ملفات دراسية

سلامة وفعالية لقاحات كوفيد-19 المعتمدة بالمغرب :الجزء 3: شركات الأدوية الرابح الأكبر في زمن الجائحة

قـرار تلقيح الشعوب بيد شركات الأدوية وقلة من الخبراء

حصلت لقاحات كوفيد-19 على ما يسمى بـ”التراخيص الاستعجالية” وهي آلية بيد الشركات لتسريع الحصول على رخصة تسويق الأدوية، استند هذا الترخيص إلى نتائج تجارب سريرية غير مكتملة جرت في فترة زمنية قياسية ولم تسمح بدراسة حقيقية لفعاليتها وسلامتها ضاربة عرض الحائط القواعد العلمية لإجراء هذا النوع من التجارب، وجاء فرضها وتقديمها على أنها الحل الوحيد للخروج من الجائحة والتدهور الاقتصادي وانهيار المنظومة الصحية وتخفيف الضغط على مستشفيات كانت ولا زالت تعاني من ضغط دائم حتى في أوضاع ما قبل الجائحة تتجلى أساسا في قلة الطاقم الصحي وضعف التجهيزات الطبية وانهيار البنيات التحتية نتيجة عقود من الخوصصة المستمرة للخدمات الصحية العمومية.

بعد مرور شهور قليلة على أولى عمليات التلقيح تضاءلت نسبة الفعالية المزعومة المعلن عنها بداية في تصريحات مدراء الشركات المصنعة والتي كان الهدف منها طمأنة حاملي الأسهم والرفع من قيمتها، وبعد ذلك ما أعلنت عنه النتائج الأولية للتجارب السريرية لتنخفض وفق نتائج التجربة الثالثة وفي الواقع الحقيقي، وبعد الاستهداف الأوسع للأشخاص المراد تلقيحهم وفي كل مرة يظهر فيها تحور جديد يشكل مقاومة أكثر للقاحات، تزداد فيها الفعالية في التضاؤل.

لقد أصبح معلوماً أن لقاحات كوفيد-19 لا تحمي من الإصابة بالفيروس ولا تمنع انتشاره وهما مهمتين رئيسيتين للقاح فعال، ومعلوم كذالك أن المناعة تتضاءل في وقت قصير ما دفع إلى اللجوء للجرعة الثالثة وربما الرابعة. وبعد الترويج لفكرة اللقاحات منقذ العالم من الجائحة أصبح سقف حمايتها محصورا في الأعراض الخطيرة للمرض والوفاة وليست دائمة، خصوصا مع توالي ظهور متحورات جديدة لفيروس كورونا سيضع ما يسمى بالمناعة الجماعية حلما بعيد المنال. بالمغرب، نحن إزاء لقاح تم استعماله أو للدقة تجريبه على ملايين المغاربة بموازاة حملة من التعتيم والكذب، وجرى الترخيص له قبل ظهور ونشر النتائج الأولية للتجربة السريرية الثالثة وقبل الحصول على ترخيص المنظمة العالمية للصحة وبما أن هذه التجربة لازالت سارية لا يوجد تفسير لاعتماد لقاح “سينوفارم” خارج أن الدولة المغربية عملت على إقحام الملايين من الأشخاص قصرا في تجربة  سريرية لا زالت مستمرة.

تبسط شركات الأدوية خيوط شبكتها عبر العالم داخل المؤسسات العمومية المسؤولة عن وضع البرامج الصحية ومراقبة الأدوية وتمرر عبرها ما يصب في مصالحها المادية، وبلغت من قوة النفوذ درجة الانفلات من أية رقابة وهي المتحكم بالمغرب في مؤسسات الترخيص للأدوية ومراقبة  فعاليتها وسلامتها كمديرية الدواء والصيدلة.

هذا التحكم يأتي عبر قلة من الخبراء مشكوك في مصداقيتهم، يشرفون ويترأسون هذه المؤسسات الغارقة في الفساد، تلك القلة من يضع التوصيات والتوجيهات حول علاج ملايين المغاربة، وهم من أوصى بجواز التلقيح وهم من يشكل غالبية مصادر المعلومة الطبية، تجدهم يحاضرون في المؤتمرات الطبية الممولة من طرف شركات الأدوية ويشرفون على التكوين الطبي للأطباء والممرضين وطلبة كليات الطب والصيدلة ويشرفون على التجارب السريرية، كما يلعبون دور المؤثرين وتجدهم لا يغادرون بلاطوهات مختلف وسائل الإعلام، إن كان هؤلاء ما يمكن أن نسميهم بالمتخصصين أو الأخصائيين يجب طرح سؤال مصداقية المعلومة الطبية الصحيحة والدقیقة، وهي من حق المغاربة الحصول على المعلومة، والمؤسسات الصحیة الرسمیة بخبرائھا ومختلف لجانھا العلمیة والتقنیة ملزمة بتوفیرھا، لكن هذه المؤسسات وهي بوضعھا الحالي وطرق اشتغالھا تبقى ھذه المھمة بعیدة المنال، ويكفي التذكير أن هذه المديرية عرفت ثلاثة إقالات لمديريها منذ تنصيب أول مدير لها سنة 1997:

الأولى سنة 2001 ثم 2018 و2019، جميعها بسبب “شبهة فساد وتضارب المصالح” وما يؤكد مستوى الفساد داخلها، بعد مرور ما يقارب 18 سنة على إقالة أول مدير تم تعيينه وإقالته للمرة الثانية سنة 2019 بعد أقل من سنة على توليه هذا المنصب، والعديد من التقارير الرسمية حول هذا الفساد كتقارير اللجان الاستطلاعية العديدة التي شكلها البرلمان وتقارير المجلس الأعلى للحسابات والعديد من لجان التحقيق التي شكلتها وزارة الصحة وكلها دلائل كافية حول مستوى فساد هذه المديرية وغيرها من مؤسسات مراقبة جودة وفعالية وسلامة الأدوية واللقاحات بالمغرب.

شركات الأدوية الرابح الأكبر من معركة كورونا واللقاحات

منذ بداية الجائحة سجلت أسهم شركات الأدوية ارتفاعاً متزايدا خصوصا تلك المهيمنة على سوق لقاحات كوفيد-19، وعلى رأسها الشركات الأمريكية إلى جانب البريطانية “أسترازنيكا” أي المحتكرون التقليديون لصناعة اللقاحات ومعها الشركات الصينية والروسية. خلال سنة واحدة من 19 مارس 2020 أي بداية الشروع في إعلان النتائج الأولية للتجارب السريرية إلى 19 مارس 2021 ارتفعت قيمة أسهم نوففاكس بنسبة بلغت 1871 %، موديرنا 408 %، فايزر 23%  ، بيونتك 81% ، جونسون 26%، سينوفارم 23%، وشكلت أسترازنيكا استثناءا لهذا الوضع فقد عرفت في البداية ارتفاعا في قيمة أسهمها بنسبة 35%  في الفترة الفاصلة بين 19 مارس و 20 يوليوز 2020، وبعدها عرف انخفاضا لجزء منه نتيجة ما يمكن أن نسميه السمعة السيئة للقاحها، وخصوصا بعد التقارير حول الأعراض الخطيرة ومنها الجلطة الدموية أو تختر الدم ولجوء العديد من الدول إلى توقيف استعماله، مما دفع هذه الشركة إلى تغيير اسم اللقاح من “أسترازنيكا” إلى “فاكسفيريا” حتى لا يبقى اسمه التجاري موسوما بالأضرار التي يخلفها.      

مؤخرا قام تحالف يسمى “People’s Vaccine Alliance” ويضم العديد من المنظمات من بينها أكسفام ومنظمة العفو الدولية، بدراسة لمعرفة تأثيرات براءة الاختراع على أسعار لقاحات كوفيد-19 وعلى التوزيع العادل لها، جاءت نتائجها صادمة لكن منتظرة ما دام الأمر يتعلق بشركات لها تاريخ في ابتزاز الشعوب وحرمانها من الحق في العلاج، وقد أعلنت منظمة “أكسفام” عن الخطوط العريضة لهذه الدراسة في بلاغ صحفي بتاريخ 29 يوليوز 2021(15)  يشير إلى أن الكلفة الحقيقة لهذه اللقاحات تم تضخيمها على الأقل 5 مرات وتجاوزت نسبة ربح الشركات عليها 80%  وكلفة  تصنيع لقاحات فايزر و موديرنا لا تتجاوز 1,20 دولار …

يعتبر ارتفاع مبيعات وأرباح هذه الشركات جانبا من استفادتها من أزمة الجائحة أما الجانب الأخر والأكثر قيمة لديها هو الاستحواذ على براءة الاختراع، الضامنة لاحتكار صناعة لقاحات كوفيد-19 بيد قلة ولاستمرار أرباحها لسنوات عديدة.

إن النتيجة المباشرة لهذا الوضع هي حرمان الشعوب الفقيرة من الحق في التلقيح بافتراض أن هذه اللقاحات آمنة وفعالة. في الوقت الذي أعلنت فيه العديد من بلدان أوروبا وأمريكا الشمالية عن تلقيح نسب كبيرة من سكانها وصلت إلى أكثر من 70% لم تطلق بعد العديد من البلدان الفقيرة بإفريقيا حملاتها التلقيحية، ومع تزايد هذه الهوة اشتد الجدال حول حماية براءة الاختراع على لقاحات كوفيد-19 وجاء تصريح الرئيس الأمريكي بايدن كرئيس لبلد يضم أكبر وأقوى الشركات العالمية وأكبر سوق للأدوية في العالم مطالبا برفع براءة الاختراع كنوع من الالتفاف على هذا المطلب الذي يتطلب تحقيقه عن طريق مؤسسات المنظمة العالمية للتجارة الموافقة عليه من طرف أعضائها وهو ما لم يحصل، فكان موقف الرفض صراحة من ألمانيا و بريطانيا، وفي حالة الموافقة يتطلب تنفيذه إجراءات وتعقيدات قد تستمر سنوات في دهاليز هذه المنظمة باختصار استحالة تحقيقه بسلك هذه الطريق.

يجب المطالبة بإلغاء براءة الاختراع على لقاحات كوفيد-19 لسببين رئيسين، الأول أن الجزء الأعظم من الدراسات الأكاديمية والتجارب أجريت في مختبرات وجامعات ومستشفيات عمومية والثاني أن الأموال الضخمة التي وفرتها الدول لدعم البحث العلمي وإطلاق التجارب السريرية وعمليات التصنيع تم اقتطاعها من الميزانيات العمومية، ولنفس الأسباب طالبت بإلغائها منظمات وأحزاب عبر نداء عالمي ضم العشرات من التوقيعات كان من بين المبادرين له اللجنة العالمية من أجل إلغاء الديون الغير الشرعية(16)، كما يجب أن يشمل هذا الإلغاء جميع اللقاحات والأدوية الأصلية التي تعد عائقا كبيرا أمام توسيع الولوج إلى الأدوية الجنيسة الأقل كلفة.

منذ الأسابيع الأولى للجائحة انطلق الجدل حول لقاحات كوفيد-19 في الوسط العلمي والطبي وكذالك على المستوى الشعبي ضد “الجواز الصحي” ورفع مئات المحامون قضايا ضد مؤسسات عمومية في بلدانهم لعدم قانونية وشرعية هذا الجواز وغيره من الإجراءات التي تحد من حقوق وحريات عديدة لغير الملقحين ( ولوج بعض المؤسسات العامة والخاصة، الولوج للمستشفيات والمدارس وأماكن العمل ..) وعرفت العديد من البلدان احتجاجات ضمت تنوعا في الفئات المجتمعية المكونة لها.   

وتنوعا في الشعارات المرفوعة منها من هو مناهض لإجبارية التلقيح والجواز الصحي ومتحفظ ورافض للقاحات كوفيد-19 ورافض للتلقيح في مجمله ومن الشعارات من أخد طابعا سياسيا واجتماعيا، ولا يجب الحكم على هذه الاحتجاجات ببساطة من منطق وجود مناصرين لما يسمى بنظرية المؤامرة بل المطلوب تقييم اللقاحات برؤية علمية ونقدية مستندة على الدراسات والحُجج، كما لا يجب حصر مطلب رفض التلقيح الإجباري في ضرب حرية التنقل لغير الملقحين رغم أن هذا المطلب مشروع علميا وطبيا ما دام الملقحون يصابون بالعدوى ويساهمون في نشرها، ولكن يجب ربطه بسؤال أكبر وأعمق حول من يتحكم بالسياسة الدوائية للشعوب ومنها الشعب المغربي، وهل نحن أمام “ديكتاتورية صحية” عندما يكون هذا المتحكم قلة من  المختبرات والشركات وعلى رأسها عمالقة المركب الصناعي الدوائي والتي بدورها تتحكم فيها كبريات الأبناك وصناديق الاستثمار العالمية مثل “بلاكروك BlackRock و فانكارد Vanguard “(17) وحاملي أسهم لا شأن لهم بصحة البشرية التي تحتاج إلى طب حقيقي وليس طب الشركات.

عبد الواحد أحتيتش 

بتاريخ 11 شتنبر2021                                                                                                                      

جمعية أطاك المغرب

مـراجع

15-  بلاغ صحفي لمنظمة أكسفام حول براءة اختراع لقاحات كوفيد-19  

16-  النداء العالمي لإلغاء براءة الاختراع على لقاحات كوفيد-19

17- مقال منشور بموقع اللجنة العالمية لإلغاء ديون العالم الثالث بعنوان ” كيف تحولت مختبرات الأدوية إلى آلة لصنع المال وما هي آليات تحكمها في السياسة الدوائية؟

زر الذهاب إلى الأعلى