الديونالعولمة الرأسمالية

من أجل افتحاص حقيقي للدين اليوناني

من أجل افتحاص حقيقي للدين اليوناني

إريك توسان 21 يناير 2015

منذ الإعلان عن انتخابات 25 يناير في اليونان، أصبح إمكان  خروج سيريزا منتصرة بصناديق الاقتراع و تشكيلها للحكومة يُقدم على أنه تهديد لمنطقة اليورو. في حين أن سيريزا تتمنى بقاء اليونان في منطقة اليورو، و تقترح إعادة التفاوض  أوروبيا بخصوص دين البلد.، الذي يمثل 175% من الثروة الوطنية المنتجة خلال سنة و يشكل عبئا غير محتمل على السكان.

  بيد أن سيريزا تلتزم بإنهاء الإجراءات غير الاجتماعية المفروضة من طرف ” الترويكا” ( اللجنة الأوروبية ،و البنك المركزي الأوروبي ، و صندوق النقد الدولي) التي تجمع دائني اليونان. إن هدف الحملة ضد سيريزا هو تخويف الناخبين حتى يتخلوا عن حقهم في التغيير.

   لكن ماذا سيحدث إذا قررت سيريزا و هي بالحكومة تطبيق الفصل 7 من القانون الذي تبناه الاتحاد الأوروبي في مايو 2013 ، و الذي ينص على أنه ” إذا ما قامت إحدى الدول الأعضاء  المطبقة لبرنامج تقويم الاقتصادي كلي بافتحاص كامل لماليتها العمومية، لاسيما لتقييم الأسباب التي أدت إلى تراكم مستويات ديون مفرطة و كذا لكشف أي مخالفة ممكنة “؟ (قانون الاتحاد الأوروبي 472/2013 ، 21 ماي 2013 )  المتعلق بتعزيز المراقبة الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء في منطقة اليورو ).

    لقد حرصت حكومة سامراس اليونانية الحالية على عدم تطبيق هذا البند من القانون. لكن في حالة فوز انتخابي ، ستطبق سيريزا حرفيا كلام الاتحاد الأوروبي بتشكيل لجنة افتحاص للديون ( بمشاركة مواطنين) مكلفة بتحليل سيرورة الاستدانة المفرط و تحديد الديون اللاقانونية ، واللاشرعية والكريهة…

 القانوني و الشرعي

  كان الدين اليوناني يمثل  113% من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2009 قبل انفجار الأزمة اليونانية و تدخل ” الترويكا” التي تمسك اليوم 80% من هذا الدين. أدى  إذن تدخل “الترويكا” إلى ارتفاع حاد للدين.

  من العام 2010 إلى العام 2012، استخدمت القروض المقدمة من “الترويكا” بشكل كبير لتسديد دائنين اليونان الرئيسيين حتى ذلك الوقت، أي البنوك الخاصة في الاقتصاديات الرئيسة في الاتحاد الأوروبي. وكانت البنوك الفرنسية والألمانية  تملك نصف سندات الديون اليونانية.

  سوف يبين الافتحاص  أن البنوك الخاصة الأوروبية قد زادت بشكل كبير قروضها لليونان بين متم العام 2005 و 2009 (لقد ارتفعت بأكثر من 60 مليار يورو، حيث انتقلت من 80 مليار إلى 140 مليار)، دون اعتبار قدرة اليونان الحقيقية على السداد. لقد تصرفت البنوك بطريقة مغامرة، مقتنعة بأن السلطات الأوروبية ستأتي لنجدتها في حالة حدوث مشاكل.

  سيبين الافتحاص أن خطة إنقاذ اليونان المزعومة ، التي وضعتها السلطات الأوروبية بمساعدة من صندوق النقد الدولي، مكنت في الواقع  البنوك من مواصلة تلقي المبالغ المسددة من اليونان، مع إلقاء مخاطرها  على الدول عبر “الترويكا”.

  سوف يحلل الافتحاص قانونية وشرعية  خطة الإنقاذ هذه.  هل احترم الدائنون العموميون في عام 2010 ( أي الدول 14 الأعضاء  التي قدمت القروض إلى اليونان ،ما مجموعه 53 مليار يورو من صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي، والمفوضية، إلخ.) مبدأ استقلالية إرادة المقترض، أو أنهم استغلوا ضائقته بوجه هجمات المضاربة في الأسواق المالية لفرض عقود متعارضة مع مصلحته الخاصة ؟

  المقصود أيضا إفتحاص  عمل صندوق النقد الدولي. كما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال،  أعرب مدراء عديدون لصندوق النقد الدولي عن تحفظهم الكبير إزاء القرض الممنوح من صندوق النقد الدولي، مؤكدين بوجه خاص على أن  اليونان لن تقدر على السداد  بالنظر إلى تلك السياسات المفروضة عليها. هل تجاوز البنك المركزي الأوروبي صلاحياته بطريقة خطيرة عبر اشتراطه على البرلمان اليوناني سن قانون خاص بالحق في الإضراب و تحديد مستويات الأجر؟

برامج غير قانونية 

  في مارس 2012، نظمت ” الترويكا ” عملية إعادة هيكلة ديون اليونان، و اعتبرت آنذاك نجاحا. نذَكر أن جورج باباندريو، رئيس الوزراء آنذاك، أعلن في بداية نوفمبر من العام 2011، عشية لقاء G20 ، نيته تنظيم استفتاء في فبراير من العام 2012 بصدد إعادة هيكلة الديون اليونانية المعدة  من قبل “الترويكا”.

  لكن، بضغط  من هذه الأخيرة، لم يجر الاستفتاء قط. وحرم الشعب اليوناني من الحق في اتخاذ قرار بشأن الديون الجديدة.  وروجت وسائل الإعلام الكبرى خطابا مفاده أن إعادة الهيكلة ستتيح  خفض 50٪ من ديون اليونان. و الواقع  أن ديون اليونان هي أعلى في العام 2015 مما كانت في العام 2011، وهو العام الذي سبقه الإلغاء الكبير المزعوم لزهاء 50٪ من الديون.

    كما يتعين أن يقيم الافتحاص ما إذا كانت الشروط الصارمة التي فرضتها “الترويكا” على اليونان مقابلا للقروض تشكل خرقا لجملة معاهدات واتفاقيات يُفترض أن تحترمها السلطات العمومية من جهة الدائنين  كما من جهة المقترض . وقد قام أندرياس فيشر ليسكانو،  الأستاذ بمركز القانون والسياسة الأوروبية في جامعة بريمن، بإثبات قاطع أن برامج “الترويكا” غير قانونية بموجب قانون الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي.

  بإمكان اللجنة المكلفة بالإفتحاص  إصدار رأي حول قانونية، و شرعية، أو بطلان ديون اليونان إزاء “الترويكا”.و سوف تقرر بعدها الحكومة كيفية التصرف.

موقع : CADTM

تعريب : وحيد عسري

زر الذهاب إلى الأعلى