الديون

الفضاء العمومي المغربي والحاجة إلى الديمقراطية

الفضاء العمومي المغربي والحاجة إلى الديمقراطية

في ظل تنامي ثورة الشعوب في العالم جراء غزو السياسات النيوليبرالية1 التي طبقتها الامبرياليات العالمية على الشعوب وما رافقها من تدمير للسيادة وتجاوز للدولة ـ الأمة، وتقهقر للأوضاع المعيشية لملايير المواطنين في العالم، لم يكن من خيار غير صعود المقاومة المواطنة التي تعززت منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي في كل الأماكن. هكذا بدأت المقاومة تسير إلى الأمام بظهور حركات اجتماعية جديدة لم تكن معهودة في السابق. وتشكل حركة 20 فبراير أحد الحركات المتنامية في سياق خاص والتي ساهمت في انتعاشة الفضاء العمومي المغربي.

سنعمل في هذا المقال على بيان أوجه المقاومة الجديدة محليا وعالميا، لرصد دورها المحوري في انتعاشة الفضاء العمومي المحلي بما هو جزء من “الفضاء العابر للأوطان” بتعبير نانسي فرايزر Nancy Fraser 2.

العولمة والمقاومة المواطنة الجديدة:

كان من نتائج انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين تعاظم مكانة الامبرياليات العالمية في الصراع الاجتماعي وبسط هيمنتها الكليانية على الطبيعة والبشر معا، حيث قادت تحالفاتها الى بناء مؤسسات دولية جديدة تسهل عملية السطو المتنامي على ثروات العالم باقل تكلفة ممكنة وضمان السيطرة المطلقة على الشعوب لإرساء اسس عالم جديد معولم تحت شعار “نظام عالمي جديد” يقوم على الاستعباد البربري.

تتصارع قوى الامبريالية على الظفر بالنصيب الاوفر من موارد العالم، الا ان هذه القوى وبالنظر الى مصالحها المباشرة استطاعت ولأول مرة عقد  اتفاقات و تعاقدات سياسية متفاوض حولها في القمم العالمية (وتحديدا قمة مجموعة الثمانية G8 ) لتفادي خطر ولادة مقاومة جذرية تقف في وجه تلك القوى. فاذا كان من معنى لانهيار الاتحاد السوفياتي في نظر تلك القوى، فهو معنى القضاء على الروابط القائمة بين القوى النقيض التي تغذي وتسير المقاومات الاجتماعية والسياسية المناهضة لمصالح الامبرياليات.

ترمي السياسات النيوليبرالية التي قدمتها مؤسسات بروتن وودز Brotn woods (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) بإيعاز من المدرسة النيوليبرالية وبدعم من كل انظمة الامبريالية العسكرية والقانونية والسياسية التي وفرت الوسائل اللازمة لسير تلك المخططات بحذافيرها. ترمي هذه السياسات الى ضمان مصالح الامبرياليات في ادق تفاصيلها. ولكنها في الان ذاته لم تلتفت الى نتائجها الكارثية التي دمرت تصورا للعالم يقوم على اسس “فلسفة التنوير” أي على العقلنة والتنظيم المحكم، ولم تقدم بديلا فلسفيا جديدا قادرا على بناء العالم وفق تصور مغاير. وهو الامر الذي يعبر أيما تعبير عن الأزمة الايديولوجية للبرجوازية التي لم تساير و لن تساير بتاتا الثورة العلمية المتنامية على صعيد الفكر النظري – الفلسفي.

تتجاذب الايديولوجية البرجوازية اليوم قوتين سيظل الصراع بينهما قائما وسيتعزز اكثر مع عدم قدرتها على بناء النموذج الجديد او نمط ايديولوجي يزكي و يساير تطور البشرية اليوم. ويتعلق الأمر هنا بالمدرسة اللبيرالية والمدرسة النيو ليبرالية. وهو صراع لا يعبر حتما الا عن ازمة البرجوازية العالمية ككل، ولا يمكن ان يصل الى أي نتيجة مالم تستطيع القوى النقيض بلورة تصور بديل يكون قاعدة الحركات الاجتماعية المتنامية وعصب المقاومات الجديدة.

استتبع تطبيق السياسات النيوليبرالية تدهور حقيقي في أوضاع الشعوب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، انعكس  على بنيان المجتمع القائم على أسس العقلنة والنظام المحكم، هكذا بدأنا نشاهد يوما عن يوم انهيار أدوات التنشئة الاجتماعية والثقافية، والبنيات الاقتصادية (الصناعية والفلاحية والخدماتية). فالتفكك المتسارع للمؤسسات المحلية لصالح مؤسسات جهوية – اقليمية ودولية سيؤدي حقا الى فقدان معنى السيادة، وهو ما اثر ايضا على الفعل السياسي والاجتماعي برمته، “فالحركات الاجتماعية الجديدة” 3 تتجه أكثر فأكثر نحو التدويل، أي نحو الاهتمام بالقضايا الدولية أكثر من اهتمامها بالقضايا المحلية الجزئية لأنها تدرك أن أي حل لمشاكل الشعوب اليوم ليس بيد الدول – الأمم (الدول الوطنية)، وإنما هو بيد مؤسسات “الدولة العالمية” أو “الحكومة العالمية” أو ما يصطلح عليه في الفلسفة السياسية ب “ما بعد الدولة – الأمة” 4.

تسارع الامبرياليات العالمية نحو بناء “الحكومة العالمية” من خلال مؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية ومالية من أهمها مجموعة الثمانية التي لا تنتخب ولا يصوت عليها ولا تستند لأية مشروعية قانونية – تأسيسية ولا لأية شرعية دينية أو سياسية أو تاريخية 5، وهو بناء لن يتم إلا عبر مؤسسات عالمية تعزز سيطرتها يوما عن يوم، رغم التناقضات الحقيقية التي تجعل الامبرياليات تتسارع اليوم إلى إعادة تقسيم العالم عبر التحكم في الطبيعة والبشر معا.

خاصية التدويل التي تسم الحركات الاجتماعية الجديدة ومعظم المقاومات هنا وهناك، تترافق بخصائص أخرى لا تقل أهمية عن تلك، وتتمثل في بنيات تلك الحركات وفي ميكانيزمات وآليات اشتغالها وطبيعة القاعدة الاجتماعية التي تستند عليها، وما يرافق ذلك من تنوع ثقافي وإيديولوجي ولغوي وسياسي، وتبادل حقيقي للمعلومات والتجارب وتعظيم أدوار القوى الجديدة التي منحتها المنتديات الجديدة (السياسية والاجتماعية: وعلى الأخص المنتدى الاجتماعي العالمي، ومنتديات الأنترنيت) شرعية حقيقية. وإذا كانت خاصية التدويل هي السمة الأبرز فإن ذلك يجعل تلك الحركات دون معبر سياسي واحد أوحد  – كما كان عليه الأمر في السابق – مما يندر أكثر بتعاظم التفاوت بين الفعل السياسي والفعل الاجتماعي، إن لم نقل أن الفعل السياسي والسعي وراء التحكم السياسي في الحركات الجديدة أمر غير ممكن ومستحيل لاعتبارات ترتبط بخصائصها وببنياتها وميكانيزماتها وآليات اشتغالها. وما أحوجنا اليوم إلى إدراك عمق هذه التحولات لرصد أثرها في المقاومات المحلية.

ربيع الشعوب والفضاء العمومي:

تفعل كل المعطيات السالفة على الدفع أكثر بنمو المقاومات المحلية بنفس جديد لا يقبل المساومة. فإذا كان من نتائج السياسات النيوليبرالية تدمير بنيان المجتمعات الرأسمالية ذاتها، فإن هذا الدمار يتعمق أكثر حينما يتعلق الأمر بالعالم الثالث. مما سمح بولادة دينامية اجتماعية وسياسية جديدة لا تستطيع القوى السياسية او الفعل السياسي برمته مسايرتها، وهو ما يعني عمليا انبثاق فعل اجتماعي جديدة بآليات جديدة وبنفس جذري غير منظور.     

الفضاء العمومي الكلاسيكي والفضاء العمومي الجديد:

يتضح بجلاء أنه لا مجال لنكران التفاوت الحاصل بين التصورات الكلاسيكية التي تحكم بنية الفضاءات العمومية (ونقصد أساسا تصور هابرماس وحنا ارندت Hannah Arendt والذي طغى منذ النصف الثاني من القرن العشرين إلى حدود بداية الألفية الثالثة)، وبين التصورات الجديدة الصاعدة التي تضفي على الفضاء العمومي معنى جديدا (ويمكن أن ندرج ضمن أهم الأطروحات هنا مقاربة نانسي فرايزر، بيتر سلوتردايك Peter  Sloterdijk*، ألان تورين، سوزان جورج، نعوم تشومسكي… وكل المنظرين المعاصرين المهتمين بالفعل الاجتماعي والسياسي المعاصر). فالفضاء العمومي المغاربي – على سبيل المثال لا على سبيل الحصر – ظل فضاءا مغلقا محكوما بسيطرة الأنظمة الكليانية عليه وتوجيهه لما يخدم مصالحها المادية المباشرة، وهو لا يستطيع الفكاك من آليات الدعاية وأدوات الهيمنة التي تتحكم فيها وتوجهها الأنظمة الاستبدادية بثقافتها الرجعية والمحافظة وبطقوس القرون الوسطى للحيلولة دون الدخول إلى الحداثة حتى، ناهيك عن تبني خيارات بديلة بإمكانها الرقي بمجتمعاتها إلى مستوى التقدم الذي بلغته الحضارة البشرية اليوم. حيث ترتكز “ممانعة” الطبقات الحاكمة في البلدان المغاربية على مصالحها المادية المباشرة من جهة، وعلى الضغط الذي تمارسه الامبريالية (وخاصة الأوروبية) لضمان التبعية من جهة أخرى.

وتتبع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة المغاربية نمط التحكم الكلياني – التوليتاري الذي أرسته أنظمة الفاشية والتجربة الستالينية، مع اختلاف طبعا في طبيعة القوى والتصورات العامة التي تحتكم إليها الأنظمة المغاربية. 6

حركة 20 فبراير وإعادة تملك الفضاء العمومي:

سنتوقف ها هنا أساسا على تجربة حركة 20 فبراير كنموذج من الحركات الجديدة في المنطقة المغاربية لإدراك عمق التحولات الحاصلة في الفضاءات العمومية المحلية، ولتجنب طابع التعميم أعلاه.

تمثل حركة 20 فبراير حالة فريدة من حالات المقاومة المتنامية في المنطقة المغاربية. فصحيح أن هذه الحركة ولدت في سياق دولي وجهوي خاص، إلا أنه لا ينبغي التبخيس من قيمة السياق المحلي الخاص أيضا، والذي يحكم تجربة هذه الحركة منذ ولادتها. وقد سبق وأن بينا (في مقال حركة 20 فبراير والحركات الاجتماعية) أن هذه الحركة ذي طبيعة سياسية من جهة، وذي طبيعة اجتماعية من جهة أخرى. فهي أول حركة سياسية في المغرب استطاعت أن تنزل إلى الشارع بمطالب سياسية واضحة لا نزاع في أن تحقيقها سيمثل ثورة سياسية بما في الكلمة من معنى. وفي الآن ذاته حركة اجتماعية تبنت مطالب مختلف الحركات الفاعلة في الصراع الاجتماعي بالمغرب على الأقل خلال العقد الأخير من القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة، مع العلم أن أغلب الحركات الاجتماعية منخرطة في الحركة في الوقت الذي تخلت فيه الحركة النقابية عن المشاركة والدعم المباشرين. فلنفهم إذن سمات الحركات الاجتماعية المتنامية في العقدين الأخيرين.

أولا: في الفعل السياسي

يتسم الفعل السياسي في المغرب بنوع من الركود، ساهمت فيه عوامل عدة أهمها:

  • خفوت الفعل اليساري بتياريه الاصلاحي والجذري (الثوري).
  • صعود حركات السلفية الرجعية 7.
  • ارتماء الملكية في أحضان الامبريالية والتقوية بذراعها السياسي وقوتها الاقتصادية وجناحها العسكري.

لقد عمل النظام السياسي على التحكم في اللعبة السياسية منذ تمكنه من القضاء على الانتفاضات العفوية التي فجرتها سياسة التقشف (التقويم الهيكلي) على التوالي: 1981، 1984، 1991، بحيث استطاع أن يلف حوله كل القوى اليمينية (الأحزاب الإدارية والجمعيات والنقابات الملحقة بها)، وأن يضمن أيضا بناء تكتل سياسي قوي تحت اسم “الكتلة الديمقراطية” التي أدمج في صفوفها الاتحاد الاشتراكي الذي ظل يشكل قوة سياسية أولى في المغرب. فإلى حدود دستور 1996 كان هذا الحزب يتحكم في الفعل السياسي بامتداده الجماهيري (النقابي والجمعوي…)، ومع بداية “حكومة التناوب” بدأ الخطاب اليساري يعرف تراجعا حقيقيا وقويا داخل الفعل الاجتماعي، مما أتاح الفرصة لانغراس حركات السلفية الرجعية التي عززت سيطرتها اليوم على الفعل الاجتماعي.

شكلت تجربة التناوب نكسة للفعل السياسي بالمغرب. وتنامت نزعة اللاتسييس وفقدان الثقة في الفعل السياسي عامة، مما أبعد العديد من القوى التي كانت مرتبطة بالمشروع اليساري عامة (أطروحة الاشتراكية)، بالإضافة إلى ما نتج عن تطبيق السياسات النيوليبرالية من تفكك في بنية المجتمع.

ثانيا: في الفعل الاجتماعي

أدى تطبيق سياسة التقويم الهيكلي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزت وساهمت في ولادة فعل اجتماعي من نوع جديد تشكل الحركات التالية عصبه:

1-                 حركة العاطلين بمختلف أطيافها.

2-                 حركة القرويين الاحتجاجية ضد: نزع الأراضي، تدهور القدرة الشرائية، وتدمير الخدمات الاجتماعية وانعدمها حتى كالتعليم والصحة، الطرقات، الماء والكهرباء…

3-       حركات المتضررين الاحتجاجية في الحواضر من أجل السكن اللائق، والتدهور البيئي وخوصصة الخدمات العمومية الاجتماعية: الماء والكهرباء، التعليم، الصحة (تطبيق نظام الاداء قبل العلاج: السيجما SEGMA)…

4-                 تنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.

5-                 النضالات الطلابية والتلاميذية من أجل تعليم عمومي ومجاني جيد وضد أوضاع التمدرس.

6-       تنسيقيات نقابية من نوع جديد: ذي طبيعة فئوية، أي نضالات الفئات في صفوف النقابة الواحدة وتنسيقها مع نفس الفئة من نقابات أخرى: الفئات في صفوف المدرسين في كل الاسلاك وهي الاكثر حدة وقوة بالنظر الى المشاكل العديدة والمعقدة التي يعرفها هذا القطاع منذ ثلاثة عقود خلت، موظفو الجماعات المحلية والبريد والاتصالات والعدل… وقد تعززت هذه التنسيقيات ببناء اتحادات جديدة فئوية وقطاعية ذات مطالب محددة. وقد أدى إلى هذا الوضع النقابي الجديد تحكم البيروقراطيات في القرار واختلال موازين القوى لصالح النظام السياسي ناهيك عن تفكك حزب الاتحاد الاشتراكي وأثره في تشتيت النقابة الاكثر كفاحية (كدش). فسيرورة التبقرط النقابي وتناقضات قياداتها أدت إلى فكاك العديد من القطاعات بقيادة طليعة جديدة متنامية، مدعومة بالقيادات الانتهازية، النفعية، والبرغماتية المنزع.

7-       الجمعيات التنموية: وإن كانت بادرة خلق هذا الفعل الجديد يعود إلى توجيهات الامبريالية العالمية ومباركة الانظمة السياسية المحلية لتخفيف وقع تأزم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، فإنها اتخذت منحى جديدا يروم بناء مقاومات قاعدية بفعل انخراط جزء مهم من جريجي الجامعات المسيسين (خاصة الطلبة اليساريين) الذين لم يرتبطوا بالعفل السياسي المباشر والذين تدمروا من خفوت حركة اليسار وعدم قدرتها على بلورة وحدة جذرية أو تحالف سياسي في نقاشات التجميع اواسط التسعينيات.

لا يسعنا المجال هنا للتدقيق أكثر في كل تفاصيل هذه الحركات وفي أشكالها الجديدة في الاحتجاج وقاعدتها الاجتماعية وطبيعة مطالبها لرصد بنياتها وآلياتها واستراتيجيات فعلها، ولكننا نؤكد أن ظهور هذه الحركات وتناميها يتسم بنوع من الحيوية ويتجه نحو التجذر لإدراكها عمق الأزمة الحقيقية ووقع المخططات الكبرى التي حيكت ضد الشعب المغربي إبان التناوب وبعده.

الفضاء العمومي والحركات الجديدة:

تركز نضال هذه الحركات في البوادي والحواضر على قدر متفاوت، ولكنها اتسمت بجرأة لا نظير لها، حيث افتتحت “الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب” الاحتجاج في الشارع بشكل جريء، بل إن ولادتها كانت في الشارع العام وهو مؤشر ينذر بتفاقم الأزمة السياسية وبغياب البديل السياسي القادر على توجيه النضال الاجتماعي صوب التغيير الاجتماعي الحقيقي (وقد التقطت فيما بعد تنسيقية Agir contre le chômage الأوروبية المعروفة اختصارا ب حركة AC هذه الولادة ودرست هذه التجربة ودشنت مشروعها الأول من نوعه في أوروبا بأكملها والمتعلق بالمسيرات الأوروبية ضد البطالة).

أدرك النظام  السياسي قوة حركة المعطلين، وعمل أول الأمر على نزع طابعها الكفاحي ومركزية نضالاتها عبر تشجيع مبادرات محلية للتشغيل بقيادة السلطات المحلية (التشغيل عبر الفروع)، وهكذا نجح قبل مجيء التناوب في تشتيت نضالات الجمعية في القرى والمدن مع سماحه بالتفافها مرة او مرتين في العاصمة ومواجهتها بالقمع الشرس لشل قدراتها واستنزاف امكاناتها. وفي المقابل للحيلولة ضد أي تحرك يهدف إلى مركزة النضال، ولقد ظلت آليتي القمع والاحتواء الاستراتيجية العامة للنظام مع الفعل الاجتماعي برمته منذ الاستقلال إلى اليوم، وإن بأشكال أكثر تطورا يوما عن يوم.

ليس المقصود هنا بالفضاء العمومي: الساحة أو الشارع… وإنما مجمل التجمعات العمومية التي تقع في الزمان والمكان لأشخاص يجتمعون في حركات اجتماعية أو سياسية… إلى جانب مجمل النقاشات العمومية 8 التي تثيرها وتفرصها تلك الحركات على الاعلام العمومي وفي كل الفضاءات المتاحة (المقاهي، الجامعات: أنظر مثلا تنامي نضالات الطلاب الى جانب المعطلين في اواسط التسعينيات او ما عرف بتنسيقيات الطلبة والمعطلين، داخل الأسر…) 9. لقد كان مجال الفضاء العمومي إلى حدود التسعينيات فضاءا منظما أفقيا وعموديا ومتحكم فيه وموجها عبر آليات الدعاية الرسمية (التحكم في الاعلام وفرض الرقابة على كل وسائله وأدواته، في الشارع، في كل الفضاءات العامة والخاصة وحتى الأكثر حميمية: التحكم في الاتصالات الفردية وفرض المتابعات الاستخباراتية على الافراد الفاعلين في النضال الاجتماعي والسياسي أو ما اصطلح عليه بيير بورديو ب “العنف الرمزي” الذي يقبل به الفاعلون الاجتماعيون وتمارسه الدولة وكانه عنف مشروع) بهدف السيطرة والهيمنة على العقول وضمان تنشئة اجتماعية تدمج الفرد في الجماعة المبنية على علاقات السيادة والعبودية لتأبيد التحكم الاستبدادي على المجتمع.

سارعت عملية الاحتجاج في الشارع وتناسل النقاش العمومي (بقيادة الصحافة المستقلة التي تمتعت إلى حد ما بحرية ممنوحة في اشتغالها)، مع الهامش المتاح لممارسة الحقوق المدنية (حرية التظاهر والتعبير: التي تضمنها عقد التناوب تحت يافطة طي صفحة الماضي)، سارعت في انطلاق دينامية جديدة غير معهودة من الفعل الاجتماعي المنظم بمقتضى قواعد جديدة وآليات فعل بديلة. وهكذا أمكننا القول إجمالا أن العقدين الأخيرين من تاريخ المغرب السياسي اتسم بمجمله بنضال اجتماعي وجماهيري واسع اتخذ في الاتساع يوما بعد يوم، ومكن القوى اليسارية الجذرية من تطوير تجاربها كرد فعل على خفوت الفعل السياسي.

أصبحنا أمام مفارقة حقيقية: خفوت الفعل السياسي الكلاسيكي، وتنامي الفعل الاجتماعي الجديد، مما سيؤدي حقا إلى ولادة فعل سياسي جديد أمامه تحد كبير: هل يستطيع الفعل السياسي الجديد أن يفهم الدينامية الاجتماعية الجديدة وأن يفكر في آليات جديدة لمواكبتها وتطويرها؟ أم أنه سيظل رهين الآليات الكلاسيكية والتطابق القديم بين الفعل السياسي والفعل الاجتماعي؟ إن رهان الفعل السياسي الجديد يقتضي فهم الفعل الاجتماعي الذي تبلور في حركات النضال اليوم لبلورة بدائل سياسية ممكنة.

حركة 20 فبراير: التعبير النوعي للنضال الاجتماعي والسياسي

أفرزت كل العوامل السالفة، نمطا جديدا من النضال السياسي والاجتماعي بالمغرب بالتزامن مع السياق الدولي ومع ولادة ربيع الشعوب، لذا فإن حركة 20 فبراير هي بدون منازع حركة سياسية واجتماعية في الآن ذاته.

اقتحمت حركة 20 فبراير الفضاء العمومي بكل عناصره الأساسية: الشارع، النقاش العمومي. وفرضت نفسها على المجتمع ككل، ولأول مرة يتنازل النظام في شخص الملك ويخاطب (خطاب 9 مارس 2011) حركة سياسية واجتماعية لا قيادة محددة لها. بالطبع لن نقف على كل الحيثيات المتعلقة بالحركة، ولكننا نروم بيان أن الحركة أفضت إلى ولادة فضاء عمومي جديد بالمغرب من سماته الأساسية:

–       نزع طابع الخوف؛

–       مناقشة القضايا العامة والخاصة عموميا؛

–   نزع القداسة عن قضايا الشأن العام السياسية وأصبحت سلطات الملك وطقوس الاستبداد (البيعة)، تناقش بحرية، وتنامت نزعة محاربة الفساد وتنمية الوعي الحقوقي المواطني في صفوف الشعب؛

–       مشاركة الكل عبر آليات تواصلية وتكنولوجية – اتصالية جديدة في كل النقاشات؛

–   نزع الحميمية عن الحياة الحاصة بفضل الوسائل التكنولوجية الجديدة، وبضغط من ميولات الشباب والاجيال الحالية التي نشأت في ظروف مغايرة وبوسائل جديدة وبأحلام وتطلعات مشروعة. وهو ما يجعل الهوة تتسع اكثر فأكثر بين الخاص والعام؛

–   تكريس قيم التنوع والمغايرة في الشارع حيث اختلط الكل بالكل” الذكور بالنساء، المثقفين بالعامة، أرباب العمل الصغار بالعمال، بل لأول مرة يلتقي في الشارع طيف ايديولوجي وسياسي متنوع: اليساريون، الليبراليون، السلفيون…؛

–   تنامي نزعة التسييس في صفوف الشباب وفي صفوف بعض الطلائع النضالية التي عاد إليها الأمل واتجهت إلى الفعل السياسي من جديد وبنفس مغاير؛

–       ظهور فن معاصر جديد في الشارع؛

–       توظيف الوسائل التكنولوجية الجديدة في نقل الوقائع بشكل غير منظور ويمكن أن ينافس قواعد الدعاية الرسمية؛

–       مشاركة الحركة في الاعلام العمومي من موقع القوة؛

–       اتخاذ الشباب لقرارات سياسية خارج الأحزاب السياسية بشأن القضايا الكبرى: الدستور والانتخابات؛

–       ظهور أبطال جدد لا تاريخ لهم وليسوا بحاجة إلى الأدوات الكلاسيكية ولا إلى أية مشروعية سياسية أو دينية أو تاريخية أو ايديولوجية؛

–       الربط بين الفعل السياسي والفعل الاجتماعي بنفس آخر، وإدراك الحركات الاجتماعية لأهمية النضال السياسي.

 

الفضاء العمومي وسؤال الديمقراطية:

أدمجت الأنظمة الحاكمة في المغارب سمفونية الديمقراطية لإضفاء شرعية على حكمها، فمنذ العقد الأخير من القرن الماضي سارعت تلك الأنظمة إلى العزف على الديمقراطية للظفر برضى القوى الامبريالية. ويمثل المغرب حالة فاقعة في المنطقة، بحيث يسعى إلى تلميع صورته في الخارج، على أن ممارسته في الداخل (سياسة القمع والانفراد بالحكم والتحكم في الاقتصاد والاستثمار…) تتعارض كليا مع الصورة “الديمقراطية” التي يسوقها في الخارج، لكن أية ديمقراطية ينسخ المغرب؟ وأي نموذج ديمقراطي لمغرب اليوم؟

استنسخ المغرب نموذج “الديمقراطية التمثيلية” التي عممتها الإيديولوجية البرجوازية (الليبرالية)، والتي تقوم على مبدأ الانتخاب والتمثيل النيابي الهرمي الخاضع للدستور الممنوح. إلا أن هذا النموذج التمثيلي لم يعد صالحا نظرا للأزمة الحقيقية التي يعيشها مع ولادة “النظام العالمي الجديد”، وهو الأمر الذي التفت إليه بعض الفلاسفة النقديين المعاصرين وأخضعوه للسؤال، مما ساهم في ظهور العديد من النقاشات والأطروحات حول “الديمقراطية البديلة”، لعل أهمها “الديمقراطية التشاركية” التي قدمتها تجارب دول أمريكا اللاثينية.

لن نقف هنا على كل الحيثيات المرتبطة بهذا النموذج وكل الانتقادات الموجهة لها (وخاصة الوجه الليبرالي الذي تعمل القوى الليبرالية الجديدة على إظهاره لهذا النموذج) لأن ذلك يقتضي مقالا خاصا. ولكننا في المقابل سنكتفي بالقول أن النمو المتسارع للحركات الاجتماعية الجديدة، وصعود المقاومات في وجه “الديمقراطية الليبرالية”، يفرض علينا اليوم – أكثر مما مضى – تدشين هذا النقاش، لأن معظم الأحزاب السياسية اليسارية في المغرب لا تزال رهينة النموذج الليبرالي، أي “الديمقراطية التمثيلية”، وتتصور أن عملية التغيير ممكنة من داخل مؤسسات الدولة، في حين أن الوضع العالمي اليوم يتجه صوب التحكم الكلياني في اللعبة السياسية، فأي دور يتبقى للحكومات و”الدول الوطنية”؟ هل يمكن أن نتصور حكومات مناهضة للسياسات النيوليبرالية؟

صحيح أن بعض التجارب في دول أمريكا اللاثينية قد راكمت (في العقد الأخير) مساهمات عدة في النقاش العمومي حول مسألة الديمقراطية وطرحت بدائل أخرى للتداول العمومي أهمها: التعاون الاقتصادي: جنوب – جنوب، الاقتصاد التضامني، إصلاحات فلاحية جذرية، سياسات اجتماعية حقيقية، تأميم المصانع الكبرى، نزع الأراضي المنهوبة من طرف البرجوازية، وقف تسديد الديون، التدقيق في الديون الكريهة وغير المشروعة، وقف بعض مصالح الإمبرياليات… إننا متخلفون جدا عن هذا النقاش وعن دراسة تلك التجارب، مما يستوجب بذل الجهد لفهمها ومناقشتها.

إذا كانت هبات التغيير التي حملها ربيع الشعوب نابعة من التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي وقفنا عليها أعلاه، فإن سؤال الديمقراطية سيظل عصب هذا الربيع بدون شك، وما يستدعيه من فهم العلاقة القائمة بين الفضاء العمومي والديمقراطية، وسنكتفي هنا بالتساؤل: ما دور الفضاء العمومي في سيرورة التغيير الجارية وفي تعزيز ديمقراطية بديلة؟ هل يتجه الفضاء العمومي المحلي والعابر للأوطان كمجال للفعل التواصلي، العقلاني، النقدي صوب رؤية جديدة للعالم؟ هل يمكن الرهان على الفضاء العمومي كقوة اقتراحية ومضادة للسلطة لتشكيل قوى مضادة لأية سيطرة كليانية – استبدادية؟

 

العلوي رشيد

                                                                                                                 البيضاء في: 15 غشت 2012  

 

الهوامش:

1 – نقصد هنا بالنيوليبرالية: الليبرالية الجديدة التي تنامت منذ أزمة البترو-دولار وما نتج عنها من انهيار لدولة الرعاية (أو “الدولة الاجتماعية” كما يسميها هابرماس، والتي قامت على السياسة الكينزية). وتنامت الليبرالية الجديدة التي دافعت عن ضرورة تخلي الدولة عن السياسات الاجتماعية في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينات مع حكم الرئيس رونالد ريغان Ronald Reagan (1911-2004)، ورئيسة الوزراء مارغريت تاتشر Margaret Tatcher ( 1925 …). وتقوم السياسات النيوليبرالية التي تفرضها مؤسسات بروتن وودز على برامج تقويم هيكلي تروم الحد من النفقات الاجتماعية لصالح الرساميل المالية والانتاجية خدمة للوبيات والمجموعات المالية العالمية الخاصة، وتعمل على الحد من دور الدولة في توجيه الاقتصاد. ومن أبرز الأمثلة بخصوص الاتفاقيات الدولية التي تهدد السيادة المحلية نذكر: مناطق التبادل الحر، اتفاقية AMI أي الاتفاقية متعددة الأطراف في الاستثمار والتي تعطي الحق للشركات المتعددة الجنسية للتدخل في الدول وسياسة الحكومات المحلية في حال ما اقدمت على اجراءات معارضة لمصالحها… وتنهج مؤسسات بروتن وودز هذا النهج لضمان تسديد بلدان العالم الثالث للديون، عبر اجراءات تقشفية صارمة وخوصصة الخدمات الاجتماعية وفتح الأسواق على تنافسية غير مشروعة…

2 – فيلسوفة يسارية أمريكية معاصرة ( 1947-…) تعمل في “المدرسة الجديدة للأبحاث الاجتماعية” New school for social Research ، وتدرس العلوم السياسية والاجتماعية، وهي نفس المدرسة التي درست فيها حنا ارندت ولها مقالات خاصة حول الفضاء العمومي طورت فيها نظرية هابرماس ووجهت له انتقادات عدة من أهمها عدم الاهتمام بالفضاء العمومي ما بعد البورجوازي والفضاء العمومي العابر للأوطان، أنظر في هذا كتابها الشهير:

 qu’est ce que la justice sociale ? Reconnaissance et redistribution, la découverte / poche, traduit de l’anglais par : Estelle Ferrarese, mars 2011 .

أنظر تحديدا الفصلين 5 و 6 الصفحات: 107-157.

3 – يعود الفضل في نحت هذا المفهوم إلى الفيلسوف ألان تورين Alain Touraine الذي يراد به مجموع الحركات التي ظهرت منذ اواخر الستينيات، حيث يذهب إلى أن الحركات الجديدة لا ترتبط بالصراع الطبقي ولا صلة لها بالحركة العمالية لأنها حركات منغرسة في صفوف الطبقة المتوسطة وترفع مطالب مرتبطة بالمساواة بين الجنسين وبالحريات الفردية وبالحقوق الثقافية والاثنية وتقرير المصير ولا صلة لها بالحركات الكلاسيكية المرتبطة تحديدا بالحركة العمالية وتقاليدها. للمزيد أنظر مؤلفاته الأساسية: Voix et le Regard, 1978 et Le Retour de L’acteur 1984

لقد تنامت في العقود الثلاثة الأخيرة حركات اجتماعية جديدة لم تكن معهودة في العالم بسبب تراجع الدولة عن دورها في السياسات الاجتماعية وتحت ضغط مؤسسات بروتن وودز واتجاهات العولمة الرأسمالية، واتخذت تلك الحركات طابعا دوليا أثار اهتمام حركات مناهضة العولمة والحركات من أجل عولمة بديلة. وبالنظر إلى اللبس الذي يكتنف استعمال تورين لهذا المفهوم فإننا نرى أن جزءا هاما من مطالب الحركة الاجتماعية اليوم كانت محتكرة من طرف النقابات في تاريخ المغرب السياسي حيث أن جل الاضرابات العامة ضد غلاء المعيشة او تدهور القدرة الشرائية او تقهقر الأجور وكل ما يمس عيش المواطنين كانت بدعوة من النقابات ان لم نقل ان اغلب الانتفاضات الحضرية فجرتها تلك الاضرابات العامة. وفي السنوات الاخيرة بدأنا نلحظ استقلال بعض الحركات عن الحركة النقابية نتيجة سيرورة التبقرط من جهة وتخلي الاحزاب السياسية عن دورها في تأطير المواطنين وتماهيها في مؤسسات الدولة ورعايتها لمصالحها ومصالح الحكام، نموذج تنسيقيات مناهضة غلاء المعيشة وارتفاع الاسعار. وحتى النضال ضد البطالة الذي كانت تحتكره النقابات تبلور في حركات مستقلة… أي أن الحركات الاجتماعية الجديدة في نظرنا هي مجموع الحركات المتنامية والتي تحمل مطالب خاصة ومحددة وتناضل من أجلها بآليات وميكانيزمات جديدة ووفق استراتيجيات سلمية.

4 – يتوجب طبعا التمييز هنا بين مشروع الحكومة العالمية الذي تهدف من ورائه الامبريالية إلى التحكم في الاقتصاد العالمي وتوجيهه بما يخدم مصالحها المباشرة، والتي تنبني على المؤسسات الدولية السياسية والمالية والعسكرية والاقتصادية… وبين مفهوم ما بعد الدولة ـ الأمة، أو ما يسميه هابرماس بمشروع “الوطنية الدستورية” كمشروع يتصور أن “الدولة الوطنية” كما تبلورت منذ معاهدة وستفاليا Westphalie 1648، لم تعد تستجيب لطموح الشعوب وخاصة الأوروبية في عصر العولمة نظرا لما لحق سيادة الدولة في حدودها الوطنية من انهيار مطلق. ويرى أن مشروعه للوطنية الدستورية يهدف الى تأسيس دولة ما فوق وطنية قائمة على أسس كوسموبوليتية جديدة. حيث يقول: “لقد كانت الدولة – الأمة في القديم الجواب المقنع لتحد تاريخي هو: إيجاد بديل وظيفي لأشكال الاندماج الاجتماعي في بدايات الحداثة. إننا اليوم بإزاء تحد مماثل، فعولمة التبادلات والاتصالات، والانتاج الاقتصادي وتمويله، ونقل التكنولوجيا والأسلحة وخاصة عولمة الأخطار الإيكولوجية والعسكرية، تضعنا أمام مشاكل لا يمكن إيجاد حل لها، لا في إطار الدولة – الأمة، ولا عن طريق اتفاقيات بين دول تتمتع بالسيادة. إن الدول الوطنية، إن لم أخطئ، ستظل تفرغ من محتواها وستلجأ إلى إنشاء وتطوير إمكانات عمل سياسي على المستوى فوق الوطني”. للمزيد بصدد هذه المسألة لدينا نصوص ومقالات عدة لهابرماس حول الموضوع وتحديدا:

J. Habermas : L’intégration républicaine, Essai de théorie politique. Trad, Rainer Rochlitz, paris, Fayard 1998. ومنه أخذنا هذا النص ص 96-97. بالاضافة إلى النص المحوري:

J. Habermas : Apres l’Etat-nation, une nouvelle constellation politique, Trad, Rainer Sochlitz, paris, Fayard. 2000.     

5 – بخصوص لا شرعية مجموعة الثمانية، ولا قانونيتها، أنظر الكتاب التفصيلي الذي اصدرته اللجنة العلمية لاطاك فرنسا: Le G8 Illégitime, ATTAC, sous la direction de Jacques Cossart, Fayard/Mille et une nuits, 2007.

6 – يتعين النظر إلى هذا الكلام بحذر شديد، لأن الأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة المغاربية طبعا ليست من نمط واحد ولا هي متجانسة كليا من جهة قاعدتها  الاجتماعية ومصالحها المادية، بشكل لا يسمح بعملية التعميم بهذا القدر أو ذاك. إلا أن طابع التعميم الذي يسم حديثنا ها هنا ينطبق على السياق العام والاطار الواسع لفهم التفاوت الحاصل بين التصور الكلاسيكي والجديد لبنية الفضاء العمومي المغاربي.

7 – نستعمل مصطلح “السلفية الرجعية”، بدلا من: الأصولية، التيارات الدينية، الإسلاموية، حركات الاسلام السياسي، بالنظر إلى المشروع المجتمعي الرجعي والسلفي الذي تنشده تلك الحركات على اختلاف توجههاتها الايديولوجية والسياسية.

8 – وهو ما يسميه هابرماس بالرأي العام، لأن “الدائرة العمومية تظهر أحيانا كما لو أنها دائرة الرأي العام الذي يتعارض مباشرة مع السلطة”.

Jürgen Habermas : l’espace public, Archéologie de la publicité comme dimension constitutive de la société bourgeoise, traduction de Marc B de Launay, Payot, Paris, 1997. P 14.  

9 – أي أن “موضوع الفضاء العمومي هو الجمهور باعتباره حاملا لرأي عام ذي وظيفة نقدية”.

Habermas, Ibid, p 14   

*  – بيتر سلوتردايك: فيلسوف ألماني معاصر، ازداد في 26 يونيو 1947 ب “كارلسروه” Karlsruhe الألمانية، وهو أستاذ الفلسفة والجماليات. تابع دراسته في قسم الفلسفة وتاريخ الأدب الألماني ما بين 1968 و 1974، وناقش أطروحته في الفلسفة وتاريخ السيرة الذاتية بجامعة هامبورغ سنة 1975.

نشر في 1983 اطروحته الفلسفية الأولى بعنوان: “نقد العقل الكلبي”، وحصل سنة 1993 على جائزة ارنست روبرت كورايوس في الأدب، ودرس متنقلا بين باريس وزوريخ ونيويورك. ومنذ 1998 بدأ في كتابة ثلاثيته الشهيرة “فضاءات/مجالات” التي أشهرته في عالم الأدب الألماني. وبعدها تألق كفيلسوف عالمي من خلال نقده لهايديجر، وإعادة قراءته لنيتشه الذي خص له كتابه الشهير “الانجيل الخامس لنيتشه”.

زر الذهاب إلى الأعلى