الهجرةملفات دراسية

“أزمة” الهجرة : السحر ينقلب على الساحر

“أزمة” الهجرة : السحر ينقلب على الساحر

 

لوسيل دوما: عضوة جمعية أطاك المغرب

 

 

تعميق التفاوتات ونهب ثروات العالم الثالث ورفض اتخاذ تدابير لوقف الاحتباس الحراري وزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها ومضاعفة الحروب والنزاعات، كل هذا له ثمن تؤديه الشعوب منذ عقود، وبالأخص شعوب الجنوب على شكل أعداد من القتلى والمرحلين والجوعى واليائسين. وهذا ما يدفع بقطاعات من السكان في اتجاه البحث ببساطة عن مكان للبقاء على قيد الحياة. وأعداد هؤلاء كبيرة، بحيث أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقدر عددهم ب50 مليون لاجئ على الصعيد العالمي.

وفي معظم الأحيان يتوقف المسار نحو الهجرة عند حدود المنطقة المجاورة سواء داخل نفس البلد أو أراضي البلد المجاور. وهذا ما كان قد حدث إبان أزمة رواندا أو أزمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو ما يحدث الآن في ظل الحرب التي تدمر سوريا.

وإذا توقفنا عند المثال الأخير، فإن عدد اللاجئين يقدر اليوم بأربعة ملايين شخص(من مجموع ساكنة إجمالية تبلغ 20 مليون نسمة، أي ربع الساكنة) أكثر من نصفهم تحتضنه بلدان المنطقة التالية: تركيا 2 مليون(بساكنة تبلغ 75 مليون نسمة)، لبنان 1,1 نسمة(بساكنة تبلغ 5,8 نسمة)، الأردن 500 ألف شخص. و إلى جانب أعداد اللاجئين السوريين بحصر المعنى، يجب إضافة أعداد اللاجئين الذين سبق لسوريا أن استضافتهم خلال العقود المنصرمة، من الفلسطينيين المستقرين منذ أمد بعيد بهذا البلد وبلبنان والأردن، ومن العراقيين. وهنا نذكر بأن سوريا سبق أن استضافت 1,5 مليون لاجئ بعد سقوط صدام حسين.

ويجب أن تعلم كل من أوربا والولايات المتحدة بأن هجرة كهذه لم يكن ممكنا تفاديها. فهل بغزوهما للعراق وبزعزعتهما لاستقرار كامل المنطقة وبلعبهما بالنار بواسطة الحركات الإسلامية، كانا يعتقدان أنهما في مأمن من كل تداعيات ذلك؟ وقد عانيا، بالتأكيد، على فترات متباعدة من هجمات إرهابية حظيت باهتمام إعلامي كبير. لكن، أي وزن يمثله ذلك مقارنة بما تعيشه شعوب البلدان العربية المضطرة لمواجهة الظلامية بشكل يومي؟ ومنذ سنين عديدة تركت أوربا والولايات المتحدة بلدان الجوار تدبر أمرها مع مشكل الهجرة، وواصلتا إقامة كل أنواع الحواجز حول أوربا وعززتا يوما بعد يوم الطابع العسكري لنظام حماية الحدود الأوربية، المسمى “فرونتيكس”(Frontex) ودفعتا بلدان الجوار للإتحاد الأوربي لتحل محلهما في مراقبة الحدود الأوربية، في ظل انتهاك لحقوق الإنسان ومعاهدة جنيف وحق اللجوء.

وقد تحول البحر الأبيض المتوسط مند سنوات عدة إلى مقبرة فعلية للبشر دون أن يؤثر ذلك على المسؤولين الأوربيين الذين يواصلون سياسة تدعيم الحصن الأوربي. وكان يتوجب الوصول الكثيف لأعداد اللاجئين للأراضي الأوربية، قادمين أساسا من سوريا، كي تبدأ الحكومات، الطيبة جدا، في إعطائنا خطابات مطمئنة حول مبادئ حق اللجوء وضرورة استقبال إنساني للاجئين. فبماذا يتعلق الأمر تحديدا؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام والأسابيع القادمة. ولكن ليس وضع حصص موزعة بين البلدان، أو التفريق بين المهاجرين اللاجئين والمهاجرين لأسباب اقتصادية هو ما يشكل حلولا مستدامة لهذه الهجرة الكثيفة لساكنة لم يعد بإمكانها العيش في بلدانها الخاصة.

إن الدليل على ذلك هو جبهات جديدة للهجرة تفتح. وهكذا، وفي مواجهة الأزمة، يتزايد أيضا عدد اليونانيين الباحثين عن عمل خارج بلدهم. فهناك ما لا يقل عن 300 ألف عاشوا في المنفى خلال السنوات السبع الأخيرة، ليرتفع العدد إلى نحو 6 ملايين شخص من المهاجرين اليونانيين. كما أن الإسبانيين اتجهوا هم أيضا صوب الهجرة، ونفس الأمر بالنسبة للمغرب وبلدان أمريكا اللاتينية ومناطق أخرى.

ومما لا شك فيه أن لا الجدران ولا الأسلحة قادرة على حل ما تسميه وسائل الإعلام بأزمة الهجرة، لأنها ليست سوى عاقبة انعكاسات السياسات النيوليبرالية المفروضة منذ عقود على شعوب العالم. والحال أن شعوب الجنوب تعرف تلك العواقب جيدا، غير أنها ترتد اليوم إلى عمق أوربا التي أدركت فجأة بأنه ليس يسيرا استضافة لاجئين.

 

تكمن الحلول الجذرية، إذن، في وقف بيع الأسلحة لشتى العصابات المسلحة وفي وقف الدعم لأنظمة، كنظام المملكة العربية السعودية الذي بعدما كان وراء إنشاء الدولة الإسلامية أوكل إلى نفسه مهمة القضاء عليها.

 

تكمن الحلول الجذرية في وضع حد لنهب موارد بلدان الجنوب مع وقف للمواجهات المسلحة التي لا هدف لها غير السماح بتدخل عسكري للبلدان الغربية.

 

كما تكمن الحلول الجذرية في إلغاء نظام المديونية التي تشتغل اليوم كآلية لضخ ثروات الشعوب لصالح البنوك.

 

كما تكمن الحلول الجذرية في إلغاء اتفاقيات التبادل الحر التي، هي أيضا، تنتهك سيادة الشعوب وترفع وثيرة نهب ثروات الجنوب لفائدة البنوك والشركات المتعددة الجنسية لبلدان الشمال.

 

وفي الانتظار، من المستعجل احترام الحقوق والاتفاقيات المتعلقة بالهجرة واللجوء ووضع آلية للاستقبال والدمج تسمح بإرساء روابط ذات بعد إنساني وباحترام للكرامة.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى