أنشطة الجمعيةالمشاركات الدولية

مقابلة مع سعاد كنون: لن ننتصر لوحدنا، كل في زاويته، إذا لم نوحد نضالاتنا ضد نظام استغلال رأسمالي عالمي

مقابلة مع سعاد كنون: لن ننتصر لوحدنا، كل في زاويته، إذا لم نوحد نضالاتنا ضد نظام استغلال رأسمالي عالمي

أجرت المقابلة، ماري كلود كاريل

صديقتنا سعاد كنون، مصورة ومخرجة أفلام وثائقية، مناضلة في جمعية أطاك المغرب عضو الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث، جاءت إلى جنوب شرق فرنسا لتقديم شريطها “قافلة التضامن الدولية لمناهضة انتهاكات مؤسسات القروض الصغرى “. قبل عودتها إلى الدار البيضاء أجابت عن بعض أسئلتنا.

 

ماري كلود كاريل  :سعاد، أعدت هذه الأيام إحياء الكفاح الطويل (الذي يستمر منذ عام 2011) لنساء منطقة ورززات ضد مؤسسات القروض الصغرى التي دفعت بهن إلى دوامة التبعية والديون، وأيضا نضال جمعية الدفاع عن ضحايا القروض الصغرى على الواجهة القانونية. قمت أيضا بمتابعة وتصوير قافلة التضامن الدولية في أبريل 2014 التي جابت منطقة ورززات لدعم حركة النساء والجمعية. أين نحن اليوم من كل ذلك؟

 

سعاد كنون  :تنتظر جمعية الدفاع عن ضحايا القروض الصغرى بورززات محاكمة استئناف جديدة ضد “إنماء” (مؤسسة للقروض الصغرى). فمازالت أمينة مراد وبناصر اسماعيني، الناطقين باسم لجنة الدفاع عن النساء ضحايا القروض الصغرى، مهددين بحكم صدر ضدهما لصالح “إنماء” والقاضي بعقوبة سنة واحدة سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 30 ألف درهم لكل واحد منهما، وغرامة 10 آلاف درهم.

لابد من الإشارة إلى أن هذه المعركة تندرج ضمن نضالات محلية أخرى، كنضالات النساء العاملات في الفنادق المتضررة من تراجع السياحة، وعمال المناجم، الخ. النقابي عمر أوبوهو، عضو الاتحاد المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الذي يظهر في شريطي وهو يدل قافلة التضامن على تلك المنطقة الغنية جدا بثروات باطنية، حكم عليه هو الآخر مؤخرا بعقوبة 6 أشهر حبسا. الوضع خطير بالنسبة لأمينة وناصر. ولكن نستطيع القول إن خلاصهما يكمن في مواصلة التضامن معهما (والقافلة الدولية مهمة جدا بهذا الصدد).

 

ماري كلود كاريل : من بين الأماكن التي فيها قدمت شريطك، مدينة غرونوبل بسينما النادي، وسانت مارتن دي هيريس ببيت المرأة. كيف كانت ردود المشاهدين؟

سعاد كنون  : منذ سنتين، كان الحديث بشكل خاص عن “انحرافات” القروض الصغرى. نعم هناك عملية نصب واحتيال من طرف مؤسسات القروض الصغرى في المغرب، ولكن هناك وعي مزدوج اليوم:

أولا، وعي بــ “آلية” القروض الصغرى. فالرأسمالية تعتبر كل شيء سلعة، بما في ذلك الأحلام. ففي بيوت الطين ببلادنا، ستجدين جهاز تلفاز ماثلا كتحفة فنية، محاطا بكامل الاهتمام، في حين يفتقر السكان إلى كل شيء. مؤشر وهمي عن الغنى! فالنقود تؤدي إلى استهلاك غير محسوب ينتج عنه تدمير الخبرات وتفكيك آواصر التضامن.

ثانيا، وعي أن مكافحة القروض الصغرى (“يجب أن ترحل القروض الصغرى” كما تنادي النساء) هي حبة رمل في آلية الديون. هناك فكرة مهمة جدا ما فتأت تتقدم وهي أن “القروض الصغرى والدين العمومي لهما نفس الآلية”، ولا يخلو ذلك من ارتباط مع المسألة اليونانية حاليا. وهنا نقطة أكثر أهمية: فعبر نضالهن وبفضله كشفت نساء منطقة ورززات الفقيرات والأميات ذلك وبينه. كان لهن دور طليعي في ذلك.

 

ماري كلود كاريل  :تتحدثين عن التقاليد المتداعية؟  

سعاد كنون  : نعم ويمكن تقديم أمثلة عديدة مثل فضيحة أركان: شجرة الأركان ذات الأصول العريقة بالمغرب تنمو في منطقة سوس على أراضي جماعية حيث يتم تنظيم المجتمع عن طريق القسمة، وخاصة المياه. ويتم البحث عن حب الأركان وجمعه من قبل النساء، ثم يكسرنه في منازلهن بعد استكمال المهام العديدة الملقاة على عاتقهن، ويحولنه إلى زيت للاستهلاك العائلي، وللتدليك أيضا، ويستعملن قشوره كوقود للنار… ثم جاءت جمعية أمريكية باسم “المساعدة على التنمية” للاستحواذ على هذه الهبة وجعلها “أكثر مردودية” و”إخراج النساء من الفقر”. وتعممت فضائل زيت أركان في القطاع شبه الصيدلي، وتكثف معها جني حب الأركان على حساب التنظيم المحلي القائم على تربية الماعز وإنتاج الحليب والجبن. وبدأت النساء تحصلن على أجور ستسمح لهن بشراء استهلاكهن، وهذا ما يؤدي بهن للبحث عن القروض والقروض الصغرى مادامت هذه الأجور زهيدة جدا، وبدأن يتخلين عن نمط عيشهن التقليدي ليودعن في مستودعات لإنتاج كثيف في بنيات تسمى “تعاونيات”. مثال جيد على صناعة استخراجية مفرطة. ثم جاءت موضة الإنتاج البيولوجي. هكذا تحول المنتوج المحلي، الذين يحتقره أحيانا السكان الحضريون المغاربة، لرائحته القوية كما يقولون، إلى زيت ومشتقاته تباع بأسعار باهظة جدا عبر العالم… هذا الربح الكبير دفع حتى بإسرائيل إلى زرع شجرة الأركان ببلادها!   وحسب آخر الأخبار، بدأ زيت الصبار يفوت مرتبة زيت أركان … وهذه مسألة جديرة بالمتابعة.

 

ماري كلود كاريل : ماذا يمكنك أن تقولي لنا بشكل عام جدا عن الوضع الحالي في المغرب؟

سعاد كنون  :هناك فترة قمعية، وحركة 20 فبراير في تراجع، ولكن هناك حاليا نضالات مهمة جدا، على سبيل المثال:

النضال ضد المصادرات، النضالات من أجل السكن في مدن مثل الرباط والدار البيضاء حيث الأحياء التاريخية والشعبية المتهالكة تنهار، وتفرغ لتصبح مراكز سياحية مربحة جدا لصالح كبار المنعشين العقاريين…

نضال البحارة في منطقة أكادير ضد “مخطط أليوتيس” الذي يضمن “الاستغلال المستدام لمصائد الأسماك لرأس المال الكبير المحلي والدولي” ويقضي على الصيد التقليدي.

نضال العاملات والعمال الزراعيين في المنطقة نفسها ضد ظروف العمل في قطاع الصناعات الزراعية.[1]

النضالات في المنطقة الصناعية بطنجة حيت الميناء الحالي مفتوح على الخارج من أجل تلبية وتمكين رسو السفن الكبيرة وتلبية مطالب الشركات المتعددة الجنسيات[2].

نضالات عمال وهم شباب متمدرسين ويلتحقون بالنقابة ضد شروط الاستغلال في المناطق صناعية من أجل إنتاج سيارات رونو نيسان، والتي تنعدم فيها الحقوق. يتقاضون أجورا منخفضة، وهم يعرفون أنه في نفس يتم تسريح عمال شركة رونو بفرنسا.

في المغرب، نرى بوضوح آثار هجمات رأس المال وتسارع النيو-ليبرالية خصوصا لصالح السوق الأوروبية مثل هذا المشروع الشمسي الكبير في ورززات لتوفير الكهرباء لفرنسا، وذلك على حساب السكان المحليين الذين اقتلعوا من أرضهم، والبدو الرحل الذين يفقدون طرق قوافلهم.

لو أنه، في العالم، تم التحرك ضد هذه النيو-ليبرالية كما جرى التحرك حول قضية تشارلي… لتم بشكل غير مسبوق دفع الثورة العالمية للشعوب الضرورية خطوات جبارة للأمام!!

 

ماري كلود كاريل  :كانت آخر زيارة لك لفرنسا مند عامين. كيف ترين اليوم هذا البلد الذي تعرفينه جيدا؟  

سعاد كنون  :منذ سنتين، وصلت إلى غرونوبل وقت المسيرة البيضاء المدهشة إثر اغتيال كيفن وسفيان في فيلنوف. في مواجهة هذه المأساة، احتشد الحي كله، ولقي تأييدا واسع النطاق محليا. أحسسنا بأمل تعزيز أواصر التضامن بين السكان، أيا كان أصلهم، رغم حضور قضية الحجاب بشكل واسع جدا في الأحياء. إلا أن حملة “أنا تشارلي” اليوم أساءت الأمور من خلال إدانة السكان المسلمين الذين لا يجدون أنفسهم في هذا الشعار الذي يفرق بين المؤيدين والمعارضين.

مثال آخر: لقد وصلت إلى مطار ليون مساء يوم سبت انتشر فيه الذعر بالمنطقة بعد تساقط ثلوج غزيرة جعلت حركة المرور متعذرة. كانت تلك هي الرحلة الأخيرة، والمطار فارغ تماما، ولا يوجد من تقصده للاستعلام عن أين يمكن النوم وماذا سنفعل لاحقا. وكم ذهلت لغياب أي تبادل في البهو، حيث الجميع غارق داخل فقاعته وأذنه ملتصقة بالهاتف المتصل بالويفي. لقد نسوا الاحتجاج. كل في علبته … كما هو الحال في الأحياء.

هناك ظاهرة أخرى مقلقة: شعور “بتحول عالم ثالثي” لفرنسا، يمكن ملاحظته في الشوارع حيث يظهر البؤس أو في حالة الشباب، حتى الخريجين، لا يجدون العمل. بل لعله أسوأ مما عليه الحال عندنا، حيث لا تزال موجودة الروابط والتضامن كما يتضح من الاستعداد للنضال في ورززات…

 

ماري كلود كاريل : العلاقات بين المغرب وفرنسا قديمة ومعقدة. ماذا يمكنك أن تقولي حولها الآن؟   

سعاد كنون  :جاء فابيوس الاثنين 9 والثلاثاء 10 مارس إلى المغرب من أجل “الشراكة الفرنسية المغربية في مكافحة تغير المناخ وضد الإرهاب”. ما يثير الدهشة هو أنه في نفس الوقت بلغنا أن فرنسا قررت توشيح عبد الطيف الحموشي  بوسام فيلق الشرف، وهو رئيس جهاز المخابرات والتعذيب المغربي المتابع في فرنسا بناء على شكوى من طرف جمعية حقوقية مناهضة للتعذيب(ACAT)  بتهمة التواطؤ في التعذيب…

في الواقع، يتعلق الأمر بشكل خاص بتفكيك المقاومات التي تهدد تطور سريعا لليبرالية. هناك تواطؤ بين حكومتي المغرب وفرنسا، وتنبعث علاقات الاستعمار من جديد. ويمكن أن نتحدث مطولا عن دور بلادنا في قضية الهجرة غير الشرعية، إذ يتلقى المغرب الأموال الأوروبية ليكون دركي أوروبا …

وفي الختام أود أن أقول إننا أكثر من أي وقت مضى متحدون بواسطة ما ننتجه، وما تستهلكونه: الصناعات الزراعية الكبرى، والطاقة الشمسية المنتجة في ورززات للمستهلكين الأوروبيين… لن ننتصر لوحدنا، كل في زاويته، إذا لم نوحد نضالاتنا ضد نظام استغلال رأسمالي عالمي، ونظام حروب دائمة ضد الشعوب، والاستيلاء على الأراضي والممتلكات والثروات الطبيعية…

8 أبريل 2015

رابط المقابلة : http://cadtm.org/Interview-de-Souad-Guennoun

تعريب جمعية أطاك المغرب.

 

[1] – أنظر الرابط التالي: شركة سوبروفيل المغرب: طماطم لأوروبا بطعم المرارة  https://www.youtube.com/watch?v=3Bu

[2] –  أنظر: المنطقة الحرة في طنجة: منطقة ينعدم فيها القانون.   http://cadtm.org/La-Zone-franche-de-Tanger-Zone-de

زر الذهاب إلى الأعلى