي محتوي وانبعاثات كربونية التي تمثلت في وارداته من النفط. ولكن نتيجة ضغط من اللوبي الصناعي ومفاوضات مع دول الخليج، واجهت هذه السياسة صعوبات جمة- إلا علي فترات- فضلا عن تحفظات بريطانيا تجاه ضريبة الكربون، منوهة إلي أنها عمل من أعمال السيادة، فضلا عن معارضة المجموعة الرباعية الأضعف اقتصاديا وأصحاب الأزمة الحالية (إسبانيا- البرتغال- اليونان- أيرلندا).. وبعد أن أعلن الرئيس الفرنسي، ساركوزي، عزمه فرض ضريبة للكربون بواقع 17 يورو علي كل طن من ثاني أكسيد الكربون ، ألمحت الشركات إلى أن الأمر سيؤثر في قدراتها التنافسية ورفضها المجلس الدستوري الفرنسي. (“سياسات المناخ: التأثيرات الاقتصادية والسياسية لضريبة الكربون في استراليا”، بقلم: مصطفى عيد مصطفى، الأهرام الرقمي يناير 2012، المصدر: السياسة الدولية).

   على كل حال لا يمكن لهذه الضريبة أن تضع حدا لأزمة البيئة الشاملة والتي تعتبر وجها من أوجه أزمة المنظومة الرأسمالية، فـ”فرض تلك الضريبة لا يعني بالضرورة إحداث تغييرات في نمط الإنتاج وعادة ما يكون مقدار العبء الضريبي ضعيفا بالنسبة لامكانيات المنشأة”. (“دول الغرب تخفض انبعاثات الكربون 80% بحلول 2050″،  إيمان الجندي، 24- 04- 2014، موقع الوفد الالكتروني).

 

الربح حرباء.. قد يكون أخضر لكنه مدمر

 

   كل المحاولات لجعل الرأسمالية خضراء أدت إلى عكس المأمول وإلى تدمير أكثر للبيئة، فتجارب الوقود الأخضر مثلا أدت عموما خلال السنوات العشر الماضية إلى تقليص مساحات الأراضي الصالحة للزراعة وانعكست سلبا على الأمن الغذائي بالنسبة إلى كثير من الناس لاسيما في البلدان النامية. ومنتجات الزراعة العضوية التي نمت خلال السنوات العشرين، لا يستطيع حتى متوسطو الحال اقتناءها اليوم لأن أسعارها مرتفعة أكثر من اللزوم ولأن أنصار الزراعة المكثفة لا يزالون يضيقون عليها الخناق في كل مكان ليواصلوا كسب مزيد من الأرباح على حساب البيئة والمستهلك.

 

الحل ليس تكنوقراطيا بل سياسيا بمضمون اقتصادي واجتماعي وبيئي

 

   يعمل البنك الدولي وأيديولوجييه على تصوير حل الأزمة البيئية على أنها مجرد إجراءات تقنية وتدابير محض مالية، مع الإبقاء على نفس نمط الاقتصاد والإنتاج والتوزيع الذي كان جذر الأزمة البيئية والتغيرات الهائلة في المناخ. فالمطلوب هو نظام يضبط الإنتاج وفق حاجات السكان، ويأخذ بالحسبان حدود المنظومات البيئية ووتائر تجدد الموارد، و ليس حسب ربح المقاولين الخواص.. وهو منطق مستبعد لدى البنك الدولي ويحتاج إلى ميزان قوى اجتماعي وسياسي نابع من الأسفل وليس قائما على النوايا الحسنة لمن هم في الأعلى أو القطاع الخاص. فـ”القانون الدولي لايزال عاجزا عن الإلزام بالتطبيق تحت ضغط المصلحة الرأسمالية واستمرار الدول الصناعية الكبرى في الموازنة بين الكلفة الاقتصادية الناجمة عن الالتزام بالتعهدات والكلفة البيئية الناجمة عن مواصلة تطبيق التكنولوجيا الملوثة للبيئة”. (“قمة كانكون والوعود الرأسمالية الخضراء”، الشروق أونلاين، بشير مصيطفى).

   إن العقلانية الرأسمالية قد بلغت حدودها ولا يمكن أن تكون حلا لأزمة البيئة، مهما تنوعت وتعددت المشاريع التي يطرحها ممثلوها في القمم العالمية من استخدام التكنولوجيا لإنتاج الطاقة النظيفة؛ فـ”محرك نمط الإنتاج الرأسمالي هو تراكم رأس المال بواسطة تحقيق ورسملة الربح. والاكتشافات العلمية لا تجد مجالا للتطبيق في سيرورة الإنتاج إلا إذا كانت مربحة. لذا لا يصح اعتبار العلم في ظل الرأسمالية الجديدة قوة منتجة مباشرة. فتطبيقه على الإنتاج خاضع اليوم أكثر من ذي قبل لضرورات الربح”. (بلترة العمل الذهني، الفصل الثالث من كتاب “الطلبة والمثقفون وصراع الطبقات”، منشورات لابريش- 1979، تعريب جريدة المناضل-ة).

   “نحن نحتاج إلى حلول براغماتية تقوم على حقائق وعقلانية وتتسم بالفعالية لتغيير اتجاه المسار الذي قادنا إلى منطقة الخطر”، هذا ما كتبته راشيل كايت بموقع البنك الدولي الالكتروني، متجاهلة جوهر التناقض المأساوي بين “العقلانية الجزئية داخل المقاومة الاحتكارية واللاعقلانية الاجتماعية الإجمالية”، هذه العقلانية التي تحسب أدق الحساب تكلفة إنتاج صناعة الأسلحة التدميرية والاهتمام بقيمتها التبادلية دون الالتفات إلى قيمتها الاستعمالية؛ الحروب وتدمير البيئة.

علي أموزاي

زر الذهاب إلى الأعلى