الحروب والعسكرةملفات دراسية

خمسة عشر عاما من الحرب على الإرهاب

خمسة عشر عاما من الحرب على الإرهاب

رابط النص الأصلي بالانجليزية https://redflag.org.au/node/5471

في شهر شتنبر هذا تكون قد مرت خمسة عشر سنة على اليوم الذي حولت فيه الولايات المتحدة مأساة الهجمات على مركز التجارة العالمي إلى تبرير لسنوات من الوحشية والرعب، تحملتها شعوب الشرق الأوسط.

الحرب على “الإرهاب”، التي شنتها إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش في الأسابيع التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أزالت الستار عن الوحشية العارية للإمبريالية الأمريكية. ولقد تجاوزت هذه الحرب حدود أفغانستان، التي اجتاحتها الولايات المتحدة أولا، وصولا إلى العراق واليمن وباكستان وغيرها لإخضاع شعوب هذه الدول لعنف مخز.

لم تشن هذه الحرب أبدا بغرض غرس الديمقراطية أو حماية حقوق الإنسان؛ بل لتوسيع سلطات الولايات المتحدة التي ارتأت في الأمر فرصة لاحتلال وإعادة رسم حدود الشرق الأوسط، بهدف السيطرة على احتياطاته من النفط، مأمنة  بهذا نفوذا ضد منافسيها الاقتصاديين، وضامنة لربح اقتصادها وهيمنته مستقبلا.

وتعتبر مدينة الفلوجة بالعراق خير دليل على الخسائر البشرية التي تسبب فيها المشروع. دمرت المدينة ثلاث مرات منذ بداية الغزو سنة 2003.  المدينة التي كانت موطنا لساكنة نشيطة بلغت 300.000 نسمة، دمرت إلى أنقاض سنة 2004، لما فرض جنود الولايات المتحدة الحصار على المدينة مرتين، طالقين العنان لموجة من القمع الوحشي ضد المدنيين. أطلقت القوات النار وقتلت المتظاهرين بشكل عشوائي وأقامت قصفا جويا دام لأسابيع وأغرقت المدينة بالفسفور الأبيض.

تسبب التعرض إلى اليورانيوم المنضب، المستعمل ضمن أسلحة الولايات المتحدة، في زيادة قدرها أربع أضعاف في معدل الإصابة بالسرطان في السنوات ما بين 2004 و 2010، وزيادة بلغت إثنا عشر ضعف على مستوى إصابة الأطفال بهذا المرض، وفقا لدراسة أجراها الطبيب كريس باسبي تحت عنوان “السرطان ووفيات الرضع ومعدلات الولادة بين الجنسين في الفلوجة، العراق 2005-2009” (“Cancer, infant mortality and birth sex-ratio in Fallujah, Iraq 2005-2009″).

لقد قادت أبحاث باسبي المكثفة إلى استنتاجه أن تداعيات السموم المخلفة بعد هجوم الولايات المتحدة على المدينة أسوء من معانات الناجين من القنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما ونكازاكي (جريمة أخرى للإمبريالية الأمريكية).

وفي عام 2013، صرح أطباء الأطفال بمستشفى الفلوجة العام لصحفيي قناة الجزيرة أنه في كثير من الأحيان، ولد أطفال مع تشوهات خلقية عديدة ونادرة وشديدة، حتى أن الأطباء لا يملكون اسما طبيا للحالات التي تسبب فيها.

ويجري حاليا تنفيذ الأعمال الوحشية، التي ارتكبتها القوات الأمريكية في السابق بالفلوجة، من قبل النظام التابع الذي جرى تثبيته بعد سقوط صدام حسين. وفي يونيو، أصبحت الفلوجة مرة أخرى مسرحا للدمار الشامل، وهذه المرة كانت قوات الحكومة العراقية والميليشيات التابعة لها وراء الهجوم. لكن الأمر يتم اليوم باسم حماية المدنيين من بطش داعش، وهي القوة التي نشأت من الانقسامات الطائفية التي عمقتها سنوات من تدخل الولايات المتحدة في المنطقة.

وبعد خمس سنوات عن إعلان أوباما انتهاء الاحتلال الأمريكي للعراق و”سحب” القوات “رسميا”، صرحت هيومن رايتس ووتش إن الساكنة المتبقية في الفلوجة حاليا تتضور جوعا وتقتات بالكاد على خبز بذور التمر وحساء الأعشاب. وقد اضطر معظم سكان هذه المدينة إلى النزوح وهم الآن منسيون في مخيمات اللاجئين. وفي إحياء ذكرى ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، فإنه من غير المحتمل أن يطلب من ضحايا الفلوجة سرد قصصهم مع الحرب. وقال صباح حسن، وهو لاجئ مسن من الفلوجة مقيم في مخيم للاجئين خارج بغداد، في تصريح حديث لقناة الجزيرة: “المدنيون وحدهم يدفعون ثمن الصراع. ليس من العدل أن يحصل معنا هذا، نحن لم نفعل شيئا.”

لم يكن القتل والتشويه كافيين؛ فلقد حاولت الولايات المتحدة أيضا التفريق بين أفراد الشعب المحاصر وإرهابهم حتى يخضعوا لها. كما أنها سعت للتخلص من مقاومة الاحتلال عن طريق تعذيب الآلاف في السجون، مثل سجن أبو غريب الذي لم يشتهر اليوم سوى بسمعته السيئة.

عدد القتلى

تقول الأرقام التي جمعتها منظمة أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية (PSR) في مارس 2015 أن الحرب على الإرهاب تسببت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في قتل حوالي مليون شخص في العراق، و 220.000 في أفغانستان و 80.000 في باكستان – ليبلغ إجمالي عدد القتلى 1.3 مليون. وهذا التقدير يضل متحفظا، فلقد خلص الباحثون إلى أن معدل الإصابات الحقيقي ربما يقرب بكثير للمليونين.

روج انتخاب أوباما عام 2008 على أنه السبيل إلى وضع حد لحروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. غير أن الرئيس الحائز على جائزة نوبل للسلام أشرف على زيادة عدد القوات في أفغانستان وأذن لمزيد من العمليات العسكرية في باكستان واليمن والصومال وسوريا وليبيا، في توسيع لنطاق الحرب وتصعيد في اعتماد حرب الطائرات بدون طيار.

ووفقا لمكتب الصحافة الاستقصائية (Bureau of investigative Journalism) فإن هجمات الطائرات بدون طيار قد تسببت في مقتل أكثر من 7000 شخص، منذ سنة 2002. ولم تأخذ بعين الاعتبار هنا غارات الطائرات بدون طيار على العراق وسوريا – والتي ترتفع في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة للحفاظ على وجودها العسكري في المنطقة دون تكبد عناء نشر المزيد من القوات على الأرض.

وعلى الرغم من هذا التوسع، لم تستطع الولايات المتحدة تحقيق أهدافها. وفي الحقيقة فإن مكانة الولايات المتحدة العالمية قد ضعفت، بعد 15 عاما من الحرب.

هجوم عالمي ضد الحريات المدنية

تطلب تبرير هذه الجرائم ضد الإنسانية خلق مناخ هستيري من الخوف. أصبح لهيب الإسلاموفوبيا وتشويه المسلمين وتجريمهم وسيلة أساسية استعملتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون كعذر يسمح بالتدخلات الامبريالية والهجوم الجماعي ضد الحريات المدنية.

كما يجسد خليج غوانتانامو في كوبا هذا الأمر. حيث إن الولايات المتحدة اعتقلت به وعذبت متهمين مشتبه بتورطهم بتهم الإرهاب. وقد سجن ما يقارب 800 شخص بين جدران غوانتانامو من بينهم 674 لم توجه ضدهم أي تهم. هؤلاء الناس هم ضحايا الحرب على لإرهاب، ضحايا دمرت الإمبريالية الأمريكية حياتهم.

وقد قدمت إدارة بوش قوانين مكافحة إرهاب صارمة، مثل قانون الوطنية الأمريكي (Patriot Act) – تمت الموافقة عليه عام 2001 لأسباب، من بينها ترهيب المعارضة الداخلية للحرب. كما قامت الحكومات في جميع أنحاء العالم بالمثل، مستغلة فرصة توسيع سلطات الدولة ومواصلة التجسس على مواطنيها وقمعهم بدعوى “مكافحة الإرهاب”. كما قامت إدارة أوباما بتوسيع دولة الأمن داخل الولايات المتحدة، وهي تسعى بسرعة إلى متابعة كاشفي الفساد، مثل تشيلسي مانينغ، التي كشفت ببطولة فساد الإمبريالية الأمريكية.

داخل بطن الوحش

لطالما تماشت حروب الرأسمالية جنبا إلى جنب مع الحرب الطبقية ضد العمال في البلدان المتحاربة. والحرب على الإرهاب مثال على ذلك. وفي تقدير جزئي للتكاليف يشير نيتا س. كراوفورد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بوسطن والمدير المساعد لمشروع تكاليف الحرب (Costs of War Project)، إلى أن الحرب على الإرهاب كلفت حتى الآن مبلغا ضخم بلغ 1.8 تريليون دولار.

وفي الآن نفسه، تحمل عمال الولايات المتحدة وطأة الأزمة، منذ الأزمة المالية العالمية في 2007-08، بالرغم من إنقاذ مصرفيي وول ستريت. وبينما يتم تجاهل سكان مدن مثل ديترويت، التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة، ويخفض تمويل المدارس العمومية والبنية التحتية، تبقى ميزانية الجيش الأمريكي في ارتفاع. فالمال متوفر دائما من أجل المجازر الإمبريالية.

مقاومة الحرب

لن يكتمل أي تأمل في السنوات الخمسة عشر الماضية دون تذكر لما أثارته الحرب على الإرهاب من احتجاجات لم يسبق لها مثيل. فلقد شهد شهر فبراير من سنة 2003 أضخم احتجاج من يوم واحد مناهض للحرب في العالم بأسره، وذلك قبل أن بدأ تساقط القنابل على العراق. وفي جميع أنحاء العالم، أدرك الملايين حقيقة خطابة وأكاذيب قادتهم المؤيدين للحرب ونزلوا إلى الشوارع رافضين “سفك الدماء من أجل النفط”

كانت لأوربا حصة الأسد من المظاهرات. وخرج 250.000 شخص في مسيرة بملبورن الأسترالية. كما تظاهر نصف مليون شخص في هايد بارك بسيدني، بالإضافة أيضا إلى مظاهرات احتضنتها كل مدينة أخرى تقريبا في البلاد. وكانت هذه التحركات أكبر من الوقفات، ذائعة الصيت، المناهضة لحرب الفيتنام التي شهدتها سبعينيات القرن الماضي.

وعلى الرغم من حجمها، لم تكن بضعة من الاحتجاجات قادرة، لوحدها، على إيقاف شر الإمبريالية، العازمة على فرض سلطتها عبر العالم عن طريق الحرب. وعلى أية حال، فإن بوش ومقربيه من الغربيين استطاعوا ردع المعارضة العالمية للحرب، وقصف وغزو العراق. ومع ذلك، فإن الاحتجاجات أبانت عن قدرة هائلة للناس على إظهار تضامنهم الدولي، بالرغم من سياسة “فرق تسود” التي تنهجها حكوماتنا. كما أن هذه الاحتجاجات تظهر أن الناس أكثر من قادرين على مقاومة النظام، بالنظر إلى كل الأذى الناتج عن الرأسمالية. قد يكذب حكامنا ويضحون بأكباش الفداء ويقمعون شعوبهم، ولكن وحشية الرأسمالية، التي لطالما تظهر بشكل جلي أوقات الحرب، تلهم الثورة حتما.

وما أثبتته السنوات الخمسة عشر الأخيرة من الحرب، أكثر من أي شيء آخر، هو ضرورة مقاومة الإمبريالية.

ترجمة: أحمد ادريبي علوي

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى