البيئةملفات دراسية

عن أية بدائل ندافع في ظل الازمة البيئية الراهنة ؟

عن أية بدائل ندافع في ظل الازمة البيئية الراهنة ؟

  • في جذور الأزمة البيئية

منذ القدم أدى تدخل الانسان إلى تدمير بعض الموارد الطبيعية و القضاء على بعض الحيوانات (قطع الغابات، تعرية التربة و صيد الحيوانات …الخ)، لكن تدخله كان ذا بعد محلي و قابل للإصلاح من طرف الطبيعة نفسها ويتميز هذا التدخل أساسا بكونه يجيب عن سد حاجياته الأساسية.

ومع انتصار النظام الرأسمالي في بداية القرن الثامن عشر في بريطانيا وبعد ذلك في  اوروبا ثم باقي دول العالم ومع التطورات اللاحقة التي عرفها، تغيرت قواعد التعامل مع الطبيعة :

إن الإنتاج الرأسمالي هو انتاج من أجل قيم تبادلية وليس من أجل قيم استعمالية كما كان عليه الامر قبل الرأسمالية، و إحدى مميزات هذا النمط الجديد في الانتاج هي  تحقيق فائض القيمة الذي يأخذ شكلا  مجردا أي على شكل نقود. ومن الواضح أن المراكمة على هذا الشكل يمكن أن تتم بلا حدود ، لذلك يتجاوز الانتاج الرأسمالي باستمرار كل الحاجيات الانسانية المتواجدة. هذه الخاصية هي مدخل للدينامية الانتاجوية الضخمة للرأسمال.  لهذا السبب ارتبط تدمير البيئة  بالمنحى العام نحو الانتاج الفائض عن الحاجيات وهذه احدى خاصيات الازمة البيئية الراهنة.

و ما يعمق هذه الأزمة هو السعي المتواصل و  بدون توقف من اجل تثوير (révolutionner) الانتاج والاستهلاك (يتم تحفيز وتعميق الاستهلاك عن طريق الاشهار بالإضافة إلى كل وسائل التحفيز الاخرى بما في ذلك أشكال التحفيز النمطية)، إنها خاصية إضافية جديدة للازمة البيئية الراهنة.

تطرح الدينامية الرأسمالية للمراكمة  سؤال حدود هذا التطور المجنون على كوكب موارده الطبيعية محدودة       و جزء كبير منها لا يعوض بعد استنزافه خاصة أن الرأسمال لا حدود له إلا الحدود التي يفرضها الرأسمال نفسه. و تنتشر مراكمة الرأسمال  على مستوى السوق العالمي ولا تتوقف نهائيا من تلقاء ذاتها طالما توجد ثروات للنهب ويد عاملة للاستغلال. و مادام الرأسمال أصبح معمما على المستوى العالمي، فإن استنزاف الموارد الطبيعية لم يعد ذا بعد محلي، لذلك فالأزمة البيئية لم تعد محلية ولكنها عالمية وتشكل هذه الخاصية، الخاصية الثالثة للأزمة البيئية الرأسمالية.

  • النتائج الكارثية للأزمة البيئية

ارتبطت الاشكال الأولى للتدهور البيئي لمجتمعات ما قبل الرأسمالية بسبب الممارسات الفلاحية الضعيفة الانتاجية الناتجة عن المجاعة. و بعد ذلك و منذ القرن الثاني عشر دمر الانسان جزءا من الغابات،  لذلك انتزع الاعيان الاوربيون هذه الغابات من الملك الجماعي لحسابهم الخاص بمبرر ضمان بقائها، لكن الحقيقة هي من أجل ضمان الخشب اللازم لصناعة السفن و للاستجابة لحاجيات الصناعة الناشئة كما قضى على العديد من الحيوانات: قضى الصيادون الروس مثلا على ما لا يقل على 250000 كلب بحري خلال اربعين سنة في نهاية القرن الثامن عشر كما تم تقليص الكثير من أنواع الحيوانات الاخرى.

غير أن الثورة الصناعية شكلت منعطفا نحو الدخول في الازمة البيئية الحالية، فاستعمال الالة البخارية التي تستعمل الفحم شكل مدخلا للأزمة البيئية الراهنة. وقد كانت النتائج مباشرة ومتعددة : تدمير لا رجعي للمشاهد المتواجدة في المناطق المنجمية، تلويث المياه، الارض و الجو خصوصا بواسطة المعادن الثقيلة التي يحتوي عليها الفحم(الرصاص والزئبق الذي يمكن لبخاره ان يصل إلى  كل انحاء الكوكب)، تحمض الأنظمة البيئية نتيجة لانبعاث الكبريت ويجب ان نضيف انبعاث ثاني اوكسيد الكاربون بكميات كبيرة.

وقد كان للثورة الصناعية أيضا نتائج بيئية غير مباشرة كانتشار الفلاحة الاحادية الموجهة للتصدير بالبلدان المستعمرة. ايضا تدهور الارض بسبب قطع الدورات الغذائية الناتجة عن التخلي عن اغذيتها الطبيعية واستعمال المواد الكيميائية، فالفلاحة الرأسمالية نشرت النترات على الارض إلى درجة أن الماء تشوهت في مناطق عدة من العالم وتقلصت الحياة المائية بسبب النقص من الاوكسجين. و فضلا عن ذلك يؤدي عدم امتصاص النترات إلى تحوله إلى اوكسيد نتري(oxyde nitreux) وهو غاز يساهم بشكل كبير في الاحتباس الحراري .

و منذ منتصف القرن التاسع عشر، اقترح باحثون استعمال الشمس كمصدر بديل للطاقة غير أن لوبي الفحم خنق مجهوداتهم التي كانت تهدد الأرباح الناتجة عن الهيمنة على عروق الفحم.

مع بداية القرن العشرين بدأ استعمال البترول، إنها الثورة الصناعية الثانية. و خلال بضعة عقود أنتجت الصناعة البتروكيماوية أكثر من مائة ألف جزيئة لم تكن موجودة في الطبيعة والبعض منها سام وضار بالإنسان وبالبيئة و لا يمكن للعوامل الطبيعية ان تحللها وإن حدث بالنسبة لبعضها فبصعوبة و خلال مدة زمنية طويلة.

لقد قادت الثلاثين سنة لما بعد الحرب العالمية الثانية بسبب التعطش للربح، الانسانية   إلى تزحزح بيئي كارثي لا رجعة فيه . واليوم فالشرط الضروري لكي لا يتجاوز  سطح الارض с°2.4 مقارنة مع ما كان الامر عليه قبل المرحة ما قبل الصناعية، هو تقليص الانبعاث الغازي على مستوى الكوكب ب 50 إلى 85 % من الآن إلى 2050 على أساس أن يبدأ العمل على أبعد تقدير خلال سنة 2015 . لا يمكن تحقيق مثل هذه النتائج دون القطع مع نظام الانتاجوية و إحلال مكانه نظام  يختلف جذريا في انتاجه وتوزيعه ويرتكز على هدف تلبية الحاجيات الانسانية الضرورية. ان الاحتمال الممكن اليوم، مع الأسف، هو ارتفاع حرارة سطح الارض ب с°4 في نهاية القرن الجاري مما سيودي إلى ارتفاع كبير في مستوى المحيطات و ما سينتج عن ذلك من نتائج كارثية ستؤدي إلى إغراق أجزاء هامة من كوكبنا. ستكون الدول الفقيرة أكثر وأول من سيتأثر بالتغيرات المناخية لكونها تخضع لتأثيرات ثلاثية: العالمية وثانيا لكونها لازالت تستعمل مواد طاقية تعود إلى ما قبل الثورة الصناعية كالفحم مثلا وثالثا لضعف الرقابة على المواد والأجهزة المستعملة وبذلك ستكون سباقة في التأثر بنتائج التغيرات المناخية :التصحر، الفيضانات الناتجة عن الامطار الإعصارية، صيف ساخن وشتاء بارد، تدهور خصوبة التربة …الخ

  • عن أية بدائل ندافع

يجعل البحث  المجنون عن الربح من النظام الرأسمالي، نظاما انتاجويا ، وهذه الخاصية وما ينتج عنها هي السبب الرئيسي في الأزمة البيئية الحالية. للحد من هذه الأزمة لابد من تغيير نمط الانتاج والاستهلاك، لا بد من تغيير علاقتنا مع الأغذية و طرق انتاجها ومع أنواع النقل ولا بد أيضا من تغيير علاقتنا بخصوص استعمال الطاقة. كل هذا يتطلب ضمان إحداث توازن بين الركائز الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية للدفاع عن أنماط تنمية اقل استهلاكا للطاقة وأكثر عدلا.

أليس من الحماقة و الجنون ان ينتج العالم اليوم ضعف ما يحتاجه من الغذاء( يتم اليوم إنتاج ما يكفي لحوالي أربعة عشر مليار انسان) مقابل انتشار المجاعة في عدة مناطق من العالم. فكم يحتاج الانتاج الزائد عن الحاجة من  إنهاك للإنسان ونهب للموارد الطبيعية وتبديد للطاقة؟ لماذا نستورد منتوجات فلاحية يمكن انتاجها محليا علما أن ذلك يضيف تكاليف نحن في غنى عنها : استعمال وسائل النقل، و هذا يعني استعمال اضافي للطاقة، خنق الطرقات و تلويث البيئة . يمكن طبعا ان لا نستورد إلا بعض المواد التي لا نستطيع انتاجها لكن منطق الربح غير بشكل عميق علاقة الانسان بمحيطه فانتشرت الزراعات الاحادية المخصصة للتصدير و التي تساهم في تدهور التربة و خصوبتها ، و أصبحت بلدان عدة تستهلك ما لا تنتج وتصدر ما لا تستهلك. و كم هو مكلف انتاج اللحوم و غير صحي؟ فإنتاج الدجاج مثلا تزايد بشكل كبير و انتاجه يتم في شروط غير صحية،  فكل دجاجة لا تتوفر إلا على مساحة لا تزيد عن ورقة من حجم A4  مما يحد من حركتها و يجعلها عرضة للأمراض و لا يتردد المنتجون في حقنها بمختلف المواد الكيميائية. أما انتاج اللحوم الحمراء التي تضاعف انتاجها خمس مرات ما بين 1950 و 2000 مقابل تضاعف الساكنة العالمية فقط،  فإنتاجها مكلف و مضر بالبيئة  : انتاج كيلوغرام واحد من اللحم يستدعي  استهلاك 7 كيلوغرامات من الحبوب وحسب منظمة الامم المتحدة للتغذية (الفاو)، فلتلبية هذا الطلب المتزايد، يجب مضاعفة الانتاج الفلاحي من هنا إلى 2050 بزيادة الاراضي المزروعة ولكن بأي ثمن؟ بالقضاء على الغابات، بتكثيف الفلاحات الاحادية، باستعمال المبيدات والكائنات المعدلة وراثيا، بتدمير الأنظمة البيئية و بفقدان التنوع البيولوجي.

هذه مجرد أمثلة، لكن على العموم تدمر الفلاحة الرأسمالية، اليوم، الانسان ومحيطه ولا تساهم إطلاقا في تغذيته الصحية. لذلك يجب التخلي عن الفلاحة الصناعية والكيميائية لحساب فلاحة بيئية.

أليس من الضروري ايضا تقليص انتاج المنتوجات الثانوية التي تعتبر سببا أساسيا في الاستهلاك الزائد و المبالغ فيه. فالحاجيات الانسانية الحقيقية لها حدود : التغذية، اللباس ، المسكن، العلاج…الخ  بينما الكماليات لا حدود لها والرغبة في استهلاكها غير طبيعية، لكن يتم خلقها و تحفيزها عبر وسائل مختلفة و من بينها الاشهار.

في اسطورة قديمة، نشب حريق في الغابة فهربت جميع الحيوانات إلا طائر الطنان(colibri) الذي كان يحاول إطفاء الحريق بالقطرات التي كان ينقلها بصعوبة . تعجب احد الحيوانات و قال: ” هل تعتقد إطفاء النار بهذه القطرات؟ ” فأجابه الطنان : ” أقوم بدوري”

أمام هذا الحريق المهول الذي يدمر الانسان و البيئة فليقم كل منا بدوره و لا ننجر امام السائد، اننا نعلم أن حماية بيئتنا يمر عبر القطع مع نظام ليس همه سوى مراكمة الارباح و لكننا لا نستطيع مع ذلك أن نشهد على التدمير الذي لم يسبق له مثيل دون فعل أي شيء . اليوم وقبل غد يمكننا ان نناضل من أجل :

  • تخفيض الغازات التي تساهم في الاحتباس الحراري بالشكل الذي لا يجعل من المحيطات خطرا على وجود الكائنات البرية و ضمنها الانسان .
  • نماذج تنموية تحترم الانسان و الطبيعة  و قادرة على تلبية حاجياته الضرورية.
  • تطوير فلاحة بيئية، تشجيع النماذج المعاشية المحلية وإحياء البدور الأصيلة.
  • التصدي لنمط الاستهلاك الزائد و اللامتناهي.
زر الذهاب إلى الأعلى