العولمة الرأسماليةملفات دراسية

فوق الدولة، الشركات متعددة الجنسيات في مصر

فوق الدولة، الشركات متعددة الجنسيات في مصر

تقدم أطاك المغرب مقتطفا من تقرير هام للرفاق من المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول نشاط الشركات متعددة الاستيطان بمصر. يتناول هذا العمل الذي أنجزه الثلاثي: نورهان شريف،هبة خليل و حاتم زايد تشريحا دقيقا لسلطة هاته الشركات بهذا البلد. يتوقف معدو التقرير عند انتهاكات حقوق الإنسان التي تقف ورائها الشركات المتعددة الاستيطان بالإضافة إلى تهرب الرأسمال الأجنبي من المسؤولياتهم البيئية والجبائية. يخصص التقرير حيزا لمعاهدات الاستثمار وآثارها على السيادة الاقتصادية لمصر. المقتطف التالي يتناول انتهاكات الشركات المتعددة الجنسية لحقوق الإنسان. يمكن تحميل التقرير كاملا على الرابط التالي:

ملخص:

مع نمو دور الشركات متعددة الجنسيات وحجمها وتأثيرها على مستوى العالم، تتقلص عمليا آليات إخضاع هذه الكيانات للمساءلة. وعلى غرار غياب المساءلة الدولي يقوم الإطار القانوني الذي ينظم الاستثمارات الأجنبية في مصر بتقليص دور الدولة الفعلي في تنظيم هذه الكيانات، متحديا بذلك سيادة القانون المصري، وسيادة الدولة المصرية، في محاسبة تلك الكيانات عندما تنتهك القانون أو حقوق المواطنين. وفي حقيقة الأمر، ينتج عن ذلك الإفلات الكامل للشركات متعددة الجنسيات من المسئولية والمحاسبة في مصر. يخوض هذا التقرير في الأطر الدولية والوطنية والمحلية المنظمة للاستثمار الأجنبي في مصر، مع تقديم العديد من دراسات الحالة لانتهاكات قامت بها شركات متعددة الجنسيات تعمل في مصر ولا تزال تتمتع بالحصانة.

وفي الوقت الحالي تظل مصر من أكثر الدول في العالم تعرضا لخطر التحكيم الدولي، الذي ينتج عنه مطالبات المستثمرين بالتعويض عبر لجان تحكيم دولية متخصصة في شؤون الاستثمار نتيجة لمعاهدات الاستثمار الثنائية غير المتوازنة التي وقعت عليها مصر، والتي تحابي مصالح المستثمرين الأجانب على حساب سيادة الدولة والصالح العام، وهي المعاهدات ذاتها التي تمثل المرجعية الأساسية التي تستند إليها مصر في تعديل تشريعاتها المحلية المنظمة للاستثمار.

وعبر تسليط الضوء على انتهاكات الشركات متعددة الجنسيات في مصر، والإفلات المحير من العقاب الذي تستمر الدولة المصرية السماح به، يحاول التقرير إقامة رابط بين حقوق الإنسان والصالح العام والتنمية من جانب، وسياسات الاستثمار والضرائب من الجانب الآخر، مع طرح أسئلة تتعلق بتجانس عملية وضع السياسات المصرية وإعطاء توصيات بإصلاحات ضرورية.

[…]

الشركات متعددة الجنسيات قائدة وشريكة لانتهاكات حقوق الإنسان

يظل مدى خضوع الشركات متعددة الجنسيات لالتزامات حقوق الإنسان معتمدا على الالتزام التطوعي بالقوانين بدلا من كونه التزاما قانونيا إجباريا، وهي ظاهرة ثبت عدم كفايته في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الشركات متعددة الجنسيات، حيث أنها تحرم ضحايا الأنشطة الضارة للشركات من الحصول على الحماية القانونية والتعويض وعى وجه الخصوص، حرصت الشركات متعددة الجنسيات على إتباع التوجهات الإقليمية والمحلية، لذا فإن نفس الشركات المجبرة على تقديم الحد الأدنى للأجور واحترام المعايير البيئية، على الأقل إلى حد ما، في الدول المتقدمة تكون حرة في انتهاك كافة المعايير في الدول النامية محدودة التنظيم. ويتضح ذلك على وجه الخصوص عند دراسة انتهاكات الشركات لمعايير العمل، ففي مؤتمر عن «الحقوق النقابية في الشركات المتعددة الجنسيات في مصر نظمه الاتحاد الدولي للصناعات، شارك مائة عامل مصري لمناقشة ظروف عملهم. وكان الموضوع الرئيسي للنقاش هو ظروف العمل غير المناسبة والأجور المتدنية، وكانت بعض المشاكل الأخرى تتمثل في غياب عقود العمل، وسيادة ممارسات التعاقد من الباطن، والاستعانة بمصادر خارجية، وانتشار الأعمال الخطرة. لذا فإن علينا تخصيص جانب من التقرير لدراسة العديد من الأمثلة عن كيفية انتهاك الشركات متعددة الجنسيات العاملة في مر لمعايير العمل وتغاضيها عن احترام حقوق الإنسان. وبوجه عام، يظهر أكثر من انتهاك لكل شركة متعددة الجنسيات نقدمها، وتتضمن الحقوق المنتهكة التي نعرضها في الأمثلة التالية الحق في التنظيم، والحق في التعويض، والحق في الأجر العادل، والحق في الضمان الاجتماعي والصحة والسلامة الوظيفية، بالإضافة إلى انتهاكات تعاقدية ومسؤوليات بيئية والتزامات مالية أو ضريبية أخرى.

العاملون في شركات متعددة الجنسيات: انتهاكات مستمرة وحالات واضحة للإفلات من العقاب

بالرغم من إن الانتهاكات لحقوق العمال منتشرة في مصر، سواء كانت من قبل القطاع العام أو الخاص، إلا ان الانتهاكات الممارسة من قبل الشركات متعددة الجنسيات لها طابع خاص. فالشركات متعددة الجنسيات تمارس ازدواجية واضحة في المعايير حسب الدولة التي تعمل بها، خاصة في حقوق العمال، والسلامة والصحة المهنية وظروف العمل. فنفس الشركة متعددة الجنسيات التي تلتزم بالحد الأدنى للأجور في دولة، تقاضي دولة أخرى عندما تحاول الأخيرة العمل على تطبيق الحد الأدنى للأجور، كما سنرى فيما بعد من مثال شركة فيوليا الفرنسية. بالإضافة إلى ذلك، فالعديد من الشركات متعددة الجنسيات تلك تعمل في المناطق الحرة أو المناطق الاقتصادية الخاصة، التي عادة ما تتركها الدولة خارج النطاق الحاكم للاستثمار في مصر، مستثنية تلك المناطق من العديد من الإجراءات والقواعد القانونية. ولعل من الجدير بالذكر أن قانون الاستثمار الجديد يعفي هذه المناطق الخاصة من الالتزام ببعض مواد قانون العمل رقم 12 لعام 2003.  .

تظهر الإحصاءات العالمية أن عاما يموت كل 15 ثانية نتيجة لحادث عمل أو مرض، بينما يتعرض 160 عامل لحوادث أو إصابات عمل كل 15 ثانية . وتنال الدول النامية نصيب الأسد من حالات الوفاة والإصابات والأمراض المهنية نظرا لانعدام الاهتمام بالأمن المهني وانتشار المهن الخطرة.

وتعتبر شركة لافارج للأسمنت والإنشاء الفرنسية الأصل مثال لشركة متعددة الجنسيات انتهكت حقوق العمال في أكر من مناسبة. وقد اندمجت لافارج، التي كانت مملوكة في الأصل لشركة أوراسكوم للإنشاء، مع مجموعة لافارج الدولية عام 2007 . ومنذ ذلك الحين يشكو العمال من تعرضهم للانتهاكات المتعلقة بالأمن والسلامة المهنية والحقوق المالية. وعلى الرغم من تصريح المالك السابق نصيف ساويرس بأن العمال يستحقون 250مليون جنيه ( 44 مليون دولار أمريكي) من عملية الدمج، شكا العمال من عدم حصولهم ولو على مليم واحد من العملية، مؤكدين أن الأموال وزعت على الإدارة العليا للشركة ولم تصلهم أبدا. وعلاوة على ذلك، بدأت الإدارة عام 2009 في التخلي عن العمال المرضى والمصابين دون سابق إنذار، بالإضافة إلى فصل العمال الذين ينشطون في المطالبة بحقوقهم. وقد تخلت الشركة عن خمسة عمال بعد الضغط عليهم للاستقالة، ومن لم يوافقوا على الاستقالة اتهموا بالسرقة لإجبارهم على ترك الشركة. وإضافة إلى ذلك، تلقى العمال 2.5 % فقط من عائدات الشركة بدلا من نسبة % 10 المنصوص عليها في القانون وصدرت كذلك شكاوى من نظام الرعاية الصحية بالشركة، حيث لا يستفيد العمال من نظام رعاية صحية كامل لأن الشركة تدفع  20 %فقط من علاجهم، وينطبق ذلك على الأمراض المستعصية فقط. وحسبما ورد في لقاء أجراه باحث من المرصد النقابي والعمالي المصري مع أحد العمال، فإن عملية حرق مخلفات الشركة تحدث في قسم معين من لافارج، بالإضافة إلى مخلفات شركات أخرى مثل القمح المسرطن والأدوية منتهية الصلاحية ومخلفات شركات البترول. ولا يعرف العمال ما إذا كانت عملية الحرق هذه تتم بطريقة صحية، وما إذا كانت تؤثر على صحتهم، وما إذا كانوا يتعرضون لمواد وإشعاعات ضارة. وأضافوا كذلك أنهم يعانون من معدل مرتفع من الإصابة بفروس التهاب الكبد سي، ولا يتلقون أي متابعة طبية. وقد أدى ذلك إلى اندلاع مظاهرات بن العمال للتعبير عن مخاوفهم، وردت الشركة بتقديم بلاغ للنائب العالم تتهم ثمانية من أعضاء اللجنة بتحريض العمال على التظاهر، لكن النائب العام أفرج عنهم بدون ضمانات. وبعد حوالي ثلاثة أشهر فصل ثلاثة من أعضاء اللجنة تعسفيا.

ومن المنتهكين الآخرين لحقوق العمل شركة كارجيل، وهي شركة عملاقة متعددة الجنسيات للأغذية الزراعية مقرها الولايات المتحدة. ففي خضم نزاع حول توزيع المشاركة في الربح على الموظفين، قام العاملون بالشركة الوطنية للزيوت النباتية التي تملكها كارجيل ومقرها الإسكندرية بتشكيل اتحادهم في الأول من مارس 2012 . وقد جلب ذلك نتائج مرضية للعمال، لكنه انتهى في أغسطس 2013 عندما أتت إدارة جديدة وأعلنت بطلان اتفاق الإدارة السابقة وطبقت سياسيات جديدة للموظفين. وقد تبع ذلك سلسلة من حالات التحرش بالموظفين ومراجعات للبحث عن انتهاكات صغرى وتهديدات مستمرة بالتسريح. وبعد أربعة أشهر أدت بيئة العمل التي تتزايد سوءا بالعمال إلى القيام باعتصام، وكان رد فعل الإدارة على ذلك أن أحالت 84 عاملا من 122  إلى عطلة ممتدة. واستمر الاعتصام لمدة ثمانية أيام أخرى، حتى تم الاستعانة ببلطجية ومعهم كلاب لإزالة العمال بالقوة. وقد أعيد فتح المصنع في 13 يناير 2014 بعد تعين عمالة بديلة أما العمال فقد استمروا في اعتصامهم في ساحة انتظار السيارات بالشركة رغم منعهم من العودة لأعمالهم. وقد صدرت خطابات تسريح للعمال من كارجيل ردا على ذلك واستخفافا بالقانون.

وقد واجه العمال المصريون والتونسيون في مونديليز، عملاق الأغذية العالمي، العديد من الانتهاكات بخصوص حقهم في الانضمام لنقابات، حيث أعلن عضو مؤسس في مؤتمر عمال مصر الديمقراطي أن الإدارة أبلغت حوالي 300 عاما في يوليو 2012 أنهم لن يتلقوا الزيادة التي قررتها الحكومة في المرتبات بنسبة 15% لعمال الشركة. وقد رفضت الإدارة الاجتماع مع ممثلي النقابة عندما حاولوا تقديم شكاوى، وبعد ذلك أوقفتهم عن العمل عندما نظم العمال اعتصاما. ولم يتلق هؤلاء العمال مرتباتهم ومخصصاتهم الصحية ومنعوا من التقدم لوظائف أخرى.

ومن المعتاد أن تقوم الشركات متعددة الجنسيات في مر بانتهاك لوائح ومعايير الصحة والسامة المهنية، ولا يستثنى من ذلك كادبوري، شركة الحلوى البريطانية متعددة الجنسيات المعروفة التي تمتلكها مونديليز. فقد فصل أحمد عبد الغني عواد البالغ من العمر 26 عاما، الذي يعمل في كادبوري مر منذ 2006 ، من عمله ولم يمنح تعويض

بعدما قطع إبهامه أثناء تشغيله لماكينة بالمصنع عام 2012. وعندما حدثت الحادثة لم تكن توجد سيارة إسعاف لنقله إلى مستشفى قريب، لذا أخذه زملائه إلى عيادة حيث خضع لجراحة وقد وعد بتلقي تعويضا وأن يتم تثبيته في الشركة، وعند عودته للشركة بعد شهر، منع من دخول البناية وأخره أفراد الأمن أنه ممنوع من دخول الشركة، وطلب منه عدم ذكر ما حدث له. وهو يبحث عن عمل منذ ذلك الحين، ولكنه فشل في الحصول على وظيفة بسبب حالة إبهامه. وفي حادثة مماثلة، فصلت شركة فيجاس للبترول والغاز ذات الملكية اليونانية عاما نال عطلة مدتها ستين يوما للعاج من إصابة عمل دون إخطاره، وحرم من أي مسؤولية عن إصابته. ولا يعتبر التحرش بالعمال نادرا، ويحدث بأشكال عديدة. فقد أضرب عمال شركتن هنديتن هما فيلوستي أباريل وفيلوستي جينز بعد أن أجبرتهم الإدارة على توقيع وثائق تفيد بتلقيهم كافة مستحقاتهم المادية للسماح لهم بالدخول إلى مقر الشركتين. وأفاد العمال كذلك بأن الشركة حاولت إجبارهم على التوقيع باستقطاع ثلاثة أيام من رصيد عطلتهم السنوية، وأضافوا أن التعاقد بن العاملين وصاحب العمل يسمح للأخر بتسريح العامل في أي وقت واستقطاع 78 جنيها (11 دولارا) من راتبه، وهو ما يمثل خرقا لقانون العمل المصري ويشر إلى استغلال واضح للعمال بسبب حاجتهم للحفاظ على وظائفهم في دولة ذات معدلات بطالة شديدة الارتفاع. وقد واجه 35 عاما في شركة سي-غاز الأسبانية تدابر مماثلة، حيث أجبرتهم الشركة على تقديم استقالاتهم وهددت من لم يوافقوا على الاستقالة بتلفيق تهم اختلاس لهم. وتظهر هذه الحالات وحالات أخرى عديدة كيفية عمل الشركات متعددة الجنسيات بدون رقابة في مصر، وكيف يتسبب ذلك في ارتكاب هذه الشركات لانتهاكات لحقوق الإنسان، خاصة معايير العمل، مع تمتعهم بشكل واضح بحصانة وإفلات من العقاب من جانب الدولة.

المصدر: المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بتصرف

 

زر الذهاب إلى الأعلى