Site icon أطاك المغرب

المغرب : حراك واحة فكيك من أجل الحق في الماء ضد الاستحواذ والاستبداد

أضحت شعارات “نريد إسقاط الشركة ” و”مياه واحة فجيج خط أحمر” مألوفة لدى متابعي- ات وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. لا يمر يوم أو يومان إلا ويلتقط المتصفح خبرا أو صورا لوقفة أو مسيرة احتجاج أو اعتصام في فكيك. إنه احتجاج سكان الواحة ضد خوصصة الماء. فالكل، نساء ورجالا وأطفالا وشبابا/ات يخرج احتجاجا منذ نونبر 2023، ضد قرار المجلس الجماعي بتفويض خدمة توزيع الماء الصالح للشرب لشركة الشرق الجهوية.

ينوِّع المحتجون- ات أشكال احتجاجهم- هن، فمرتين في الأسبوع تتخللها مسيرات، ومهرجانات خطابية، وقوافل بالدراجات الهوائية والشاحنات، وإضرابات عامة واعتصامات.

أدمجت السلطات جماعةَ فكيك ضمن المجموعات الترابية لجهة الشرق المعنية بتنفيذ المرحلة الأولى من القانون رقم 21-83- ظهير 12 يوليوز 2023- المتعلق بإنشاء الشركات الجهوية متعددة الخدمات (توزيع الماء والكهرباء وخدمات الصرف الصحي والتطهير السائل والإنارة العمومية).

فكيك: أرقام دالة

 يقع إقليم فجيج في أقصى جنوب جهة الشرق، وتحده شرقا حدود الجزائر، وجنوبا إقليم الراشيدية، وشمالا كل من إقليمي جرادة وجرسيف، وغربا إقليمي بولمان وميدلت. يبلغ عدد السكان 10872 نسمة. يعتمد اقتصاد الإقليم على تربية المواشي ونشاط منجمي ( البارتين والزنك…) قل إنتاجه تدريجيا بفعل الاستغلال المكثف. في حين يبقى تأثير أنشطة اقتصادية أخرى ضعيفا كالفلاحة والصناعة التقليدية والتجارة والسياحة. تشكل تربية الماشية والنشاط الفلاحي نشاط المنطقة الاقتصادي الرئيس المتأثر بالجفاف.  تبلغ نسبه البطالة حسب إحصاء 2014 19،7%. يعد الفقر سمة مميزة لعيش السكان “حيث أن فجيج من أفقر الأقاليم على المستوى الوطني حسب خريطة الفقر متعدد الأبعاد التي أعدت من طرف المندوبية السامية للتخطيط” (1).

يشهد إقليم فكيك وفكيك الجماعة تراجعا لعدد سكانه بفعل ضعف النشاط الاقتصادي وسنوات الجفاف المتتالية حيث تقلصت بنسبة 1،4% وفق الإحصاء الأخير. في حين ظلت نسبة تطور نسبة السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و59 قليلة، لتنتقل من 56،4 % في سنة 2004 إلى نسبة 58،7 % سنة 2014، ما يدل على تراجع معدل الخصوبة وهجرة كبيرة للسكان. وهو ما يبين ارتفاع معدل النشاط الاقتصادي للنساء ما بعد سن 25 عند إجراء مقارنة معدلات النشاط الخاصة بالإحصاءين 2004 و2014. 

أما عن وضع الصحة في الإقليم. يوجد مستشفى عمومي وحيد في بوعرفة مفتوح في وجه سكانه يبلغ عددهم 138325 من 13 جماعة:  بلديتان و11 جماعة قروية، وبِسِعة من الأَسِرَّة تبلغ فقط 180 سرير و45 طبيب منهم 29 مختصا (2)، لا يجدهم زائروا المستشفى لغياب التجهيزات الضرورية أو لأنهم موجودون في وثائق وزارة الصحة فقط. أما مستشفى واحة فكيك الجماعة الذي انطلقت أشغاله منذ العام 2011 فلم يفتتح، لكن تحت ضغط الحراك الجاري أعلنت الدولة بأنها سيبدأ العمل به في الشهور القادمة.

أكذوبة شعارات “محاربة” الفقر

رفع زعماء العالم في عام 2000 شعار “معالجة مشكل الفقر”، في لقاء الألفية للأمم المتحدة، الذي خلُص إلى ما أُطلق عليها “الأهداف الإنمائية للألفية”؛ تمثلت في الحد من الفقر المدقع والجوع و تحقيق التعليم الابتدائي للجميع، تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، خفض معدل وفيات الرضع، تحسين صحة الأمهات، مكافحة فيروس نقص المناعة البشري والملاريا وأمراض أخرى، ضمان بيئة مستدامة، إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية.

   تلقفت الدولة المغربية توصيات وشعارات المؤسسات المالية حول سبل الحد من الفقر، وضمَّنتها في تقرير “الخمسينية” الذي فرش الطريق لإطلاق برامج تدَّعي تقليص الفقر والتهميش والإقصاء وإنهاء العزلة عن المناطق القروية والجبال عبر تمكين المواطنين من الخدمات الأساسية (تعليم وصحة وشغل وكهرباء وماء شروب وسكن وشبكة طرق…) في انخراط تام في سياسات الاندماج النيوليبرالي؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، نظام المساعدة الطبية، المخطط الاستعجالي، برامج السكن، وبرامج شغل عديدة، ومؤخرا الحماية الاجتماعية المعمَّمة.

لم يكن لهذه البرامج أثر يذكر، سوى تلطيف آثار السياسات النيوليبرالية على أكثر ضحاياها بؤسا وفي نفس الوقت إدماجهم- هن قسرا في دائرة الاقتصاد النقدي/ الرأسمالي عبر “مشاريع مدرة للدخل” وسياسة القروض الصغرى … إلخ. استمر خفض ميزانيات القطاعات الاجتماعية وارتفعت المعيشة بفعل إلغاء دعم الأسعار بموازاة تجميد الأجور، وفي المقابل تحفيز ودعم شديدين للقطاع الخاص عبر تشجيع ومواكبة جريئتين لخوصصة كل الخدمات الاجتماعية (التدبير المفوض). إن هذا الأثر يبرز بين الفينة والأخرى من خلال الاحتجاجات الدورية لفلاحي- ات وكادحي- ات القرى. وقد عبر المناضلان إريك توسان وداميان مييه في كتابهما المشترك عن هذ الوضع بقول “كان الفشل واضحا بالفعل في منتصف الطريق. أولا طريقة طرح المشكلة خاطئة أساسا. كيف يمكن أن يكون الهدف المركزي هو الحد من الفقر وليس القضاء عليه، في حين أن البشرية لديها وسائل كثيرة لانتشال الفقراء من البؤس؟ توجد كل الأسباب للاعتقاد بأنها لن تتحقق حتى، وبعضها يتعلق بمجالات ساءت فيها الحالة بالفعل في بلدان عدة. رغم كل التلاعبات الإحصائية لإخفاء الوضع، إلا أنه يمثل إخفاقا حقيقيا لسياسات الحد من الفقر الحالية” (3).

هذا الإخفاق في معالجة فعلية لحاجيات السكان يوازيه اليوم  هجوم جارٍ للرأسمال العالمي بهدف تسليع كل شيء. وقد أضحى الماء، هذه المادة الحيوية، هدفا معلنا للقطاع الخاص. أصبح للماء محتكِرين، فمن شركات تبيعه في قنينات إلى مستثمرين يستنزفونه من أجل فواكه موجهة للتصدير دون مراعاة مجتمعات السكان المحلية. إن استنزاف الماء وتوالي سنوات الجفاف المرتبطة بالتغيرات المناخية تجعلنا في قلب أزمة ماء وشيكة تهدد حياتنا.

بداية احتجاج كادحي- ات سكان واحة فكيك

البداية كانت  بتاريخ 1 نونبر 2023، حين قام  مجلس جماعة فكيك، بالتصويت في دورة استثنائية، لصالح تفويت خدمة تدبير المياه إلى شركة “مجموعة الشرق للتوزيع”، بعد رفضه بالإجماع تمريرَ نفس المقرر (رفض الانضمام إلى الشركة الجهوية) في جلسة 26 أكتوبر من نفس السنة. ما دفع السكان إلى الخروج للشارع رفضا من جهة لسلوك أغلبية مجلس الجماعة واحتجاجا ضد تفويت مورد الماء إلى الشركة ما يجعله سلعة في يد القطاع الخاص الباحث عن الربح.

“الديمقراطية المحلية” خادمة الاستبداد النيوليبرالي المركزي

بعد رفض المجلس قرار الانضمام للشركة الجهوية في دورة 26 أكتوبر 2023 (4)، استدعى عامل الإقليم أعضاء المجلس الجماعي (5) من أجل عقد دورة استثنائية، في 31 أكتوبر، للتصويت على المشروع نفسه ولكن هذه المرة “بالموافقة”، وهو ما حصل. تراجع المجلس الجماعي عن القرار الأول (عدم الموافقة) بعد ضغط من عامل الإقليم. هذه هي الديمقراطية المحلية التي تتغنى الجهوية الموسعة بها وبإشراك السكان المحليين في القرارات.

لم يقتنع سكان الواحة بتطمينات ووعود عامل الإقليم بعدم رفع التسعيرة، وبأن الشركة تابعة للدولة والطريقة الفجة للتراجع عن قرار لم يدم سوى 5 أيام ونتائج النضالات السابقة، بل زادت من اقتناعهم بتلاعب أجهزة الدولة. ليس مرد الاحتجاج أهمية مورد الماء بالنسبة للسكان ورفض تسليع هذه المادة الحيوية فحسب، بل حمل الاحتجاج أيضا يافطات المطالبة بحقوق العيش الكريم والعدالة الاجتماعية. الجميع على وعي في فكيك أن منطق القطاع الخاص هو تحقيق أكبر قدر من الأرباح ولن تحترم أعراف السقي التي وضعها فلاحو الواحة منذ القدم، ولن ينفَّذ التزام عامل الإقليم بعدم رفع التسعيرة. إن منطق الربح ورأس المال لن تحد منه تطمينات أجهزة الدولة؛ فتحرير أسعار خدمات الماء والكهرباء وتطبيق التعريفة الحقيقية بعد إلغاء الدعم عنها في صلب إعادة الهيكلة التي تعرض لها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب تحت مهماز البنك وصندوق النقد الدوليين.

تاريخ واحة فكيك، تاريخ تدبير مائي عقلاني… بدأ يتراجع

يدبر سكان واحة فجيج الفلاحون- ات المياه بإحكام. فالماء يشكل موردا أساسيا في واحة يعتمد إنتاجها على التمور. اكتسب شكل تدبير الماء في موقع الواحة الجغرافي في منطقة صحراوية استحقاق SIPAM من منظمة الأغذية والزراعة في العام 2022. إن نظام SIPAM (الأنظمة المبتكرة للتراث الزراعي العالمي) يضمن التنوع البيولوجي الزراعي الغني من خلال تكيف المحاصيل والأنواع مع بيئة فجيج الصحراوية. يعود الفضل في ذلك لشبكة توزيع معقدة، تحفظها تقاليد متوارثة “التويزة”(6) من خلال مجالس الفلاحين العرفية حفاظا على توزيع عادل ومنصف للماء.

منذ زمان شكلت مياه العيون مصدر الشرب الأساسي الوحيد بعدها تأتي الآبار قرب المساجد أو في الحمامات لتلبية باقي الاحتياجات. ثم شهدت قصور فجيج في ستينيات القرن الماضي إنشاء شبكة لتوزيع مياه الشرب ساهم فيها الفلاحون ماليا وميدانيا من خلال أعمال الحفر والأشغال المرتبطة بها. شكل الماء لدى سكان الواحة موضوعا حيويا لضرورته، وأيضا للما يفترضه من احتضان جماعي وتآزر وتعاون في كل مراحل تطور استعمالات الماء من التويزة حتى الإشراف على إنشاء شبكة توزيع الماء الصالح للشرب.

حسب فلاحي فجيج توجد فرشة مائية واحدة توفر في نفس الوقت الماء الشروب ومياه السقي التي يستفيد منها الفلاحون وفق تقاليد وأعراف تحترم الماء واستفادة الجميع بالتساوي. تعتمد الواحة في السقي على المياه الباطنية، حيث العيون دائمة الجريان. ما شكل فرصة لإقامة استغلاليات فلاحية على الأطراف الغربية للواحة، تتغذى من الفرشة المائية التي تتعرض حاليا لموجة من الملوحة بسبب الاستغلال المفرط للفرشة المائية.

تدبيرُ هذا المورد الموروث عن قرون من تكيف السكان مع محيطهم، هو ما تضعه الدولة رهن إشارة الشركة الجهوية؛ لا يتعلق الأمر بمحض خوصصة بل بتدمير كلي لنمط عيش محلي صمد طيلة قرون، كما تستولي الشركة الجهوية على ما بُني من المال العمومي، حيث يمنح لها القانون المُحدث لها إمكانية استغلال كل ما أنشأته المؤسسة العمومية السابقة (المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب). إنه الاستحواذ في أبهى تجلياته.

قانون الشركات الجهوية

صدر هذا القانون في 12 يوليوز 2023 حيث نص في المادة 1 على “عقد التدبير: عقد يعهد بموجبه صاحب المرفق إلى الشركة الجهوية بتدبير المرفق…”، أي أن من حق الجماعات الترابية إقامة عقد تدبير خدمات توزيع الماء يُعهد إلى الشركة الجهوية متعددة الخدمات في حدود مجالها الجغرافي. وفي المادة 2 تقوم الشركة بـ”تحصيل الرسوم أو الأتاوى، أو الأموال أو المساهمات، أو الفواتير…”. وسمح القانون أيضا بفتح الشركات الجهوية الباب على مصراعيه أما القطاع الخاص من خلال مادته 3 التي تقول “يمكن للشركة فتح رأسمالها للقطاع الخاص على ألا تقل، في جميع الأحوال، مساهمة الدولة عن 10 بالمائة”. وتتيح المادة 4 للشركات الجهوية أي الشركات الخاصة الربحية بعد استحواذها على الخدمة حق انتزاع الملكية تحت ذريعة المنفعة العامة التي ليست سوى منفعة خاصة تعود بالأرباح على البورجوازيين الفاعلين داخل الشركات الجهوية. كما كانت الدولة سابقا هي التي تقوم بنزع الملكية من أجل المنفعة مستقوية بالقانون، أصبح بقدرة وسطوة البورجوازية حقا من حقوق القطاع الخاص، حيث تنص المادة على التالي “تستفيد الشركة، لأجل إنجاز غرضها، من حق الارتفاق… في ما يخص منشآت وقنوات توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل، ومن حق نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت طبقا للتشريع الجاري به العمل”.

وجاء  في المادة 4 “كما تستفيد الشركة من جميع الحقوق والامتيازات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل لفائدة المستثمرين أو منعشي المشاريع الصناعية”. سيتمكن  هذا النوع من الفاعلين الخواص من حق الحصول على الاقتراضات من الأبناك بناء على ضمانات تدبير القطاع العمومي وتحميل أدائه للجماعة أو صاحبة المرفق وفق المادة 9 من القانون التي تنص على “يسهر صاحب المرفق والشركة على الحفاظ على التوازن المالي لعقد  التدبير”.

تضمنت المادة 5 “شروط التعاقد من الباطن”، التي فُصِّلت في المادة 10 بالقول “يمكن للشركة… أن تَعهد إلى أشخاص اعتباريين خاضعين للقانون الخاص، بموجب عقود… ببعض من المهام الموكولة إليها…”، فهو يعني أنه لن يكون دفتر التحملات الموقع والمشار إليه في نهاية المادة 5 أي قيمة بالنسبة للعمال الذين سيتم تحويلهم من المكتب الوطني للماء والكهرباء لأنهم قد يجدون أنفسهم مرة أخرى تابعين لشركة من الباطن غير تلك الأولى التي استلمت الأشغال منذ البداية. هكذا ستبدأ دوامة من يشغل من؟ ومن يؤدي الواجبات؟ هل الشركة الجهوية أم الفاعل الخاص الذي استثمر في الشركة الجهوية أم الشركة الخاصة التي تقوم بأشغال  وفق عقود من الباطن؟ وهناك سوابق تاريخية أكدتها احتجاجات عمال شركة ليديك في مدينة الدار البيضاء ضد تفويت الصندوق الجماعي للتقاعد CCR إلى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والضغط المادي والمعنوي من أجل إحالتهم على التقاعد قبل الأوان، وحرمان أغلبية العمال من التوصل بنسخة من عقدة التأمين عن الوفاة و حرمان الأرامل من حقهم في هذا التأمين، فضلا عن مصير آلاف عمال قطاع النظافة التي فُوض تدبيرها لشركات خاصة.

كما جاء أيضا في المادة 11 “يضع صاحب المرفق مجانا رهن إشارة الشركة وطبقا لعقد التدبير المنقولات والعقارات اللازمة لتدبير المرفق… لا سيما ما يلي: مجموع منشآت وتجهيزات التوزيع والمنشآت ذات الصلة بتوزيع الماء الصالح للشرب المنجزة بين نقطة التزويد بالماء من طرف الممون ونقطة ربط الزبون بالخدمة، خاصة منشآت التخزين وقنوات التوزيع ومحطات الضغط والتعقيم والمعالجة والتجهيزات المتعلقة بالربط والعد… مجموع العقارات الأخرى المخصصة بحسب طبيعتها للمرفق، كالآليات والمكاتب والمختبرات والمخازن والمحلات السكنية والأوراش، والبرامج والبرمجيات المعلوماتية بما فيها قواعد البيانات المرتبطة بالمرفق”. هنا يتبين بالواضح أن الدولة توفر البنية التحتية العامة والمنشآت اللازمة لفائدة الرأسمال الخاص مجانا دون أن يؤدي فلسا واحدا لقائها.

للنضال تاريخ في فكيك

شهدت منطقة ” العرجة” (لتي كانت سابقا تابعة لإقليم فكيك) ذات أشجار النخيل الكثيرة (مارس 2021)  احتجاجات إثر طلب السلطات الجزائرية من الفلاحين الرحيل عن الضيعات (7) التي يفلحونها منذ عقود تحت مبرر أنها تعود لدولة الجزائر. نظم الفلاحون السكان وهيئات المجتمع المدني احتجاجات، يطالبون السلطات المغربية بالتدخل لوقف عمليات إبعاد المزارعين من ضيعاتهم التي أفنوا أعمارهم في زراعتها،. وتحمل الدولة المغربية مسؤولياتها في الدفاع عن أراضيهم. وكانت إحصائيات خبراء ومزارعين قد بينت بأن الضيعات التي شملها قرار السلطات الجزائرية تضم زهاء 70 ألف شجرة نخيل تشكل مصدر عيش الأسر الفلاحية. ولا يزال إلى غاية اليوم بعض الفلاحين ينتظر التعويض العيني على فقدان أشجار النخيل وتمكينه من أرض أخرى لاستغلالها. لقد شهدت المنطقة (حسب الفاعلين في حراك فجيج) اقتطاع 60% من الأراضي الفلاحية الجيدة لصالح الجزائر.

كما أن فكيك من المناطق الأكثر فقرا في المغرب وسبق لها أن كانت عرضة للانتهاكات خلال سنوات الجمر والرصاص بداية سبعينيات القرن الماضي(8).

كما شكلت رداءة الوضع الصحي بفجيج موضوع احتجاجات عديدة بالإقليم. فالمستشفى الإقليمي بناية شبه فارغة لأن طاقم الطب والتمريض قليل والتجهيزات منعدمة وكل وعود توفيرها ذهبت أدراج الرياح. آخر الاحتجاجات كانت يوم  16غشت  2023 بوقفة احتجاجية أختتمت بمسيرة جابت الشارع الرئيسي للواحة. ردد المتظاهرون خلالها شعارات تنديد بتدهور القطاع والتماطل غير المبرر في تعيين طبيب قار ومقيم بالمستوصف المحلي. وهذه الاحتجاجات تذكر بتلك التي شهدها إقليم فكيك في يوليوز من العام 2021، على إثر وفاة شاب في المستشفى كان من الممكن إنقاذه حسب المحتجين لو وجد الطاقم والتجهيزات الضروريين. 

الحراك: النساء والشباب والأطفال

تتشكل تنسيقية الحراك من السكان وبإمكان أيً كان المشاركة في اجتماعاتها بكل ديمقراطية وتتيح الاجتماعات نقاشات حول الخطوات النضالية بكل أريحية لأن الناس تربطهم صلات اجتماعية وطيدة في واحة صغيرة. أظهر تنظيم أشكال النضال التي تنقلها صفحات الإعلام المحلية تآخيا منقطع النظير وتعاونا يشكل مدرسة لأجيال النضال القادمة. لم تقتصر مطالب الحراك على رفض خوصصة الماء بل رُفعت مطالب اجتماعية تهم الوضع الصحي ورفع التهميش وتشغيل الشباب وتعويض الفلاحين المتضررين من الطرد من منطقة العرجة الفلاحية… لفت مطالب الحراك الحقيقية كل سكان فكيك حولها، شبابا وشيبا، نساء ورجال. كان رفض تسليع الماء، الشجرة الأولى من غابة تردي الوضع الاجتماعي لقرية انهكتها سياسات طبقية لا شعبية.

النساء

تمثل النساء العمود الفقري في احتجاجات فكيك ضد تسليع الماء منذ نونبر 2023 ولا أدل على ذلك الاهتمام الإعلامي بمسيرات النساء بلباس الحايك (9). إن وسائل الإعلام تركز على “الحايك ” فقط ، لكن ليس اللباس هو المهم فحسب، بل مطلب الحق في الماء ومقاومة خوصصته. برزت المشاركة الكثيفة  للنساء في الأشكال النضالية لأنهن، حسب الناشط في حراك فكيك “مصطفى ابراهمي”  يشكلن 60% من سكان الواحة وتقع على عاتقهن كل الأعمال المرتبطة بالماء. كما أن نساء فكيك، حسب الناشط، وجدن في الحراك الفرصة المواتية للتلاقي والتداول بشكل جماعي في مشاكلهن الخاصة. إن نساء فكيك هن الأكثر استعمالا لهذه المادة الحيوية، وإن كل الاستحواذ على الماء يؤثر عليهن. إن علاقة النساء بالماء وطيدة فالحفاظ على تدبيره العقلاني كان بسبب تدخل النساء منذ القدم، إذ كن يجلبنه على ظهورهن من العيون وكن يستعملنه بحكمة  دون استنزاف الفرشة المائية. يشكل انخراط النساء اليوم في حراك الماء استمرارا لنضالات سابقة كن في قلبها كحراك العرجة ومن أجل الصحة العمومية وغيرها.

إلى جانب النساء اللواتي نظمن أشكال احتجاج خاصة بهن (دون مشاركة الذكور) ضمن الحراك، يشارك الأطفال والشباب بكثافة في احتجاجات فكيك. يشارك الأطفال بشكل دائم خاصة حين تكون على شكل مسيرات بالدراجات. أما الشباب فيأخذون على عاتقهم مهام التنظيم والشعارات والتسيير لجان تبرز حس تنظيمي عالٍ. تشكل مشاركة كل هذه الفئات العمرية عن الاقتناع الراسخ بالحق في الماء وبرفض تسليعه.

إن مستقبل فكيك الحقيقي في الدفاع عن الخدمات العمومية ورفض الفقر والتهميش، وإجمالا عن عيش كريم وعدالة اجتماعية فعليَيْن، يوجد بين أيدي نساء أطفال وشباب/ات اليوم المحتجين.

 لماذا اعتُقل “موفو”؟

اعتقلت أجهزة الدولة محمد براهمي “موفو”، أحد نشطاء الحراك البارزين لأنه دافع عن امرأة ناشطة في الحراك  أسيء إليها من طرف باشا فكيك. كان حدث دفاع “موفو” عن رفيقته في الحراك، الفرصة المواتية  للدولة لتنتقم من الحراك وتوجه رسائل التخويف والترهيب لساكنة تحتج منذ شهور، في تذكير باستغلال الدولة لحادثة اقتحام مناضل حراك الريف ناصر الزفزافي للمسجد احتجاجا على خطاب مناهض للحراك. فكان الحكم على رافضي خوصصة الماء من طرف محكمة الاستئناف بوجدة: ”محمد ابراهيمي” المعروف بـ”موفو” بثمانية أشهر نافذة وغرامة مالية قدرها 1000 درهم بعد أن كانت ثلاثة أشهر ابتدائيا. وأيدت المحكمة الحكم الابتدائي في حق ”حليمة زايد” ستة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة مالية قدرها 2000 درهم. هكذا انضاف “موفو” إلى قائمة معتقلي النضال الاجتماعي الذين تطالب الجمعيات الحقوقية بإطلاق سراحهم من خلال نضالاتها وحملاتها. لم يثني الحكم  القضائي أو التخويف، ساكنة فكيك عن مواصلة الاحتجاج، فاستمرت الوقفات والمسيرات والاعتصامات المطالبة بوقف خصخصة الماء.

خاتمة

                   يُبرز حراك ساكنة فكيك أمورا ينبغي التذكير بها من جهة والوقوف على أهمها من جهة أخرى:

بقلم، وحيد عسري

إحالات :

Exit mobile version