الخوصصةالمخططات الليبراليةملفات دراسية

استقلالية البنك المركزي ونظام الصرف المرن، مخططات صندوق النقد الدولي لوضع البلد في قلب العاصفة : الجزء الثاني

يعتزم الحاكمون بالمغرب البدء في سيرورة التحول إلى نظام الصرف المرن، ابتداء من النصف الثاني من السنة الحالية، وهي السيرورة التي تعتبر التتمة المنطقية لما تم الشروع فيه منذ زمن بعيد من سياسات نيولبرالية، بل تشكل احدى ذراها الأكثر خطورة.

لمتابعة هذه السيرورة، ينشر موقع أطاك المغرب، على حلقات، دراسة للرفيق مرجاني عبد القادر حول الموضوع لأجل فهم ما يجري وأبعاده وانعكاساته على مستقبل البلد وأوضاع كادحيه.

بعد نشر الجزء الاول من الدراسة الذي تمحور حول التأسيس النظري لاستقلالية البنوك المركزية في السياق العالمي وانعكاساته على المديونية وميزانية الدولة، نتابع نشر أجزاء الدراسة بالجزء الثاني الذي يتمحور حول أدوار البنك المركزي الجديدة التي تؤسس لها استقلاليته (شبه خوصصته) في زمن نزع التقنين عن الأسواق المالية والتمادي في سياسة تحرير الاقتصاد، والوضعية الجديدة للنقد والعملات المحلية بعد ان تصبح للبنوك الخاصة أدوار أساسية في خلقه.

——————————————————————————-

الجزء الثاني: دور البنك المركزي فيما يسمى بالإشراف الماكرو تحوطي

 

يعلن بنك المغرب عن نيته السير في اتجاه احترام توجيهات “بال 3″، التي تتحكم فيها البنوك الخاصة العملاقة. جديد هذه التوجيهات، اعتماد عدة إجراءات للاتقاء من المخاطر النظامية، أي المخاطر التي تهدد النظام البنكي ككل تفاديا لما يمكن أن يترتب من كوارث جراء تكرار الجرائم التي ارتكبتها البنوك والتي ساهمت في انفجار الأزمة المالية لسنة 2007، هذه الأزمة التي كادت ان تودي بانهيار النظام المالي العالمي لولا هرع الدول إلى استخدام المالية العامة إنقاذا للبنوك. كان هذا الإنقاذ سببا مباشرا في انفجار المديونية العامة لكافة هذه البلدان.

أدى نزع التقنين عن الأسواق المالية والتمادي في سياسة تحرير الاقتصاد إلى تمتيع مدراء البنوك والمضاربون بالمجال الكافي لابتكار أساليب المقامرة والحيل المتجددة للتلاعب بالمحاسبة وحجم الديون قصد الرفع من معدل المردودية وإرضاء للمستثمرين والمساهمين الكبار. تكشف كل أزمة عن حجم الجرائم المالية وانعكاساتها الكارثية على المقترضين والمساهمين الصغار وعلى النظام المالي ككل. وفي كل مرة تسارع الحكومات إلى إنقاذ البنوك بأموال الميزانيات العمومية و يتجند الساسة و الخبراء الليبراليون إلى إثارة الضجيج حول ضرورة إعادة النظر في أساليب و نماذج حكامة البنوك و شكل الرقابة عليها و ضرورة تجديد أساليب و معايير إدارتها للمخاطر و تقييدها بمستوى معين من كفاية الرأسمال و كفاية السيولة، إلا أنه بعد الانتهاء من المشاورات و اللقاءات يكون حجم ما تقرر لا يناسب البث حجم الكارثة و لا يقدم كجديد ما يمكن له أن يعيد ضبط النظام المالي و يكون الهدف استغلال الفرصة لإعادة الثقة في المنظومة اللبرالية.  في هذا السياق، وجراء انعكاسات الأزمة المالية التي امتدت إلى كل مكونات المنظومة المالية، بدأ الترويج إلى ما يسمى السياسة الاحترازية الكلية أو الإشراف الماكرو تحوطي والتي يتم تنزيلها عبر تأسيس لدوائر الاستقرار المالي على مستوى البنوك المركزية التي يراد لها أن تعمل على تحديد، تحليل، مراقبة وضبط المخاطر النظامية، وتعزيز قدرة الجهاز المالي على تحمل المخاطر والصدمات المالية. فحسب القائمين على شؤون السياسات النقدية، الاستقرار على المستوى الفردي لكل مؤسسة من مؤسسات الجهاز المصرفي ليس كافياً لتحقيق الاستقرار المالي بسبب وجود ما يُسمى بالمخاطر النظامية والتي تؤثر سلباً على استدامة الخدمات المالية الرئيسية كنمو الائتمان على نحو كبير بما لا يتناسب والنشاط الاقتصادي، تكَون الفقاعات التي تخص الأصول، تعاظم حجم مديونية الأفراد والحكومات وكذلك الاعتماد على مصادر أموال غير مستقرة. وبذلك، سيكون ملزما على البنك المركزي أن يتنبأ بمدى قدرة البنوك على استيعاب الصدمات باستخدام اختبارات الأوضاع الضاغطة، وأن يعزز قدرتها على مواجهة المخاطر والصدمات وأن يساعدها على استيعاب الاثار المترتبة عن تحقيق المخاطر. وإن تعذر تحقيق هذه الأهداف وحلت الكارثة، فالبنك المركزي جاهز لإنقاذها عبر شراء أسهمها.

لإتمام دوره في الحفاظ على الاستقرار المالي، سيُعطى لبنك المغرب الحق في ضمان الانقاذ المصرفي في حالة التعرض لأزمة نظامية، حيث أن القانون البنكي الجديد، الذي يثني عليه صندوق النقد الدولي في كل مناسبة، يخول لبنك المغرب شراء حصص في مؤسسات الائتمان في سياق تدبير المخاطر النظامية وحل الأزمات المصرفية. ووفقا لوالي بنك المغرب، الذي سبق له أن تولّى مسؤولية وزارة المالية عندما تبنّى المغرب برنامج التقويم الهيكلي في الثمانينات من القرن الماضي: ” إذا استعاد البنك توازنه، سوف تعاد الأسهم المقتنية بموجب القانون إلى المساهمين”[i].

إذا كان هناك دركي حريص على محاصرة التضخم الذي يضر بمصالح البنوك – عبر الانتقال إلى نظام استهداف التضخم- وفي نفس الوقت يصبح إطفائي عند نشوب أزمة ومنقذا أخيرا عند وصول البنوك إلى حد الانهيار فإن هذه الأخيرة ستخاطر أكثر عند تقديمها لقروض التي يمكن أن تصبح فيما بعد أصولا سامة ستكلف المنقذ كثيرا عند محاولته سحبها من موازنات البنوك.

النقد ليس فقط وسيلة لتسهيل عملية تبادل البضائع، فالسيطرة عليه من طرف المستثمرين المالين وأرباب الشركات الصناعية يجعله رأسمالا يتيح شراء قوة العمل التي ستنتج فيما بعد فائض القيمة الذي سيتحول إلى ربح عند بيع البضائع، ضمن سيرورة مستمرة لمواصلة سيرورة تراكم الرأسمال. هذا التراكم يلزمه باستمرار، قروض تخلقها البنوك التي تتوقع حجم الإنتاج والأرباح التي سيستحوذ عليها الرأسمال.

رغم أن النقد وسيلة للسيطرة الطبقية إلا أنه ملك عام. فهو مفروض على الجميع داخل مجال مشترك يُجانس فيه النقد بين أشغال مختلفة ويُمَكن من تبادل منتجاتها. لذلك، وبالإضافة إلى أدواره الاقتصادية، يعتبر أداة ضبط اجتماعي لا قيمة له أولا، دون مشروعية سياسية تعطيه إمكانية أن يكون قدرة شرائية فورية أو مستقبلية، وثانيا، دون الشغل الذي يخلق الثروات المنتجة.

النقد لم يعد ملكا عاما واستقلالية البنك المركزي تعني شبه خوصصته لأن خلق النقد سيصبح أكثر بيد البنوك الخاصة ولأن التحكم في الكتلة النقدية عند توسع الأسواق المالية وتنامي المنتجات المالية سيصبح حكرا على الرأسمال.

[i] « Des superpouvoirs pour la banque centrale ». Article publié le 1 mars 2015 sur : www.leseco.ma/

زر الذهاب إلى الأعلى