ملفات دراسية

أدوية لأمراض السرطان مرخص لها بالمغرب خطيرة، بدون فعالية و بأسعار خيالية

أدوية لأمراض السرطان مرخص لها بالمغرب خطيرة، بدون فعالية و بأسعار خيالية

 تضاعفت مبيعات الأدوية في ظرف عشرة أعوام و بلغت ما يقارب 1135 مليار دولار سنة 2017 و تستحوذ 10 شركات على ما يقارب ثلث هذه المبيعات و حققت أرباحا قاربت 60 مليار دولار و قامت بتوزيع حوالي 61 مليار دولار على المالكين أي كامل الأرباح ؟ و تعرف مبيعات أدوية أمراض السرطان تزايدا و منذ سنوات تحتل الصدارة بأكثر من 7% و تجب الإشارة أن رقم معاملات بعضها تجاوز 10 مليار دولار سنويا و بنسبة أرباح تجاوزت 80%  كدواء Herceptin الشائع الاستعمال في أمراض سرطان الثدي.

هذه المبالغ الضخمة هي ما يغذي الحسابات البنكية لمديري و حاملي أسهم هذه الشركات و هي ما يقلقون لأجله و كل ما يتعلق بفعالية و سلامة الأدوية يأتي في آخر الأولويات و هذا ليس بغريب على شركات تأسست على منطق ربحي لكن الغير الطبيعي هو الترخيص لأدوية غير فعالة و خطيرة و هذه مسؤولية الدولة و المؤسسات الصحية الرسمية.

منذ سنوات تعمل المجلة الطبية الفرنسية Prescrire على نشر تقارير لتقييم الأدوية الجديدة المرخص لها عبر العالم و تكمن أهمية هذه التقارير في كون الجهة الصادرة عنها إحدى الصحف الطبية القليلة المستقلة أي الخارجة عن سطوة شركات الأدوية و من جهة أخرى فهي تضم 93 مادة فاعلة للعشرات من الأسماء التجارية للأدوية و للعديد من التخصصات الطبية تعتبرها المجلة خطيرة و غير فعالة و تطالب بضرورة سحب الترخيص لها و العديد منها يتم تسويقه بالمغرب.

يستند الترخيص للأدوية الجديدة المستعملة في أمراض السرطان – مع بعض الاستثناءات المحدودة – على القوة التسويقية و الترويجية للشركات المصنعة أكثر منها على الخدمة العلاجية التي يقدمها الدواء،هذا المنحى تزايد في العقدين الأخيرين و قد نُشِرت العديد من الدراسات في مجلات عالمية تؤكد تزايد حدة هذه الظاهرة و شملت بعضها سجلات تراخيص الوكالة الأوروبية للأدوية و هي المؤسسة الرسمية للترخيص للأدوية على مستوى الاتحاد الأوروبي و غطت الفترة الفاصلة بين 2009 و 2016 و شملت 68 دواء مخصص لعلاج أمراض السرطان و قد جاءت خلاصاتها على الشكل التالي:

  • 73% أي 44 من بين 68 دواء لا يتوفر على دليل حول أية منافع على مستوى تمديد حياة المرضى
  • 53% أي 36 من بين 68 دواء لم يبرهن عن أية منافع لدى المرضى على تحسين الحياة اليومية أو تمديد مدة العيش حتى بعد مرور أكثر من 3 سنوات على تسويقها
  • في الحالات القليلة لوجود فعلي على مستوى تمديد مدة عيش المرضى فإن معدلها يبقى هامشيا مقارنة بكلفتها المادية و أعراضها الجانبية
  • يُمنح الترخيص لأدوية حتى بغياب تجارب سريرية لمقارنة فعاليتها مع أدوية أخرى موجودة
  • غالبية الأدوية تحصل على ترخيص التسويق اعتمادا على تجربة سريرية واحدة و غالبا لا تستند إلى قاعدة طبية صلبة أو يشوبها التزوير

الخلاصة أن غالبية هذه الأدوية الجديدة المرخص لها غير فعالة و لها تأثيرات خطيرة و قاتلة في بعض الأحيان ناتجة عن استعمالها، إلى كل هذا تنضاف الأسعار الخيالية المفروضة من الشركات المصنعة و التي تعرف تصاعدا كل سنة، ففي السنتين الماضيتين 2017-2018 قامت وزارة الصحة المغربية بالترخيص لـ 19 دواء جديدا تستعمل في بعض أنواع السرطانات و جب الوقوف عليها و تسجيل بعض الملاحظات لتبيان جشع هذه الشركات بمباركة مؤسساتنا الصحية:

السعر الأدنى لهذه الأدوية يتجاوز 4 آلاف درهم و سعر بعضها مرتفع بشكل غير منطقي و يصل إلى 90 ألف درهم للعلبة الواحدة و إذا ما أخدنا بعين الاعتبار كلفة الأدوية الأخرى المرافقة لها فإن كلفة شهر من العلاج تصل إلى مئات الآلاف من الدراهم

أسعار أغلبية هذه الأدوية أغلى من دول أوروبية بحيث أن 60%  منها أي 11 من أصل 19 دواء ثمنها أعلى من المطبق في فرنسا و تصل نسبة الفارق إلى أكثر من 150%  و يعتبر دواء Ibrance المستعمل في علاج بعض حالات سرطان الثدي مثالا فاقعا بحيث يبلغ سعره بفرنسا حوالي 31000 درهم و بالمغرب 53484 درهم أي بفارق يتجاوز 22 ألف درهم و إذا ما أضفنا سعر الأدوية المرافقة له و هي بدورها مرتفعة الثمن و أغلى بالمغرب بأكثر من الضعف مقارنة بفرنسا، فإن الكلفة الشهرية لهذا الدواء تتجاوز 70  ألف درهم مع غياب منافع حقيقية.

دواء  Vargatif أحد الأدوية المرخص لها السنة الماضية و هو مدرج في لائحة مجلة Prescrire بسبب أعراضه الجانبية الخطيرة جدا ومنها على الخصوص: التجلط أو النزيف الدموي،ارتفاع الضغط الدموي،تدمير للجهاز الهضمي،اضطرابات عصبية،تعفن في الدم،الإسهال الحاد و اللائحة طويلة إذا ما أخدنا بعين الاعتبار جميع أنواع الأعراض البسيطة و المتوسطة و الخطيرة و مقابل هذا الرصيد الثقيل من الأضرار غياب لأية فعالية حول تمديد فترة حياة المرضى و بكلفة مادية عالية بحيث يبلغ سعر العلبة الواحدة 27623 درهم وهو أغلى من فرنسا بأكثر من 2200 درهم، علما أنه يكون مرافقا بأدوية أخرى و يصل سعر الحقنة الواحدة لبعضها إلى أكثر من 3 آلاف درهم  أو مرافقا لعملية جراحية لاستئصال الورم أو العلاج الإشعاعي أو الثلاثة معا لذا فإن الكلفة الحقيقية ترتفع إلى مئات الآلاف من الدراهم لدورة واحدة من العلاج.

تمتص الأدوية النسبة الأكبر من تكلفة العلاج إما مباشرة من جيوب المرضى و عائلاتهم أو عبر صناديق التغطية الصحية و تخصص الدولة اقل من مليار درهم سنويا لعلاج مرضى السرطان، أي ما يقارب 8 مليار درهم مقسمة على عشرة سنوات! لما يسمى الخطة الوطنية لمراقبة و محاربة السرطان 2010-2019 و تمثل الأدوية أكثر من 55%  من الميزانية المخصصة. هذه الخطة هي استمرار لبرامج سابقة أعلنت فشلها و فشل المؤسسات الصحية الرسمية التي وضعت مصير عشرات الآلاف من مرضى السرطان بالمغرب في أيدي الشركات العالمية للأدوية وعلى رأسها الشركة السويسرية Roche و الفرنسية Sanofi و الأمريكية Pfizer و البريطانية Gsk و هم محتكرو سوق أدوية السرطان عبر العالم و الداعمون الكبار لجمعية للا سلمى الشريك الأساسي لوزارة الصحة و المسير الفعلي لهذه الخطة.

كلفة علاج أمراض السرطان يتحمل الجزء الأكبر منها المرضى و عائلاتهم بدء بالتشخيص إلى ما بعد العلاج، فالعشرات من الفحوصات و التحاليل البيولوجية و المختبرية الضرورية المرافقة للعلاج و جزء كبير من الأدوية غير متوفرة في المراكز التابعة لهذا البرنامج، أما العلاجات التلطيفية الضرورية المرافقة للمرضى و عائلاتهم و هي جزء مهم من العلاج فقد خصصت لها الدولة أقل من 20% مما تخصصه لما يسمى بحملات التحسيس و التوعية ليترك المرضى في مواجهة القطاع الخاص مما يعني المزيد من الاستنزاف.

تسويق الأدوية بالمغرب يتطلب ترخيص يسمى “رخصة  الطرح في السوق” و قد بدأ العمل بها وفق مرسوم صدر سنة 1977 و جرى تعديله سنة 2015، وفق هذا المرسوم  يستند وزير الصحة للتوقيع على تراخيص الأدوية على قرار “اللجنة الوطنية لرخصة الطرح في السوق” حول الخدمة الطبية المقدمة للأدوية و فعاليتها و سلامتها قبل التسويق، و هي مكونة من خبراء تخصصات طبية و يترأسها مدير مديرية الدواء و الصيدلة،هذه اللجنة هي ما يقوم بدراسة الملفات العلمية و التقنية للأدوية المراد الترخيص لها.

قرار الترخيص للأدوية بالمغرب بيد قلة من الخبراء يتم اختيارهم من طرف وزير الصحة و لا يتم تحيين لائحة أسماء هؤلاء و يتم الحسم في قرارات اللجنة الوطنية بغياب خبراء متخصصين في المجالات الطبية المرتبطة بالأدوية المراد الترخيص لها و هذا ينطبق على أدوية السرطان و يكفي الرجوع إلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012 لمعرفة جزء من الخلل الذي يطال آلية و جهاز الترخيص للأدوية بالمغرب، و تعتمد مديرية الدواء و الصيدلة في تمويلها على فتات الرسوم المؤذاة من طرف الشركات و العديد من مسئوليها الكبار تمت تنحيتهم نتيجة اتهامات بتبذير الأموال و تضارب المصالح، فالمدير السابق للمديرية عمر بوعزة الذي شغل هذا المنصب لمدة عشرة سنوات، أقاله وزير الصحة الحالي سنة 2018 إلى جانب مديرة معهد باستور و آخرون بعد تحقيقات لمفتشية وزارة الصحة حول إختلالات في منح رخص و صفقات لأدوية و لقاحات و المدير الحالي جمال توفيق شغل هذا المنصب من سنة 1996 إلى 2001  و تمت إقالته من طرف وزير الصحة آنذاك التهامي الخياري بعد تحقيقات حول ملفات فساد بالمديرية.

 مستوى الفساد الذي تعرفه مؤسسات الترخيص للأدوية و مراقبة سلامتها و غياب الحد الأدنى من الشفافية حول القرارات التي يتم اتخاذها و الخبراء المعنيين بها و ارتباطاتهم بالشركات المصنعة أسباب ضمن أخرى عديدة للفوضى التي يعرفها قطاع الأدوية بالمغرب كالترخيص لأدوية خطيرة وغير فعالة و ارتفاع الأسعار سنة بعد أخرى، هذه الفوضى تغدي أرباح شركات الدواء على حساب ملايين المغاربة من المرضى و عائلاتهم و صناديق التغطية الصحية و على حساب أولويات صحية أخرى.

 

بتاريخ 24 مارس 2019

عبد الواحد أحتيتش

زر الذهاب إلى الأعلى