الاتفاقات الاستعماريةملفات دراسية

اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوروبي: الاختلالات المالية والتداين

 

اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوروبي: الاختلالات المالية والتداين

ميمون الرحماني[1]

وقع المغرب منذ عدة سنوات عدة اتفاقيات للتبادل الحر خاصة مع الدول الأقوى اقتصاديا مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد كانت هذه الاتفاقيات غير متكافئة وزادت من سوء أوضاع الاقتصاد المغربي، التي تضررت بشدة جراء الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تقبع مؤشرات اقتصاده الكلي في منطقة الخطر: عجز تجاري هيكلي وعجز مزمن في الميزانية واحتياطيات النقد الأجنبي في انخفاض متواصل ونسبة ديون في ارتفاع مستمر.

إن الوضع مقلق بشكل خاص لأن المغرب لا يزال يلتجئ إلى الخارج لتمويل عدد من المشاريع (في كثير من الأحيان لا لزوم لها ومفروضة مثل مشروع القطار فائق السرعة الذي يربط بين طنجة والدار البيضاء) التي لن تستفيد منها بشكل كبير سوى الشركات الدائنة وخصوصا تلك التي وقعت اتفاقيات تبادل حر أو “تعاون” لتنفيذ السياسات والبرامج المتفق عليها بصورة مشتركة. وهذا هو الحال هنا مع دول الاتحاد الأوروبي.

الخلفية التاريخية للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي

تم توقيع أول اتفاقية للتجارة بين المغرب والاتحاد الأوروبي في عام 1969 بعد مفاوضات بدأت منذ عام 1963. وقد تم توسيع النطاق التجاري البحت لهذه الاتفاقية مع الاتفاقية الثانية المبرمة في عام 1976، والتي انتهت أواخر عام 1978 وتضمنت “المساعدة” الاقتصادية والمالية.

وقد توصل الطرفان بعد سنة من مؤتمر برشلونة في عام 1995 إلى عقد اتفاقية سميت باتفاق شراكة ميزت نهاية التخفيضات الجمركية التدريجية على السلع الصناعية في 1 مارس 2012. وينص هذا الاتفاق على الإنشاء التدريجي لمنطقة للتبادل الحر بما يقوي انفتاح السوق المغربية ومواصلة توسيع مجالات “الشراكة” لتشمل مختلف قطاعات الاقتصاد: التعاون الصناعي وتعزيز وحماية الاستثمار والفلاحة والصيد البحري والنقل والطاقة والبيئة والتعليم والتكوين والتعاون العلمي والتقني والتكنولوجي الخ.

وقد تحصل المغرب في عام 2008 على وضع “الشريك المتقدم” مع الاتحاد الأوروبي كجزء من برنامج “لـدعم المغرب في عملية التقارب التنظيمي” الذي يحدد الأولويات خاصة فيما يتعلق بالمعايير الصناعية والصحية والصحة النباتية وفي مجالات الصيد البحري والنقل البحري وإدارة موارد المياه وكذا التشغيل والتغطية الاجتماعية. وقد تم بالفعل إجراء بعض الأعمال في المناطق النموذجية مثل الخدمات المالية (التأمين) والمشتريات العامة. ويهدف وضع الشريك المتقدم والبرامج التي يحتوي عليها أساسا إلى “تحقيق اندماج متقدم للاقتصاد المغربي في اقتصاد الاتحاد الأوروبي!”

إن عزم الاتحاد الأوروبي على إخضاع الاقتصاد المغربي لا يتوقف عند هذا الحد حيث تم في عام 2012 إطلاق “مفاوضات” للتصديق على اتفاقية تبادل حر سميتب”الشاملة والمعمقة”. كما تميز العام 2012 علاوة على ذلك بتوقيع الاتفاقية الزراعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي التي أطلقت المفاوضات بشأنها في عام 2006 والتي تهدف إلى الإسراع في تحرير التجارة في المنتجات الزراعية المصنعة والمنتجات السمكية.

أي تمويلات لأي سياسات؟

وقع المغرب والاتحاد الأوروبي في يوليو 2010 “البرنامج الإرشادي الوطني” 2011-2013 وهو برنامج تمويل بمبلغ يصل إلى 580.5 مليون يورو بزيادة قدرها 18٪ عن البرنامج الإرشادي الوطني 2007-2010. ويشمل البرنامج سياسات إدارة حماية الغابات وإصلاح الإدارة المالية والإدارة العامة.

كما منحت المفوضية الأوروبية المغرب أيضا 80 مليون يورو في إطار برنامجدعم الشراكة والإصلاح والنمو الشامل ([2](SPRING الذي (بطريقة أو بأخرى) يدعم دول جنوب البحر الأبيض المتوسط في عملية الإصلاحات الديمقراطية. ونحن نعرف جيدا ما تعنيه “عملية الإصلاح الديمقراطي” بالنسبة للاتحاد الأوروبي. إنها ببساطة المسار القسري لتحرير جميع قطاعات الاقتصاد وفتح الأسواق أمام المنتجات الأوروبية؛ وهذا يتطلب بعض “الاستقرار السياسي” وبالتالي حكومة ليبرالية موالية للاتحاد الأوروبي وقادرة على تنفيذ توصيات المؤسسات الأوروبية! وفي هذا الإطار بالذات حصل المغرب أيضا في عام 2011 على لقب “شريك من أجل الديمقراطية” من الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي في وقت فرضت فيه المملكة المغربية على الشعب دستورا “جديدا” مملى من أعلى دون نقاش شعبي حقيقي ووقع التصديق عليه من قبل استفتاء محل تساؤلات كبيرة. كما تم في نفس الوقت قمع أي معارضة محتملة بما في ذلك حركة 20 فبراير والصحفيون الناقدون والحركات الاجتماعية التقدمية الخ.

البرنامج الإرشادي الوطني (PIN)

البرنامج الإرشادي الوطني هو وثيقة برمجة للحصول على مساعدات من المفوضية الأوروبية. كما أنه يبين تطور العلاقات الثنائية والوضع في البلاد ووتيرة تنفيذ الاتفاقيات. وبالإضافة إلى ذلك فإنه يحلل بالتفصيل أهداف كل أولوية.

حددت وثيقة الاستراتيجيات لكل بلد بالنسبة للمدة 2007-2013 خمسة مجالات ذات أولوية: تنمية السياسة الاجتماعية والتحديث الاقتصادي والدعم المؤسسي والحكامة الجيدة وحماية البيئة.

كان التأثير فيما يخص المسألة الاجتماعية ضئيلا جدا واستمرت رقعة عدم المساواة الاجتماعية وبين المناطق في الاتساع. كما لا يزال الحد من التفاوتات والمساواة بين الجنسين وتعليم الفتيات بحاجة للتطوير والتحسين. وبالإضافة إلى ذلك فإن الزيادة الكبيرة في عدد العاطلين عن العمل وخاصة الشباب حاملي الشهادات تبين بوضوح أن هذه السياسات الأوروبية لم تحقق النتائج المتوقعة.

وفيما يخص النقاط الأخرى حول تحديث الاقتصاد وحماية البيئة والحكامة الجيدة والدعم المؤسسي فإن النقطة الأكثر أهمية والتي قد يكون لها تأثير كبير فهي بالتأكيد مثل ما أكده الاتحاد الأوروبي “الالتقاء بين التشريع المغربي والمكتسبات المجتمعية“! وبعبارة أخرى فإن معظم القوانين المغربية وقع استلهامها من النظام القانوني والمؤسسي الأوروبي (خصوصا الفرنسي) لا سيما فيما يتعلق بالتشريع حول الصفقات العمومية والتدبيرالمفوض والشراكات بين القطاعين العام والخاص الخ. ويبقى الهدف بالطبع هو تبسيط التشريعات للسماح للشركات الأوروبية بالوصول بسهولة إلى السوق المغربية. كما مكنت تدابير أخرى مثل التدبير النشيط للديون شركات الاتحاد الأوروبي من احتكار أكثر المناطق الاستراتيجية للمملكة، مثل “سامير” -SAMIR (مصفاة النفط) والتدبير المفوض لتوزيع الماء والكهرباء في معظم المدن الكبرى وتدبير قطاع النفايات السائلة والصلبة وجزء من تدبير النقل الحضري خصوصا الترامواي الجديد وشركة اتصالات المغرب الخ.

ويخشى أن تتسبب هذه “الملائمة للتشريعات مع المكتسبات المجتمعية” في الملائمة التلقائية للقوانين بمجرد أن تتغير القوانين في الاتحاد الأوروبي دون التسبب في أي نقاش أو أي قرار من الطرف المغربي[3]. وهذه المسألة أكثر إثارة للقلق في المفاوضات الحالية لاتفاقية التبادل الحر عبر الأطلسي بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فإذا تم التوقيع عليه فإنه سيغير شروط الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تغييرا جذريا. وإذا كانت المخاوف من الحركات الاجتماعية الأوروبية عالية فهناك أيضا ما يدعو إلى إيلاء اهتمام وثيق بهذه القضية على هذا الجانب من البحر الأبيض المتوسط وذلك لأنه من المحتمل جدا أن تكون آثار هذه الملائمة كارثية بأتم معنى الكلمة.

أما فيما يتعلق بحقوق الإنسان فحدث ولا حرج، حيث لم يمنع إنشاء مؤسسات مختلفة مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان من تواصل القمع اليومي. وما اعتقال وسجن الناشطين والصحفيين إلا خير شاهد على ذلك. كما تنتهك حرية التعبير والحق في تكوين الجمعيات والتجمع وحرية الصحافة وكرامة المواطنين باستمرار رغم أن النصوص التي وقعها الطرفان تتحدث عن “تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية” و “حرية التعبير بما في ذلك في المجال السمعي البصري وحرية تكوين الجمعيات والتجمع”[4]. ولكن لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ذكر هذه المسألة “للذكرى” من دون أن تثير انتهاكات حقوق الإنسان على أرض الواقع أي ردة فعل من الشركاء الأوروبيين.

خطة عمل المغرب والاتحاد الأوروبي 2013-2017

تهدف خطة العمل الجديدة المغرب / الاتحاد الأوروبي 2013-2017 التي وقعت في ديسمبر كانون الأول عام 2013 إلى تعزيز “اندماج الهياكل الاقتصادية والاجتماعية المغربية في تلك في الاتحاد الأوروبي“! وبعبارة أخرى فهذا يعني بكل بساطة تبعية الاقتصاد المغربي لاقتصاد الاتحاد الأوروبي، وهذا هو لب اتفاقية التبادل الحر الشاملة والمعمقة التي هي قيد التفاوض حاليا. وهو ما عبر عنه ملك المغرب جيدا في خطاب العرش في 30 يوليو 2014: ” يولي المغرب أهمية كبرى لنجاح المفاوضات الجارية، من أجل التوصل إلى اتفاق للتبادل الحر شامل وعميق، كإطار للتقارب أكثر بين المغرب وأوروبا، ولإدماج الاقتصاد المغربي في السوق الداخلي الأوروبي..”

إن تحقيق أهداف هذا المخطط مثل سابقيه سوف يمر من بين أمور أخرى عبر سلاح الدَّيْن من خلال أدوات التمويل مثل “مرفق الاستثمار في الجوار” و “المرفق الأورو-متوسطي للاستثمار والشراكة” فضلا عن قروض من البنك الأوربي للاستثمار.

تشير خطة العمل من الناحية الاقتصادية البحتة إلى “السعي لتحقيق الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد والتمويل” ونجد من بين التدابير المتوخاة إصلاح صندوق المقاصة ونظام دعم أسعار الطاقة وبعض المنتجات الغذائية بما يضمن “تخفيف العبء المالي وضمان الاستدامة المالية العامة”. وهذا يعني بكل وضوح تطبيق سياسات التقشف التي تهدف إلى الحد من الإنفاق العام على ظهور المواطنين الذين يدفعون الفاتورة. يضاف إلى كل ذلك إصلاح نظام التقاعد الذي من شأنه أن يثقل دخل الموظفين والأجراء ويؤثر على وضعهم الاجتماعي الراهن والمستقبلي.

اتفاقية التبادل الحر واستفحال العجز التجاري

رغم محاولة المغرب تنويع علاقاته التجارية من خلال التوجه نحو أفريقيا وأمريكا وآسيا يبقى الاتحاد الأوروبي الشريك المفضل. إذ تمثل التجارة مع الاتحاد الأوروبي أكثر من 50٪ من إجمالي التجارة الخارجية. وتأتي فرنسا وإسبانيا على رأس قائمة الشركاء التجاريين بـ 32٪ و 26٪ من المبادلات مع منطقة اليورو تباعا في عام 2011.

أما بالنسبة للصادرات المغربية إلى الاتحاد الأوروبي فتمثل 111,8 مليار درهم في عام 2013 مقابل أكثر من 190,7 مليار درهم من الواردات الأوروبية.

في سياق اتفاقيات التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تصل الصادرات المغربية إلى حوالي 30 مليار درهم في حين تجاوزت الواردات 75 مليار درهم ليكون بذلك الميزان التجاري للمغرب مع الاتحاد الأوروبي في عجز كبير يصل إلى 45 مليار درهم في عام 2011 و 51,4 مليار درهم في عام 2012 أي 25٪ من العجز الإجمالي.

وعلاوة على ذلك انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أوروبا بشكل كبير بسبب الأزمة التي تجتاح الاتحاد الأوروبي منذ عام 2008 وخوصصة معظم المؤسسات العامة الأكثر ربحية وأنه لم يعد هناك تقريبا أي شيء للبيع للمستثمرين الأجانب اللذين لا يمثلون الآن سوى 57٪ من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة.

لقد عمقت اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا واتفاقية أكادير بشكل عام العجز التجاري للمغرب الذي تجاوز 200 مليار درهم في عام 2012 أو 24٪ من الناتج الداخلي الخام المغربي. ويتأتى 32٪ من هذا العجز أي 63,9 مليار درهم من المبادلات التجارية المنجزة في إطار اتفاقيات التبادل الحر الموقعة. وقد عرف هذا العجز انخفاضا طفيفا في عام 2013 إلى ما يقرب 197 مليار درهم. وهكذا تضاعف أربع مرات ونصف (4,5) في ظرف 10 سنوات!

 

العجز التجاري الهيكلي (2007-2013)

2013 2012 2011 2010 2009 2008 2007 السنة
379.2 386.1 386,1 297,9 263,9 326,0 261,2 الواردات

(مليار دولار)

182,8 184,6 175,0 149,5 113,0 155,7 125,5 الصادرات

(مليار دولار)

-196,4 -201,4 -182,8 -184,4 -150,9 -170,3 -135,7 الرصيد

(مليار دولار)

48,2 47,8 48,9 50,2 42,8 47,8 48,0 نسبة التغطية
23,8 24,5 22,8 19,4 20,6 24,7 22,0 النسبة المائوية من الناتج الداخلي الخام

 

يضاف إلى هذا العجز التجاري الهيكلي عجز الموازنة المزمن الذي يزيد من تفاقم مستوى تداين المغرب. وقد استنفد كلا العجزان احتياطيات الصرف التي هي الآن في أدنى مستوى لها ولا تغطي بالتالي سوى 4 أشهر و 18 يوما من الواردات في حين كانت هذه التغطية 11,5 شهرا في عام 2005 (انظر الجدول أدناه). ونظرا لهذا الوضع المالي الحرج للغاية تلتجئ الحكومة المغربية أكثر فأكثر إلى أسواق الديون الخارجية.

 

الانخفاض المتواصل لاحتياطات الصرف

13 12 11 10 09 08 07 06 05 السنة
150 145 169 193 193 197 208 191 066 احتياطيات الصرف

(مليار درهم)

4 4 4 6 6 6 8 9 11 التغطية

أشهر/الواردات

 

تفاقم الدين العام:

بلغ حجم الدين العام المغربي في أواخر عام 2013 مجموع 678,8 مليار درهم، أي ما يمثل 77,8٪ من الناتج الداخلي الخام[5]. ووفقا للتقديرات الرسمية سوف يصل إلى 79٪ من الناتج الداخلي الخام بحلول نهاية عام 2014 و 81٪ في عام 2015. وتبلغ حصة الدين العمومي الخارجي 28,8 مليار دولار أو 26,9٪ من الناتج الداخلي الخام وهو أعلى مستوى له منذ أزمة الديون التي ميزت الثمانينات. أما بالنسبة للدين العمومي الداخلي فقد بلغ 444,1 مليار درهم.

وبهذا يكون المغرب واحدا من أكثر الدول مديونية في المنطقة العربية بعد الإمارات العربية المتحدة (141٪ من الناتج الداخلي الخام) ولبنان (137٪ من الناتج الداخلي الخام) ومصر (90٪ من الناتج الداخلي الخام) و قطر (82٪ من الناتج الداخلي الخام).

وتعد فرنسا أول دائن ثنائي للمغرب بـ 17,8٪ من إجمالي الدين الخارجي. كما أن بنك الاستثمار الأوروبي هو أيضا واحد من الدائنين الرئيسيين للمغرب (12,2٪ من الديون الخارجية).

الدين هو آلية حقيقية لنقل ثروة هائلة من الجنوب إلى الشمال لفائدة رؤوس الأموال الأجنبية وللدول الغربية وشركاتها متعددة الجنسيات والأوروبية بشكل خاص. وقد دفع المغرب 163,2 مليار درهم[6] إلى الخارج كخدمات دين سنة 2013، أي ما يعادل 38,5٪ من الميزانية العامة للدولة و 12,6 أضعاف ميزانية الصحة و 3,5 أضعاف ميزانية التعليم و83,3٪ من عائدات الضرائب.

وعلاوة على ذلك دفع المغرب إلى الخارج 157,9 مليار درهم بين 1983 و 2013 (أي ما يمثل أكثر من 10 مرات الدين الأصلي) وبقي بذمته نحو 29 مليار دولار.

يواصل المغرب منذ عام 1996 سياسته المعروفة باسم “التدبير النشيط للديون” التي تهدف إلى خفض الديون العمومية الخارجية. أما الآلية الرئيسية لهذه السياسة فهي تحويل الديون إلى استثمارات في القطاعين العام والخاص وخاصة مع الدول الأوروبية (فرنسا وإيطاليا وإسبانيا …).

تحويل الديون إلى استثمارات عمومية يترجَم في اتفاق بين الدول الدائنة والمغرب، يتم بمقتضاه إلغاء مبلغ الديون المتخلدة بذمة المغرب بشرط أن يخصص المبلغ الملغى لتمويل المشاريع العمومية المتفق عليها مع الدول الدائنة. أما بالنسبة لتحويل الديون إلى استثمارات خاصة فإن المستثمر (شخص ذاتي أو معنوي) يشتري الديون من الخارج بالعملة الأجنبية ويكون سدادها في المغرب بالعملة المحلية بسعر مخفض ويستعمل المال المجموع لشراء أسهم شركة قائمة أو إنشاء شركة جديدة.

لقد مكن تحويل الديون لاستثمارات الشركات الأوروبية من احتكار أكثر القطاعات الاستراتيجية: الماء والكهرباء والصرف الصحي والنقل الحضري الخ.

ما يمكن استنتاجه إذن هو أن اتفاقيات التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوروبي فشلت في الحد من العجز وتنظيف الاقتصاد المغربي بل وساهمت في دفع الوضع نحو الأسوأ. فتطبيق اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق سيعمق العجز وسوف يؤدي إلى تعزيز سياسات التقويم الهيكلي والتقشف. ولن تقتصر هذه السياسات على جوانب الاقتصاد الكلي أو قطاعات التصدير فقط بل ستشمل جميع الأنشطة الاقتصادية وبالتالي حتى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.

هذا النص جزء من دراسة نشرتها أطاك المغرب في شتنبر 2015. 

 

[1]عضو أطاك / ل إ د ع ث المغرب

[2] برنامج دعم الشراكة والإصلاح والنمو الشامل (SPRING). ويهدف إلى توفير مزيد من الدعم لبلدان البحر الأبيض المتوسط الجنوبية التي تشارك في مسار الإصلاحات الديمقراطية.

[3] لقد كان هذا هو الحال في كل مرة يتوسع فيها الاتحاد الأوروبي من 15 عضوا في 1995 إلى 27 اليوم دون أن يتم إعادة التفاوض على بنود الاتفاق. كان هذا هو الحال أيضا في الآونة الأخيرة مع تأثيرات إصلاح السياسة الزراعية المشتركة التي غيرت شروط اتفاقية الزراعة دون أن يتم إعادة التفاوض. أنظر الفصل حول الزراعة.

[4] أنظر خاصة خطة العمل 2013-2017.

[5] بلغ الناتج الداخلي الخام للمغرب لسنة 2013 (قاعدة 1998) 872,791 مليار درهم.

[6]  يمثل هذا المبلغ رقما قياسيا غير مسبوق منذ أواخر الثمانينات. فقد ارتفع إلى 47.4 مليار درهم، أو 40.9٪ مقارنة بعام 2012

 

زر الذهاب إلى الأعلى