نظمت التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا فكيك الذكرى الثانية لانطلاق الحراك الشعبي في فجيج. وكان هذا النشاط النضالي محطة أخرى لتأكيد رفض الأهالي استحواذ شركة الشرق للتوزيع على مياه فجيج، ومناسبة جددوا من خلالها تشبتهم بحقهم في الحفاظ على منوال تدبير المياه، المتوارث عبر أجيال عاشت لعقود في واحة فجيج.
تخليد الذكرى الثانية: موكب حاشد للنساء بالحايك الأبيض يجوب شوارع فجيج.

انطلقت يوم الأربعاء 22 أكتوبر النساء في موكبهن بالحايك الأبيض، ورددن شعارات صدحت بها حناجرهن طيلة السنتين من التحرك الشعبي دفاعا عن مياه واحتهن ضد التسليع. وتنخرط نساء هذه البلدة بأعداد كبيرة وبصمود عال في هذا الحراك، وبفضل طول نفسهن يستمر هذا التحرك الشعبي بكامل زخمه ونشاطه وقوته. ليست صدفة أن تتصدر النساء الصفوف الأولى لهذه الاحتجاجات، فارتباطهن بالماء والأرض راسخ ومتجذر، وكل الأنشطة المنزلية التي يقمن بها، وحتى تلك المرتبطة بالأرض وتربية الماشية التي يزاولنها أيضا، ترتبط بتوفر هذه المادة الضرورية. تؤكد النساء طيلة هذه المدة من الاحتجاج أن الاستمرار في البقاء على هذه الواحة الحدودية مشروط بسيادة السكان المحليين على هذه الثروة المائية، ويجسد ترداد شعار” المياه مياهنا والقرار قرارنا” التمسك القوي بهذا الحق التي تريد الشركة مصادرته من خلال السطو على مياه فجيج.
تبين المشاركة البارزة للنساء في حراك فجيج قوتهن الجماعية، وأن فعلهن النضالي والتضامني هو ما سيمكنهن من الحفاظ على ثروات ومصادر عيشهن في مجتمعهن المحلي. ورغم أن الدولة تتبنى ما تسميه “تمكين النساء الاقتصادي” في مشاريعها المرتبطة بالنوع، فإن سياستها النيوليبرالية في الواقع تفقرهن، عبر خوصصة الخدمات الاجتماعية، وتدمير موارد عيشهن في بيئاتهن المحلية بإحلال أنشطة استخراجية. ويتعارض منطق تسليع مياه فجيج الذي تريد الدولة فرضه عبر شركة الشرق للتوزيع مع ولوج النساء العادل لهذه الثروة الحيوية.
يضفي انخراط النساء في هذه الاحتجاجات الشعبية بعدا مميزا، يظهر جليا عند رفعهن الشعارات على إيقاع الأهازيج الشعبية المتجذر في الثقافية المحلية التي ينتمين إليها، وحتى تلك الشعارات المعتاد رفعها في النضالات، تمنحها النساء طابعا جماليا متناغما من خلال أدائها بإيقاعهن الخاص.
ترابط قضايا العدالة الاجتماعية والبيئية في مستوييها المحلي والوطني.

خُصص اليوم الثالث من برنامج أنشطة تخليد هذه المحطة النضالية لتنظيم ندوة شارك فيها كل من الأستاذ الجامعي عبد الرحمان الحرادجي، والكاتب العام لجمعية أطاك المغرب عمر أزيكي. وعرفت الندوة مشاركة وازنة خاصة النساء اللواتي شكلن أغلبية الحضور، كما كانت فضاء لتبادل الأفكار والآراء حول قضايا النضال من أجل العدالة الاجتماعية والبيئية. ولأهمية المحاور التي تناولتها هذه الندوة نورد فيما يلي العناصر الرئيسية التي ساهم بها المتدخلين لإثراء النقاش.
تنمية فجيج وسؤال العدالة المجالية.
تناول الأستاذ الحرادجي في مداخلته مسألة تنمية فجيج وسؤال العدالة المجالية، وتطرق في مساهمته للإشكالات الرئيسية التي تحول دون تحقيق العدالة في بعدها المجالي والتي تتجلى في المستويات التالية:
- تقليص المجال الترابي لواحة فجيج: أصبحت مساحة واحة فجيج لا تمثل الآن سوى أقل من 2 في المئة من المساحة التي كانت لدى الجماعة الترابية التي كانت تسمى قبلا فجيج، وتبلغ مساحة هذه المنطقة اليوم 35 كلم مربع، وهو ما اعتبره المتدخل تقطيعا ترابيا مجحفا وغير عادل.
- التذكير بأن لا عدالة مجالية دون ارتكازها على استدامة الموارد واستفادة السكان المحلين منها، كما تعني ضرورة استحضار انسجام نوع الأنشطة التي يقوم بها الإنسان مع الخصائص الطبيعة لمجال معين.
- انعكاس التوترات الجيوسياسية على المجال الترابي لفجيج الذي تقلص بشكل كبير.
- حرمان أهالي فجيج من ولوج بعض الأجزاء رغم أنها تدخل ضمن المجال الترابي للدولة.
- التوجه نحو الاستغلال المفرط للأراضي والموارد المائية، ما قد يؤدي إلى الاجهاد المائي، والذي سينعكس بدوره على الأنشطة الفلاحية التي تشكل الركيزة الاقتصادية للواحة.
- عدم تجاوب السلطة مع المطالب العادلة والمشروعة للسكان المحليين ونهج سياسة الاقصاء وتنزيل قرارات فوقية فيما يخص تدبير الموارد، مثل فرض الشركة لتدبير مياه فجيج.
- الحرمان من الموارد الترابية بمبررات واهية، كالمنع من استغلال مقالع الرمال والمراعي وأشجار النخيل.
حراك فجيج: من أجل توحيد النضالات دفاعا عن الخدمات العمومية ورفض تسليعها.
تطرق عمر أزيكي بدوره في الجزء الثاني من الندوة لحراك فكيك وسياسة تسليع الماء والصحة والتعليم، وتحدث باقتضاب في بداية مداخلته عن منطقة سوس، كنموذج لاستنزاف الزراعات التصديرية للموارد المائية.
أشار المتدخل إلى أن سمات حراك فجيج تندرج ضمن سياق عام، يتميز بتعارض سياسة الدولة مع حق السكان في تدبير مواردهم على المستوى المحلي، كما أن هذه الأخيرة لا تعترف بما أنتجه وراكمه السكان المحليون من معارف في احتكاكهم ولعقود ببيئاتهم المحلية. وتوقف المتدخل عند الدور البارز للنساء في هذا الحراك، وأهمية دمجهن العادل عند الحديث عن التدبير المحلي للموارد، كما أثار الانتباه إلى أن حراك فجيج أبان عن أهمية الديمقراطية المحلية، والتي عبر عنها السكان سواء من خلال فعلهم النضالي الميداني المباشر، أو عن طريق المؤسسات التمثيلية على المستوى المحلي. وتصطدم هذه الإرادة الشعبية المحلية بالمؤسسات على المستوى المركزي والتي ترفض الاعتراف بحق تقرير سكان فيجيج في مياههم.
وعرض المتحدث سياسة خوصصة الخدمات العمومية التي انتهجتها الدولة مند سنتي 2002 و2003، بدءا بتفويت تدبير خدمات الماء والكهرباء والتطهير السائل، والنقل للشركات الخاصة في مدن الدار البيضاء، والرباط وطنجة، وتطوان، بالإضافة إلى فتح خدمات الصحة والتعليم العمومين لاستثمارات الرأسمال الخاص. وتعد سياسة الخوصصة التي تطبقها الدولة في كل القطاعات إحدى المواضيع الرئيسية التي اشتغلت عليها جمعية أطاك المغرب مند تأسيسها.
بين عمر أزيكي أن برامج الخوصصة التي فرضتها الدولة في المرافق العمومية تخدم في المقام الأول مصالح المستثمرين الخواص، الذين راكموا أرباحا طائلة مقابل حرمان المواطنين والمواطنات من الولوج الشامل والعادل لخدمات عمومية مجانية جيدة. وأوضح المتدخل أن فرض الشركات الجهوية متعددة الخدمات يندرج ضمن توسيع الدولة لنطاق الخوصصة، وبذلك تفتح المجال أكثر أمام الخواص لتنمية أرباحهم دون الاكتراث بالعواقب البيئية والاجتماعية في بعديها المحلي والوطني.
ذكر المتدخل بأن حراك فجيج يعد استمرار لمقاومات شعبية عرفها المغرب ضد عواقب برامج الخوصصة مند اواخر التسعينات وبداية الألفية، وتمتد هذه النضالات اليوم مع حراك شباب جيل زيد الذي خرج في عدة مدن للمطالبة بالحق في الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية. وأكد المتحدث في ختام مداخلته على ضرورة التنسيق والتضامن بين كل الحراكات الشعبية في المغرب، لفرض بدائل شعبية عادلة تستجيب لحاجيات من يقاومون ويقاومن من أسفل.
مشاركة منظمات النضال في إحياء الذكرى الثانية: إسناد ودعم لحراك فجيج الشعبي.

استمرت أنشطة إحياء الذكرى الثانية لحراك فجيج الشعبي بتنظيم مهرجان خطابي تضامني في ساحة عمومية، وحضرت جموع حاشدة في هذا التجمع النضالي والتضامني، وعبروا من خلال رفعهم الشعارات عن رفضهم القاطع لدخول الشركة، الذي يعد تعديا كبيرا على حقوق السكان وعلى الخصائص المجالية البيئية التي تتمتع بها واحة فجيج.
شاركت منظمات النضال التي جاء مناضلوها ومناضلاتها من مختلف مدن المغرب في هذه المحطة النضالية، وجددت من خلال تدخلاتها تضامنها المطلق ومساندتها لحراك فجيج الشعبي المتميز بطول نفسه وصموده.
وشكل هذا التجميع النضالي التضامني مناسبة للوقوف على أهم الدروس التي تميز بها هذا الحراك الشعبي، ونذكر منها على وجه التحديد التسيير الديمقراطي والجماعي لهذه التجربة النضالية، ودقة المطالب وتنوع أشكال النضال، علاوة على حضور النساء القوي في هذا التحرك الشعبي الذي مازال متواصلا بتنظيم وقفات احتجاجية أسبوعية.
أُختُتم برنامج تخليد هذه الذكرى بتنظيم حفل تكريم النساء المناضلات المساندات لنساء حراك فيجيج. وتعطي نساء فجيج مثالا ساطعا عن مكانة وأهمية نضال النساء الجماعي، ويبيًن أن انتزاع نساء المغرب المتحدرات من طبقات شعبية لحقوقهن لا ينفصل عن انخراطهن في المقاومات الشعبية.
كانت مشاركة جمعية أطاك المغرب في الأنشطة وازنة، وحضرت بخمسة ممثلين منهم الكاتب العام وعضوين من السكرتارية الوطنية وعضوتين من مجموعة أطاك الرباط وانزكان. كما نالت الجمعية شرف تكريم نضالي من التنسيقية المحلية للترافع عن قضايا مدينة فجيج
بقلم: فاطمة الزهراء البلغيتي.



