بمناسبة مرور عام كامل على الاعتصام البطولي لعاملات وعمال شركة سيكوم-سيكوميك بمكناس، نظّمت جمعية أطاك المغرب، مساء الثلاثاء 29 يوليوز 2025، ندوة إلكترونية تحت شعار:
“العاملات في مواجهة الاستغلال الرأسمالي: لنبنِ أوسع تضامن بين النضالات من أجل انتصارها!”
وذلك بحضور عاملات من شركة سيكوميك وعاملة زراعية وطالبة مناضلة بكلية الصيدلة وناشطة حقوقية نسوية، إلى جانب مناضلات من جمعية أطاك المغرب.
هدفت هذه الندوة إلى خلق فضاء تضامني نسوي مفتوح، يسمح بتبادل التجارب بين مناضلات من قطاعات مختلفة، وبناء جسور التواصل والتنظيم بين العاملات، النقابيات والناشطات النسويات، لمواجهة أشكال الاستغلال والتمييز والتهميش التي تطال النساء في مواقع العمل والمجتمع.
نضال عاملات سيكوميك: صمود في وجه الطرد وظلم الدولة ورب العمل
افتُتحت الندوة بمداخلة مونية إحدى عاملات سيكوميك، سردت فيها تفاصيل الاعتصام المفتوح المستمر منذ يوليوز 2024، احتجاجًا على الطرد التعسفي، وتجويع أكثر من 500 أسرة، وسط صمت رسميمطبق وتجاهل من قبل وسائل الإعلام الرسمية. سلطت العاملة الضوء على المعاناة اليومية للعاملات، ومنها الخروقات السافرة لقانون الشغل التي كان يمارسها رب العمل. ورد في مداخلة مونية أن العاملات كن يشتغلن بمُدد عمل طويلة تفوق ما حدده القانون ولا تؤدى أجورهن المستحقة في آجالها، ورغم أن شغلهن جنى منه رب العمل أرباحا، لم يقم هذا الأخير بدفع أجور العاملات والعمال، وصرف كل المستحقات الأخرى التي ينص عليها قانون الشغل.
أشارت مونية إلى أن نضالهن ليس جديدا، فمنذ 2013 بدأ رب العمل يعد لعملية التخلص من اليد العاملة المشتغلة في هذا القطاع بمكناس والتي تتشكل غالبيتها من النساء. أغلقت الشركة أبوابها في 2017 في وجه العاملات والعمال لمدة عشرة أشهر، وبعد فترة من النضال والصمود أعادت الشركة فتح أبوابها، واسْتأنِف العمل وضاعفت العاملات وتيرة اشتغالهن لرفع إنتاجية الشركة، غير أن رب العمل كان عازما على التخلص من يد عاملة أنهكها لعقود وأجهز على الحد الأدنى من حقوقها التي نصت عليها مدونة الشغل بعيوبها. لم يقم هذا الأخير بدفع أجور العاملات والعمال، وصرف كل المستحقات الأخرى، كما أشارت المتحدثة إلى أن رب العمل استفاد من سيولة مالية قدرها 400 مليون سنتيم منحته إياها الدولة، ولم تتم مساءلته عن هذا الدعم المالي. أعادت الشركة غلق أبوابها في سنة 2021 ومنذ ذلك الحين وعاملات وعمال سيكوم-سيكوميك في الشارع يحتجون وينظمون وقفات ومسيرات، وتحملوا-تحملن كلفة العيش بدون دخل، وأغلب العاملات هن معيلات لأسرهن، كما تصدين لكافة أشكال القمع والترهيب لثنيهن عن الاستمرار في مقاومتهن. وجددت التذكير بأن نضال عاملات سيكوم-سيكوميك هو صرخة في وجه الظلم ورفض الإذلال، وأعادت التأكيد أنهن يطالبن بحقوقهن العادلة وعلى رأسها أن تعيش العاملات حياتهن بكرامة.
يكشف عدم صرف الأجور وكل التعويضات المرتبطة بها، والاشتغال في أوضاع تغيب فيها أبسط متطلبات الصحة والسلامة في هذا القطاع، وغيره من قطاعات تصديرية هشة تشغل يدا عاملة نسائية بكثافة، كيف يستخرج أرباب العمل أرباحهم ويراكمونها، وعندما يواجهون مشكل انخفاض الربحية بسب موقعهم في علاقات غير متكافئة بين بلدان جنوب تابعة وكبار الرأسماليين مالكي الإنتاج في بلدان الشمال الغنية، يضحي هؤلاء باليد العاملة، إما بالطرد أو بعدم صرف الأجور المنخفضة أصلا في آجالها، كما لا يؤدون مستحقات الضمان الاجتماعي، وتعويضات الأقدمية. ذكرت العاملة المتدخلة أن سنوات عمرهن أفنيناها داخل أسوار الشركة، فمنذ أن كن طفلات اشتغلن بوتيرة عمل مكثفة لتوفير ما يعيل أسرهن بدلا من تمدرسهن.
بينت مونية من خلال مداخلتها كيف تعاملت مختلف السلطات الممثلة للدولة في مكناس، والتي اختارت أن تترك العاملات يواجهن لوحدهن الطرد والتشريد والتعرض لكافة أنواع العنف أثناء تنظيمهن لأشكال احتجاجية. ولم تتدخل الدولة لإيجاد حل وإجبار رب العمل على تلبية مطالب عاملات وعمال صرخوا-صرخن في شوارع مدينة مكناس طيلة أربع سنوات. لقد أهدر رب العمل كلفة شقاء عاملات وعمال لسنوات ولم يحاسَب من قبل الدولة المالكة لسلطة إنفاذ القانون. ويتحمل هؤلاء العاملات والعمال ثقل إعالة أسرهن- هم، وهن – وهم بدون عمل وبدون دخل، ويقاومون وبكل السبل لحماية أسرهن- هم من وحل البطالة والتفقير والحرمان.
لم تستسلم العاملات والعمال رغم سياسة صم الآذان التي قوبلت به مطالبهن-هم، وقرروا-ن الدخول في اعتصام مفتوح في يوليوز من العام المنصرم أمام وحدة فندقية تعود ملكيتها للمشغل. وأعطت مونية أمثلة عن حجم معاناة العاملات أثناء اعتصامهن المتواصل، ونقلت صورة عن تعامل صاحب الفندق الذي كان يسخر ويحرض بعض زائري وعاملي الفندق على العاملات. واستغربت المتدخلة من تعامل الدولة التي لم تكلف نفسها عناء حماية أعداد من العاملات يبتن تحت خيام بلاستيكية في الشارع في فترات الحر والبرد تاركة إياهن لمواجهة مخاطر التعرض لكل صنوف الاعتداءات. لم تتدخل الدولة لإنصاف عاملات مورِسَ في حقهن كل أشكال العنف التي جرمها قانون محاربة العنف 103-13. وأشارت المتحدثة عن معركة عاملات سيكوميك أنه علاوة على العسر المادي الذي يخنق العاملات والعمال، فهن-هم يواجهون ضغوط المؤسسات البنكية التي تلاحقهن-هم لسداد أقساط قروض استهلاكية.
حملت المتكلمة مسؤولية الظلم الذي تتعرض له العاملات والعمال لرب العمل والبيروقراطية النقابية والدولة التي تغض الطرف عن انتهاكات أرباب العمل لمقتضيات قانون الشغل. وترى أن هذا الثلاثي هو من هضم حقوق العاملات والعمال وحكم عليهن- هم وأسرهن- هم بالتشرد والجوع.
اختتمت مونية مداخلتها بالتأكيد على صمود وإصرار عاملات سيكوم- سيكوميك على المقاومة، رغم مراهنة من يتحملون مسؤولية هذا التشريد الجماعي على عياء واستسلام العاملات والعمال. وناشدت ذات المتحدثة منظمات النضال والمنابر الإعلامية المستقلة والحرة لتوسيع التغطية الإعلامية، وتنظيم حملات التضامن والتعريف بمعركة سيكوم- سيكوميك الكفاحية لفرض ميزان قوى يجبر الدولة على إنصاف العاملات والعمال وتلبية مطالبهن- هم.
نضالات عمالية متعددة في وجه تعديات الباطرونا
قدّمت زهرة العاملة الزراعية في منطقة اشتوكة أيت باها شهادة حيّة عن واقع الاستغلال المكثف الذي تتعرض له العاملات الزراعيات في محطات التلفيف والضيعات الفلاحية، وخاصة تلك الموجهة للتصدير. تحدثت عن ظروف العمل القاسية التي تجمع بين الأجور الزهيدة، انعدام الحماية الاجتماعية، وانتشار التحرش، في مقابل القمع الممنهج لكل أشكال التنظيم النقابي داخل هذا القطاع الحيوي.
ورغم هذا الواقع الصعب، عرضت المتدخلة نماذجا نضالية ناجحة، تمكّنت خلالها العاملات من انتزاع مكاسب حقيقية بعد خوض معارك جماعية، ما يؤكد على فعالية النضال الجماعي المنظم للنساء. وشدّدت على ضرورة بناء تضامن نسائي واسع وعابر للقطاعات، باعتبار أن ما تواجهه العاملات في الفلاحة يتقاطع مع ما تتعرض له العاملات في باقي القطاعات التصديرية، مما يحتم خلق أشكال تضامن موحّدة قادرة على مواجهة دولة وباطرونا شرسة تحقق الأرباح على حساب كرامة وحقوق النساء.
من يتحمل مسؤولية استغلال عاملات سيكوم- سيكوميك وطردهن الجماعي؟
قدّمت إناس من جمعية أطاك المغرب عناصر مداخلتها والتي تناولت أوضاع العاملات في ظل علاقات الاستغلال الرأسمالي، وأي استراتيجية للنضال. وأشارت في بداية مداخلتها إلى أن الأوضاع المزرية التي تعيشها عاملات سيكوم سيكوميك هي نتيجة مباشرة للسياسات الاقتصادية الموجهة نحو التصدير، والتي تطبقها الدولة تنفيذا لإملاءات المؤسسات المالية الدولية. وأشارت إلى أن المغرب حدد سياسات اقتصادية في بداية القرن كان الهدف منها هو إدخال المغرب في سلاسل القيمة العالمية، عن طريق صناعة النسيج والسيارات وقطاعات أخرى، وذلك بالاعتماد أساسا على عنصرين هما: توفير يد عاملة رخيصة الكلفة والقرب من الاتحاد الأوربي. وذكرت في معرض مداخلتها بدور ازدهار نموذج الموضة السريعة، (Fast fasion)، والتي مثلت فرصة بالنسبة للمغرب، فمثلا كانت هناك ماركات عالمية مثل زارا (Zara)، والتي كانت تسوق ما بين 4 و8 مجموعات سنويا، واليوم تسوق ما بين 16 و24 مجموعة، وسمح هذا بخلق مناطق إنتاج بالقرب من أوربا، كتونس، والمغرب وتركيا، علاوة على أن المغرب لديه اتفاقية تجارية وتكلفة عمل منخفضة بالمقارنة مع مناطق انتاج أخرى كتركيا.
بينت المتدخلة كيف تشكل الهشاشة مشكلا هيكليا في قطاع النسيج وأن هذا يرجع إلى شروط يفرضها مالكي صناعة الماركات العالمية كزارا، ( Zara) و إتش أند إم،(H&M) ، للحفاظ على تكلفة انتاج منخفضة. هذه الهشاشة ليست ميزة النسيج وحده بل نجدها في باقي القطاعات التصديرية، كالسيارات، ومراكز النداء، ويعود ذلك إلى علاقات التبادل غير المتكافئة التي تستفيد منها الشركات في بلدان الشمال والتي تستغل عمال وعاملات بلدان الجنوب.
بينت إناس علاقات التبعية التي تربط بين مالكي الإنتاج ومورديها على مستوى بلدان الجنوب، حيت لا ينتج مالكي هذه الماركات العالمية الكبرى في قطاع النسيج سلعا على مستوى بلدانهم بل يعملون بدلا من ذلك مع موردين في بلدان عديدة، ولتجهيز الملابس الموجهة للسوق الأوربية في الآجال المحددة يقومون بالعمل مع عدة وحدات إنتاجية في نفس البلد ويوزعون عليهم حجم الإنتاج، ولكي يخلقوا في نفس الآن منافسة بين هذه الوحدات لاقتناء السلع بأرخص الأثمان. ليست للشركات المحلية ووحدات الإنتاج في هذا النموذج قدرة تفاوضية أمام كبرى الشركات الأجنبية سواء على مستوى الأسعار أو بالنسبة لآجال تجهيز السلع الموجهة للسوق، ونتيجة لذلك تحقق هذه الأخيرة أرباحا، بينما الشركات المحلية تحقق أرباحا بالعمل خارج الشروط التي يفرضها قانون الشغل، وهذا يعني تشغيل عمال-آت بدون عقد عمل وعدم احترام الحد الأدنى للأجر وعدم دفع مستحقات الضمان الاجتماعي.
أشارت إناس إلى دراسة قامت بها الاتحاد العام لمقاولات المغرب والتي كشفت حجم القطاع غير الرسمي في قطاع النسيج إذ يشكل أكثر من 50% من النشاط الإنتاجي. وترتفع نسبة هذا القطاع في صناعة النسيج لأن وحدات الإنتاج يمكنها أن تحدد أسعارا أرخص بنسبة 30% من القطاع الرسمي وبهذه الطريقة يحقق أرباب العمل في القطاع غير المهيكل أرباحا. ويواجه هؤلاء انخفاض الربحية بعدم الاستثمار في تجهيز البنيات وتوفير شروط الصحة والسلامة، وهذا ما يؤدي إلى حدوث كوراث مأساوية كما وقع في حادثة طنجة في سنة 2021 التي أودت بحياة 29 عامل-ة في وحدة إنتاجية “سرية”. كما لا تؤدى أجور العمال- آت، ويمكن حتى الاستغناء عنهم-هن كما حدث في سيكوم. تقع مسؤولية ضعف الأجور وغياب الحماية القانونية والطرد والتشريد الجماعي التي يتعرض لها مئات العاملات والعمال على رب العمل صاحب شركة الإنتاج محليا، وكذا أصحاب هذه الماركات العالمية، ثم الدولة التي تبرم اتفاقيات تجارية وتحدد القطاعات الاستراتيجية على مستوى الاقتصاد المحلي وتضع قوانين مواتية لأرباب العمل، مثال تمرير قانون تكبيل حق الاضراب، وهي أيضا من تدفع بتركز اليد العاملة في هذه القطاعات، وتتشابه هذه الأوضاع مع قطاعات هشة تصديرية أخرى.
لماذا تتركز النساء في قطاعات هشة موجهة نحو التصدير كالنسيج؟
تطرقت مداخلة إناس كذلك لأحد الميزات الرئيسية لهذا القطاع وتتجلى في تشغيل يد عاملة نسائية بكثافة والتي تعد عنصرا أساسيا في ضمان استمرار نظام الاستغلال في القطاعات التصديرية، وعرضت أرقاما تعود لدراسة قامت بها جمعية التواصل مع جمعية Setem وClean Clothes Campaign في مدينة طنجة التي تعتبر أحد المدن الرئيسية في إنتاج الألبسة الموجهة للسوق الأوربية. وبينت الدراسة المشار إليها أن %68 من اليد العاملة نساء، ويقل عمر %70 منها عن 30 سنة وتشتغل بدون عقد عمل، بينما يشتغل حوالي %100 من هذه اليد العاملة عدد ساعات يفوق السقف المحدد قانونيا، وتتقاضي %56 منها أقل من الحد الأدنى للأجور. يكشف هذا الوضع منطق قسمة العمل الدولية، بحيث أن اليد العاملة الأكثر فعالية من ناحية التراكم الرأسمالي في سلاسل القيمية العالمية هي تلك الأرخص من حيث الكلفة، والتي تشتغل في شروط عمل قاسية دون إحداث مشاكل، ولذلك يفضل رأسماليو القطاع (محليين وأجانب) تشغيل النساء في قطاع النسيج وقطاعات أخرى مشابهة، لأنهن اليد العاملة الأمثل من حيث الاستغلال واستخراج الأرباح.
يقوم نظام الاستغلال الرأسمالي وقسمة العمل الدولية على منطق أبوي يختزل النساء في مجرد ربات بيوت رغم عملهن لساعات طوال في مصانع وضيعات، لذا فإن أجرهن ثانوي بينما الرجال هم معيلو الأسر، ولذلك يمكن للنساء العاملات أن يتقاضين أجرا أقل. ويضفي المجتمع البطريركي طابعا لا مرئيا على عمل النساء، وهذا ما يجعله أقل قيمة يستفيد منه الرأسماليون مقابل أجور جد منخفضة. وتعد هذه النظرة الدونية التي يخص بها المجتمع الرأسمالي البطريركي النساء أحد العوامل التي يمكنها تفسير عدم اكتراث الدولة بما تعانيه عاملات سيكوم- سيكوميك، فعندما تطرد مئات النساء من عملهن ويفقدن مورد دخلهن فذلك ليس مشكلا للدولة، فهي تعتبرهن ربات بيوت في المقام الأول وأن مسؤولية إعالتهن المادية تقع على عاتق رجال الأسرة. ولا يستحضر تعامل الدولة الأبوي تغير وضع النساء الاقتصادي والاجتماعي، بحيث تصل نسبة الأسر التي تتحمل النساء مسؤوليتها المادية %20. وتكرس نسوية المؤسسات المالية الدولية هذا المنظور الأبوي كذلك بفرضها لاتفاقيات التبادل الحر وتوجيه بلدان الجنوب نحو الاندماج في سلاسل القيمة العالمية التي تشغل يدا عاملة نسائية منخفضة الكلفة في قطاعات هشة. يتجسد المظهر التقدمي وسياسة التمكين الاقتصادي للنساء اللذين تقرهما هذه المؤسسات الدولية وتتبناهما الدولة وتدافع عنهما بعض المنظمات النسائية في توجيه نساء الطبقات الشعبية المفقرات نحو الاشتغال في قطاعات تصديرية، رغم أنها معروفة بشروط عمل متردية وأجور زهيدة وغياب الحماية القانونية. يرى هذا المنظور النسوي الليبرالي في السوق سبيل تحرر النساء من السيطرة الأبوية، غير أن نموذج عاملات سيكوم يكشف أن السوق الرأسمالية تفتح المجال لممارسة أشكال أخرى من السيطرة والعنف ضد النساء.
كيف يمكن للنساء مواجهة أشكال الاستغلال وبناء ميزان قوى دفاعا عن مطالبهن؟
تحدثت إناس في هذه الفقرة من مداخلتها عن الصعوبات التي تواجهها عاملات القطاعات الهشة ومنها التهديد بالطرد في حالة انعدام عقود عمل قارة، وحتى في حالة الترسيم المهني فإن شبح الطرد والتوقيف يلاحق العاملات والعمال في القطاع الخاص في حال خوض إضرابات، لاسيما وأن التنظيم النقابي ضعيف، أو مشلول بسبب البيروقراطية. ولفتت الانتباه إلى أن العاملات والعمال في أغلب الحالات يخوضون نضالات مريرة ليس لتحقيق مكتسبات إضافية بل فقط لفرض احترام أرباب العمل لما ينص عليه قانون الشغل. وتطغى العزلة على النضالات النقابية التي تحتل فيها النساء العاملات مكانة مهمة رغم تشابه المشاكل بين القطاعات، وهذا ما يضعفها وقد يؤدي إلى فشلها. وللتصدي لهذه الإشكالات يجب محاربة هذه العزلة من خلال:
- بناء فضاء للتضامن بين العاملات خارج أماكن العمل في كل قطاع لمواجهة الضغوط التي تمارسها إدارة المصانع والشركات، وسيكون هذا الفضاء مجالا لمشاركة تجارب النضالات الميدانية التي تخوضها العاملات، ولتنظيم أنشطة تثقيفية لاكتساب تجارب وأساليب النضال للدفاع عن الحقوق والمطالب. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفضاء ليس بديلا للنقابة، بل تكمن ميزته في أنه سيوفر إمكانية للنقاش بين عاملات مختلف القطاعات وحتى المناطق، لاسيما في بعض القضايا والمطالب التي تخص النساء والتي لا تستحضرها النقابات، مثل تلبية مطالب النساء الاجتماعية الخاصة بهن كنساء وأمهات ومعيلات لأسر وربات بيوت… إلخ.
مساهمات مساندة لنضالات العاملات وتشبيك قضايا النضال النسوي
شاركت في هذه الندوة التضامنية إلى جانب العاملات إيمان بن عمر طالبة من كلية الطب والصيدلة ومنخرطة في نضالات طلبة الطب، مناضلة في الجمعية المغربية لحقوق الانسان وناشطة بحركة BDS. أشادت إيمان بنضال العاملات وصمودهن في وجه التعديات والحصار الذي تتعرض له معركتهن وهذا ما يبين قوة نضالات النساء، وتحدثت في مساهمتها عن استهداف أصحاب الرساميل لهذه القطاعات وللنساء كيد عاملة باستغلال وضعهن الاجتماعي من أجل ضمان إنتاجية عالية على حساب توفير أبسط شروط الشغل الكريم، وأشارت إيمان إلى بعض التجارب التي أبانت فيها نساء المغرب عن روح نضالية عالية واعطت مثال فيكيك الذي خرجت فيه النساء في منظر مهيب، كما تطرقت لنضالات أخرى تتقدمها النساء والمرتبطة بمقومات حياة كريمة (الماء والإنارة… إلخ). وبالنسبة لإيمان فإن مثال عاملات سيكوم يبين عواقب النيوليبرالية، حيث سحبت الدولة يدها وتحول كل شيء إلى سوق يتحكم فيه أرباب العمل، في حين أن الطبقة العاملة لا حق ولا صوت لها، ويسري هذا كذلك على قطاعات اجتماعية أخرى كالصحة والتعليم. أكدت إيمان في الأخير على أن الواقع الذي نعيشه اليوم يفرض علينا تشبيك النضالات، خاصة النسوية منها، والنضال بشكل جماعي لفرض الحلول، وجددت كمناضلة منخرطة في نضالات طلبة الطب والصيدلة عن استعدادهم-هن للتضامن ومساندة معركة عاملات سيكوم-سيكوميك.
عرف هذا اللقاء النضالي التضامني مشاركة المناضلة الحقوقية والنسوية جميلة سعدون واستهلت نقاشها بالتضامن مع نضالات عاملات سيكوم-سيكوميك ومع كل العاملات اللواتي يتعرضن لقهر طبقي. أثارت المتحدثة تجربة العمل النقابي، وأشارت إلى أنها لم تكن مرحبة بالنساء وبانخراطهن النقابي، كما أن القيادات النقابية كانت ترفض دوما مطالبهن وتعتبرها ثانوية، كما ترى فيها مجرد تجزيء للنضالات العمالية، وهذه ما يفسر بالنسبة للمتدخلة ضعف انخراط النساء في النقابات، بالإضافة إلى الإكراهات الأسرية التي تحد من تواجد وانخراط النساء في النقابات.
أشارت جميلة سعدون في حديثها عن آفاق عمل نقابي نسوي إلى ضرورة تجميع المطالب التي تناضل من أجلها النساء سواء العمالية والشعبية ودعوة المنظمات النسوية إلى دعم ومساندة هذه المطالب والانخراط في النضالات، واقترحت البدء بخلق مجموعات نسوية قادرة على ربط النقابي والنسوي. وترى أن ذلك من شأنه أن يكون انطلاقة لبناء حركة نسوية مرتبطة بالنساء من أسفل، يتقاطع فيها النقابي والنسوي مع القهر الطبقي وكل أشكال الاضطهاد الأخرى.
في حديثها عن أوضاع الاستغلال التي تعيشها النساء أكدت المناضلة جميلة سعدون عن ضرورة ربط دائرة الإنتاج بإعادة الإنتاج، أي الفضاء الخاص الذي تنجز فيه النساء أنشطة العمل المنزلي والرعائي لجذب كل أقسام النساء المستغلات وعرضة لأشكال الهيمنة الذكورية على مستوى الأسرة.
وفي نقطة أخيرة تحدثت المتدخلة عن أشكال المقاومة التي يجب تجديدها، وأن على حركات النضال ومنها النسوي محليا أن تستلهم تجارب مقاومة فعالة، مثل أساليب النضال التي تستهدف تكسير علاقات الاستعمار والهيمنة، مثل مقاطعة الشركات والمنتوجات التي تنتهجه حركةBDS كشكل للمقاومة ومحاصرة الكيان الصهيوني وأشكال التطبيع معه والمتغلغلة في المجتمع، كما استحضرت البدائل المرتبطة بالنضالات المدافعة عن السيادة الغذائية بطرح بديل الزراعة المعاشية والبذور التقليدية. أبرزت المتدخلة تجاربا أخرى تنتشر بأفريقيا وأمريكا الجنوبية التي تدافع عن بديل اقتصادي نسوي، والذي يضع في مركز اهتمامه كل أنشطة الرعاية وضرورة إخراجها من منطقة العتمة التي يضعها فيه المجتمع الرأسمالي.
توصيات ومقترحات لبناء مساحات للنضال والتضامن و التفكير النسوي المشترك
تأتي هذه الندوة كاستمرار لأشكال مساندة نضالات النساء المنخرطات في النضال العمالي والشعبي والتعريف بها، والتي انخرطت فيها جمعية اطاك المغرب منذ 8 مارس 2025، بمشاركتها في القافلة التضامنية مع عاملات سيكوم- سيكوميك، وتجسيدا عمليا لتوصيات الجامعة الربيعية التي نظمتها الجمعية أيام يومي 25 و26 و27 أبريل 2025، والتي دعت إلى:
- بناء فضاء تنسيقي بين نضالات النساء من مختلف تجارب النضال العمالي والشعبي؛
- تطوير الحملات الإعلامية التضامنية والمناصرة لنضالات النساء؛
- تعزيز التثقيف الشعبي النسوي المرتبط بجذور الاستغلال والاضطهاد؛
- حفز التشبيك بين حركات النضال ومنها النضالات النسوية الشعبية.
اختممت فقرات الندوة بالإعلان عن تنظيم لقاءات محلية ابتداء من شتنبر وأكتوبر المقبلين، ستحتضنها مدن الدار البيضاء، مكناس وإمكانية طنجة، وستجري دعوة عاملات من مدن وتجارب نضالية مختلفة بهدف خلق شبكات تضامن محلية فعالة.
الندوة بثّت مباشرة على صفحة الجمعية على فيسبوك وقناتها على اليوتيوب، ويمكن مشاهدتها على الرباط التالي:
العاملات في مواجهة الاستغلال الرأسمالي: لنبنِ أوسع تضامن بين النضالات من أجل انتصارها.
الفريق النسوي