البيئةملفات دراسية

حراك “العدالة المناخية”… يهز شمال إفريقيا ويطبخ ” ثورة كفاحية” على نارِ هادئة

حراك “العدالة المناخية”… يهز شمال إفريقيا ويطبخ ” ثورة كفاحية” على نارِ هادئة

صلاح الدين عابر –

حينما كان الحاضرون رفقة الملك محمد السادس والأمين العام السابق للأمم المتحدة “بانكي مون”، داخل قاعة كبيرة خلال أشغال مؤتمر قمة المناخ  “كوب22″بمراكش يصفقون وتتمايل رؤوسهم رقصا على نغمات مجموعة “الفناير” الذين أدوا أغنية “الأمير النظيف” فقد كان خارج هذه القاعة العديد من وفود منظمات أجنبية ونشطاء عالميون بيئيون يرفعون لافتات كُتب عليها ” العالم يقف مع آسفي” وأخرى ” نحن مع أهل إميضر” ولافتات كتبت عليها ” لا لغاز الشيست في المغرب” ويرفعون شعارات تُطالب بتحقيق “العدالة المناخية”.

1

احتجاجات من نشطاء عالميين في قمة المناخ ( كوب22)

منذ أزيد من عشر سنوات، وقبل موعد قمة المناخ “كوب 22” التي انعقدت في مراكش نوفمبر العام الجاري، ظلت صرخات العديد من النشطاء أهالي مناطق مختلفة في شمال إفريقيا تُندد بالأوضاع البيئية التي آلت إليها مناطقهم بفضل صناعات ملوثة للبيئة تفتقت كالفطر في أراضيهم جراء قرارات الحكومات الإفريقية، وبينما كانت تستنزف شركة “معادن إميضر” التابعة للهولدينغ الملكي مياه القرى ضواحي إقليم مدينة تنغير، عمدت كبريات الشركات العقارية على الاستحواذ على الأراضي التي كان يُقيم فيها سكان “أولاد دليم” وسكان “دوار سبيطة” ثم سكان “كيش الوداية” في العاصمة المغربية الرباط بغية تحويل هذه الأراضي إلى وعاء عقاري ضخم، وبدا أهالي هذه المناطق نازحون مشردون يقيمون تحث خيم بُنيت بالبلاستيك ويقضون حاجاتهم في العراء بعدما جرى طردهم بالقوة وهدم بُيوتهم.

2

من سكان دوار سبيطة – صراع أهل المنطقة مع شركة الضحى العقارية حول “الأراضي”

3

وعلى مستوى المحلي، لم يتوارى أهل مدينة آسفي على الساحل الأطلسي، في الاستنجاد بحكومة دولتهم لإنقاذهم من معضلة التلوث، إذ لم يعد صبر أهل المدينة يستسيغ أزيد من 50 سنة من التلوث الناجم عن “المكتب الشريف للفوسفاط” والذي بلغت عائداته من الفوسفاط عام 2015 ما يناهز عن 47 مليار درهم، وحيث كان هذا المصنع الضخم الذي يتمركز جنوب المدينة بـ7 كيلومتر فقط عن أقرب منطقة مأهولة بالسكان، يطلق بين الفينة والأخرى غازاته المختلطة بمواد الامونياك والفوسفوريك، وتصل إلى بيوت السكان في مختلف الأحياء السكنية بالمدينة، أعلنت حكومة المغرب عام 2014 عن إطلاق مشروع المحطة الحرارية تعمل على الفحم الحجري، بقيمة 2.6 مليار دولار، ومنذ ذلك الحين نبت الهلع في قلوب ساكنة آسفي، يتساءلون عن أيّ وضع بيئي يتهددهم وحياتهم.

4

مصنع المكتب الشريف للفوسفاط –

تنسيق إفريقي – دولي من أجل “العدالة المناخية”

بينما يتسابق نشطاء هيئات المجتمع المدني في التعريف بقضيتهم واحتجاجاتهم ضد التلوث في المغرب، يُصادفون “رفقاء الدرب” وفي الوقت الذي كانت تجري فيه أشغال قمة المناخ كوب 22 في مراكش، اجتمع العشرات من النشطاء جاؤوا من أمريكا وفرنسا وإسبانيا والإكوادور بدعوة من منظمة “أطاك المغرب” في مدينة آسفي لإقامة قمة للمناخ قالو إنها كانت موازية لقمة “كوب 22″، وقال “نيولاس سيغيسيون” عضو اللجنة الدولية من أجل الغاء ديون العالم الثالث – بفرنسا” إنه ليست مصادفة أن يتم اختيار مدينة آسفي على المحيط الأطلسي وعلى بعد 150 كيلومترا شرق مراكش،لاستضافة  ندوة دولية حول موضوع “للنغير النظام لا نغير المناخ”  في نوفمبر 2016، هذه المدينة تعيش وضعا بيئيا مزريا بسبب تلوث الهواء وما يتسبب فيه المكتب الشريف للفوسفاط.. علينا جميعا دعم السكان المحليين في مواجهة التلوث وجشع المستثمرين والشركات الكبرى”.

هكذا جمعت حملة مناهضة للمحطة الحرارية وتلوث المكتب الشريف للفوسفاط، بين نشطاء آخرين في مصر أسسوا بدورهم حملة أطلقوا عليها إسم “مصريون ضد الفحم” ويقول النشطاء، إنه في عام 2015 اجتمعوا في المنتدى الاجتماعي الذي أقيم في تونس للتداول في القضايا البيئية المطروحة والتي بدت أنها قضية واحدة تهم قاراتهم، وداخل المغرب ارتبطت احتجاجات أهل إميضر وسكان أراضي ولاد دليم وولاد سبيطة وكيش الوداية، إذ ظلوا يجتمعون في أكثر من مناسبة احتجاجية، ويعقدون ندوات واجتماعات يتداولون فيها مشاكلهم “الموحدة”.

إذا كان أهل آسفي يدقون ناقوس الخطر بسبب تخوفاتهم من الفحم الحجري الذي ستستخدمه المحطة الحرارية لآسفي، فكذلك المصريون، الذين ناهضوا توجه الدولة المصرية في استيراد الفحم لاستخدامه في توليد الطاقة الكهربائية وعمل مصانع الأسمنت به، وارتبطت احتجاجات أهل مصر مع ساكنة آسفي، طيلة سنوات الأربع الأخيرة، حيث أقيمت أنشطة واحتجاجات مشتركة بين المغاربة والمصريين،  وتقول حملة لا للفحم في مصر إنه سيتم استخدام الفحم في مصر بشكل أساس في صناعة الأسمنت و الواقعة مصانعها على امتداد النيل و مسطحات مائية أخرى.

قضية “آسفي” هي قضية “بارجني” في السينغال

شاءت الصدف، أن تشبه مدينة بارجني أو ” غوداو وبارجني” التي تقع على بعد حوالي 15 كيلومترا من العاصمة دكار، وضعية مدينة آسفي المغربية، فكلا المدينتين تتواجدان على الساحل، وتتميزان بالصيد البحري، وتتوفران على عدة منشآت لتعليب السردين، فارتبط مصيرهما المشترك معا أكثر، حينما تحوّل من الجغرافية والتميزّ الطبيعي إلى الصناعة الملوثة، فقد تم تدشين مشروع بناء محطة حرارية تعمل بالفحم الحجري في مدينة بارجني سنة 2008، حيث دشنها الرئيس السينغالي السابق عبد الله واد وبدأت في الاشتغال سنة 2014.

5

بارجني – السنغال   حيث المحطة الحرارية

ووفقا لمعطيات ذات صلة، فإن المحطة الحرارية التي جرى بناءها في مدينة بارجني، أحدثت في منطقة ساحلية مأهولة بالسكان وهي عبارة عن قرية صغيرة، في “بارجني مينام” يعيش أهلها على الصيد البحري، ويعمل الكثير من السكان في منشآت لها علاقة بالصيد غالبيتهم من النساء.

6

مدينة برجاني الساحلية – السنغال

ويقول “بيتير ناديو” وهو أحد أعضاء حملة ” لا للفحم في بارجني” في تصريح لـموقع أطاك المغرب الالكتروني إنه منذ بدأ اشتغال المحطة الحرارية، فقد حوالي ألف شخص غالبيتهم من النساء وظائفهم بسبب المحطة الحرارية، حيث أنها أثرت سلبا على مصانع “السردين” الموجودة بالقرب من المحطة الحرارية مما أدى إلى إغلاقها.

7

وأضاف “بيتير”، أن الحكومة السنغالية عمدت إلى خرق الميثاق الوطني حول البيئة،  حيث تنص بنوده على ضرورة أن تكون المنشآت الصناعية بعيدة بحوالي 500 مترا عن أقرب منطقة مأهولة بالسكان.

وأدت هذه الأوضاع إلى احتجاجات صاخبة في “بارجني”، وعلى صفحة حملة “لا للفحم في بارجني” يتم تبادل عبارات التضامن بين ساكنة آسفي ومدينة “بارجني” ويقولون إن مصيرهم مشترك، ومعاَ يستطيعون إيقاف الخطر.

من المغرب إلى الجزائر نشطاء يقولون: ” لا للتنقيب الهيدروليكي “

8

 

عين صالح – الجزائر

عندما أعطى الرئيس الجزائري قبل سنتين، الضوء الأخضر للشروع في استغلال الغاز الصخري بالبلاد، خلف هذا القرار موجة انتقادات من أحزاب ومنظمات معارضة، بدعوى أن المشروع خطر على البيئة ويلوث المخزون المائي للبلاد، وانتشرت الاحتجاجات في صحراء الجزائر كما تنتشر النار في الهشيم، وقطع المحتجون عددا من الطرق ومنها الطريق المؤدي إلى أول موقع لإنتاج الغاز الصخري بالجزائر والذي دشنه وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي أنداك قبل أسابيع قليلة من الاحتجاجات وامتدت الاحتجاجات إلى “تمنراست والمنيعة” بخروج محتجين للتضامن مع المتظاهرين في عين صالح، وللتعبير عن رفضهم استغلال الغاز الصخري بالنظر إلى تأثيره على المياه الجوفية في المنطقة.

وفي المغرب، عبرت جمعية التجمع البيئي لشمال المغرب، عن تضامنها مع سكان عين صالح الجزائرية، وفي مدينة وجدة، تظاهر العشرات في فترة الاحتجاجات الجزائرية تضامنا مع أهل الجزائر،ولم يفت منسق التجمع البيئي، محمد بنعطا أن أكد على تضامن الشعوب ضد التلوث البيئي وانتهاك حقها في الحياة.

ولم يسلم المغرب، بدوره من الاحتجاجات المناهضة للتنقيب عن الغاز، بينما أعلنت شركة “سوند اينرجي” الأورومتوسطية المتخصصة في التنقيب عن منابع الغاز، انتهائها من حفر بئر تندرارة، بضواحي إقليم فيكيك في الشمال الشرقي للمغرب، وهو الأول من نوعه بعمق تجاوز 2.6 كلم، ما أن تصاعدت الاحتجاجات المناهضة لعملية التنقيب، ودقت العشرات من الجمعيات المغربية ناقوس الخطر حيال نهج الحكومة المغربية الاستمرار في الإضرر بالبيئة.

حموشان: الكفاح من أجل العدالة المناخية هو سمة القرن الحادي والعشرين

9

لابد من رابط جعل هذه الاحتجاجات في منطقة شمال إفريقيا موحدة وجامعة لبعضها البعض، في هذا الإطار يقول “حمزة حموشان” في تصريح لموقع أطاك المغرب الالكتروني ، وهو دكتور بريطاني من أصول جزائرية، ومؤلف كتاب “الثورة القادمة في شمال إفريقيا” إن سكان شمال أفريقيا الذين ستتعرض حياتهم أكثر للتغيير جرّاء تغير المناخ هم صغار المزارعين في دلتا النيل، وصيادي الأسماك من جربة، سكان عين صلاح في الجزائر، والملايين الذين يعيشون في مستوطنات غير رسمية في القاهرة وتونس والجزائر. ولكنهم مهمشون وممنوعون من تشكيل مستقبلهم. بدلا من ذلك، تُصاغ مخططات الطاقة والمناخ من قبل الحكومات المسيطر عليها عسكريا ومن طرف مؤيديها في الرياض وبروكسل وواشنطن دي سي..”.

ويضيف حمزة، قائلا ” حجم الأزمة يعني أننا بحاجة إلى خروج جذري عن هياكل السلطة الاستبدادية والنيو- ليبرالية القائمة. الحاجة الملحة تجعل الأمر يبدو كما لو أننا لا نملك الوقت لتغيير النظام، ولكن الاعتماد على هؤلاء الذين يحكمون سيرجعنا خطوتين إلى الوراء مع كل خطوة إلى الأمام. بدلا من ذلك، يتعين علينا أن ننظر إلى الحركات الاجتماعية والمجتمعات التي تقاوم جبهيا، وبناء مسارات ديمقراطية نحو البقاء في عالم أكثر دفئا. وسوف يكون هذا النضال العالمي سمة القرن الحادي والعشرين”.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى