Site icon أطاك المغرب

كل عام، يودي تغير المناخ بحياة ملايين الأشخاص

بقلم : Climate&Capitalism

يكشف تقرير Lancet  أن التقاعس عن اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ والاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري يكلف خسائر بشرية فادحة، حيث يفقد الملايين أرواحهم كل عام بفعل الحرارة والتلوث الجوي وانتشار الأمراض وتفاقم انعدام الأمن الغذائي.

هذا التقرير، الذي أعدته جامعة لندن بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وكلية لندن للصحة العامة والطب الاستوائي و70 مؤسسة أكاديمية ووكالة تابعة للأمم المتحدة، يحذر من تفاقم العواقب الصحية والاقتصادية للتأخر في مكافحة تغير المناخ بسرعة.

تكشف أحدث النتائج أن 12 من أصل 20 مؤشرًا صحيًا رئيسا بلغت مستويات غير مسبوقة، حيث أن عجز العالم عن خفض الانبعاثات والتكيف مع آثار تغير المناخ يزيد من تفاقم التهديدات التي تواجه الصحة وسبل العيش على نطاق عالمي. ارتفع معدل الوفيات المرتبطة بالحرارة بنسبة 63% منذ التسعينيات، ليصل إلى متوسط 546000 حالة وفاة سنويًا بين عامي 2012 و 2021.

كان عام 2024 هو الأكثر حرارة على الإطلاق، حيث تعرض الأشخاص الأكثر هشاشة (أقل من عام واحد وأكثر من 65 عاماً) لأكثر من 300% من أيام القيظ الإضافية في المتوسط، مقارنة بالمتوسط السنوي بين عامي 1986 و 2005.

فاقمت الظروف الأكثر حرارة وجفافاً خطر حرائق الغابات، مع ما يترتب على ذلك من آثار على الصحة: في عام 2024 وحده، ارتبط التلوث الناجم عن دخان حرائق الغابات بعدد قياسي بلغ 154000 حالة وفاة. ازدادت الأمطار الغزيرة (التي يمكن أن تؤدي إلى فيضانات مفاجئة وانهيارات أرضية) والجفاف في أكثر من 60% من مساحة اليابسة/الأرض. تؤثر هذه الظروف الحادة من الحرارة والأمطار والجفاف على إنتاجية المحاصيل وتعطل سلاسل الإمداد وتهدد الأمن الغذائي.

 كما يؤثر تغير المناخ على خطر انتقال الأمراض المعدية القاتلة: تشير مؤشرات التقرير إلى أن خطر انتقال حمى الضنك قد زاد بنسبة تقارب 50% على الصعيد العالمي منذ الخمسينيات.

 إن التأخير في اعتماد طاقات نظيفة ومراعية للمناخ والاستمرار في حرق الوقود الأحفوري لا يؤدي فقط إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب، بل ينتج عنه أيضاً تلوث جوي خطير، ما يتسبب في ملايين الوفيات الإضافية كل عام. في المملكة المتحدة، تسبب تلوث الهواء في 28000 حالة وفاة مبكرة في عام 2022، 55% منها كانت بسبب حرق الوقود الأحفوري.

 ساهمت النظم الغذائية غير المستدامة، التي تتميز بأنظمة غذائية غنية بالكربون وغير صحية، في 11.8 مليون حالة وفاة مرتبطة بالتغذية في العالم في عام 2022، وهو ما يمكن، وفقًا للمؤلفين، تجنبه إلى حد كبير من خلال التحول إلى نظم غذائية أكثر صحة ومراعاة للمناخ.

يشير التقرير إلى أن عدم القدرة على التخلص من الوقود الأحفوري يؤثر أيضًا على الاقتصاد، حيث تؤدي آثار تغير المناخ على الصحة إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة التغيب عن العمل وزيادة العبء على أنظمة الرعاية الصحية.

 سبَّبَ التعرض للحرارة في عام 2024 خسارة إنتاجية قياسية بلغت 639 مليار ساعة محتملة، مع خسائر في الدخل تعادل 1090 مليار دولار (حوالي 824 مليار جنيه إسترليني)، أي ما يقارب من 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. في المملكة المتحدة، ضاعت أكثر من 5 مليون ساعة عمل محتملة بسبب التعرض للحرارة الشديدة، مما أدى إلى خسارة محتملة في الدخل بلغت 103 ملايين دولار (77.9 مليون جنيه إسترليني).

في الوقت نفسه، وبسبب ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، أنفقت الحكومات مجتمعة 956 مليار دولار (723 مليار جنيه إسترليني) في شكل إعانات صافية للوقود الأحفوري في عام 2023 من أجل الحفاظ على أسعار الطاقة في متناول الجميع على المستوى المحلي، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الالتزام الذي جرى التعهد به في مؤتمر COP29 لدعم البلدان المعرضة للخطر.

رغم تراجع بعض الحكومات عن التزاماتها المناخية، يلاحظ التقرير تغييرات إيجابية على المستوى المحلي والقطاعي، كما أن التدابير المتخذة لمكافحة تغير المناخ قد بدأت تؤتي ثمارها بالفعل على الصحة والاقتصاد. انخفضت انبعاثات غازات الدفيئة في قطاع الصحة بنسبة 16٪ على مستوى العالم بين عامي 2021 و 2022، وبلغ إنتاج الطاقة المتجددة مستويات قياسية.

 تشير التقديرات إلى أن 160 ألف حالة وفاة مبكرة يجري تجنبها كل سنة بفضل خفض استهلاك الفحم وتحسين جودة الهواء، لا سيما في البلدان ذات الدخل المرتفع. يؤكد المؤلفون أن الحلول لتجنب المزيد من الأضرار موجودة بالفعل، مع طاقات أنظف وأنظمة صحية مرنة وأنظمة غذائية مستدامة توفر فوائد فورية وطويلة الأجل للصحة.

قال الدكتور جيمس ميلنر، المؤلف المشارك لتقرير Lancet Countdown :

“يُظهر تقرير Lancet Countdown الأخير أن العالم لا يزال بعيدًا عن تحقيق أهدافه في مجال مكافحة تغير المناخ. تستمر الفجوة بين الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة والتخفيضات اللازمة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس في الاتساع. على الرغم من ذلك، يوضح التقرير أيضًا أن هناك فرصًا غير مسبوقة لمكافحة أزمة المناخ مع تحسين صحة السكان، من خلال تدابير مثل تحويل أنظمة الطاقة، وتحسين الوصول إلى الوقود المنزلي النظيف، والتحول إلى وسائل نقل منخفضة الانبعاثات الكربونية.”

وقال مؤلف مشارك آخر، البروفيسور كريس موراي:

“لدينا الآن أدلة أوضح من أي وقت مضى على أن تغير المناخ يضر بصحة السكان بشكل مباشر. العديد من الآثار الصحية التي نراها اليوم، مثل الوفيات الناجمة عن الحرارة الشديدة، ما كانت لتحدث لولا تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية. كما أن تغير المناخ يفاقم انتشار الأمراض المعدية، حيث تصل بعض الأمراض الحساسة للمناخ، مثل حمى الضنك والالتهابات البكتيرية Vibrio، إلى مستويات قياسية مع تزايد المناطق المواتية لانتقالها. رغم إحراز تقدم في مجال الطاقة النظيفة والغذاء الصحي ذي التأثير المنخفض، إلا أن الإجراءات المتخذة لا تزال بطيئة للغاية، وهذا التأخير يكلف أرواحًا في الوقت الحالي.”

المصدر: هنا

نُشرالمقال على موقع Climate&Capitalism، في 3 نوفمبر 2025؛ نص أُعد على أساس الوثائق المقدمة من London

School of Hygiene&Tropical Medicine

ترجمة وحيد عسري

Exit mobile version