النضالات في المغربمتابعة النضالات

بعض دلالات ضرب الحريات العامة وتضييق الخناق على الجمعيات المناضلة وضمنها أطاك المغرب

بعض دلالات ضرب الحريات العامة وتضييق الخناق على الجمعيات المناضلة وضمنها أطاك المغرب

 

إن أشكال الديمقراطية البورجوازية التي كانت سائدة، خصوصا في أوروبا، انتزعت بفضل ميزان قوى ما بعد الحرب العالمية الثانية، واستجابت بشكل عام لمتطلبات الرأسمالية لضمان هيمنتها. لكن عمق الأزمة الرأسمالية اليوم في ظل تدهور ميزان القوى بالنسبة للطبقة العاملة والفئات الشعبية، يجعل من هذه الديمقراطية الشكلية عائقا سياسيا أمام ضمان تحقيق الأرباح للمقاولات والشركات متعددة الجنسيات من خلال تقليص تكاليف الأجور وتدمير الخدمات العمومية. إنه هجوم عنيف على المكاسب تشنه مجمل الحكومات الليبرالية اليوم في المراكز الإمبريالية الكبرى ويشمل الحريات العامة (الحق في الإضراب، والحق في التظاهر، وحرية الرأي، إلخ).  والأمثلة حية من خلال تدخلات قوات القمع ضد المعركة في شوارع فرنسا لوقف تمرير قانون الشغل الجديد الذي يشرعن مرونة الشغل، وضد التعبئات في بلجيكا من أجل الدفاع عن الحريات وضد حملات اليمين المتطرف، وضد الإضرابات المتكررة في اليونان الذي يشهد حرب إبادة إنسانية من قبل المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي، إلخ.

 

تصاعد الهجومات على المكاسب الديمقراطية لتمرير الهجومات على المكاسب الاجتماعية

وفي بلدنا شكلت المظاهرات العارمة التي فجرتها حركة 20 فبراير في شوارع جميع المدن والقرى المغربية في سياق موجة الثورات والانتفاضات الشعبية التي اجتاحت المنطقة المغاربية والشرق الأوسط قوسا تاريخيا نوعيا في فرض احترام الحريات العامة. تعبأت جميع الشرائح الباطنية لأول مرة في التاريخ السياسي لبلدنا وانتزعت تنازلات ومكاسب. لكن يتم التراجع عليها بقوة الآن بعد مرور العاصفة واستعادة الطبقات الحاكمة للمبادرة. كما استغلت المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية وحكومات الدول الإمبريالية ومؤسساتها انتكاسة حركة 20 فبراير في سياق الثورة المضادة ببلدان المنطقة لإعادة بسط هيمنتها، وتمويه مسؤوليتها المباشرة في التخلف والنهب، وضمان سطوة الشركات متعددة الجنسيات على جميع القطاعات الاقتصادية لتحقيق فائض الأرباح في سياق الأزمة الرأسمالية بالمراكز الإمبريالية، وتعميق الفوضى الهمجية عبر الحروب والإرهاب وما ينتج عنها من مأسي اجتماعية ولاجئين ونازحين بالملايين، إلخ.

وعلى غرار كافة الحكومات بالمنطقة، يستمر الحاكمون بالمغرب في نهج السياسات النيو-ليبرالية التي كانت السبب الرئيسي في تعميم شروط الانتفاضة الاجتماعية. فهي ترمي تشجيع الاستثمار الرأسمالي الأجنبي والمحلي الكبير وتسهيل سطوته على مجال الخدمات العمومية، وتطوير التجارة عبر اتفاقيات التبادل الحر وتلك المسماة شاملة ومعمقة مع الاتحاد الأوروبي، إلخ. وهذا ما يعني مزيدا من الخوصصة، وتقليص الضرائب، وتعميم مرونة الشغل، إلخ. كما تعتبر الديون العمومية مجالا آخر لاغتناء الرأسماليين المحليين والأجانب واستنزاف موارد الدولة، وينتج عنها ضغط كبير من قبل المؤسسات المالية الدولية لمزيد من سياسات التقشف وتحميل أعبائها للطبقة العاملة والشرائح الشعبية الواسعة.

إن أكبر دليل على خطورة الهجومات الحالية على المكاسب هي الاحتجاجات الواسعة التي تتالت منذ النصف الثاني من السنة الماضية من طلبة ومعطلين ذوي الشهادات وأساتذة متدربين وممرضين والسكان في الهوامش وضد غلاء فواتير استهلاك الماء والكهرباء وتذاكر النقل الحضري وغلاء المعيشة بشكل عام في المدن، إلخ. وهذا ما يخشاه الحاكمون، أن تتحول هذه الشرارات إلى نار قوية قد تكون أقوى من تجربة حركة 20 فبراير يصعب على جميع برامج الإطفاء الاجتماعي أن تحتويها. ومن هنا استباق هذه المقاومات بتشديد القمع وخنق الحريات والتضييق على منظمات النضال. هكذا نالت جمعية أطاك المغرب حصتها لكونها بالضبط تضع الأصبع على جوهر هذه السياسيات الجهنمية وتقوم ببسط نتائجها على من هم في الأسفل وتعبئتهم من أجل بدائل اجتماعية شعبية.

لكن يبدو أن المفعول الذي ينتظره الحاكمون من هذا القمع نسبي جدا حيث لم يمنع من مواصلة الاحتجاجات الاجتماعية وإن كانت لم ترق بعد إلى مستوى حدة الهجوم. ويحتاج الأمر إلى مزيد من الصمود وتنسيق الجهود بين كافة الإطارات المناضلة لمواصلة التعبئة من أجل انتزاع الحق في التنظيم والتظاهر والتعبير عن الرأي. فالنضال من أجل انتزاع مكاسب اجتماعية يفترض النضال من أجل انتزاع الحريات الديمقراطية. وستواصل أطاك المغرب جهودها للمساهمة في هذه التعبئة وفي تجسيد علة وجودها كجمعية تثقيف شعبي متجه نحو الفعل.

أزيكي عمر

الكاتب العام لجمعية أطاك المغرب

03 يوليوز 2016

زر الذهاب إلى الأعلى