الديونالنساءمتابعة النضالاتملفات دراسية

القروض الصغرى بين خدعة محاربة الفقر و خدمة النيولبرالية

القروض الصغرى بين خدعة محاربة الفقر و خدمة النيولبرالية

علي اموزاي

   القروض الصغرى سوق هائلة تضم ملايين الزبناء الواقعيين والمفترضين، “أكثر من 205 مليون شخص في العالم ممن تشملهم حاليا القروض الصغرى..”[1]. بينما يمول قطاع القروض الصغرى بالمغرب “أزيد من مليون شخص… وعمّت زهاء %45 من هذه القروض العالمَ القروي بالبلاد، فيما احتلت أربع جمعيات مغربية للقروض الصغرى مراتب متقدمة من ضمن 30 جمعية لهذا النوع من القروض في العالم”[2].

   إنها سوق يخدم بمعايير الاقتصاد النيوليبرالي السائدة وليس بمعايير اجتماعية عكس ما تروجه وسائل إعلام الدولة الرديئة.. قطاع يسود فيه منطق مراكمة أقصى الأرباح بأقصى استغلال للمقترضين.. أي بعبارة صريحة استخدام القانون الربوي القديم.

   إن رأسمال مؤسسات القروض الصغرى رأسمال ربوي غير منتج، بل يلتصق كالطفيليات بالمنتجين الحقيقيين للقيمة والثروة ويمتص جزءا مما أنتجوه، أي “نهب الموارد المخصصة للمجتمع المحلي والإضرار برأس المال الاجتماعي للمجتمع المحلي”، كما صرحت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء دون أن توجه التهمة بذلك لمؤسسات القروض الصغرى، بل إلى الصناديق الدوارة والتعاونيات التي تنافس مؤسسات القروض الصغرى.

   ورغم ذلك يدعي البنك الدولي والمؤسسات المعنية بالقروض الصغرى التابعة له بأن القروض الصغرى تساعد الفقراء على خلق “دخل” وتنمية “أصول وممتلكات”. لكن ذلك لن يخرج عما أسماه ماركس “صنمية/ فيتيشية رأس المال” التي تنسب إلى رأس المال صفات لا يتمتع بها إلا العمل الحي، أي خلق الثروة.

   ملحوظة: سنستعمل في النص مفهوم “التمويل الأصغر” بدل “القروض الصغرى” الشائع استعمالها في المغرب، لأن المفهوم الأول هو الأكثر ورودا في تقارير ودراسات “المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء” التي اعتمدناها هنا.. كما أن النص ليس دراسة للقروض الصغرى بشكل ملموس بل نقدا لمنظورات “المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء” التابعة للبنك الدولي حول التمويل الأصغر ودورها في “محاربة الفقر”.

المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء: مشروع مشترك يموله صندوق استئماني لمجموعة من جهات التمويل تستهدف قدرة الفقراء في الحصول على الخدمات المالية. ويستضيف البنك الدولي مقر المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء. إذ يقوم بالإشراف القانوني والمالي والإداري عليه لصالح الأعضاء الآخرين من الجهات المانحة.. ومن الجدير بالذكر أن المجموعة الاستشارية تتبع السنة المالية الخاصة بالبنك الدولي والتي تنتهي في 30 يونيو”[3].

 

دعاية رديئة

 

   “اعتادت ديفايانائي العمل في الحقول بولاية تاميل نادو الواقعة في جنوب الهند. كان ذلك قبل أن تحصل على قرض قدره 15 ألف روبية (307 دولارات) لشراء بقرة. واليوم أصبحت تحصل من بيع اللبن على نفس المبلغ الذي كانت تحصل عليه عندما كانت تعمل أجيرة باليومية[4].

   “مروة عصام أم لثلاثة أطفال متزوجة وعمرها 26 عاماً من قنا إحدى أفقر المحافظات في صعيد مصر، وكانت تسعى جاهدة لتلبية احتياجاتها قبل أن تحصل على قرض بقيمة 100 ألف جنيه (نحو 16800 دولار) لفتح متجرها الصغير. وتكشف كلماتها البسيطة كيف ساعدها هذا القرض على اجتياز ظروفها المالية العصيبة. تقول مروة: “بدأت هذا النشاط للمساهمة في إعالة أسرتي في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير مع تراجع السياحة الذي أضر بعمل زوجي”[5].

   ليس المغرب وحده إذن الذي تقوم فيه مؤسسات القروض الصغرى وإعلام الدولة بهذه الدعاية التي تنتقي نموذجا للبرهنة على قدرة القروض الصغرى على إخراج الفقراء من دائرة الفقر، وليست التلفزة الوطنية الوحيدة التي تظهر نموذج امرأة استطاعت تربية زوج من الأرانب كأنه نجاح باهر، بل هذه سياسة عالمية لمؤسسات الرأسمال العالمي التي تسعى إلى توسيع صناعة القروض الصغرى.

   دعاية على غرار نفس دعاية تسويق معاجين الأسنان ومساحيق التصبين، أي أنها قائمة على التضليل والتدجيل، فالسكوت على ملايين الضحايا مقابل انتقاء نموذج أو عدة نماذج استطاعت الصمود أمام غول القروض الصغرى الذي يمتص “دخل الفقراء” المخلوق بعرقهم، دجل صارخ.

   بل يزايد البنك الدولي بادعائه أنه “بالنسبة لملايين الناس في مختلف أنحاء العالم أصبحت القدرة على الحصول على قرض صغير أو حتى متناهي الصغر تحدث فارقا كبيرا في نوعية حياتهم”[6]… لكن البنك الدولي لا يملك الشجاعة للإقرار بأن هذا الفارق الكبير في نوعية الحياة هو في اتجاه إدامة الفقر وتأزيمه.

   تدعي “المؤسسة الاستشارية لمساعدة الفقراء” أن “التمويل الأصغر فكرة ناجحة؛ فهو يمكن الفقراء من بناء الأصول والممتلكات وتنويع دخولهم وزيادتها وتقليل قابليتهم للتعرض للضغوط الاقتصادية”.

   فهل في الواقع يساهم التمويل الأصغر/ القروض الصغرى في إخراج الفقراء من دائرة الفقر؟ والسؤال الأكثر جوهرية هنا هو هل تستهدف أصلا مؤسسات التمويل الأصغر الفقراء؟ إن تقارير المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء لا تتسم بالمثالية التي تعمل وسائل الإعلام لإضفائها على التمويل الأصغر.

 

هل الفقراء معنيون بالتمويل الأصغر؟

 

   من وجهة نظر “المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء”، المعنيون بالتمويل الأصغر هم الفقراء القادرون على الأداء. فجوابا على سؤال “متى يكون الإقراض الأصغر غير مناسب؟” يرد موجز موجه للجهات المانحة صادر عن المجموعة بهذه الأجوبة:

* عقب الكوارث والحالات الطارئة وفي المناطق الريفية الشديدة الفقر وكذلك إذا استخدم كأداة لمساعدة المعدمين (!!).

* العملاء/ الزبائن ذوو الأمراض المميتة (الإيدز) والسكان كثيرو الترحال (البدو) أو المشتتون على مساحات واسعة، كل هؤلاء غير مناسبين لبرامج الإقراض الأصغر

* لا يوصى بالإقراض الأصغر في المناطق التي تعتمد على نشاط اقتصادي واحد أو حيث يتم الاعتماد على المقايضة، أو حيث توجد احتمالات كبيرة للعصيان المدني أو وقوع الكوارث الطبيعية أو لارتفاع التضخم بشكل كبير أو لغياب القانون والنظام[7].

   إن قطاع التمويل الأصغر يسير وفق قوانين الاقتصاد الرأسمالي، فالتناقض بين القيمة التبادلية والقيمة الاستعمالية يوجد في قلب منطق المجموعة الاستشارية. تهتم مؤسسات التمويل الأصغر بالقيمة التبادلية (نسب الفائدة) “لمنتوجاتهم المالية” أكثر من اهتمامهم بقيمتها الاستعمالية (مساعدة الفقراء).. لذلك فإن افتراض وجود مقابل مادي (نقود) لدى الفقراء للاستفادة من “السلعة” هو الذي يحكم منطق التمويل الأصغر.

   لذلك فإن الفقراء الذين لا يزاولون أي نشاط اقتصادي- الأصح المحرومون من مزاولة نشاط اقتصادي- ليسوا معنيين بالتمويل الأصغر، وتوصي المجموعة فيما يخص هؤلاء بما يلي: “عوضا عن الإقراض الأصغر، يمكن أن تستخدم المنح بصورة أفضل للتغلب على العزلة الاجتماعية، وانعدام المهارات الإنتاجية، وانخفاض الثقة بالنفس لدى المعدمين، تمهيدا لتأهيلهم للاستفادة من الإقراض الأصغر”.. أي أن تهتم بهم برامج محاربة الفقر الحكومية حتى يكونوا في وضعية تؤهلهم للتعرض لاستنزاف مؤسسات التمويل الأصغر.

   وتظهر إحدى الرسوم البيانية التي أوردتها المجموعة الاستشارية في إحدى مذكراتها عند حديثها عن انتشار  التمويل الأصغر أن معظم الزبائن/ العملاء يقعون “في دائرة حول خط الفقر، أما الفقراء للغاية فنادرا ما تصل إليهم، وعادة ما تكون برامج شبكات الأمان الاجتماعي أكثر ملاءمة للمعدمين والأشد فقرا”[8].

 

   بالنسبة للمجموعة يكون “الإقراض الأصغر بصفة عامة ملائما عندما يكون هناك نشاط اقتصادي قائم وتدفق نقدي كاف للأسرة، أما في الحالات الأخرى، فربما يخلق عبئا إضافيا”[9]. أي أن التمويل الأصغر شأنه شأن “القروض الكلاسيكية” لها نفس الطابع الربوي والطفيلي، أي أنها تفترض نشاطا اقتصاديا ودخلا متوفرا بشكل مسبق كي تمتص منه جزءا من القيمة المخلوقة، ولا علاقة لها بأي وجه بخلق قيمة جديدة بله دخل جديد.

   وهو نفس ما أشار إليه الكتاب الأبيض للقروض الصغرى بالمغرب؛ “ومن جهة أخرى، تكون القروض الصغرى مرتبطة بمشروع. ولا يمكن فصلها عنه”.. تاما ممثل القرادة.

   وقد أشار الكتاب الأبيض للقروض الصغرى بالمغرب إلى الدور المتواضع جدا للقروض الصغرى بالمغرب في خلق المقاولات “من أجل تمويل إنشاء وحدات إنتاجية صناعية (UPI)، يلجأ المقاولون الصغار إلى ادخارهم الشخصي (%56.4) وبدرجة أقل إلى الاقتراض من الغير (%19). ويظل اللجوء إلى القروض الصغرى ضعيفا (%2.2)”.

   نفس الفكرة أكدتها دراسة أعدتها مؤسسة “بلانشيت فينانس- المغرب- بمناسبة انطلاق “السنة الدولية للقروض الصغرى” سنة 2005 بطلب من الفدرالية الوطنية للقروض الصغرى بهدف تقييم آثار القروض الصغرى على المقترضين: “إن إحداث نشاط جديد بعد الحصول على قروض صغرى يبقى هامشيا حيث أن %5 فقط من زبناء جمعيات القروض الصغرى وظفوا هذه القروض في خلق نشاط جديد”[10].

   إن الدراسات الاكثر تفصيلا، مثل دراسة جينا نيف Gina Neff، تبرز أن الذين ييساعدهم التمويل الأصغر للفكاك من الفقر قليلون، وأن %55 من الاسر ما زالت بعد ثماني سنوات من الحصول على قرض من “بنك غرامين” [بنغلاديش] عاجزة عن ارضاء حاجاتها الغذائية الأساسية. انها تستعمل تلك السلفات من اجل مشتريات لا من أجل استثمارات. ونشر توماس ديشتر أعمق الدراسات حول القروض الصغيرة (راجع موقع www. microfinancegateway.org)، هذا مع أنه ليس اقتصاديا راديكاليا. واستنتج أن ليس بوسع الاشخاص الأشد فقرا استعمال هذا النوع من القروض” بكيفية منتجة”. إذ هم بحاجة بنظره الى مبالغ مالية أكبر وبشروط تسليف مغايرة، وأسعار فائدة أقل بكثير وعلى مدى أطول. وحتى هذه الخلاصة قابلة للنقاش[11].

   وليس هناك أدل من واقع أن بنغلاديش وبوليفيا بلدان معروفان بأنجح برامج القروض الصغيرة بالعالم. ويظلان مع ذلك- إن لم يكن بسبب ذلك- من أفقر بلدان العالم.

 

الربح… الغاية القصوى

 

   بالنسبة للمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء “ليس التمويل الأصغر حلا سحريا لانتزاع جميع عملائه من براثن الفقر”. ولكنه حل سحري لتعظيم الأرباح، وتعمل هذه المؤسسة لإقناع الرأي العام بأن غاية التمويل الأصغر ليست اجتماعية بالدرجة الأولى بل مادية ومالية. وهو ما أشارت إليه إليزابيث ليتلفيلد مديرة المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء على شكل نصيحة إن لم يكن أمرا: “وفي الوقت نفسه، يجب أن يتخلص العاملون في القطاع المالي الرئيسي من وهم أن التمويل الأصغر يعني إلى حد ما تمويلا من درجات أدنى”[12]. محاربة النظرة التي تنظر للتمويل الأصغر “على أنه مجال متخصص للتنمية، ولا يناسب العالم الأوسع للأسواق والأنظمة المالية. كما ينظر العديد من الناس إلى التمويل الأصغر على أنه ميدان لعمل المنظمات غير الحكومية ذات التوجه الاجتماعي وليس للبنوك أو غيرها من الجهات المالية العاملة الرئيسية”[13].

       

أهداف اجتماعية.. لكن للتخفيف من الآثار الاجتماعية لسياسة المؤسسات الدولية

 

   إن ما يقصده البنك الدولي عند الحديث عن دور القروض الصغرى في محاربة الفقر، هو مصاحبة الهجوم النيوليبرالي بإجراءات اجتماعية تلطف- وإن بشكل مؤقت- من المآسي التي تسببها سياساته، وليس نية حقيقية لـ”مساعدة الفقراء”، بل لمساعدة البنك الدولي على تحسين صورته وتلميعها أمام الرأي العام، وفي نفس الوقت درء أخطار الاحتجاج، إن ما يسميه البنك والصندوق محاربة الفقر هو معالجة نتائج التفقير وتلطيف أوضاع المقصيين وليس محاربة جذور الفقر والمتمثلة في سياساته.

   إن تاريخ القروض الصغرى يظهر مدى ارتباطها بالأزمات الاجتماعية التي تسببت فيها إجراءات التقويم الهيكلي المفروضة من المؤسسات المالية الدولية. فبالمغرب “بدأ تاريخ القروض الصغرى منذ بداية التسعينيات، وهي الفترة التي عانى المغرب فيها من النتائج الاجتماعية لبرنامج التقويم الهيكلي (PAS) للثمانينيات”[14].

   نفس الشيء بالنسبة لبوليفيا التي نشأ بها التمويل الأصغر “في منتصف ثمانينيات القرن العشرين أثناء موجة من الإصلاحات المعنية بالاقتصاد الكلي، شملت إغلاق بنوك التنمية التابعة للدولة. وفي عام 1987، أقام رجال الأعمال والسياسيون البارزون في بوليفيا بالاشتراك مع شبكة التمويل الأصغر “أكسيون إنترناشيونال” (ACCIO International) مؤسسة بروديم (PORDEM) والتي تعد من أوليات مؤسسات التمويل الأصغر الحديثة. وذلك بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”[15].

 

سعي واع للحفاظ على روح الهجوم النيوليبرالي

 

   “تدخل الدولة”، هو العدو الأول بالنسبة للأيديولوجية النيوليبرالية، وهو ما تروجه له- وبوعي- مؤسسة المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء. فبالنسبة لها مجال “التمويل الأصغر” ميدان يجب أن يبقى محفوظا لقوانين السوق. في رأي هذه المجموعة “يعتبر التدخل السياسي مشكلة شائعة بالنسبة للمؤسسات الرئيسية. رغم وجود ضمانات تفيد بعكس ذلك في مرحلة التخطيط. وعادة ما ستكون أفضل وسيلة للحماية من هذا التدخل هي تحجيم مشاركة الدولة في نظام الإدارة العامة الخاص بالمؤسسات الرئيسية إلى أقل حد ممكن”[16].

   وتقدم هذه المجموعة لمؤسسات القروض الصغرى نصيحة مغزاها “تجنب مشروعات الائتمان التي تكون فيها أي وكالة حكومية هي مقدمة القروض أو التي تكون فيها الحكومة مشاركة بفاعلية في تصميم نظام تقديم التسهيلات الائتمانية أو الإشراف عليه”. ودعت “إلى اجتناب التصرفات الحكومية غير الملائمة التي تعيق تقديم الخدمات المالية للفقراء. مثل تحديد سقوف أسعار الفائدة أو القروض المدعمة إلى فئات مستهدفة محددة”[17].

   إن تحرير الرأسمال من أي عقبة وإطلاق عنانه لجني أقصى الأرباح يعد من أهم بنود الهجوم النيوليبرالي، وهو في نفس الوقت الذي يحكم منطق “المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء” فيما يخص تنظيم أسعار الفائدة، التي دعت إلى عدم تحديد سقوف قصوى لها وترك أمر تحديدها لقوانين السوق، وهي نقطة سنعود إليها في فقرة خاصة.

 

استعادة دور الدولة.. لكن لإنقاذ القطاع

 

   طبعا هذا التفاؤل وهذه اليقينية سيلقيان ضربة مؤلمة مع الأزمة الاقتصادية الأخيرة، والتي ألقت بعواقبها الوخيمة على قطاع التمويل الأصغر، ما جعل هذه المجموعة تتحدث بلكنة أخرى في مواكبة للدعوات الجديدة المتعلقة بإجراءات ضبط وإنقاذ البنوك في أمريكا وأوروبا، وهو ما تم لكن على حساب دافعي الضرائب.

   ففي أحدث تقرير للمجموعة الاستشارية أصبحت هذه المؤسسة تتحدث عن “الغاية المزدوجة للتمويل الأصغر: التزام اجتماعي بتحقيق النفع للعملاء مقترن بالتزام مالي بالعمل على نحو يحقق الربح. وليس ثمة تعارض بين هذين الغرضين على المدى الطويل”[18]. وهو ما استعاده بالحرف محمد بنشعبون رئيس “مجموعة البنك الشعبي” في تقرير مؤسسة “التوفيق للتمويل الأصغر” لسنة 2012: “عرف قطاع التمويل الأصغر في السنوات الأخيرة تغيرات عميقة تهدف إلى إعادة تصور القطاع لجعله يهتم أكثر فأكثر بمسؤوليته الاجتماعية إلى جانب كفاءته الاقتصادية والمالية دون التنكر لمبادئه الأساسية”.

   لقد تلقى الإيمان بقدرة السوق الذاتية ضربة موجعة على إثر الأزمة الأخيرة، ولابد أن ينعكس هذا في تقارير هذا القطاع الهش أكثر من القطاعات الاقتصادية الكبرى، وهو ما أوردته تقارير المجموعة الاستشارية في خطوة ارتدادية عما كانت تصرح به من قبل (2005) من يقينية بلغت حدودا خرافية حول ضرورة ابتعاد الدولة عن رقابة قطاع القروض الصغرى:

   “وبالطبع، ليس أمر التنظيم من قبل الحكومة في مقابل التنظيم الذاتي من قبل الصناعة أمرا اختياريا على طريقة إما هذا وإما ذاك. فهناك بعض المشاكل، مثل شفافية السعر التي قد يكون من الصعب للغاية على جهات تقديم الخدمة واتحاداتها حلها من تلقاء نفسها”[19].

   وأصبحت المؤسسة تشكك في قدرة مؤسسات التمويل الأصغر على التسيير الذاتي دون الدور الضبطي للحكومة؛ “في حين تعد قدرة الصناعة على الضبط الذاتي محدودة للغاية. وقد يكون الحل الواقعي الوحيد لعدم تكافؤ المعلومات متمثلا في التنظيم من خلال قواعد واضحة للصيغ والإفصاح عنها عبر أقصى نطاق ممكن علنيا على مستوى السوق”[20].

   في مذكرة المناقشة رقم 73- سبتمبر 2011 حددت المجموعة ثلاث إستراتيجيات لإنقاذ القطاع من الأزمة التي ألمت به، من بينها: “التنظيم والإشراف الحكوميان”.. طبعا فرأس المال ليس ضد تدخل الدولة بشكل مطلق، لكن ضد تدخل الدولة الذي يكبح تطوره وهو مع تدخل الدولة [البرجوازية طبعا] التي تساعده على مراكمة الأرباح وتشديد الاستغلال.

 

التمويل الأصغر.. فيلق استطلاع لجيش الرأسمال الكبير

 

   للرأسمال الصغير بشكل عام وظيفة تاريخية تتمثل في إنجاب الرأسمال الكبير، ويقوم في عصر الإمبريالية والعولمة بفتح الطريق أمام الرأسمال الكبير، وذلك من خلال غزوه الأسواق الواقعة خارج نطاق الاقتصاد النقدي.

   يتحدث خبراء البنك الدولي والمجموعة الاستشارية عن دور مؤسسات التمويل الأصغر في إيصال القروض إلى الأوساط المقصية من النظام المالي والمصرفي الرسمي، “لقد برز قطاع القروض الصغرى بوصفه مصدرا مهما للخدمات المالية في المغرب. فالأسر منخفضة الدخل والشركات الصغرى التي كانت مستبعدة من الجهاز المصرفي الرسمي أصبح لديها الآن مصدرا للحصول على الائتمان”[21]. بمعنى أن التمويل الأصغر سيقوم بوظيفة فتح هذا السوق أمام الرأسمال الكبير للاستثمار فيه.. وهو ما قصد الكتاب الأبيض للقروض الصغرى بالمغرب: “وإذا ما كان النجاح حليف المشروع، فلن تعود هناك حاجة للقروض الصغرى بما أنه يخلق أنشطة مدرة للدخل، أو مقاولة صغيرة قادرة على التطور والانطلاق، ومن تم اللجوء إلى القروض البنكية الكلاسيكية”. ففي عصر العولمة النيوليبرالية لا يوجد أي نشاط بشري يقع خارج نطاق سيطرة الرأسمال الكبير.

   كان هذا هو مغزى المقالة التي كتبتها مديرة المجموعة الاستشارية لمساعد الفقراء إليزابيث ليتلفيد معية استشاري آخر بالمجموعة هو ريتشارد روزنبرغ، عنوان المقالة هو “تحطيم الحواجز بين التمويل الأصغر والنظام المالي الرسمي” عام 2004.

   بعد أن أشارا إلى خطأ التعامل مع التمويل الأصغر كمجال للعمل التنموي أشادا بما بدا أنه إدراك لمدى “ضرورة زيادة إتاحة الأنظمة المالية في البلدان النامية أمام الفقراء. والأهم من ذلك، إدراك توفر طرق عملية لجعل ذلك ممكنا. كما بدأت عملية بناء الأنظمة المالية المعنية بالعملاء الفقراء تضم جميع أنواع المؤسسات المالية التي تقدم مجموعة واسعة النطاق من الخدمات المالية. فقد بدأ واضعو اللوائح التنظيمية ووكالات التصنيف الرئيسية والبنوك التجارية والحكومية وشركات التأمين ومكاتب الائتمان، في لعب دور في إنشاء أنظمة مالية سليمة وشمولية لخدمة غالبية مواطني البلدان الفقيرة. لقد أخذت الحدود الفاصلة بين التمويل الأصغر والقطاع المالي الرسمي تتلاشى”[22].

   وقد سجل ذلك في حالة منغوليا التي تمت فيها “هيكلة بنك الدولة الزراعي، وانتقل إلى العمل في مجال التمويل الأصغر، والآن تمت خصخصته. وهو يخدم  نصف عدد الأسر المعيشية في المناطق الريفية في منغوليا من خلال 375 نقطة بيع، ويحقق أرباحا”، كما تشير المقالة إلى حالة بنك الشعب الأندونيسي وهي “حالة أخرى من حالات إعادة هيكلة مؤسسات بديلة مملوكة للدولة، وهو الآن يقدم خدمات عالية الجودة إلى عدد ضخم من الفقراء، ويحقق أرباحا كبيرة من عمله ذلك”[23].

   بلغ التفاؤل بمديرة المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء حدوده القصوى ما جعلها تتنبأ “بأن تصبح البنوك التجارية هي “الأطراف الفاعلة المهيمنة” في مجال التمويل الأصغر ففي الوقت الحاضر بدأت البنوك التجارية في شتى أنحاء العالم بالتحرك إلى داخل السوق، تدفعها المنافسة والرغبة في الحصول على حصة لنفسها…. ونحن نرى أن هذا الاتجاه مشجع لأنه سوف يعالج أكثر التحديات إلحاحا أمامنا اليوم: النهوض بخدمات التمويل الأصغر لتصل إلى بلايين البشر الذين يفتقرون إلى القدرة على الحصول على أبسط الخدمات المالية”[24].

   وهو الواقع الذي استغربه أحد مناضلي جمعية ضحايا القروض الصغرى بالمغرب “بناصر الإسماعيلي” في حواره مع المساء: “والغريب أن بنوكا أصبحت اليوم تؤسس جمعيات تابعة لها”.. ويشير الكتاب الأبيض للقروض الصغرى بالمغرب إلى أنه “يجب التنبيه هنا إلى أن التزام القطاع المالي المغربي (البنوك التجارية وصناديق JAIDA) مع الجمعيات المغربية للقروض الصغرى يظل أساسيا. وفعلا، فإن هذا الالتزام يقدر بـ %80 من حاجيات القطاع المالية، وهو بذلك يشكل التزاما فريدا من مجموع منطقة MENA”.

   إن التمويل الأصغر يخدم بالدرجة الأولى المؤسسات البنكية، التي تمنح قروضا بنسب فائدة بين 8% و10% لمؤسسات القرض الصغير وتمنحها هذه الأخيرة بدورها للزبائن بنسب عالية، فيمكن ذلك المؤسسات البنكية الكبرى من الوصول إلى زبائن كثر لا يجرؤون على ولوج مؤسسات القرض الكبرى التي تفرض ضمانات على خدماتها.

 

لا فكاك من قانون السوق… شبح الإفلاس

 

   رغم المحاولات شبه الأسطورية لإظهار قطاع القروض الصغرى محميا ضد الهزات التي يشهدها الاقتصاد الرأسمالي العالمي فإن هذا الأخير ليس مؤمنا من ذلك.

   زعمت مديرة المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء في تقرير هذه الأخيرة لسنة 2005، أي ثلاث سنوات قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية أن “معدل النمو المركب للجهات الرائدة المقدمة لخدمات التمويل الأصغر في العالم على مدار السنوات الخمس الماضية قد ارتفع ارتفاعا كبيرا ليبلغ %15 سنويا. فعلى الصعيد العالمي تبلغ ربحية هذه المؤسسات الرائدة المقدمة لخدمات التمويل الأصغر ما يقارب ضعف ما تربحه البنوك التجارية الرائدة في العالم”. مشيرة إلى أن أعمال قطاع التمويل الأصغر أكثر استقرارا من الأعمال المصرفية التجارية: “لقد بدأ نشاط التمويل الأصغر يبدو، في الحقيقة، أكثر استقرارا من نشاط المصارف التجارية في أكثر الأوقات اضطرابا. ففي أثناء الأزمة التي مرت بإندونيسيا في عام 1997، انفجرت حوافظ المصارف التجارية من الداخل، إلا أن سداد أقساط القروض بين العملاء الصغار ببنك الشعب الإندونيسي البالغ عددهم 26 مليونا لم ينخفض إلا الشيء اليسير”.

   أقرت وثائق المجموعة الاستشارية بأن القطاع سيشهد منافسة كبيرة وهو ما يدعو إلى التفاؤل بخصوص مستقبله، متناسية القانون الميلي للرأسمالية؛ “ميل معدل الربح نحو الانخفاض”. إن قطاعا يبلغ فيه معدل الربح أعلى من المعدل الوسطي سيشهد استقطابا للرساميل الشاغرة أو التي تهرب من القطاعات التي ينخفض فيها معدل الربح عن المعدل الوسطي، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض معدل الربح في هذا القطاع بذاته، نظرا لتقاسمه من طرف رساميل عديدة.. وفي النهاية ينهار القطاع وتهرب منه الرساميل غير القادرة على المنافسة وتبقى فقط الرساميل التي استفادت من الأزمة وأعادت هيكلة نفسها لتبدأ دورة جديدة من الازدهار والطفرة ثم الأزمة فالكساد.

   بسبب نسب الربح المغرية شهد القطاع فعلا منافسة أدت إلى ظهور سلوكيات غير سليمة- وهي سلوكيات تنبع من منطق الربح بالذات وليس من انحراف قانوني أو أخلاقي معين- وشهد القطاع تضخما في نسب الاستدانة وفي أوساط اجتماعية غير قادرة على الأداء خصوصا إذا استحضرنا نسب تسعير الفائدة الفلكية التي تفرضها هذه المؤسسات، وقد عملت الصحافة الليبرالية على نسب الأزمة إلى هذه السلوكيات وليس إلى قانون المنافسة بحد ذاته.

   طالعتنا مثل هذه المبررات مع أزمة ضحايا القروض الصغرى بالجنوب الشرقي بالمغرب وسعت جريدة المساء إلى توجيه النقاش نحو السلوكيات المنحرفة:

“غير أن انزياحا حدث في هذه الجمعيات، إذ «زاغت»، في حالات عديدة، عن هدفها الأساسي وهو خلق مقاولات صغرى، إلى هدف ربحي استبناكي عبر تسليم قروض بفوائد لأشخاص لا صلة لهم بالعمل المقاولاتي. كما لا تخضع هذه التمويلات لمراقبة بَعدية، لمعرفة ما إذا كان المقترضون قد أقاموا بها مشاريع مدرة للدخل. وقد جاءت هذه الحقيقة على لسان مسؤولين عن هذه الجمعيات”. لتضيف الجريدة: ” حسب خبراء قانونيين مختصين في مجال التمويلات الصغرى، فإن الخلل وقع منذ البداية، بعدم احترام الإطار الذي جاءت من أجله هذه الجمعيات، إذ تحولت إلى مؤسسات تسليف، حتى إن بعضها يقترض من بنوك وتقرض الناس بفائدة أكثر ارتفاعا”.

   نفس المبررات وردت في مقال لمحمد بوقعي بعنوان “تجربة القروض الصغرى بين النجاح والفشل: “”بعد سنة 2007 تغيرت أهداف جمعيات القروض الصغرى بحيث أصبحت تجد في قرية صغيرة أكثر من عشرة من الجمعيات تعطي القروض لمن هب ودب حتى أصبحت الناس مثقلة بالديون”. هذا الوضع أدى إلى إفلاس بعض الجمعيات العاملة في هذا القطاع مثل “مؤسسة زاكورة للقروض الصغرى”[25].

   أوردت مذكرة صادرة عن المجموعة الاستشارية ما تدفع إليه المنافسة بين المؤسسات المختلفة وهو شيء حتمي في مجتمع ينبذ التخطيط ويقدس الملكية الفردية: “مؤسسات التمويل الأصغر في كثير من الأحيان تضع الإستراتيجيات التي تعطي الأولوية للأسواق التي يتزايد فيها النشاط الاقتصادي، وترتفع بها الكثافة السكانية، مما يزيد من احتمالات التداخل مع مؤسسات التمويل الأصغر الأخرى التي تستهدف نفس المناطق لنفس الأسباب. فقد كانت هناك ممارسة شائعة، في باكستان والمغرب، بين بعض مؤسسات التمويل الأصغر على أن تحذو حذو مؤسسات التمويل الأصغر الأخرى في دخول الأسواق المحلية حتى تتمكن من إقراض نفس مجموعات المقترضين. فالمؤسسات التي تدخل السوق مبكرا هي التي تبدأ بغربلة المقترضين الجدد وتدريبهم. بينما المؤسسات التي تأتي في وقت لاحق فيمكنها تخطي تلك الخطوات التحضيرية المقدمة. وأفاد المديرون أن تلك الممارسة تقلل من تكاليف اكتساب العملاء، على المدى القصير”[26].

   وها هي المجموعة الاستشارية التي طمأنت المستثمرين بكون التمويل الأصغر أكثر استقرارا تعيد إلى الأذهان ما حدث من قبل في بوليفيا؛ “نجم عن زيادة المديونية المتنامية مضافا إليها الهبوط الاقتصادي موجة من التخلف عن سداد القروض في 1999- 2000 أدت إلى إفلاس الجهات المقدمة للقروض الاستهلاكية وتضرر مؤسسات التمويل الأصغر التقليدية. وتشكلت في مناخ الأزمة حركة للمدينين غير المتأثرين. وشهدت الشوارع احتجاجات على عتبات مكاتب الجهات المقدمة للقروض.  وينظر إلى هذه الأزمة على أنها “مرحلة البلوغ” بالنسبة لكبريات مؤسسات التمويل الأصغر البوليفية التي نجت كلها من الأزمة التي كانت نتيجتها أن استمر في السوق مؤسسات تمويل أصغر أقل عددا وأكبر حجما وأكثر استقرارا”[27].

   لتعترف في الأخير أن القطاع شهد ربحية عالية ليس بسبب استهدافه للفقراء بل بالعكس: “يؤكد المراقبون أن السبب وراء ازدياد الأرباح وارتفاع معدلات النمو في دفاتر القروض تمثل أساسا في زيادة الجهات المقدمة للقروض حجم قروضها والتخلي في واقع الحال عن العملاء الأشد فقرا الذين لا يقدرون إلا على تحمل القروض الصغيرة”[28].

 

أصل النمو.. التمويل لا السداد

 

   النمو في قطاع التمويل الأصغر طيلة سنوات ما قبل أزمة 2007، لم يكن بسبب دوافع داخل القطاع، أي التزام الزبائن بالسداد، بل لأن القطاع استمد ثقة مفرطة بالذات من خلال عروض التمويل الواسعة التي هطلت عليه من كل الجهات (المانحين الدوليين، البنوك التجارية، الإعانات الحكومية).

    تحدثت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء حين تناولت تحليل أزمات عدم السداد التي حلت بالقطاع بنفس اللكنة التي تحدث بها خبراء النيوليبرالية فيما يخص اندلاع أزمة 2007: “تظهر التوترات بجلاء في قطاع التمويل الأصغر- ففي أزمات سداد الديون الأخيرة، عانت أسواق الائتمان الأصغر المحلية من النمو مفرط السرعة، مما أدى إلى فقدان الانضباط الائتماني والإقراض المتعدد ووقوع حالات من الإفراط في الاستدانة. فقد كان وراء هذا التوسع السريع أسباب اجتماعية ومالية قوية. وكان المستثمرون متحمسين لمساندة ذلك التوسع. ولكننا إذا ما عدنا إلى الوراء لرأينا أن جهات الإقراض في هذه الأسواق- بل في مجال التمويل الأصغر كله- قد تكون بالغت في تقدير الطلب على الائتمان، حيث حدث التشبع بأسرع كثيرا من المتوقع، لا سيما وأن مؤسسات الائتمان الأصغر تنافست في الغالب على حصة سوقية في شرائح ومناطق العملاء نفسها بدلا من الوصول إلى المناطق التي تتلقى خدمات أقل”[29]. لقد ولى زمن اليقينيات فيما يخص استقرار أسواق التمويل الأصغر.

   وقبل ذلك كانت مذكرة مناقشة صادرة في فبراير 2010 قد أكدت نفس الفكرة وهي أن النمو في قطاع التمويل الأصغر كان محفزا بعرض التمويل الواسع المقدم من طرف المستثمرين والممولين؛ “خلال تلك الفترة بدأ كل من الجهات المانحة والمستثمرين الاجتماعيين بتوجيه كميات أكبر من الأموال إلى مؤسسات التمويل الأصغر في جميع أنحاء العالم. مما ولد “دفعة” هائلة من المعروض كانت السبب وراء حالة النمو.  وأدت وفرة التمويل إلى منح مؤسسات التمويل الأصغر مزيدا من الثقة، فضلا عن رأس المال اللازم لنموها بوتيرة أسرع… علاوة على ذلك، حصلت مؤسسات التمويل الأصغر على رأس المال من أسواقها المحلية من خلال البنوك التجارية والصناديق الرئيسية المحلية، وكان هذا واضحا بشكل خاص في المغرب، حيث تم تمويل %85 من أصول التمويل الأصغر من خلال قروض البنوك التجارية في نهاية عام 2008″[30].

   تناولت مذكرة صادرة عن المجموعة سنة 2010 أسباب الأزمة التي عصفت بقطاع التمويل الأصغر مؤكدة أن الركود العالمي ليس سببا رئيسيا في هذه الأزمة رغم كونه سببا، وحددت ثلاثة مواطن ضعف “في صناعة التمويل الأصغر تشكل لب المشاكل: 1. منافسة السوق المركزة والاقتراض المتعدد؛ 2. أنظمة وضوابط مؤسسات التمويل الأصغر المحملة فوق طاقتها؛ 3. تآكل الانضباط الإقراضي لدى مؤسسات التمويل الأصغر”[31].

 

المغرب نموذجا

 

   يضم المغرب نصف زبائن القروض الصغرى بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط أي 1.2 مليون زبون. %66 منهم نساء يتواجد %40 منهم بالوسط القروي. أشار البنك الدولي إلى أن 5 ملايين مغربي يمكن أن يستفيدوا من القروض الصغرى مما فتح شهية هذه المؤسسات للتوسع.

   ورغم أن المغرب حصل على جائزة الأمم المتحدة الدولية للقروض الصغرى على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سنة 2005، وبلغ فيه معدل النمو السنوي المركب لمؤسسات التمويل الأصغر %59 متجاوزا متوسط معدل “ميكس” البالغ% 43، وزادت حجم قروضها فيما بين 2002 و2008 بنسبة %132[32]. إلا أنه ومنذ 2008 تعرض التمويل الأصغر لانتكاسة حقيقية فخيبت كل من عقد عليه الآمال بتراجع عدد الزبناء بنسبة 4% وارتفاع نسبة عدم الوفاء بين الزبناء لأكثر من %5. وقد صنفت المجموعة المغرب ضمن البلدان الأربعة الأولى التي مرت بأزمات سداد قروض التمويل الأصغر سنتي 2009- 2010، والثلاثة الأخرى هي باكستان، البوسنة والهرسك، نيكاراغوا.

   وكغيره من البلدان الأخرى التي تعرضت لأزمة عدم السداد قام المغرب بشطب نسب من الديون غير المسددة بلغت %2.90، وذلك قصد تخفيض نسبة المحافظ المعرضة للمخاطر[33].

 

سعي محموم لإنقاذ القطاع

 

   ولأن قطاع التمويل الأصغر يعتبر صمام أمان اجتماعي بالنسبة للبنك الدولي فقد سارع لإنقاذ القطاع من أزمته، وهو ما صرحت به وزيرة التنمية الألمانية هايده ماري فيتسوريك تسويل أثناء تدشين صندوق التمويل الأصغر في برلين، “القروض الصغرى هي من بين الأدوات الأكثر فعالية في التنمية. ومؤسسات التمويل الأصغر تبلي بلاء حسنا في مختلف أنحاء العالم. ولا يمكن أن نسمح لهذه الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية بتهديد عمل هذه المؤسسات”.. “وفي إطار التصدي لهذا الوضع، قامت مؤسسة التمويل الدولية وبنك التنمية الألماني (KfW) بتدشين صندوق جديد للتمويل الأصغر في 5 فبراير/شباط لمساعدة المؤسسات التي تواجه عجزا في التمويل. ومن المتوقع أن يقدم صندوق تشجيع التمويل الأصغر ما يصل إلى 500 مليون دولار لأكثر من 100 مؤسسة موزعة في 40 بلدا”[34].

   وهو ما سبق أن شهدناه بالمغرب، بعد إجراء تفحيص لمؤسسات القروض الصغرى سنة 2008، فتبين أن مؤسسة “زاكورة” (رغم سرية المعطيات في البداية) تعاني مصاعب كبيرة تحد من استمرارها وقد تؤدي بها إلى الإفلاس. وبالتالي لا سبيل سوى إدماجها بإحدى المؤسسات الأخرى أو تمويلها من قبل أحد الأبناك. إلا أن التخوف من أن يؤدي إعلان إفلاس المؤسسة إلى التأثير على باقي مؤسسات التمويل الأصغر بالبلد، أفضى في النهاية إلى إدماجها، بحضور وزير المالية مع مؤسسة البنك الشعبي للقروض الصغرى التابعة للبنك الشعبي المؤسسة شبه العمومية لستر العورة[35].

   وهو ما وقع رغم ذلك حسب شهادة المجموعة الاستشارية نفسها: “”كان الاندفاع في الاستحواذ على مؤسسة كبيرة للتمويل الأصغر في المغرب إشارة إلى احتمال عدم قدرتها على الاستمرار في تقديم القروض، مما أدى إلى تثبيط البواعث على السداد. وأدت مناقشة ذلك الأمر في الصحافة إلى تعجيل انهيار تلك المؤسسة، بل وكذلك على مؤسسات تمويل أصغر أخرى”[36].

 

مطالبة بضبط القطاع

 

   أما هذا الواقع طالبت المجموعة بضرورة القيام بإجراءات لضبط قطاع التمويل الأصغر في اتجاه معاكس مع مطالباتها قبل سنة 2007 بضرورة ترك ذلك لقانون السوق، فطالبت بضرورة فرض إجراءات ضبط الإفراط في الاستدانة، وساهمت في إطلاق حملة سمارت أواخر 2009 تضمنت مبادئ لطالما عارضتها سابقا من أجل حماية العملاء: * تصميم المنتجات المناسبة وتقديمها/ توصيلها بشكل مناسب * منع الإفراط في الاستدانة * الشفافية * التسعير المسؤول * المعاملة العادلة والمحترمة للعملاء * خصوصية بيانات العملاء * آليات لحل الشكاوى[37].

   وفي وقت سابق كانت المجموعة تؤنب الدول التي تتدخل لفرض شروط تشريعية وتنظيمية لمراقبة التمويل الأصغر؛ أصبحت الآن تثمن تلك المبادرات؛ “وتحرز بلدان أخرى تقدما كذلك. فمنذ بضعة أعوام، وضع بنك كمبوديا الوطني شرطا بسيطا يقضي بأن تنص مؤسسات التمويل الأصغر على احتساب فوائد متناقصة بدلا من السعر الثابت. ويلزم البنك المركزي الغاني جهات تقديم الخدمة الخاضعة للتنظيم بتقديم وثيقة “حقائق أساسية” للمستهلكين تنص على كافة الأسعار الأساسية للمنتجات والشروط والأحكام ذلت الصلة… ووضع قانون الائتمان الوطني في جنوب أفريقيا شرطا مرنا، لكن لا يخلو من صرامة، يلزم جميع جهات الإقراض بتحليل قدرات السداد لدى المقترضين وتحديد ما إذا كانت قروضهم ستؤدي إلى الزيادة المفرطة في مديونيتهم.. الخ”[38].

   لن تستطيع إجراءات الضبط مهما بلغت صرامتها منع أزمة مقبلة في القطاع، فالمجموعة اغفلت عن واقع أن اندلاع الأزمات في المجتمع الرأسمالي لا علاقة له بأخلاقيات رجال الأعمال، بل بتوسع قاعدة الإنتاج الرأسمالي بحد ذاته، وهو ما يدفع الرأسماليين الأفراد على المنافسة الشرسة بينهم (وهو ما يسبب ما تسميه المجموعة السلوكيات المنحرفة)، ويعمل كل رأسمالي على الاستفادة القصوى من لحظة الازدهار معتقدا أن منافسه هو أول من سيسقط.

   تعمل مؤسسات القروض الصغرى على توسيع أعمالها في لحظة الازدهار لتشمل أوساطا غير قادرة على الأداء، لكنها تعمل جاهدة على تحصيل أكبر قدر ممكن من الأقساط والفوائد قبل اندلاع أزمة عدم السداد، وتظن كل مؤسسة أن المؤسسة الجارة هي أول من سيسقط في ميدان حرب المنافسة. وهو ما أكدته إحدى مذكرات المناقشة التي صدرت عن المجموعة الاستشارية: “أدى النمو إلى زيادة الوصول إلى المزيد من العملاء، وهو الأمر الذي سعى التمويل الأصغر طويلا إلى تحقيقه. ولكن بعد عدة سنوات فقط من النمو بدأت مشاكل سداد القروض في الظهور”[39].

   وتذهب هذه المؤسسات بعيدا فتفتح الباب أمام الاقتراض المتعدد رغم أن الزبون لن يكن في مقدوره تحمل تكاليف قرض مؤسسات واحدة فبالأحرى أكثر من مؤسسة؛ “مما يزيد وضعية قطاع القروض الصغرى تأزماً تنامي ظاهرة الاقتراض المتعدد والمتداخل من أكثر من جمعية ومؤسسة، ما يفضي إلى تشتت قدرة الزبائن في التحكم في وعاء سلفاتهم الصغيرة من هنا وهناك، فيمتنع بعضهم عن السداد ويتماطل بعضهم الآخر، وكل هذه الأمور تؤثراً على مردودية مؤسسات القروض الصغرى”[40]. ففي المغرب، قدر البنك المركزي أن %40 من المقترضين حصلوا على قروض من أكثر من مؤسسة للتمويل الأصغر، في الوقت نفسه تماما الذي بدأت فيه أزمة السداد[41].

   وعرف المغرب بعد أزمات عدم القدرة على السداد نفس المطالبات بضبط القطاع ومراقبته؛ “صار من اللازم توسيع نطاق مراقبة بنك المغرب لجمعيات السلفات الصغرى خصوصا فيما يتعلق بمنح وسحب الاعتماد لمزاولة نشاط السلفات الصغيرة، بالقواعد المحاسبية والاحترازية وبالمراقبة والإشراف الاحترازي الكلي وبالعلاقة مع العملاء وكذا بنظام العقوبات”، هذا ما نص عليه مشروع قانون أعدته وزارة الاقتصاد والمالية، وصادقت عليه الحكومة ويرتقب أن تحيله على البرلمان”[42].

       

أسعار الفائدة.. الدجاجة التي تبيض الذهب

 

   قطاع الائتمان بشكل عام يكون هدفه النهائي هو نسبة الفائدة التي هي أصل ربح المؤسسات التي تقدم القروض. وتسعى مؤسسات الائتمان إلى تحرير تحديد أسعار الفائدة وفك رقابة الدولة عنه. وهو تحرير قطعت فيه مؤسسات التمويل الأصغر أشواطا كبيرة.

   عملت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء كل ما في جهدها لتضمين تقاريرها ومذكراتها التوجيهية هذا المطلب والبرهنة على خطل وضع سقوف على تسعير الفائدة.

   لهذا دعت إلى “تجنب وضع سقوف لأسعار الفائدة؛ إن وضع قيود تمنع المؤسسة من تحديد أسعار الفائدة المناسبة التي تمكنها من تغطية تكاليفها سيؤدي إلى فشلها، لذا فإن الوضع الأمثل هو أن يترك لمديري مؤسسات التمويل الأصغر تحديد أسعار الفائدة”[43].

   تدافع المجموعة عن حق مؤسسات التمويل الأصغر في امتلاك صلاحية تحديد سعر الفائدة بل وتحدد أيضا مكونات هذا السعر؛ “يجب على مؤسسات التمويل الأصغر أن تضع أسعار فائدة تغطي جميع التكاليف الإدارية بالإضافة إلى تكلفة رأس المال (بما في ذلك تكلفة التضخم) وخسائر القروض ومخصص لزيادة حقوق الملكية”[44]. وهو نفس ما تناوله “الكتاب الأبيض حول القروض الصغرى بالمغرب” عند حديثه عن نسبة الفائدة: “الكلفة الإجمالية لمسار القروض وتتضمن كلفة المعاملات وكلفة المخاطر والكلفة المالية ومصادر التمويل مضافا إليها كلفة مضافة إلى مبلغ الأقساط وكلفة مضافة إلى مردودية الأنشطة المدرة للدخل”.

   بالنسبة للمجموعة الاستشارية لا يمكن “تحقيق الاستدامة المالية لمؤسسات التمويل الأصغر، دون وجود أسعار فائدة للأفراد تغطي على الأقل التكاليف التشغيلية والمالية لتوفير الخدمات. وفي معظم الحالات التي تم استعراضها تم تحرير أسعار الفائدة على مستوى الأفراد، بما في ذلك التمويل الأصغر، وقد أصبحت الآن تحدد وفقا للسوق. وتصر الآن العديد من الجهات المانحة إن لم يكن معظمها، خاصة المؤسسات المالية الدولية، على أن يدفع المقترضون النهائيون أسعار فائدة تحدد وفقا للسوق وتعد ذلك شرطا لتوفر هذه الجهات مساندتها”[45].

   إن سعي المجموعة هو ضرورة ترك تحديد أسعار الفائدة لقانون السوق وليس لاعتبارات اجتماعية أخرى تأخذ بعين الاعتبار قدرة المقترضين على الأداء، رغم أنها تقر في نفس الوقت أن هذه المؤسسات تغالي في تحديد سعر الفائدة أكثر مما يسمح به قانون السوق، وهي ملاحظة سربتها بين ثنايا دراسة عرضية مدرجة إياها بين قوسين: ” (لاحظ أنه إذا كان مصطلح “السوق” المذكور في القضية هو السوق المصرفي العادي فسوف تقل أسعار فائدة “السوق” إذا بكثير عن تغطية تكاليف الإقراض الأصغر الفعلية”[46].

   ليس إذن ارتفاع أسعار الفائدة التي فرضته مؤسسات القروض الصغرى بالمغرب نتاج جشع هذه المؤسسات أو خرقهم لقانون تأسيس الجمعيات إلى غير ذلك من مبررات غايتها- الواعية أو غير الواعية- هي توجيه أصابع الاتهام إلى غير المتهم الحقيقي.. بل نتاج منطق سوق فرضه البنك الدولي والمؤسسات المعنية بالتمويل الأصغر التابعة له.

   وهو تبرير عملت الصحافة الليبرالية بالمغرب على نشره: “ويذهب تقرير حول الوضعية القانونية لهذه الجمعيات، توصلت به «المساء»، أبعد من ذلك ويعتبر أن بعض جمعيات القروض الصغرى تخالف مقتضيات القانون الجنائي وتقترف جنايات مرتبطة بالتدليس واستغلال جهل مواطنين، بالرفع من نسب الفائدة، التي تشير خبرات حسابية إلى أنها تصل إلى أزيد من 30 في المائة، في الوقت الذي لا يمكن أن تتجاوز فيه هذه الفائدة نسبة 2 في المائة.. وأكد مسؤولون عن جمعيات قروض صغرى، تتوفر «المساء» على تصريحات سابقة لهم، مرارا، أن جمعيات القروض الصغرى خرجت عن روح وفلسفة القانون المحدث لها، إلى درجة أن جمعيات سلـّفت أشخاصا قروضا صغرى بفوائد من أجل اقتناء أضحية العيد أو تدبر مصاريف الحياة اليومية، في الوقت الذي يتحدث أرباب مؤسسات قروض صغرى عن توسيع دائرة المستفيدين، في السنة الجارية، لتشمل 5 ملايين مستفيد”.

 

بماذا تبرر المجموعة أسعار الفائدة العالية

 

   تطرح المجموعة سؤال “لماذا تكون أسعار الفائدة للإقراض الأصغر أعلى من أسعار الفائدة للبنك؟” وتجيب: “لأن تكاليف إدارة القرض الصغير تكون بالنسبة لحجم القرض أعلى من تكاليف إدارة قرض أكبر”[47].

   لكن ذلك يعتبر تعريفا للماء بالماء، وسيظل نفس السؤال مطروحا؛ لماذا تكون تكاليف إدارة القرض الصغير بالنسبة لحجم القرض أعلى من تكاليف إدارة قرض أكبر؟

   تستمر المجموعة في تعريف الشيء بنفسه مستعينة هذه المرة بلعبة الأرقام؛ “إذا كانت التكلفة الفعلية لكل قرض هي 25 دولار أمريكيا، فإن نسبة التكلفة هي %0.25 للقرض الذي قيمته 10.000 دولار أمريكي، ولكنها %25 للقرض الذي قيمته 100 دولار أمريكي”. ولكن ما الداعي لتكون تكلفة قرض قيمته 100 دولار نسبة فائدة تبلغ %25؟

   بعد كل هذا اللف والدوران تعترف المجموعة بأن “نسبة التكلفة لقروض أصغر أعلى لأن الزبائن/ العملاء عامة ليس لديهم تاريخ ائتماني ولا ضمانات وهم غالبا يعيشون في مناطق بعيدة، وهناك تكلفة عالية للذهاب لبيوت هؤلاء الزبائن/ العملاء ومتابعة تحصيل الأقساط”[48]. أي أن علاوات المجازفة هي التي تثقل نسب الفائدة وهي تكاليف جزافية يقع تحديدها على عاتق مدراء مؤسسات التمويل الأصغر.

 

طريقة تسعير الفائدة

 

   يعتمد احتساب سعر الفائدة السنوية على إدخال مجموعة من العناصر التي تدخلها مؤسسات التمويل الأصغر ضمن التكاليف- سواء أدتها أم لا- وينبغي على المستهلك الأخير تحمل أدائها.

   حددت دراسة عرضية- رقم 1- نوفمبر 2002 أصدرتها المجموع الاستشارية لمساعدة الفقراء، تحت عنوان “أسعار الفائدة على الائتمان الأصغر” طريقة احتساب الفائدة السنوية كالآتي:

معادلة التسعير: يمثل سعر الفائدة السنوي (R) الذي يتم تقاضيه على القروض دالة مكونة من خمسة عناصر، يتم التعبير عن كل منها بنسبة مئوية لمتوسط حافظة القروض القائمة؛ المصروفات الإدارية (AE) وخسائر القروض (LL) وتكاليف الأموال (CF) ومعدل الرسملة المرغوب (K) والدخل العائد من الاستثمارات (II).

 

  وهذه هي صيغة المعادلة حسب مذكرة صادرة عن المجموعة:

     

   وتشرح المذكرة بتفصيل مكونات المعادلة على الشكل الآتي:

نسبة للمصروفات الإدارية (AE): فهي تشتمل على جميع التكاليف المتكررة السنوية.. ويتعين هنا تضمين مخصص الإهلاك (توفير تكلفة استبدال المباني أو التجهيزات). كما يتعين تضمين قيمة أي سلع أو خدمات ممنوحة- مثل التدريب، المساعدة الفنية، الإدارة- والتي لا تدفع مؤسسة التمويل الأصغر مقابل لها في الوقت الحالي. ولكن سيتعين عليها أن تدفع مقابلها في النهاية عندما تصبح مستقلة تماما عن إعانة الجهات المانحة. وتتراوح المصروفات الإدارية للمؤسسات الناضجة ذات الكفاءة بين 10 و%25 من متوسط حافظة القروض.

معدل خسائر القروض: يمثل الخسارة السنوية نتيجة القروض غير القابلة للتحصيل. ويمكن أن يكون معدل خسائر القروض أقل كثيرا من معدل التأخر في السداد لمؤسسة التمويل الأصغر، ويشير معدل خسائر القروض إلى القروض التي يجب شطبها بالفعل بينما يشير معدل التأخر إلى القروض التي لم يتم سدادها في مواعيدها، والتي تتم استعادة الكثير منها في النهاية.

   ورغم أن نسبتها من متوسط حافظة القروض تكون عادة قليلة، إلا أن مؤسسات التمويل الأصغر تعمد إلى رفعها لأن النمو السريع لحافظة القروض “يخلق اتجاها إحصائيا للتقليل من معدل خسائر القروض الحقيقي على المدى الطويل”.

تكاليف الأموال (CF): تكلفة السوق للحصول على الأموال من مصادره.. وقد كانت مؤسسات التمويل الأصغر تدخل هذه التكاليف في احتساب معدل الفائدة حتى في الوقت الذي كان مصدر التمويل هو الجهات المانحة الداعمة. ويتم حساب التكلفة المطلقة الإجمالية من خلال تجميع التكاليف لكل فئة من التمويل، ويتم قسمة هذا الإجمالية على حافظة القروض للحصول على عنصر تكلفة الحصول على الأموال (CF).

معدل الرسملة المرغوب (K): يمثل هذا المعدل الربح الحقيقي الصافي (!!!)- إضافة إلى ما هو مطلوب للتعويض عن التضخم- الذي تستهدفه مؤسسة التمويل الأصغر… ويعتمد معدل الربح الحقيقي الذي تستهدفه مؤسسة التمويل الأصغر على شدة رغبة مجلسها وجهاز إدارتها في تحقيق النمو. ولدعم النمو طويل المدى فإنه يمكن النصح بأن يمثل معدل الرسملة نسبة تتراوح بين 5- %15 من متوسط حافظة القروض القائمة.

   وإذا كانت مؤسسة التمويل الأصغر تخطط للعمل تحت هيكل قانوني خاضع للضريبة، فإنه يتعين عليها تضمين مخصص للضرائب في هذه الحالة.

معدل الدخل العائد من الاستثمارات (II): يمثل العنصر الأخير الذي يجب تضمينه في معادلة التسعير- كطرح في هذه الحالة- في الدخل المتوقع من الأصول المالية لمؤسسة التمويل الأصغر بخلاف حافظة القروض. ولا تدر بعض من هذه الأصول (مثل النقد، وإيداعات الحسابات الجارية، والاحتياطي القانوني) إلا قدرا يكاد لا يذكر من الفائدة أو لن تحقق على الإطلاق.. ويتم إدخال هذا الدخل كطرح في معادلة التسعير.

 

أسعر الفائدة… كرة ثلج تتضخم

 

   طبعا لا تكتفي مؤسسات التمويل الأصغر بتسعير يبالغ في ادخال عناصر كثيرة في معادلة التسعير، بل تقر دراسة عرضية- رقم 1- نوفمبر 2002، أن احتساب معدل الفائدة الفعلي يشهد جملة أساليب يمكن من خلالها لمؤسسات التمويل الأصغر أن تضخم ما تعتصره من المقترض:

   يمكن الرفع من التكلفة الحقيقية للجهة المقترضة، والدخل الحقيقي لمؤسسة الإقراض من حافظة قروضها، بصورة كبيرة من خلال ممارسات مثل:

* حساب الفائدة على القيمة الاسمية الأصلية للقرض، بدلا من الأرصدة المتناقصة التي تظل فعليا في حوزة المقترض مع سداد أقساط متتالية من أصل المبلغ (تسمى الطريقة الأولى سعر الفائدة “الموحدة”)؛ أي اعتماد السعر الثابت وهو سعر فائدة يتم حسابه خلال أجل القرض باستخدام مبلغ القرض الأصلي، مع أن المبلغ يتناقص باستمرار في يد المقترض. فإن السعر الثابت %15 يعادل حوالي %29 على أساس سعر فائدة فعلي سنوي.

* اقتضاء سداد الفائدة في بداية القرض (كحسم من أصل المبلغ المدفوع إلى الجهة المقترضة)، بدلا من توزيع دفعات الفائدة خلال مدة القرض؛

* تقاضي “عمولة” أو “رسم” إضافي إلى الفائدة؛

* اشتراط سعر فائدة شهري، لكن مع تحصيل أصل المبلغ والفائدة أسبوعيا، باعتبار أن أربعة أسابيع تمثل شهرا؛

* اقتضاء أن يتم إيداع جزء من مبلغ القرض لدى الجهة المقرضة كمدخرات إجبارية أو كرصيد تعويضي[49].

 

   وقد شهدنا نفس الإواليات هنا بالمغرب كما صرح بناصر الإسماعيلي في حوار له مع جريدة المساء: “عند هذه الجمعيات لا تحدد نسبة الفائدة، فإذا كانت نسبة الفائدة قد تصل في البنوك، في أقصى الأحوال، إلى 11 في المائة، فإن نسبة الفائدة في هذه الجمعيات تصل إلى أرقام خيالية لا يمكن لعاقل أن يتصورها، لتصل إلى 20 في المائة و22 في المائة و40 في المائة و70 في المائة، بل وإلى 140 في المائة أحيانا.. ووجدنا حالة وصلت فيها نسبة الفائدة إلى 300 في المائة، ولدينا كل الملفات التي تؤكد ما نقول..”.

   إن التمويل الأصغر يستمر في استنزاف الدجاجة، وعندما يعمي بريق البيض الذهبي عينيه، يذبح الدجاجة قصد الاستئثار بالذهب مرة وإلى الأبد.. وهنا يقع الانهيار.

     

نموذج مؤسسة “زاكورة” سابقا

 

   كانت نسبة الفائدة سنة 2008 تبدأ عند مؤسسة “زاكورة” من %12 وتزداد مع طول مدة القرض وتختلف حسب نوعيته، فعن 5000.00 درهم يضطر الزبون الحاصل على قرض المقاولة الصغيرة لإرجاع مبلغ 5610.00 درهم مدة 6 أشهر أي بزيادة %12.2 و 5751.00 لمدة 9 أشهر أي بزيادة نسبة %15.02 و 5907.00 مدة سنة بزيادة %18.14 ومبلغ 6210 مدة 18 شهر أي بنسبة %24.2 ومبلغ 6504.00 درهم مدة عامين أي بزيادة نسبة %30.08 ومبلغ 6240.00 درهم مدة 30 شهر أي بزيادة نسبة %24.8 فيما يصل المبلغ مدة ثلاثة سنوات إلى 7164.00 أي تصل النسبة إلى %43.28 من القرض الممنوح للزبون.

 

خرافة المنافسة التي تخدم الفقراء

 

   المنافسة بالنسبة للمجموعة الاستشارية ستخدم الفقراء لأنها ستدفع مؤسسات التمويل الأصغر لخفض أسعار الفائدة؛ “من المتوقع بوجه عام أن يفيد المستهلكون من احتدام المنافسة إذ يتاح لهم الاختيار من بين مجموعة أوسع نطاقا من الأدوات الملائمة والجهات المقدمة للخدمات، وتحسين الخدمات وانخفاض الأسعار”[50].

   لكن المجموعة تجيب بالعكس في نفس المذكرة: “ظلت أسعار الفائدة على القروض الصغرى مرتفعة للغاية في بعض البلدان التي يعتبر التمويل الأصغر فيها مجالا تنافسيا. فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط أسعار الفائدة على القروض في بنغلاديش ثابتا عند %15 لسنوات عديدة، وذلك رغم أن المنافسة تدور رحاها بين المئات من مؤسسات التمويل الأصغر”[51].

   وتشير نفس المذكرة إلى اعتراض سياسيين وكذا بعض الناشطين لهذا الوضع بالانتقاد. بل وصل الأمر إلى اتخاذ إجراءات تدخلية مثل فرض سقوف أو حدود قصوى لأسعار الفائدة بغية معالجة الإخفاق الواضح للحلول التي تستند إلى قوى السوق. ففي بنغلاديش مثلا، حددت مؤسسة PKSF المهيمنة التي تساندها الدولة في الفترة الأخيرة الحد الأقصى لأسعار فائد المبالغ المعاد إقراضها لمؤسسات التمويل الأصغر المتعاملة معها بواقع %12.5 سعرا ثابتا.

 

أخلاقية المرابي

 

   سعيا منها لإزاحة المسؤولية الأخلاقية عن كاهل مؤسسات التمويل الأصغر، تقر المجموعة الاستشارية بأن مؤسسات قطاع القروض الصغرى لديها “أيضا شواغل أخلاقية: هل ينبغي عليهم تحميل عملائهم الفقراء عبء فائدة بهذا المعدل المرتفع، حتى إذا كان معظم المقترضين على استعداد وقادرين على سدادها؟”. وتجيب المجموعة بكل صفاقة؛ “هناك عدد كبير من الشواهد العملية على أن هناك عددا ضخما من المقترضين الفقراء يستطيعون بالفعل دفع أسعار فائدة على مستوى مرتفع بدرجة تكفي لدعم استدامة مؤسسة التمويل الأصغر” وتزايد المجموعة بتفاؤل مفرط: “لا تشير هذه المذكرة الرائعة إلى أنه لا يوجد حد لأسعار الفائدة يمكن لأسواق الائتمان احتماله. لكنها تقترح أن هذا الحد من الممكن أن يكون أعلى بكثير حتى مما يمكن أن تتقاضاه مؤسسات التمويل الأصغر”.

   وقد جاءت أزمة عدم الأداء عقب الأزمة الاقتصادية لتدمر هذه اليقينيات التي تشبه كثيرا اليقينيات الدينية إن لم تكن تفوقها إطلاقية، رغم انتمائها لعصر ما بعد الحداثة.

 

أسطورة القدرة على الأداء

 

      قدرة الفقراء- ليس الفقراء المدقعين طبعا- على أداء قروض بنسب فائدة خيالية، تعتبر من بين الأساطير التي روجت لها المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء؛ “أظهرت أساليب جديدة للتمويل الأصغر بعض النتائج الملحوظة على مدى العقدين الماضيين. خاصة في فضح زيف المعتقدات الخاطئة حول الائتمان المقدم للفقراء. فقد أصبحنا ندرك الآن أن الفقراء سيقومون بسداد القروض التي حصلوا عليها بدون ضمانات بكل أمانة، وأنهم لديهم العزم والقدرة على دفع التكاليف الكاملة لتقديم تلك الخدمة”[52].

   إن المقترض مجبر على الأداء لأنه يجد نفسه في دوامة جهنمية تفرض عليه المزيد من الاقتراض وهو ما اعترفت به المجموعة ذاتها: “نجد أن المقترضين ملتزمون بالسداد في المواعيد المقررة حتى يتسنى لهم الحصول على قروض أخرى في المستقبل”[53].

   جاءت أزمة عجز المستدينين عن الأداء لتضرب في الصميم هذه الشعارات الدعائية التي تستعملها المجموعة كدعامة لتوطيد قطاع التمويل الأصغر عبر العالم، وتحولت من نغمة القدرة على الأداء إلى مسؤولية العاجزين عن ذلك.

   يشير تقرير للبنك الدولي صادر في فبراير 2009 إلى أن “نطاق وعمق وامتداد الأزمة الحالية يشكل خطرا، خاصة على المؤسسات التي تعتمد على التمويل من البنوك المحلية والعالمية. وتشعر المؤسسات الموجودة في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بوجه خاص بوطأة هذه الضائقة. فحافظة المشاريع التي تواجه خطرا (نسبة المقترضين المتأخرين لمدة 30 يوما في سداد القروض) بالنسبة للمائة وخمسين مؤسسة التي تحتل الصدارة زادت من 1.2 في المائة قبل الأزمة إلى ما بين 2 إلى 3 في المائة في الوقت الحالي.

   نفس الوقائع بالمغرب من حيث تم تسجيل نسب عالية من عدم القدرة على الأداء ففي إحصائيات عن 2012 كشف بنك المغرب أن القروض الخطرة، وهي التي يعجز الأشخاص على ردها، بلغت حوالي 34 مليار درهم خلال نهاية ماي بعد أن بلغت أزيد من 32 مليار درهم خلال النصف الأول من 2011[54].

 

الفقراء مسؤولون عن نسب الفائدة العالية

 

   لا تفوت المجموعة مناسبة تقييم عقود التمويل الأصغر، لتحمل الفقراء جزءا من مسؤولية نسب الفائدة العالية- وترجع سبب ذلك الارتفاع إلى اختيارات الفقراء الطوعية التي لا يجبرهم على اتخاذها أحد. تفترض المجموعة أن الزبائن/ العملاء يقومون “بمقارنة فائدة الإقراض الأصغر مع التكاليف الكلية للمشروع وتكاليف إعالة الأسرة والتدفقات النقدية الخاصة بهم وبدائل التمويل غير الرسمية، ويعتبر الفقراء أن الحصول على القرض أكثر أهمية من تكلفة الفائدة”[55]. وهو ما أشار إليه المحامي سعيد بنسعيد في حوار مع جريدة السماء: “يتعلق الأمر نظريا بنوع من العقود الرضائية نظريا، على اعتبار أن المقترض يملك القح في مناقشة كافة بنود العقد، خاصة ما تعلق منها بنسب الفائدة وعدد الأقساط ومجموع ما يدفعه”[56].

   وهو تقييم ستعمل المجموعة على تسويغه مرة أخرى بتحميل المقترضين مسؤولية جهلهم وأميتهم، إن لم يكن طمعهم الشديد إلى المال: “يقوم أساس الائتمان الأصغر الحديث على الاعتقاد بأن العملاء الفقراء يتحرقون شوقا إلى الائتمان حتى أن شاغلهم الرئيسي هو مجرد الحصول عليه وليس أسعار الفائدة”[57]. وما دام الاقتصاد الرأسمالي تحينا للفرص وحسن استغلالها فمن حق مؤسسات القروض الصغرى استغلال عطش “المفقرين” للمال لتحقيق دين وديدن رأس المال: “الربح الأقصى”.

   إن الفقراء كما وصفتهم المجموعة “معرضون لمزيد من الفقر فهم ينتقلون من كارثة إلى أخرى. والتمويل الأصغر يمكنهم من إدارة المخاطر والاستفادة من الفرص بشكل أفضل”، وبالتالي فإنهم لن يفكروا في العواقب المستقبلية لقرض سيحل مشكلة آنية، والمجموعة تبرر ذلك بشكل صريح: “إن العملاء على وعي بالأسعار ولكن قليلا منهم من يتصرف على هذا الأساس”[58].

   ولا تخلو تقارير المجموعة مما يدينها ويدفع عن الفقراء العاجزين عن السداد تهمة المسؤولية: “تتطلب مقارنة أسعار الفائدة (ثابتة مقابل فعلية، ومركبة شهريا مقابل سنويا الخ) أن يكون لدى المقترضين مستويات من المعرفة المالية لا تتوفر على نطاق واسع حتى في بعض البلدان المتقدمة”[59]. نفس الشيء أوضحه المحامي في هيئة مكناس سعيد بنسعيد في نفس الحوار  مع جريدة المساء: “غير أن ما يقع عمليا هو أن المقترض، وبالنظر إلى الوضعية الاجتماعية الصعبة التي يمر منها، لا يجد بدا من توقيع عقود هي عبارة عن نماذج منجزة مسبقا من طرف الخبراء القانونيين للجمعية، وتتضمن بنودا وشروطا تحمي- في المقام الأول- مصالح وحقوق الجهة المقرضة، ذلك أنه بإطلالة بسيطة من طرف إنسان عادي ليست له دراية بالقانون على نماذج عقود السلف سيلاحظ غياب الإشارة إلى نسبة الفائدة وعدد الأقساط ومختلف البنود التي تمس الحقوق المالية للمقترضين، وكل هذه الملاحظات تجعل هذه العقود تتحول من عقود رضائية إلى عقود “إذعان”[60].

 

يجب النضال من أجل إلغاء قطاع القروض الصغرى

 

   رغم عقود من تواجد مؤسسات التمويل الأصغر إلا أن ادعاء البنك الدولي محاربته للفقر تصطدم بواقع ازدياد نسب الفقر، وإثقال كاهل المقترضين بالتزامات إضافية متمثلة في خدمة القروض التي تم صرفها في نفقات استثنائية وليس في خلق مشاريع صغيرة مدرة للدخل.

   إن ما تسميه المجموعة الاستشارية بآثار الديون الاجتماعية لا يظهر منها إلا وجهها السلبي، وحتى المجموعة لا تستطيع تقديم وقائع حقيقية حول الوجه الإيجابي لهذه الآثار الاجتماعية. وتتذرع المجموعة بكون التقييم في مراحله المبكرة: “”أما إعداد التقارير عن الثمار التي يجنيها العملاء فما زال في مراحله المبكرة للغاية، حيث لا يتمكن سوى القليل من مؤسسات التمويل الأصغر من إجراء تقييم دقيق لمدى تحقيقها للأهداف التي أعلنتها. فعلى سبيل المثال على الرغم من ذكر %84 من مؤسسات التمويل الأصغر التي ترفع تقاريرها إلى ميكس [“تبادل معلومات التمويلات الصغرى”] أن من أهدافها الحد من الفقر، إلا أن %10 فقط كانت لديها أنظمة مفعلة لتتبع التقدم الذي يحرزه العملاء للخروج من براثن الفقر”[61].

   وتقر المجموعة في إحدى مذكراتها حول تقييم أثر الإقراض الأصغر، أن خدمات هذا الأخير التي صممت من أجل المشروعات الصغرى التي تتمتع بحجم أعمال كبير جاءت عكس المأمول؛ فـ”الشواهد توضح أن الزبائن/ العملاء يقومون بتحويل هذه القروض لاستخدامها في أغراض مختلفة مثل المصروفات الطبية والجنائز ورسوم المدرسة”[62].

   يظهر إذن من تقييم المجموعة ذاتها أن الفقراء يستعملون المبالغ المقترضة لتغطية مصاريف الخدمات العمومية التي تخلت الدولة عن تمويلها بإيعاز من البنك الدولي، وبالتالي فإن محاربة الفقر لا يمكن أن تتم بإجراءات ترقيعية، بله بإجراءات ستعمق مستوى الفقر الواقع وتضيف أعباء تكاليف القروض إلى المعيشة النكدة أصلا.

   ولا تملك المجموعة الاستشارية حلا للمآسي التي سببتها مؤسسات التمويل الأصغر، ولا حلا للأزمات التي تعصف بالقطاع إلا ما سمته “إيجاد أنسب التدابير للتخفيف من آثارها”[63].. فالحل الجذري لذلك يقع خارج نطاق منظور هذه المؤسسة وعرابها البنك الدولي.

   محاربة الفقر لا يمكن أن تتم إلا بوقف إجراءات الهجوم النيوليبرالي التي يرعاها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.. كما لا يمكن لمؤسسات إقراض غرضها الربح أن ترفع مستوى معيشة الفقراء لذلك لا بد من المطالبة بإلغائها وإصدار قانون يمنع القطاع الخاص من الاستثمار في قطاع الائتمان الموجه للفقراء.

   النضال من أجل ووقف سداد الديون الخارجية ورفع الميزانية العمومية الموجهة للخدمات العمومية وباقي القطاعات الاجتماعية وضمان مجانيتها ودعم المنتجين الصغار وإلغاء اتفاقيات التبادل الحر التي تدمر الإنتاج الصغير.. كلها إجراءات ستوفر إمكانية محاربة الفقر.

   وكل هذا لا يمكن أن يأتي إلا بتطوير الاحتجاج وتعميقه.

13 غشت 2014

         

الحواشي


[1].  الكتاب الأبيض للقروض الصغرى بالمغرب.

[2] . “مؤسسات القروض الصغرى بالمغرب بين محاربة الفقر وتكريس الديون”، موقع العربية الالكتروني،  11 نوفمبر 2010.

[3] . التقرير السنوي للمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء، سنة 2005.

[4] . موقع مجموعة البنك الدولي، 12 فبراير 2009.

[5] . موقع مجموعة البنك الدولي، “المشروعات الصغرى والصغيرة: تعزيز الحصول على التمويل في مصر”. 2014/01/14.

[6] . موقع مجموعة البنك الدولي، 12 فبراير 2009.

[7] . موجز الجهات المانحة. رقم 2- أبريل 2002، “الإقراض الأصغر كواحدة من إستراتيجيات التدخل العديدة”.

[8] . موجز للجهات المانحة، رقم 13- يوليو 2013، “أثر التمويل الأصغر”.

[9] . موجز الجهات المانحة. رقم 2- أبريل 2002، “الإقراض الأصغر كواحدة من إستراتيجيات التدخل العديدة”.

[10] . موقع جريدة العلم على النت.

[11] . “جائزة نوبل للنيوليبرالية؟ خرافة القروض الصغيرة”، الكسندر كوكبورن، 7 ديسمبر 2006، موقع المناضل-ة.

[12] . التقرير السنوي للمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء لسنة 2005.

[13] . “تحطيم الحواجز بين التمويل الأصغر والنظام المالي الرسمي”، إليزابيث ليتلفيد وريتشارد روزنبرغ.

[14] . الكتاب الأبيض للقروض الصغرى بالمغرب.

[15] . مذكرة مناقشة مركزة رقم 33- فبراير 2006، المنافسة وأسعار فائدة الائتمان الأصغر، الاستشاري ديفيد بروتيوس، مدونة المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء.

[16] . دراسة عرضية- رقم 6- يناير 2002، “المؤسسات الرئيسية في مجال التمويل الأصغر”، موقع المجموعة الاستشارية…

[17] . التقرير السنوي للمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء لسنة 2005،  كلمة المديرة إليزابيث ليتلفيلد.

[18] . مذكرة مناقشة- رقم 73- سبتمبر 2011، التمويل المسؤول: تفعيل المبادئ، كاثرين ماكي، إستيل لاهاي، نتونيك كونينغ، موقع المجموعة.

[19] . مذكرة مناقشة- رقم 73- سبتمبر 2011، التمويل المسؤول: تفعيل المبادئ، كاثرين ماكي، إستيل لاهاي، نتونيك كونينغ، موقع المجموعة.

[20] . مذكرة مناقشة- رقم 73- سبتمبر 2011، التمويل المسؤول: تفعيل المبادئ، كاثرين ماكي، إستيل لاهاي، نتونيك كونينغ، موقع المجموعة.

[21] . تيمور عبد العزيز رئيس فريق عمل المشروع بالبنك الدولي، موقع مجموعة البنك الدولي، بيان صحفي، 2013/07/25.

[22] . “تحطيم الحواجز بين التمويل الأصغر والنظام المالي الرسمي”، إليزابيث ليتلفيد وريتشارد روزنبرغ، 2004، موقع المجموعة الالكتروني.

[23] . “تحطيم الحواجز بين التمويل الأصغر والنظام المالي الرسمي”، إليزابيث ليتلفيد وريتشارد روزنبرغ، 2004، موقع المجموعة الالكتروني.

[24] . “تحطيم الحواجز بين التمويل الأصغر والنظام المالي الرسمي”، إليزابيث ليتلفيد وريتشارد روزنبرغ، 2004، موقع المجموعة الالكتروني.

[25] . هسبريس، 31/ 05/ 2011

[26] . مذكرة مناقشة رقم 61- فبراير 2010، “النمو ومواطن الضعف في مجال التمويل الأصغر”.

[27] . مذكرة مناقشة مركزة رقم 33- فبراير 2006، المنافسة وأسعار فائدة الائتمان الأصغر، الاستشاري ديفيد بروتيوس.

[28] . مذكرة مناقشة مركزة رقم 33- فبراير 2006، المنافسة وأسعار فائدة الائتمان الأصغر، الاستشاري ديفيد بروتيوس.

[29] . مذكرة مناقشة- رقم 73- سبتمبر 2011، التمويل المسؤول: تفعيل المبادئ، كاثرين ماكي، إستيل لاهاي، نتونيك كونينغ).

[30] . مذكرة مناقشة رقم 61- فبراير 2010، “النمو ومواطن الضعف في مجال التمويل الأصغر”.

[31] . مذكرة مناقشة رقم 61- فبراير 2010، “النمو ومواطن الضعف في مجال التمويل الأصغر”.

[32] . مذكرة مناقشة رقم 61- فبراير 2010، “النمو ومواطن الضعف في مجال التمويل الأصغر”.

[33] . مذكرة مناقشة رقم 61- فبراير 2010، “النمو ومواطن الضعف في مجال التمويل الأصغر”.

[34] . .موقع مجموعة البنك الدولي الالكتروني،12  فبراير 2009.

[35] . “خدعة القروض الصغرى : تنمية مكبلة”، المناضل-ة عدد: 27، 12 يوليو 2010.

[36] . مذكرة مناقشة رقم 61- فبراير 2010، “النمو ومواطن الضعف في مجال التمويل الأصغر”.

[37] . مذكرة مناقشة- رقم 73- سبتمبر 2011، التمويل المسؤول: تفعيل المبادئ، كاثرين ماكي، إستيل لاهاي، نتونيك كونينغ.

[38] . مذكرة مناقشة- رقم 73- سبتمبر 2011، التمويل المسؤول: تفعيل المبادئ، كاثرين ماكي، إستيل لاهاي، نتونيك كونينغ.

[39] . مذكرة مناقشة رقم 61- فبراير 2010، “النمو ومواطن الضعف في مجال التمويل الأصغر”.

[40] . “مؤسسات القروض الصغرى بالمغرب بين محاربة الفقر وتكريس الديون”، موقع العربية الالكتروني،  11 نوفمبر 2010.

[41] . مذكرة مناقشة رقم 61- فبراير 2010، “النمو ومواطن الضعف في مجال التمويل الأصغر”.

[42] . “مؤسسات القروض الصغرى بالمغرب بين محاربة الفقر وتكريس الديون”، موقع العربية الالكتروني،  11 نوفمبر 2010.

[43] . موجز الجهات المانحة، رقم 6- سبتمبر 2002، المساعدة في تحسين فعالية الجهات المانحة في مجال التمويل الأصغر، منطقية أسعار الفائدة في الإقراض الأصغر.

[44] . موجز الجهات المانحة، رقم 6- سبتمبر 2002، المساعدة في تحسين فعالية الجهات المانحة في مجال التمويل الأصغر، منطقية أسعار الفائدة في الإقراض الأصغر.

[45] . دراسة عرضية- رقم 6- يناير 2002، المؤسسات الرئيسية في مجال التمويل الأصغر.

[46] . دراسة عرضية- رقم 6- يناير 2002، المؤسسات الرئيسية في مجال التمويل الأصغر.

[47] . موجز الجهات المانحة، رقم 6- سبتمبر 2002، المساعدة في تحسين فعالية الجهات المانحة في مجال التمويل الأصغر، منطقية أسعار الفائدة في الإقراض الأصغر.

[48] . موجز الجهات المانحة، رقم 6- سبتمبر 2002، المساعدة في تحسين فعالية الجهات المانحة في مجال التمويل الأصغر، منطقية أسعار الفائدة في الإقراض الأصغر.

[49] . دراسة عرضية- رقم 1- نوفمبر 2002، “أسعار الفائدة على الائتمان الأصغر “.

[50] . مذكرة مناقشة مركزة رقم 33- فبراير 2006، المنافسة وأسعار فائدة الائتمان الأصغر، الاستشاري ديفيد بروتيوس.

[51] . مذكرة مناقشة مركزة رقم 33- فبراير 2006، المنافسة وأسعار فائدة الائتمان الأصغر، الاستشاري ديفيد بروتيوس.

[52] . “تحطيم الحواجز بين التمويل الأصغر والنظام المالي الرسمي”، إليزابيث ليتلفيد وريتشارد روزنبرغ.

[53] . مذكرة مناقشة مركزة رقم 35- أبريل 2006، فاعلية المعونات في التمويل الأصغر.

[54] . “القروض الصغرى.. فوضى مالية تخلف ضريبة اجتماعية ثقيلة”، محمد بلقاسم، هسبريس، 18 غشت 2013.

[55] . موجز الجهات المانحة، رقم 6- سبتمبر 2002، المساعدة في تحسين فعالية الجهات المانحة في مجال التمويل الأصغر، منطقية أسعار الفائدة في الإقراض الأصغر.

[56] . جريدة المساء، 30/ 11/ 2012

[57] . مذكرة مناقشة مركزة رقم 33- فبراير 2006، المنافسة وأسعار فائدة الائتمان الأصغر، الاستشاري ديفيد بروتيوس.

[58] . مذكرة مناقشة مركزة رقم 33- فبراير 2006، المنافسة وأسعار فائدة الائتمان الأصغر، الاستشاري ديفيد بروتيوس.

[59] . مذكرة مناقشة مركزة رقم 33- فبراير 2006، المنافسة وأسعار فائدة الائتمان الأصغر، الاستشاري ديفيد بروتيوس.

[60] . جريدة المساء، 30/ 11/ 2012.

[61] . مذكرة مناقشة- رقم 73- سبتمبر 2011، التمويل المسؤول: تفعيل المبادئ، كاثرين ماكي، إستيل لاهاي، نتونيك كونينغ.

[62] . موجز للجهات المانحة، رقم 13- يوليو 2003.

[63] . مذكرة مناقشة رقم 61- فبراير 2010، “النمو ومواطن الضعف في مجال التمويل الأصغر”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى