المخططات الليبرالية

حركة أنفاس ديموقراطية : تحرير صرف العملة الوطنية هي قضية سياسية !

نشر الرفاق في حركة أنفاس ديموقراطية هذه الوثيقة حول أحد القرارات الخطيرة التي اتخذتها الدولة بالمغرب والتي يرتقب تطبيقها قريبا، مع ما يعني ذلك من آثار وخيمة على مصالح من هم تحت. إننا في موقع أطاك المغرب نشكر رفاقنا في أنفاس على قبولهم نشرنا لهذه الوثيقة، ونسعى بذلك لوضع الساعين من أجل سياسة اقتصادية اجتماعية أخرى في صلب نقاش هو من صميم اهتمامات كل المناضلين من أجل عولمة بديلة، ومن اجل مغرب آخر ممكن.

حركة أنفاس الديموقراطية : تحرير صرف العملة الوطنية هي قضية سياسية  !

من أجل المزيد من الدولة و القليل من السوق !

السياق

منذ 3 عقود، ينتشر خطاب اقتصادي سائد قائلا : “يجب على الدولة أن تزول لفائدة السوق الذي يقنن نفسه بنفسه“. هذا الخطاب النيولبرالي ينحو إلى ترسيخ تراجع الدولة كفاعل اقتصادي و المضي نحو “تحرير الفاعلين الاقتصاديين الفرديين“. كما يظهر أن عمق نموذج هذه الايديولوجيا الاقتصادية السائدة هو “القليل من الدولة و المزيد من السوق” و هو ما يصرح بأن السوق مفيد للشعوب “لأنه يحرر الطاقة الانسانية و يسمح لها بالتعبير“.

تعتبر المؤسسات النقدية الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، …) المروجين لهذه الايديولوجيا االنيولبرالية النقدوية : صندوق النقد الدولي في نطاقي المالية و المبادلات االدولية، و البنك الدولي بخصوص الاسترتيجيا و النمو الاقتصاديين. فمنذ 30 سنة و هي تأتي بنفس الوصفات لدول ذات اقتصادات متنوعة و مختلفة. يمكن هنا معاينة الوصفات التي “توصي” بها هذه المؤسسات لملاحظة ذلك خصوصا بالمغرب :

  • تفكيك المقاصة : وضع القدرة الشرائية للمغاربة بين أيدي كارتيلات انتاج المحروقات بدون مصاحبة باستهداف الطبقات المحتاجة.
  • خوصصة الخدمات العمومية : إعلان الحكومة عن “رفع يد الدولة عن الخدمات العمومية مثل التعليم و الصحة” (انظر بيان 5 منظمات جهوية منها أنفاس حول الموضوع).
  • التفكيك التدريجي للتقاعد التضامني : المضي في شبه إصلاح بارامتري بدون أفق و لا رؤيا سياسيا يعكس العجز الهيكلي لصناديق التقاعد على الموظفين لوحدهم (تمديد سن العمل، الرفع من المساهمات، التخفيض من المعاشات). (انظر مقترح أنفاس حول إصلاح التقاعد).
  • تعميم “مرونة” الشغل حتى في الوظيفة العمومية : فتح مناصب شغل بعقد ذات مدة محدودة في الوظيفة العمومية مما يجعل الشغل أكثر هشاشة و يفاقم مشكل التقاعد.
  • عدم التقائية المخططات القطاعية : يعمل كل قطاع وزاري حسب مخطط قطاعي منعزل عن الآخرين بآفاق ومنية مختلفة و تتعدى الوقت السياسي مع رفض العمل بالتخطيط الاستراتيجي (انظر مقترح أنفاس حول التخطيط الاستراتيجي و اطار الحركة المرجعي بخصوص السياسات الاقتصادية)
  • تحرير قيمة الصرف : جعل قيمة العملة الوطنية مرتبطا “بالسوق” حسب قانون “العرض و الطلب”.

نقدم هذه الوثيقة للتطرق للنقطة الأخيرة.

مقدمة.

عند تقديمنا لوثيقتنا “الاطار المرجعي للسياسات الاقتصادية : الخروج من سياسات المحدوديات إلى سياسات الممكنات“، كنا نترافع من أجل أن “يسترجع المغرب سيادته الوطنية و الشعبية على القرار الاجتماعي و السياسي”، عبر توضيح مسار تطور مبني على أساس “المزيد من الدولة و القليل من السوق“. حينها نعتت بعض الأصوات الاعلامية و الاقتصادية و السياسية مقترحاتنا بكونها “كلام اليسار الجذري الذي يعيش على الحلم الماركسي”. و إن كنا لا نخفي تجذرنا يسارا فإننا على العكس لسنا دغمائيين و نذكر أصحاب الايديولوجيا النيولبرالية أن الدغمائيين الحقيقيين هم من يتمسكون بحقيقة واحدة، و في حالتهم : النيولبرالية. لقد انغمسوا فيها لحد أنهم يعتبرون مثلا النظرية الكينيزية من خطاب اليسار الجذري. فليكن كذلك.

فإذا كان اليسار الجذري هو الدفاع عن المزيد من الدولة، المزيد من الخدمات العمومية، المزيد من التوزيع … فنحن إذا فخورون بكوننا من اليسار الجذري.

رجوعا إلى موضوع الوثيقة و هو تحرير صرف العملة الوطنية، نؤكد أنه ليس لنا البتة أي موقف دغمائي من الموضوع، فسياسة الصرف الحالية الواضعة لدرهم قوي تضر بالصناعات المصدرة و تستمر في جعل بنك المغرب يدعم الواردات، خصوصا السلع الفاخرة !

سنعقب في هذه الوثيقة على تصريحات عمومية لبنكنا المركزي مع إعطاء زوايا أخرى للنظر و بطرح أسئلة نعتبرها مهمة لتوضيح الموضوع.

تعقيبات و أسئلة

حجة بنك المغرب رقم 1 :

“اعتبر صندوق النقد الدولي أن المغرب مستعد لبداية 2017، و رفضت قطعا. لقد أجلت إدخال تحرير الصرف إلى النصف الثاني من 2017”.

“خلافا لمصر، بالنسبة للمغرب، التحرير هو اختيار، أمر إرادي”.

تعقيبنا :

من جهة يعتبر بنك المغرب أن صندوق النقد الدولي “يوصي” بتحرير الصرف في أقرب وقت ممكن لأن “المغرب مستعد لذلك”، و من جهة أخرى يعتبر أن المغرب اختار “اراديا” تحرير الصرف، خلافا لمصر و تلميحا للنتائج الكارثية “لتحريرها” صرف عملتها الوطنية.

اذ نذكر بتصريح صندوق النقد الدولي في غشت المنصرم بمناسبة إعادة تمديد “خط السيولة و الائتمان” بقيمة 3,47 مليار دولار : “إن فريق صندوق النقد الدولي و السلطات المغربية متفقان على أن الوضعية الحالية هي مناسبة لبدء هذا الانتقال”. لا يجب الكثير من الذكاء لفهم أن خط السيولة و الائتمان هذا و المخصص “لتجنيب البلد مخاطر الصدمات الخارجية” تمت مقايضته مقابل تحرير الصرف و الذي يفترضون أن له نفس الهدف، فشروط منح هذا الخط يبين بتجلي نظر صندوق النقد الدولي في السياسة النقدية !

يجب أن نعلم أيضا أن هناك دولتان فقط حصلتا على خط السيولة و الائتمان : مقدونيا و المغرب !!!

أسئلتنا :

  • هل لم يكن تحرير الصرف ضمن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول “خط السيولة و الائتمان”؟
  • يؤكد بنك المغرب على أن “المغرب مستعد لبداية 2017” و أن بنكنا المركزي هو من يقف وراء قرار التأجيل. في نفس الوقت يقول البنك على أنه “بالنسبة للمغرب، تحرير الصرف هو اختيار، أمر إرادي”. أليس في هذا الأمر تناقضا؟

حجة بنك المغرب رقم 2 :

“لا ندخل إلى ورش كهذا بدون أن نكون ملمين بكل شيئ”.

“لقد حضرنا كل شيء و حاكينا كل شيء، حتى ميزانيات التدخل. المغرب لديه الآن كل الاشتراطات لإدخال المرونة في سعر الصرف: الاستدامة المالية على المستوى المتوسط، نظام مصرفي مرن وقادر على دعم الفاعلين ومستوى آمن من احتياطيات النقد على المدى المتوسط”.

تعقيبنا :

في نظام الصرف العائم، و حسب السوق، ترتفع أو تنخفض العملة حسب قانون العرض و الطلب في أسواق العملات، أي أننا سنضع القدرة الشرائية للمغاربة في أيدي السوق !

إن مخاطر المضاربات بخصوص عملة وطنية هي عملة رائجة، فالأمثلة كثيرة في هذا الصدد : عرفت العملتان الوطنيتان لروسيا و أكرانيا في 2014 خسارة بحوالي 48 بالمائة و 42 بالمائة، كما أن حوادث المضاربات بخصوص عملة اليونان و اسبانيا … في 2010 و 2011 في خضم أزمة منطقة اليورو ! في مثل هذه الحالات، يذهب المواطنون إلى الادخار بعملات أجنبية “متينة” من أجل الحفاظ على قدرتهم الشرائية (مثال مصر، لبنان، تركيا، روسيا …). لانهيار احتياطات الدولة من العملة الصعبة نتائج وخيمة : الخصاص، عدم القدرة على الاستيراد (يستورد المغرب نصف حاجياته من الحبوب مثلا) … أضف إلى ذلك أن الميكانيزم الوحيد المتوفر للدولة من أجل دعم العملة الوطنية هو شرائها مقابل احتياطاتها من الصرف، سعيا لخلق الطلب في سبيل تعديل قيمتها. إن المغرب لا يتوفر على احتياطات كبيرة من الصرف و قد يخسر في أيام الاحتياطات التي حازها في سنوات ! و تبقى الوسيلة القصوى لانقاذ قيمة العملة و هي العودة الميكانيكية إلى نظام صرف تابث، و هو ما سيعتبر كخسارة وطنية كبيرة توحي أننا نحلم أكبر من قدرتنا !

إن المرور إلى صرف عائم بأقل المخاطر يستوجب أن يكون الاقتصاد قويا بما فيه الكفاية و أن يكون ثقله قادرا على تحمل مخاطر المضاربة. لكن الناتج الداخلي الخام المغربي لا يستطيع تحمل حركات المضاربة للصناديق المخصصة لذلك و التي تزن عدة مئات من المليارات من الدولارات !

أسئلتنا :

  • حين تؤكد بنك المغرب أن “للمغرب الاشتراطات لادخال مرونة الصرف”، هل من الممكن أن تبرهن ذلك للشعب المغربي؟
  • كيف سيعمل بنك المغرب من أجل تجنيب العملة الوطنية من مخاطر حركات المضاربة ؟

حجة بنك المغرب رقم 3 :

“نريد أن تكون جميع القطاعات مهيأة، خصوصا الأبناك و الفاعلين و الشركات العمومية المعنية. لقد عقدنا و سنعقد اجتماعات مع الشركات العمومية التي لديها التزامات بالعملة الصعبة : الطرق السيارة بالمغرب، المكتب الشريف للفوسفاط، المكتب الوطني للماء و الكهرباء … و قد كوننا لجنة دائمة مع الأبناك”.

تعقيبنا :

تدفع مدرسة النيولبراية، تبعا لنظرية منظرها الحائز على نوبل للاقتصاد ميلتون فريدمان، منطق الخوصصة إلى أبعد حد و توصي حتى بخوصصة الجيش و الشرطة ! الدولة مطالبة بالزوال لفائدة “السوق الذي يقنن نفسه بنفسه”، كما توصي “بأن لا يكون البنك المركزي تحت سلطة الدولة و مؤسساتها، بل عليها أن تزول لأن قوى السوق ستتقنن و تتوازن عبر بعضها البعض”. في هذا الاطار يعمل بنك المغرب خصوصا في مسلسل التحرير نحو تعويم العملة الوطنية. يعتبر بنك المغرب و من ورائه صندوق النقد الدولي أن السوق “ستربي الدولة !” (تعقيب ايريك بير، عضو “الاقتصاديين المفزوعين“، في الجامعة الربيعية لأنفاس حول العدالة الاجتماعية).

نعتبر أولا أن الاقتصاد هو مسألة سياسية بامتياز ! لا يمكن أن تكون الاختيارات الاقتصادية شأن خاصا “للفاعلين الاقتصاديين” أو التكنقراطيين، بل انها خاضعة للارادة الشعبية عبر مبدأ السيادتين الشعبية و الوطنية !

ثم إنه بالنظر للخصائص الهيكلية للاقتصاد المغربي من حيث الانتاج و المبادلات و المالية بالمغرب، تعويم العملة الوطنية سينتج تقلبات موسمية كبيرة (الانتاج الفلاحي، تصدير الفوسفاط، السياحة، تحويلات مغاربة الخارج، …) و التي سيكون لها نتائج على النمو و على الانتاج الاقتصادي و على المبادلات الخارجية …

و أخيرا، نذكر بأن والي بنك المغرب قد أعلن في شتنبر الماضي بأنه “سيقوم بحملة للشرح و التواصل مع كل المتدخلين : الحكومة عبر وزارة الاقتصاد و المالية، القطاع البنكي، الفاعلين الاقتصاديين، و كذلك مع الصحافة و حتى المجتمع المدني، من أجل شرح هذا المنحى المهم و لماذا نقوم به و في أي اتجاه نسير بارسائه”. فحتى هذه الحملة الشكلية لم تنظم.

أسئلتنا :

  • نعتبر أن سياسة تحرير الصرف تهم كل المغاربة و أنها ليست مجرد خطوة تقنية. هل تم الأخذ بعين الاعتبار رأي المغاربة أو ممثليهم؟
  • نتوفر على معلومات غير رسمية تفيد بأن الأبناك جد محافظة بخصوص هذا الموضوع. هل أخذ بنك المغرب اتفاق لجنته “للفاعلين الاقتصاديين”؟
  • نتوفر على عناصر غير رسمية و غير مؤكدة تفيد أن االأبناك المغربية قد اقتنت برامج معلوماتية خاصة بالتداول في سوق العملات. ألا يعتبر الأمر استباقا لقرار لم يتخذ بعد؟
  • هل سيقوم بنك المغرب بالشرح للعموم عن دواعي هذا القرار و خصوصا كيف و من طرف من اتخذ؟

 

خلاصات أساسية

كما شرحنا سابقا لسنا في منطق صلابة دغمائية يرفض التعامل مع كل موضوع نعتبر “مرفوضا ايديولوجيا”. بوضعنا هذه الوثيقة للنقاش العمومي نتوخى أن نساهم في تسليط الضوء على بعض الجوانب الأساسية :

 

  • نرفض الخطوات القاضية بتحضير “صلاحات” ستكيف حياة مواطنينا في مكاتب مغلقة. إننا نعتبر أن الاقتصاد هو قبل كل شيء مسألة سياسية و أن القرار الاقتصادي يجب أن يرتهن للمصادقة السياسية بطريقة ديمقراطية.
  • نرتبط بفخر بسيادتنا الوطنية و الشعبية على القرار السياسي و الاقتصادي. نرفض كل “التوصيات” المملاة من طرف المؤسسات النقدية الدولية.
  • نتمنى أن تأخذ قضية نظام الصرف مكانة في النقاش العمومي لكي نمر بعد ذلك إلى القرار الأنسب لبلدنا.

05 يناير 2017.


Mouvement Anfass Démocratique – حركة انفاس الديمقراطية
www.anfass.ma
https://www.facebook.com/anfassmaroc
https://twitter.com/AnfassDemo
https://www.youtube.com/channel/UC63g7SezG052P2EJsmo5Mwg

زر الذهاب إلى الأعلى