الديون

الخدمات العمومية في مهب الليبرالية الجديدة

I. محاولة لتحديد المفهوم (الخدمات العمومية):

    يمثل مفهوم الخدمات العمومية، في الطور الحالي من العولمة، مجالا أساسيا للصراع السياسي والإيديولوجي بين مختلف التعبيرات الممثلة لمصالح أرباب العولمة، الشركات المتعددة الاستيطان، المنظمات الدولية المعولمة، ومختلف مكونات الحركة من أجل عولمة بديلة، فضلا عن المجموعات السياسية.

    هكذا يمكن أن تجد مفاهيم متعددة ومتداخلة: خيرات مشتركة (biens commun) خيرات جماعية (biens collections) خيرات أولية، خيرات أساسية، خدمات عمومية، خدمات المصلحة العامة، خدمات المصلحة الاقتصادية العامة، خيرات عمومية شاملة (bien publics universels) خيرات عمومية عالمية (biens public mondiaux) بطبيعة الحال كل هذه المفاهيم نبعت من مدارس اقتصادية مختلفة:

* الكينزية ومفهوم دولة الرعاية.

* النيوكلاسيكية: néoclassique وخصوصا مع “بول صامويلسون” الذي استعمل مفهومي: المزاحمة والإقصاء.

* الليبرالية الجديدة: التي أنتجت خصوصا التمييز بين خدمات المصلحة العامة وخدمات المصلحة الاقتصادية العامة ومفهوم الخدمة الشاملة والتدبير العمومي الجديد.

    المشكلة هنا، تكمن في كون ليست النظريات الاقتصادية هي الإطار الملائم من أجل تحديد ما يجب أن يكون خيرا عموميا، ولكن العكس، فالشعوب في مسيرتها من تحدد ذلك بمعزل عن كل تأويل اقتصادي الذي يأتي بالضبط فيما بعد.

    هنا يمكن التأكيد على كون حركة الصراع التاريخي، كانت على أساس كيفية تملك الخيرات Les biens الموجودة طبيعيا أو المنتجة بفعل العمل الإنساني. وبالتالي هو صراع حول شكل الملكية بين اتجاه تاريخي تقدمي يسعى لجعل كل الإنتاج الإنساني خيرا مشتركا: بمعنى يملكه الكل أو لا يملكه أحد الآن وفي المستقبل. واتجاه تاريخي، رجعي يعمل على جعل الإنتاج الإنساني خيرا خاصا (biens privée) معتبرا أن السوق هو وحده الكفيل بتنظيم عملية تلبية الحاجات الإنسانية.

    بهذا المعنى يمكن أن نقيم تمييزا بسيطا يكون قاعدة للانطلاق:

1. الخيرات المشتركة: (Les biens commun) وهي ما يملكه الكل: الأجيال الحالية والأجيال القادمة.

2. الخيرات العمومية: (Les biens publics) وهي التي لكل واحد الحق فيها هنا والآن.

II. الخدمات العمومية: صراع حول الملكية.

    بالاستناد على ما سبق. يمكن القول بان الخدمة العمومية هي عملية بناء تاريخية وإنسانية وحضارية تطورت عبر التاريخ مع تطور قوى الإنتاج وتغير علاقاته في خضم حركية الصراع الطبقي. فمثلا، شكلت الثورة الفرنسية رافعة لتبلور مفهوم العقد الاجتماعي في الواقع، ثم القطع مع مفهوم الراعي والرعية في اتجاه مفاهيم المسؤولية عند تنظيم وإدارة الخيرات العمومية، والتي هي في النهاية تهدف إلى تلبية حاجات مواطنين دافعين للضرائب.

    هكذا نصت المادة 13 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن (1789) على أن الإسهام في تمويل الخدمة العمومية يتم بشكل تضامني بين المواطنين، حسب قدرتهم.

    أضحت الضريبة في ظل سيادة البرجوازية الناشئة أداة لضمان إدارة الخدمة العمومية التي أخذت تتبلور (المدرسة الجمهورية مثلا) ووسيلة لاكتساب صفة المواطنية.

    بعد ثورة أكتوبر (1917) خطا المجتمع الروسي خطوة عملاقة في اتجاه تشريك الخيرات، وبناء خدمات عمومية، لكن على قاعدة تدبير بيروقراطي. بعد الحرب ع II، وكنتيجة لتوازن القوى الناشئة آنذاك مثلت الخدمات العمومية كما عرفتها دولة الرعاية، تشريكا وسطيا أخرج جملة خيرات من قطاع السوق الصرف دون أن يجسد في الواقع منطقا متجاوزا لمنطق السوق.

    كانت السياسات الكينزية محصلة تردد القوى العمالية في الدفع في اتجاه قطيعة مع الرأسمالية وبالمقابل مخرجا لأزمة النظام الرأسمالي: قوامه تدخل الدولة في الاقتصاد باعتماد استثمارات عمومية واسعة، تحفز الطلب، التشغيل الكامل وبالمقابل تأمين الخدمات العمومية وسياسة ضريبية بأهداف توزيعية.

    في بلدان العالم الثالث، كانت المضامين الاجتماعية هي ما يعطي الأنظمة الناشئة عن الاستقلالات علة وجودها، هكذا تطورت مجموعة من الخدمات العمومية لم تكن تعرفها قبلا، التعليم، الصحة، التقاعد، النقل… على أساس سياسة اقتصادية بنيت في الغالب بالاستناد على دور نشط  للدولة المتدخلة في كل مجالات الإنتاج والتوزيع والتجارة. اعتمدت هذه السياسات التنموية بشكل وثيق على الاستدانة الخارجية، وعلى التموقع من موقع تبعي وهش في قسمة العمل الدولية، دون أن تصل مطلقا إلى ترجمة السياسات الاقتصادية المتبعة نموا متواصلا ومديدا، وبقيت بعيدة كل البعد عن تلبية الحاجات الاجتماعية لشعوبها، فبقيت الخدمات العمومية مطلبا بعيد المنال بل إن القطاع العام في هذه الدول كان القاعدة التي تطورت فيه طبقة جديدة من الرأسماليين اغتنوا من النهب المستمر للقطاعات التي كانوا يسيرونها.

    لم يعمر التفوق السياسي والاقتصادي والإيديولوجي لدولة الرفاه، والنمط العمومي لتلبية الحاجات الإنسانية طويلا. فمن جهة دخلت الرأسمالية من جديد، أزمة مديدة منذ بداية السبعينيات، ومن جهة أخرى عرفت القوى العمالية أزمة كبرى في خطها السياسي بانزياحها أكثر فأكثر في خط إصلاحي مندمج في الدولة البرجوازية.

III. الهجوم الإيديولوجي:

    خلف الصورة كان الليبراليون الجدد يعملون بصبر طويل على تطوير فهمهم لمشكلات الرأسمالية الكينزية، وعلى زيادة تأثيرهم الإيديولوجي والسياسي، وقد عبر نبي الليبرالية الجديد (ميلتون فريدمان) منذ 1949 وفي عز تراجع الأطروحات الليبرالية عن إعجابه الشديد بالشيوعيين الذين آمنوا بطوباهم، وهم في وضع أقلية هامشية، ورغم ذلك عملوا على تحقيقها معلنا عن إيمانه بطوباه هو سيادة السوق والتبادل الحر وعلى العمل على تحقيقها. مرت أربعون سنة بعد ذلك وأصبحت تعاليم “ميلتون فريدمان” واقعا مشخصا في أوفاق واشنطن.

    خاض الليبراليون الجدد معركة إيديولوجية ضارية كان الإعلام البرجوازي ومراكز الأبحاث الممولة من طرف الشركات المتعددة الاستيطان أدواتها الأساسية.

    وكان المستهدف الرئيسي دور الدولة وفي القلب منها الخدمات، لنأخذ مثالين:

* صرح “أولفيدي مازول” مدير الإعلام في RTL بعد نتائج سيئة للعدائين الفرنسيين في الألعاب الأولمبية قائلا: (1992) الفرنسيون ليسوا رياضيين لأنهم اعتادوا على دولة الرعاية “Les français ne sont pas sportifs parceque nous avons l’habitude de l’état providence”

* دفيد فيرمان هو اقتصادي نيوليبيرالي أمريكي قال (1989): “ما تفعله الحكومة ينقسم إلى قسمين كبيرين: وظائف يمكن انتزاعها اليوم، والنوع الثاني وظائف نأمل انتزاعها غدا”.

    انعكس الانتصار الإيديولوجي لليبرالية الجديدة انتصارا انتخابيا في بريطانيا (تاتشر) و.م.أ (ريغن)، لكن كان لابد له من سحق المقاومة العمالية (إضراب عمال مناجم الفحم في بريطانيا) حتى يصبح انتصار سياسيا ناجزا. من هنا انطلق مسلسل خوصصة الخدمات العمومية، ولم ينته لحد الآن.

IV. منطق الهجوم على الخدمات العمومية:

    بداية لابد من تحديد خصائص الخيرات العمومية:

الخاصية الأولى: L’essentialité/insubstituabilité الضرورة/اللاتعويض: لأجل الحياة ـ الحياة الجماعية ـ الأمن الجماعي: مثلا النقل ضروري لأجل الحياة الجماعية، كذلك الاتصالات، الماء يظهر كمثال أكثر بداهة.

الخاصية الثانية: بالارتباط مع الخاصية الأولى يتبين أن الخدمات الضرورية والغير قابلة للتعويض لابد أن تقدم بشكل متضامن، هنا التضامن يعني المسؤولية تجاه الحياة الجماعية، تجاه المجتمع، تجاه الأجيال القادمة.

الخاصية الثالثة: وجود “خير عمومي” يستلزم وجود سلطة عمومية تحوز سلطة سياسية مشروعة قائمة على السيادة الشعبية.

الخاصية الرابعة: وتتعلق بأنظمة الملكية (الحيازة). التدبير، والرقابة، وهنا لا يمكن ممارسة سيادة شعبية فعلا دون أن يتم دمج الأنظمة الثلاث (الملكية، التدبير، الرقابة) تحت مسؤولية السلطة العمومية.

الخاصية الخامسة: يخضع “الخير العمومي” لقواعد الديموقراطية.

    هذه الخصائص الخمسة هي خصائص مندمجة فيما بينها وهي في مجموعها تشكل الأساس الذي يقوم عليه التدبير العمومي للخيرات العمومية.

   هنا يطرح السؤال: كيف يتم الهجوم على هذه الخصائص من قبل الليبراليين الجدد.

أ. يتركز الهجوم على نقض الخاصية الرابعة (دمج الملكية والتدبير والرقابة) وهنا يأتي التفكيك ويقوم على الأسس التالية:

1. فصل الملكية عن التدبير وعن الرقابة: وهنا تصبح الدولة السلطة العمومية مكلفة فقط بالرقابة ومسؤولة عن الضبط، أما الملكية فسيتم تقسيمها إلى:

+ ملكية البنية التحتية: ومن الأحسن أن تبقى في يد الدولة طالما أنها تكلف كثيرا من الرساميل في إنجازها وفي صيانتها.

+ ملكية وسائل تقديم الخدمة: ويجب أن تؤول إلى الرأسمال الخاص طالما هي وسيلة تحقيق فائض القيمة/ الربح. (مثال نقل القطارات ـ النقل الجوي).

    في هذا الإطار يأتي مفهوما المصلحة العامة والمصلحة الاقتصادية العامة.

2. فصل المصالح التي تشكل جوهر الخدمة “عن المصالح التي لا تشكل جوهر الخدمة”:  

    فتقديم خدمة يترافق مع تقديم خدمات موازية لازمة لها: مثال التعليم: جوهر الخدمة هو التدريس والباقي الحراسة، والنقل، الإطعام ـ وسائل التدريس ت لا تشكل جوهر الخدمة. أو الصحة جوهر الخدمة هو تقديم العلاج والباقي نقل المرضى، الحراسة، الإطعام… لا تشكل جوهر الخدمة.

ب. ثم ينتقل الهجوم إلى الضرورة/اللاتعويض: هنا يركز الخطاب الليبرالي على كون الحاجيات هي أكثر فأكثر مفردنة: ما هو ضروري بالنسبة لـ A قد لا يكون ضروريا بالنسبة لـ B. ووعيا منهم بأن هذا الخطاب يحمل طابعا إيديولوجيا غير متماسك، ابتدعوا مفهوم الخدمة الشاملة التي تعني “مجموع الخدمات ذات جودة معينة يحق لجميع المواطنين الولوج إليها بسعر ملائم” وهو إقرار بوجود ضرورة، لكن في المقابل ضرب المساواة إزاء هذه الضرورة مادام هناك سعر وهناك مستويات جودة.

ج. تغيير مفهوم التضامن: الاستفادة من الخيرات العمومية تستلزم تضامنا بمعنى المسؤولية الجماعية، يعمل الخطاب الليبرالي على اختزال التضامن في أعمال الخير والإحسان اتجاه الغير قادرين على الولوج إلى الخدمة، وإذا كانت المسؤولية الجماعية تترجم في السابق عبر آليتي الضرائب ذات الأهداف التوزيعية وكذلك بمعادلة التعريفات[1] أصبح التضامن الآن يعني حملات التبرع وإستراتيجيات لمحاربة الفقر، أما الضرائب فلم تعد ذات أهداف توزيعية بل تستهدف النجاعة الاقتصادية (تمويل البنية التحتية) والتعريفات لم تعد متعادلة بل أصبحت بحسب الكلفة.

د. يشمل الهجوم كذلك الخاصية الخامسة وهي الديموقراطية بإعادة تعريفها على أساس أنه لا بديل عن السوق والتبادل الحر وبالتالي يتم حصر المشاركة الشعبية فقط في محاولة التغطية على الفجوات التي يخلفها الهجوم الليبرالي، ومن هذا مفهوم الحكامة الجيدة الذي يعني في جزء منه إشراك السكان في تدبير بؤسهم.

هـ. كمحصلة لكل هذا ماذا يبقى للسلطة العمومية، لا شيء غير “السلطة”: الجيش، الشرطة، القضاء (وظائف السيادة) (fonctions régaliennes).

V. خصائص الهجوم الليبرالي على الخدمات العمومية:

    أخذ هجوم الليبرالية الجديدة على الخدمات العمومية خصائص عدة، يمكن إجمالها في أربعة:

1. هجوم عالمي: لم تترك الشركات المتعددة الاستيطان أي بقعة من الأرض لم تدخل فيها لأجل الاستثمار بتقديم الخدمات. “فأوفاق واشنطن” تلزم كل الدول بـ: (من بين أشياء أخرى).

ـ إعطاء الأولوية بالنسبة لنفقات الدولة لخلق البنية التحتية ولكل ما يضمن قدرا من العائد على المستوى الاقتصادي بدلا من صرفها في تلبية الحاجات الاجتماعية ومختلف أشكال الدعم.

ـ تشجيع الاستثمار الأجنبي مع ضمان المعاملة بالمثل بالنسبة للاستثمارات القومية.

ـ إصلاح النظام الضريبي مع زيادة قاعدة القادرين على الدفع. ومنح إعفاءات ضريبية مجزية للاستثمار مع تقليل الضغط الضريبي على الشرائح العليا.

ـ خوصصة القطاعات المملوكة للدولة.

    يتم فرض هذه السياسات على دول الجنوب عبر ربط تطبيقها بإمكانية الاستفادة من قروض جديدة أو إعادة جدولة قروض مستحقة الدفع، وكذا عبر اتفاقيات الشراكة.

2. هجوم شامل: لا يوفر هذا الهجوم أيا من أشكال الخدمات العمومية سواء كانت خدمات شبكة تجارية أو خدمات غير تجارية ، ويمثل AGCS أداة هذا الهجوم.

3. هجوم متعدد الأشكال:

    يأخذ الهجوم ثلاثة أشكال أساسية:

* خوصصة كاملة: أي النقل الكامل للملكية العمومية إلى القطاع الخاص.

* خوصصة جزئية: بنقل ملكية بعض فروع الخدمة إلى القطاع الخاص مع الاحتفاظ بجزء آخر.

* تدبير مفوض: منح صلاحية توزيع الخدمة لمدة معينة للقطاع الخاص مع الاحتفاظ بالملكية، ويمكن أن يترافق التدبير المفوض مع خوصصة جزئية.

4. هجوم ذو طابع استعماري:

    ويمكن إعطاء النموذج بالمغرب: فبسبب جنسية شركتي “فيفاندي” “وليونيزديزو” (فرنسا)، كانت أولى القطاعات التي مرت إلى التدبير المفوض والخوصصة هي القطاعات التي تشتغل فيها هاتين الشركتين: الاتصالات والماء والكهرباء والتطهير في استعادة للماضي الاستعماري الذي كانت فيه الشركات الفرنسية مكلفة بتوريد هذه الخدمات بالمغرب.

VI. الحجج الأساسية لخوصصة الخدمات العمومية:

1. حجة الفعالية: يزعم الليبراليون أن الرأسمال حين يقدم خدمات فهو يسعى إلى تحسين جودتها بغية الحصول على المزيد من الأرباح هنا نطرح سؤالين:

ـ إنتاج الأرباح يمر عبر تقليص الكلفة والاشتغال بأقصى طاقة. ما مصير العاملين إذن بهذا القطاع؟ التسريح + الهشاشة + فرط الاستغلال.

ـ تكون الخدمة فعالة لأنها ،بمنطق السعي للربح، تستغني عن توريد خدمات لا مردودية مالية لها. ما مصير أولئك الذين ستقصيهم هذه الحجة، من ولوج الخدمات الأساسية؟ )بمنطق الحاجة الإنسانية و ليس منطق الربح(.

2. حجة التكنولوجيا الجديدة: هنا تقدم التكنولوجيا الجديدة على أنها البنت الشرعية للنموذج الليبرالي، التكنولوجيا هي ثمرة تطور قوى الإنتاج وليست هي من يفرض شكل تلبية الخدمات الاجتماعية.

3. ضخامة حجم الاستثمارات بشكل لا تقدر المالية العمومية على تحملها وهنا نعطي مثالا من المغرب: كان هناك مخطط توجيهي وطني قدر الحاجيات كالتالي:

* التطهير السائل: استثمار 60 مليار درهم (20 سنة).

* التطهير الصلب: استثمار 14 مليار درهم (20 سنة).

* توزيع الماء والكهرباء: 55.5 مليار درهم على مدى 20 سنة.

    بما مجموعه 129 مليار درهم أي حوالي 16 مليار دولار على 20 سنة وهو مبلغ ضخم فعلا، لكن لا أحد تحدث عن حجم الأموال المنهوبة والتي تبلغ مبالغ فلكية ( تقرير جديد قدر حجم الأموال التي هربت من المغرب بحوالي 25 مليار دولار) دون الحديث عن أموال النهب التي يعاود تدويرها في الدخل، أو عن تكاليف الديون التي تلتهم النصيب الأكبر من المالية العمومية، أو مصاريف البذخ…

VII. التدبير المفوض: تاريخ طويل وقدرة على التكيف:

    يأتي نظام التدبير المفوض المتبع حاليا في المغرب وباقي دول العالم، في سياق العولمة الليبرالية وتحكم الشركات العالمية المتعددة الجنسيات في مختلف مفاصل الاقتصاد العالمي. هذا المعطى أساسي من أجل تمييز المراحل التاريخية لنشأة وتطور التدبير المفوض.التي يمكن إجمالها في ثلاث:

ـ التدبير المفوض للمرحلة ما قبل الاستعمارية: هذه المرحلة تطورت فيها شركات عدة كانت تقوم بتقديم خدماتها عبر عقود (LA concession) في الغالب في دولها الوطنية.

ـ التدبير المفوض في المرحلة الاستعمارية: انتقلت الشركات المختصة في تدبير الخدمات (الشبكية خاصة) إلى المستعمرات من اجل مواكبة عمليات الاستعمار، وكان هذا الانتقال موضوع تنافس شديد بين مختلف القوى الامبريالية (اتفاقية الجزيرة الخضراء مثلا)

ـ التدبير المفوض في مرحلة ما بعد الاستقلالات: تميز بتراجع الشركات بشكل كبير نحو حدودها الوطنية وذلك لسببين:

1. تكون دولة الرعاية، التي اعتمدت نظام التدبير المفوض كشكل أساسي لتقديم خدماتها بما سمح للشركات الكبرى بإنتاج أرباح كبيرة في ظل ضمانة الدولة لأرباحها.

2. رغبة مختلف الدول الحديثة الاستقلال في بناء اقتصاد جديد يقوم على دور كبير للدولة، ضمن منظورات باندونغ.

ـ التدبير المفوض في مرحلة العولمة الليبرالية: يعرف “برتراند دوماري” Bertrand de Marais وهو خبير سابق بالبنك الدولي (1996) وعضو مجلس الدولة الفرنسي، التدبير المفوض بكونه مرحلة انتقالية نحو تدبير خالص للقطاع الخاص.

    بمعنى أن التدبير المفوض حسب خبراء البنك الدولي هو مرحلة انتقالية نحو الخوصصة، وهنا تكمن خطورته الكبرى.

    تشكل منظورات البنك الدولي حاليا الأداة الأكثر صدقية لمعرفة حجم وأبعاد كل العمليات الجارية عبر العالم. لهذا يبقى كل الحديث عن كون التدبير المفوض لا يشكل خوصصة حديثا لا قيمة له، ويدخل فقط ضمن منطق تبريري.

VIII. نحو بدائل شاملة:

    لا يمكن النضال من اجل خدمات عمومية بتدبير عمومي، دون النضال من أجل بديل شامل ينطلق من الحاجات الأساسية للإنسان وحقه في الانتفاع بالخيرات الموجودة والمنتجة على أساس أنها خيرات مشتركة. بهذا المعنى فالبديل الشامل لن يكون مجرد شعار عن عالم آخر ممكن، بل بتحديد ما هذا الممكن، وخطوطه العريضة على الأقل.

    إن خلاصة التجربة التاريخية في الصراع حول الخدمات العمومية هي التي تحتم هكذا فهم للنضال.

** يونس الحبوسي

أطاك القصر الكبير

لائحة ببعض المصادروالروابط المهمة .

1/ Riccardo pettrella : L’eau, bien commun public. http://www.france.attac.org/spip.php?article2885

Riccardo Petrella : bien commun public, Alternatives à la « pétrolisation » de l’eau.

2/Michel  husson :privatisations ou services publics.dans « privatisations stoppons l hemoragie »  attac maroc

3/Wikipedia: http://fr.wikipedia.org/wiki/Service_public.

4/ عبد القادر مرجاني: »الخدمات العمومية من الطابع الاجتماعي إلى ديكتاتورية السوق« ا لمناضل-ة عدد:23.

5/remald :revue marocaine d administration locale et de developpement. « la gestion deleguee des services publics locaux »

6/Attac France. Conseil scientifique : Le secteur public à l’encan ; Libéralisation – Démantèlement – Privatisation.

7/الخوصصة : تسويغ زائف للنهب. المناضل-ة عدد: 5.

8/ Raoul Marc JENNAR : Service d’intérêt économique général (SIEG) = AGCS .

9 / Lucile Daumas : Comment l’Europe démantèle les Services publics à ses frontières .                                           

10 / Déclaration d’Athènes : une autre Europe avec des services publics pour tou-te-s.

11  / François Lille : Biens publics mondiaux et services publics mondiaux .

12/ عبد السلام أديب : سياسات الخوصصة النيولبرالية في المغرب و آثارها الاجتماعية.

13/ ميمون الرحماني : دور المؤسسات المالية والتجارية الدولية في تدمير الخدمات العمومية.


[1]  توزيع التعريفات على كل المستفيدين مع معايير جودة معينة.

زر الذهاب إلى الأعلى