الديون

أوضاع كادحي القرى و الجبال و آفاق نضالاتهم بعد 20 فبراير

عمر أزيكي:

لا تنمية حقيقية في ظل مواصلة السياسات النيوليبرالية

شكلت سياسة ما يسمى “محاربة الفقر” عنوانا عريضا للمؤسسات المالية العالمية مع بداية الألفية الثالثة. ففي 8 شتنبر 2000 اجتمع قادة 109 دولة أعضاء منظمة الأمم المتحدة بمناسبة قمة الألفية بنيويورك و صادقوا في جلسة عامة على قرار سمي “تصريح الألفية”. و يقوم هذا التصريح على 8 أهداف من أجل التنمية يجب تحقيقها في أفق 2015: تقليص الفقر المدقع و الجوع ـ ضمان التعليم الابتدائي للجميع ـ تطوير المساواة بين الجنسين و استقلالية النساء ـ خفض وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات ـ تحسين صحة الأمهات ـ محاربة داء السيدا و حمى المستنقعات و الأمراض الأخرى ـ تأمين بيئة مستدامة ـ إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية1.

و في سنة 2000 ـ 2001 أصدر البنك العالمي تقريره السنوي حول التنمية بعنوان ” محاربة الفقر” يتضمن مقاربته الجديدة لظاهرة الفقر و آليات محاربته، و أوصى بأن تقدم البلدان المتخلفة التي ترغب بالاستفادة من مساعداته المالية برنامجها الاستراتيجي لمحاربة الفقر. و قد جاء هذا كله تحت ضغط خطر الانفجارات الشعبية المحتملة في البلدان المتضررة من تطبيق سياسات التقويم الهيكلي منذ أوائل الثمانينات.

تمثلت الصيغة المغربية لتلك البرامج في ما يسمى “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” التي انطلقت في ربيع 2005 بهدف الحد من الفقر و التهميش و الإقصاء الاجتماعي خصوصا على صعيد القرى و الجبال، و ذلك من خلال تسهيل الولوج للخدمات الأساسية كالصحة و التربية، و الكهربة، و الماء الصالح للشرب، و القضاء على السكن غير اللائق، و محاربة الأمية، و تطوير الشبكة الطرقية، الخ. و كان ذلك بالموازاة مع تبني استراتيجيات قطاعية في إطار السياسات النيوليبرالية، و منها “المخطط الاستعجالي” في التعليم، و “نظام المساعدة الطبية” في الصحة، و برنامج “مقاولتي” و “تأهيل” و “إدماج” فيي التشغيل، و برامج السكن الاجتماعي، الخ2.

لن يكون لهذه الترقيعات أثر فعال في ظل مواصلة سياسة نيوليبرالية ترتكز على تقليص الميزانيات الاجتماعية و تجميد الأجور و تقليص دعم مواد الاستهلاك الأساسية و منح تدبير الخدمات الاجتماعية كالماء الشروب و الكهرباء و النظافة و النقل الحضري للقطاع الخاص، الخ.  و هذا ما يكشف عنه التخلف البنيوي الحاد الذي تعيشه القرى و الجبال المغربية و الذي تكشف عنه حتى المعطيات الرسمية، كما تكشف عنه احتجاجات كادحي القرى التي تنامت منذ مطلع الألفية.

 

بعض مؤشرات التخلف الرئيسية التي تعاني منها الساكنة القروية بشكل عام3

  • ·        أمية مرتفعة تقارب نسبتها 57%. و نسب جد مرتفعة في ما يخص الهدر المدرسي.
  • ·        دخل فردي هزيل: يبلغ متوسط الدخل الشهري للفرد في الوسط القروي حوالي 600 درهم (مقابل 1000 درهم في الوسط الحضري). و نجد أن التغذية تمتص نصف دخل الأسرة القروية، و يمكن تصور ما تبقى لمصاريف السكن و العلاج و النقل و الاتصال لكي يبقى القروي على قيد الحياة مريضا و أميا و جاهلا في غياب أي هامش يصرفه على الثقافة و الترفيه و الرياضة و ولوج عالم الانترنيت. فنسب توفر الأسر القروية على التجهيزات المنزلية المستدامة ضعيفة جدا: حوالي 99% من الأسر القروية لا تتوفر على هاتف ثابت، و 64% لا تتوفر على اللاقط الهوائي، و 21% لا تتوفر على التلفاز، و 61% لا تتوفر على ثلاجة.
  • ·        فقر مدقع: حوالي ربع سكان القرى فقراء. و لا يتعدى أمل الحياة لدى قروي عند الولادة 68 سنة (مقابل 76 سنة بالنسبة لحضري)، أي أن ساكن المدينة يأمل أن يعيش حوالي ثماني سنوات أكثر من نظيره القروي.
  • ·        أوضاع المرأة القروية تفوق درجة التحمل: نسبة الأمية تتجاوز 70%، و تفوق نسبة الفتيات المحرومات من تعليم ثانوي 83%. و نجد أكثر من 60% من الأمهات لا يساعدهن طاقم طبي في الولادة، و تموت 227 امرأة حامل من كل 100ألف حالة ولادة، كما تموت نسبة 40% من الأطفال عند الولادة.
  • ·        نقص مهول في  البنيات التحتية و الخدمات الأساسية: تبلغ نسبة الأسر المحرومة من الماء الشروب عبر شبكة المياه في الوسط القروي 57% (مقابل 4% في الوسط الحضري)، و تلك المحرومة من الربط بقنوات الصرف الصحي تفوق 97% (مقابل 14% في الوسط الحضري)، و تلك المحرومة من الكهرباء تقارب 20% (مقابل 3% في الوسط الحضري).
  • ·        العزلة و التهميش: بعد الدواوير عن المدن و الأسواق بعشرات الكيلومترات و انعدام وسائل النقل العمومي، و خصاص مهول في الطرق المعبدة، و ممرات عتيقة سرعان ما تتعطل أثناء تهاطل الأمطار و نزول الثلوج. و هذا ما يزيد من حدة ضعف التمدرس و غياب الخدمات الصحية و شح العيش.
  • ·        الهجرة القروية التي تقدر سنويا بحوالي 200ألف خصوصا الشباب الذين يتركون النساء و الأطفال و الشيوخ يعانون في الدواوير و يرحلون هم إلى أكواخ البؤس في هوامش المدن، أو يركبون قوارب الموت بحثا عن لقمة العيش.

 

بعض مؤشرات التخلف التي يعاني منها الفلاح المغربي كفاعل رئيسي ترتكز عليه التنمية القروية4:

  • ·        يبلغ عدد سكان القرى الإجمالي 14 مليون نسمة و يشكلون نسبة 44% من السكان، في حين يبلغ عدد السكان النشيطين حولي 5 ملايين نسمة. أما عدد الفلاحين في مجموع البلد فيبلغ 1مليون و نصف، منهم حوالي 5% دون أرض، و 70% يملكون أقل من 5 هكتارات. أي أن عدد الفلاحين الفقراء أو المفقرين (بدون زائد أقل من 5 هكتارات) يمثلون 75% من مجموع الفلاحين.
  • ·        أمية مستشرية: نسبة 81% من هؤلاء الفلاحين أميون، و قرابة 68% يتجاوز عمرهم 45 سنة. فالشباب القروي يفضل الهجرة على امتهان حرفة أجداده التي لم تعد تسمن و لا تغني من جوع.
  • ·        التركز العقاري: نجد أن 15% من المساحة الإجمالية الصالحة للزراعة تتركز في يد أقل من 1% من المالكين، و تتكون من استغلاليات تفوق مساحتها 50 هكتارا. و لا يحوز 71% من الفلاحين سوى على 26% من المساحة الإجمالية الصالحة للزراعة مصنفة في ملكيات تقل مساحتها عن 5 هكتارات. هذا التركز العقاري الحاد يسير بالموازاة مع إفقار جماهيري للفلاحين الصغار، حيث اندثر أكثر من نصف مليون مزارع صغير يستغلون أقل من 1هكتار بين 1974 و 1996.

إن مؤشرات التخلف البنيوي التي يعاني منها غالبية القرويين و الفلاحين الكادحين ناتجة عن السياسات الفلاحية المتبعة منذ أوائل الستينات و التي تستند على توفير شروط نشوء رأسمالية كبيرة تستحوذ على أجود الأراضي في المساحات المسقية التي وفرتها سياسة السدود، و المساعدات في التمويل عبر توفير القروض و الإعفاء الضريبي، و تأطير الإنتاج و التسويق نحو الأسواق الخارجية. في حين تبقى غالبية الفلاحين الفقراء في المناطق البورية تتخبط في دوامة غياب إمكانات العتاد و المال، و في عدم خصوبة الأراضي و ندرة المياه و تقلبات الطبيعة، لتستسلم لقدرها في الأخير و تتخلى عن أراضيها لصالح الرأسمال الكبير. و يبقى جوهر هذه السياسة قائما في ما يسمى “المخطط الأخضر”5 الذي قدمته الدولة سنة 2008 و الذي يريد أن يخلق شروط الاستثمار التي تطالب بها الشركات متعددة الجنسيات و يرافق البورجوازية التي تزداد مصاعبها في ظل العولمة الرأسمالية و احتدام المنافسة في السوق العالمية و المحلية التي ستختنق بتدفق المنتجات الأجنبية من جراء الانفتاح المعمم. و يستند هذا المخطط على التكتلات الزراعية الكبيرة باتجاه التصدير أساسا ستجعل من جماهير الفلاحين الصغار و المتوسطين مجرد أقنان في خدمتها.

يحكم هذا المخطط على الفلاحين الفقراء بالزوال حين يدعو صراحة إلى ترك الزراعات البورية ضعيفة المردودية و على رأسها الحبوب التي تمثل 60% من الأراضي الصالحة للزراعة، و لا يقدم لهم بديلا سوى ترقيعات مفلسة من قبيل “مشاريع تضامنية” و “استثمارات اجتماعية” و “القروض الصغرى” و “الأنشطة المذرة للدخل”، الخ. تعتمد على صدقات المؤسسات العالمية التي تعصف بها الأزمة المالية العالمية.

 

نماذج بارزة في احتجاجات القرويين في العقد الأول من الألفية6

برزت احتجاجات القرويين بشكل جلي منذ أواخر التسعينات مع مسيرة أيت بلال بإقليم أزيلال يوم 4 أبريل 1999 من أجل مطالب ثلاث (تعبيد الطريق و إنشاء مستوصف و تجهيز السوق الأسبوعي) شارك فيها قرابة 1400 شخص و تعرضت لقمع رهيب و محاكمة 13 مواطنا. تبعتها يوم 2 فبراير 2000 انتفاضة قرية تارميلات بإقليم الخميسات ضد تعديات شركة مياه أولماس التي تعرضت هي أيضا لحصار قمعي عنيف و محاكمة 7 معتقلين، و احتجاجات سكان سيدي الطيبي بأحواز إقليم القنيطرة الذين اعتصم منهم حوالي 1000 فرد يوم 10 أبريل 2000 بالطريق الرئيسية بين الرباط و القنيطرة ضد هدم منازلهم و تزاجهوا مع أجهزة القمع و تم تقديم 56 معتقلا للمحاكمة، ثم انتفاضة الكهرباء بإملشيل إقليم الراشدية يوم 4 مارس 2003 ضد الانقطاعات المتكررة للكهرباء داهمت فيها قوات القمع المنازل و نشرت الرعب و اعتقلت أكثر من 20 شابا.

ستتوسع هذه الاحتجاجات بشكل كبير مع بداية سنة 2005 التي افتتحتها مسيرة سكان جماعة أيت يحيى بالريش املشيل يوم 5 فبراير 2005 الذين قطعوا حوالي 50 كلم باتجاه عمالة الراشيدية من أجل المطالبة بتعبيد طريقهم و فك العزلة عن دوارهم و رفع عسف القائد، ثم احتجاجات تماسينت بالحسيمة في أبريل 2005 ضد لا مبالاة الدولة في ما أصابهم من ضرر جراء الزلزال و تلاعب رجالها بالمساعدات الأجنبية و المحلية، و مسيرة 6000 من سكان ايتزر بإقليم ميدلت يوم 29 ماي 2005 باتجاه الرباط من أجل الصحة و التعليم و الكهرباء و الطرق و تنمية محلية، و احتجاجات ساكنة طاطا في مايو 2005 من أجل إلغاء تسعيرة خدمات الصحة، و انتفاضة إفني الأولى في غشت 2005 ضد الإقصاء و من أجل الحقوق الاجتماعية، و انطلاق شرارة الاحتجاج في أكتوبر 2005 بتالسينت و بوعرفة من أجل خفض رسوم فاتورات الماء و الكهرباء و خلق فرص شغل.

بالطبع لم نسرد هنا سوى الأمثلة البارزة حيث هناك عشرات الاحتجاجات في الجبال و القرى النائية تمر في صمت و لا تجد صدى إعلاميا في الصحافة المأجورة و لا تقوم ما يسمى بجمعيات المجتمع المدني بأي دور للتعريف بها أو تبني مطالبها.

ستتواصل هذه الاحتجاجات القروية طيلة سنتي 2006 و 2007 منها مسيرة 4 قبائل بجماعة تانشر بإقليم تاوريرت يوم 11 ماي 2006 من أجل تعبيد طريق مسافته 14 كلم و توفير مشاريع تنموية، و اعتصام سكان رأس امليل بكلميم يوم 25 يناير 2007 من أجل المطالبة بالاستفادة من الإنعاش الوطني و تزويد المركز الصحي بالمستلزمات الطبية و الماء و الكهرباء و مشاريع تنموية، و اعتصام نساء أغبالو نسيردان بنواحي خنيفرة يوم 17 شتنبر 2007 و قطعهن للطريق بالحجارة من أجل بناء مؤسسة تأهيلية و رفع التهميش عن منطقتهن، و معارك سكان زاوية بن صميم بإقليم إفران\أزرو في شتنبر 2007 ضد استحواذ شركة رأسمالية على المياه العذبة لعين بن صميم، و سكان أيت عبدي بجماعة زاوية أحنصال بأزيلال نهاية نونبر 2007 قطعوا خلالها 110 كلم مشيا على الأقدام طيلة 5 أيام في الثلج و البرد القارس باتجاه عمالة أزيلال من أجل تعبيد الطريق و بناء مستوصف و تجهيزه لوضع حد للإهانة المتمثلة في حمل النساء الحوامل فوق ألواح خشبية، و مسيرة سكان دوار القلعة بمنطقة تاهلة بإقليم تازة يوم 13 دجنبر 2007 قطعوا خلالها 15 كلم باتجاه دائرة تازة من أجل تعبيد الطريق و الكهرباء و مستوصف و ضد تعسفات القائد نتيجة مقاطعة انتخابات 7 شتنبر 2007.

و ستتسع رقعة الاحتجاجات بعد موجات غلاء فاحش في جميع متطلبات العيش اليومي منذ سنة 2006 و بروز تنسيقيات مناهضة غلاء المعيشة (أكثر من 70 تنسيقية محلية). و كان مثالها البارز هي انتفاضة البهاليل و صفرو في 23 شتنبر 2007، و اعتصام أكثر من 5000 شخص أمام عمالة صفرو للتنديد بغلاء الأسعار، و ما تلاها من قمع شديد و محاكمة 37 معتقلا. و من الأمثلة الدالة أيضا على هذه الدينامية النضالية مواصلة امتناع سكان بوعرفة عن أداء فاتورات الماء و هو قرار اتخذوه منذ شتنبر 2006.

بدأت سنة 2008 باحتجاجات بومالن دادس يومي 5 و 6 يناير 2008 بعدما قطعت الثلوج الطريق المؤدية إلى المنطقة و محاصرة 20ألف نسمة و عزلهم عن الخارج طيلة أيام و حرمانهم من المؤونة و التغذية، و هي تعبئة واجهتها الدولة بالقمع و محاكمة 10 أفراد. و ستأتي انتفاضة سيدي إفني طيلة شهري يونيو و غشت 2008 لترسم معالم النضال الشعبي الضروري ضد الفقر و التهميش، و كذا مسيرة الجياع بزاكورة في 5 غشت 2008 من أجل حصتهم من الدقيق و ضد غلاء الأسعار. و ستتواصل الاحتجاجات ضد التهميش و الإقصاء بكل من إقليم تازة (احتجاجات سكان الزراردة بتاهلة في صيف 2008 على نفاذ المنبع الوحيد المزود بالماء و غياب ثانوية)، و بني ملال (مسيرة سكان أيت عبدي في 23 فبراير 2009 قطعت 80 كلم في البرد و العراء)، و طاطا (اعتصام قبيلة دوبلال في 18 أبريل 2009)، و أزيلال (احتجاجات دواوير أسامر و بوصالح و اخداش في خريف 2009)، و الجنوب الشرقي (احتجاجات تنسيقية أيت غيغوش بكل من اكنيون، و بومالن دادس، و قلعة أمكونة و خميس دادس في دجنبر 2009).

و طيلة سنوات 2008 و 2009 و 2010 ستعرف عديد من المناطق القروية احتجاجات المتضررين من فيضانات الأمطار التي دمرت المنازل و البنية التحتية الهزيلة و أتلفت المحاصيل الزراعية: منها على سبيل المثال إقليم بوعرفة (مسيرات الالاف لسكان حي الخيام بفكيك في أكتوبر 2008)، و إيمنتانوت ( مسيرة السكان من 10 صباحا إلى 8 ليلا مع قطع الطريق في 2 أكتوبر 008)، و سيدي قاسم (عصيان سكان الخنيشات في أبريل 2009)، و مراكش (احتجاجات ساكنة أوريكة سنة 2010)، و سيدي قاسم (مسيرة دوار الشموسة يوم 16 فبراير 2010)، و تارودانت (احتجاجات سكان أولاد الداحو في دجنبر 2010)، الخ.

و في 26 دجنبر 2010، ستشهد تنغير مسيرة شعبية لم يسبق لها مثيل في تاريخها تنبئ بتطور كبير في استيعاب دروس الكفاح الشعبي من طرف كادحي المناطق المهمشة.

ارتأينا هذا السرد الطويل لأمثلة الاحتجاج الشعبي في القرى و الجبال و التي تبين الطاقة النضالية الهائلة التي تزخر بها القرى المغربية و التي تكشف عن جذرية كبيرة لدى سكانها و قدرة كبيرة على الصمود، خصوصا لدى النساء، رغم أن المطالب بسيطة.

تتسم هذه الاحتجاجات بعفوية أشكالها و سهولة احتوائها بوعود من طرف المسؤولين و غياب التنظيم و فقدان الثقة في الذات و غياب التضامن و التنسيق. و هنا واجب مناضلي أطاك في أولا: التأكيد على الطابع الاجتماعي لنضالات سكان القرى ضد نتائج السياسات النيوليبرالية و بساطة مطالبهم، و ثانيا، كونها منبثقة من القاع الاجتماعي العميق حيث يشارك فيها الأطفال و الشيوخ و النساء في انصهار ملحمي فريد، و ثالثا، سلمية أشكالها و معاركها و إن كان يجابهها قمع شرس و عنيف من طرف أجهزة الدولة.

يجب أن يعمل مناضلو أطاك كما عودونا على ذلك في عدة معارك كبرى (طاطا، إيفني، بن صميم، الخ) لمساندة تعبئات و معارك كادحي القرى و الجبال و العمل على فك العزلة عنها عبر التعريف عنها بكافة الآليات الإعلامية و إبرازها إلى المقدمة، و تنظيم جميع أشكال التضامن معها من قوافل و جمع المساعدات، الخ.

و في ارتباط بحركة 20 فبراير التي يساهم فيها مناضلو أطاك بنشاط و مسؤولية، لا بد أن يطرحوا ضرورة إبراز المطالب الاجتماعية للقرويين في أرضيات حركة 20 فبراير في المناطق القروية و شبه القروية، و التركيز على مشكل الفساد المستشري في الجماعات القروية الذي أصبح بارزا في جميع مسيرات 20 فبراير في هذه المناطق.

مازالت جماهير الفلاحين الصغار في المناطق الزراعية لم تعبر عن مطالبها كفئة متضررة من السياسات الفلاحية المتبعة، و إن كانت هناك بعض الاحتجاجات القليلة المتفرقة خصوصا ضد المجموعات الزراعية الكبيرة (منتجي الشمندر السكري بتادلة…)، و ضد بعض حالات نزع الأراضي. لكن لا يعني هذا أنها غير مرشحة للانفجار في ظل ما تواصله الدولة في مخططها الأخضر لتشجيع الرأسمالية الزراعية الكبيرة على حساب الفلاحين المفقرين، و المركبات السياحية و العقارية للترامي على الأراضي (الجماعية و الغابات) في جميع مناطق المغرب. فالمخطط الأخضر يطمح إلى توفير 700ألف هكتار للمجموعات الفلاحية الكبرى: إذا جمعنا مساحة أراضي “الكيش” (240ألف هكتار)، و أراضي “الحبوس” (58ألف هكتار)، و أراضي الأملاك المخزنية (270ألف هكتار)، سنصل في أحسن الأحوال إلى مساحة تقل عن 570ألف هكتار7. من أين ستأتي الدولة بالباقي؟ستنزع إلى الأراضي الجماعية الرعوية (12مليون هكتار) التي قد تكون صالحة للزراعة أو للبنايات، و أراضي الغابات (6مليون هكتار). و من مهامنا كأطاك أن نعمل على تفكيك هذه المخططات و نقوم بحملة تثقيف في أوساط الفلاحين في مناطق تواجدنا (القصر الكبير، شفشاون، سوس،…).

 

بعض المحاور الأساسية لمطالب جماهير القرى و الجبال

  • مسألة الأرض: ضرورة استعادة الأراضي الممنوحة لكبار المالكين الزراعيين و وقف زحف لوبيات العقار و السياحة. يجب تناول مسألة توزيع الأراضي بشكل عام وفق مبدأ إصلاح زراعي شعبي.
  • الديمقراطية المحلية الشعبية: لقد خصبت حركة 20 فبراير مطالب السكان نحو التركيز على فساد المجالس القروية و المسؤولين عن تسيير الشأن المحلي و المطالبة بمحاسبتهم.
  • الخدمات الاجتماعية الأساسية و البنية التحتية الضرورية: التعليم و الصحة و الماء و الكهرباء و الطرق و النقل و الاتصال و المحافظة على الثروات البيئية المحلية و توفير شروط الرفاهية من دور للثقافة و الرياضة و خدمات إدارية جيدة، الخ.
  • مطالب خاصة بالنساء القرويات نظرا للقهر متعدد الأوجه الذي تعانين منه.
  • التركيز على بعض الخصوصيات المحلية: سكان المناطق الصحراوية، الريف، الجنوب الشرقي، الخ.
  • الدفاع عن الأمازيغية باعتبارها هوية غالبية القرويين.
  • حملة تثقيف شعبي وسط الفلاحين الصغار لتفكيك مخططات الدولة و تطوير مطالب هذه الفئة المقهورة للخروج من وضعيتهم كأقنان تستعبدهم المجموعات التصديرية الكبرى عبر تركيز الإنتاج على الاستهلاك المحلي و توفير الموارد المالية و الماء و منح المساعدات في كل ما يحتاجه الإنتاج الفلاحي من عتاد و بذور و أسمدة و أدوية، الخ.

 

هوامش:

    1. لتقييم إنجازات “أهداف الألفية”، يتضمن موقع اللجنة من أجل إلغاء ديون العالم الثالث مقالات عديدة، منها مداخلة إريك توسان في منظمة الأمم المتحدة في 15 شتنبر 2010، و مقال “أهداف الألفية: نضال ضد الفقر أو تنمية؟” لفرانسين ميستروم، الخ. www.cadtm.org
    2. لتقييم أولي لما سمي “المبادرة الوطنية من أجل التنمية البشرية”، راجع مقال ميمون الرحماني: “المغرب: تنمية بشرية، ما أكثر الضجيج و ما أقل الحجيج”، 9 يونيو 2009. www.cadtm.org
    3. معطيات المندوبية السامية للتخطيط من خلال تقريريها: “النمو و التنمية البشرية بالمغرب: معالم إحصائية 1998ـ2008″، و “المؤشرات الاجتماعية بالمغرب في سنة 2008”. www.hup.ma
    4. معطيات الإحصاء الفلاحي العام لسنة 1996، الوحيد المستعمل لحد الآن.
    5. “مخطط المغرب الأخضر: الآفاق الأولية للإستراتيجية الفلاحية”. أبريل 2008. www.vulgarisation.net/plan_vert.pdf
    6. جرى تجميع هذه المعطيات من خلال سلسلة دفاتر “وجهة نظر” حول حالة المغرب السنوية (منذ 2006 إلى سنة 2011)، و كذا كتاب عبد الرحيم العطري “الحركات الاحتجاجية بالمغرب” في نفس السلسلة سنة 2008، ثم التقرير الاستراتيجي الذي يصدره مركز الدراسات و الأبحاث في العلوم الاجتماعية لفترتي 2003ـ2005 و 2006ـ2010، و بعض مدونات الانترنيت, و في الحقيقة مازال الأمر يحتاج إلى مجهود كبير لتجميع المعطيات الكثيرة و المبعثرة حول احتجاجات القرويين و الفلاحين الصغار لتكون الصورة واضحة أكثر.
    7. استجواب نجيب أقصبي. مجلة لوجورنال الأسبوعية. مايو 2008.

 

 

عمر أزيكي.

مداخلة في الدورة السابعة للجامعة الربيعية لأطاك المغرب يوم 2 أبريل 2011 في ورشة “الأوضاع الاجتماعية لجماهير القرى و تأثيرات حركة 20 فبراير”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى