الديون

قانون المالية لسنة 2012 : حلقة جديدة من حلقات مسلسل الهجوم الليبرالي على القطاع العام بالمغرب

 

قراءة نقدية لقانون المالية 2012 في شق ”التقرير حول قطاع المؤسسات و المنشآت العامة”

يعتبر قانون المالية 2012 في شقه المتعلق  بقطاع المؤسسات و المنشآت العامة حلقة من حلقات مسلسل الهجوم الليبرالي على القطاع العام بالمغرب، فالتقرير الخاص بالمؤسسات و المنشآت العامة تحكمه توجهات و أهداف كبرى لا تخرج عن الاختيارات الاقتصادية الليبرالية المفروضة على بلدنا من طرف المؤسسات المالية العالمية و الدول العظمى؛ اختيارات لا شعبية في ظل تعاقب حكومات الواجهة و تغلغل الفساد و الاستبداد في جميع مؤسسات الدولة و الاستمرار في نهج سياسة الهروب الى الامام و الالتفاف و المناورة (دستور 2011، الانتخابات التشريعية، الحكومة الملتحية …)، و نذكر من تلك التوجهات و الأهداف الكبرى “إعطاء دفعة للدينامية الاقتصادية و توفير البنيات اللازمة للرفع من مبادرة القطاع الخاص و تنفيذ البرنامج الحكومي و تعزيز التنافسية و جاذبية البلاد و مواصلة الأوراش الكبرى و المشاريع المهيكلة و توطيد التوازنات الماكرو اقتصادية”.

        يتكون التقرير من أربعة أجزاء، حيث يتناول الجزء الأول ”منجزات قطاع المنشات العامة عبر جرد للمحفظة العامة و دراسة المؤشرات المالية و الاقتصادية و أنشطة المؤسسات و مواردها البشرية و علاقاتها المالية مع الدولة”، و يرتكز الجزء الثاني على ”تقديم الانجازات العامة للقطاع في مجال الاستثمار و تنفيذ المخططات الاستراتيجية و برامج العمل القطاعية”، و يتطرق الجزء الثالث إلى ”حكامة المنشات العامة و المراقبة المالية للدولة و التدقيق الخارجي و تدخل المحاكم المالية”، أما الجزء الرابع فتم ”تخصيصه لعمليات تفويت المساهمات العامة للقطاع الخاص”.

        إن القراءة الأولية للتقرير حول المؤسسات والمنشات العامة تعطينا فكرة عن المنهجية المتبعة في التقرير و المتمثلة في تقديم تشخيص للبنية الاقتصادية و الانتاجية و المالية و البشرية للقطاع، ثم االتفصيل في الاستراتيجيات و خطط العمل المتبعة في مجموعة من القطاعات العمومية و الشبه عمومية، ليخلص التقرير الى ان الدولة ماضية في تكريس ”الحكامة” و ”الشفافية” و وضع الاليات و البنيات الضرورية لتفويت جزء كبير من القطاع الى الخواص وفقا لسياسة ”تحرير الاقتصاد المغربي و انفتاحه و تقوية تنافسيته و تنويع مصادره”.

        إن المؤشرات المالية و الاقتصادية و مؤشرات الانشطة للمؤسسات و المنشات العامة تؤكد ان رقم معاملاتها بلغ 177,5 مليار درهم (2011) و القيمة المضافة للمحفظة العامة[1] 76,3 مليار درهم (2011) و نتائج الاستغلال 28,9 مليار درهم (2010) و النتائج الجارية 31 مليار درهم (2010) و النتائج الصافية 26,4 مليار درهم (2011)، و مؤشرا المردودية المالية و التجارية بلغا 8,5 % و 13,2% على التوالي (2012)، فيما أن مجموع موازنات المنشات العامة بلغت 872,5 مليار درهم (2010) و شكلت فيها ديون التمويل 148,9 مليار درهم. أما عن العلاقات المالية بين الدولة و المنشات العامة، فقد تقلصت التحويلات المالية للدولة من 21 مليار درهم في 2010 الى 16,8 مليار درهم في 2011، و بالنسبة للموارد الاتية من المنشات العامة فبلغت 10,4 مليار درهم سنة 2011، أما مساهماتها في المداخيل الضريبية (الضريبة على الشركات و الضريبة على الدخل) فبلغت حوالي 7,5 مليار درهم في 2010.

        يتبين لنا من هذه المعطيات أن حالة المؤسسات و المنشات العامة ليست بالجيدة كما يدعيه التقرير، فثقل ديون التمويل (154,9 مليار درهم في 2011) التي تشكل 18,6 % من الناتج الداخلي الخام لا يبقي أي مجال للتنويه بالنسبة الضئيلة من الموارد الاتية من المنشات العامة (10,4 مليار درهم في 2011) و التي لا تمثل سوى 1,3 % من الناتج الداخلي الخام.

        و في ما يخص الاستراتيجيات القطاعية و مخططات عمل المنشات العامة، فحجم الاستثمارات برسم 2011 يقدر ب 114,4 مليار درهم بتمويل ذاتي يمثل 65  % و بمساهمة للدولة تمثل 17  % و بمساهمة المديونية ب 18 %، و ذلك في إطار برامج قطاعية و مشاريع كبرى نذكر منها: مخطط الطاقة الشمسية في افق 2015 بقيمة 70 مليار درهم، المركب المينائي طنجة المتوسط في افق 2016 بمبلغ 35 مليار درهم، النقل السككي في افق 2015 بقيمة 32,8 مليار درهم، البرنامج الوطني للتطهير السائل في افق 2020 بمبلغ 43  مليار درهم، برنامج تعميم الاتصالات و شبكة الانترنت في افق 2013 بقيمة 40 مليار درهم، مخطط المغرب الاخضر في افق 2020 بمبلغ 193 مليار درهم، المخطط الاستعجالي للتعليم 2009-2012 بقيمة 44 مليار درهم، مخطط انبثاق و الاقلاع الصناعي بأكثر من 15 مليار درهم …الخ.

        هذا و في المقابل تحظى البرامج و المخططات ذات الصبغة الاجتماعية و الخدماتية المباشرة بنزر قليل من هذه الاستثمارات (برامج السكن الاجتماعي، برامج التنمية الاجتماعية، برامج التشغيل، صناديق الاحتياط الاجتماعي …)، إلى جانب برمجة مخططات تدميرية لقطاعات استراتيجية كدمج مكتبي الماء و الكهرباء و التدبير المفوض لوكالة طنجة المتوسط و مسلسل خوصصة بريد المغرب و اتصالات المغرب و تحرير القطاع الجوي و تفويت نسبة مهمة من رأسمال اللبنك الشعبي المركزي …الخ.

        إنه آخر مسمار يدق على نعش القطاع العام بالمغرب، فعن أي تنافسية يتحدثون في ظل نظام رأسمالي عالمي تقوده مؤسسات مالية فاقدة للشرعية و مفتقرة لأي رقابة ديمقراطية و شركات متعددة الجنسيات بطابعها الاحتكاري و الشمولي، و أية حكامة يقصدون في ظل مؤسسات نظام الفساد و الاستبداد.

        لن يكون المخرج في بيع المؤسسات و المنشآت العامة في المزاد العلني لتغطية العجز الحاصل في ميزانية الدولة، فكل التفويتات في المساهمة العمومية لن تجلب إلا المزيد من العجز في الميزانية و تقليصا كبيرا لعائدات المنشات العامة، أما عائدات الخوصصة فهي في تدبدب و تراجع مع مرور الزمن ولن تغني نفعا (23 مليار درهم في 2001 و 13 مليار درهم في 2005 و 655 مليون درهم في 2011 و 70 مليون درهم في 2010). إن البديل يكمن في الرقابة الشعبية و الديمقراطية على المؤسسات و المنشآت العامة و استعادة طابعها الاقتصادي الوطني و الاجتماعي.

 

من إنجاز:

–         عبد الكريم اوبجا 

–         سعيد اموش

–         احمد اوعدي

 


[1] المحفظة العامة تتكون من 246 مؤسسة عامة و 42 شركة ذات مساهمة مباشرة للخزينة و 467 شركة تابعة و مساهمة 

زر الذهاب إلى الأعلى