الديون

العولمة اللبرالية وسؤال الفعل النقابي في المغرب

لا يمكن  الحديث  عن  العولمة من خلال  تمظهرات  الثورة  المعلوماتية والتي هي  بالأكيد  أحد  الأسباب  لتسريع  وتيرتها. إن العولمة  هي عملية  تسليع  شمولي  لجميع  مناحي الحياة . وهي  بمعنى  آخر تملك  فزيائي  للحياة..  إلى  حدود  تسليع  التنوع   الإحيائي  (حقوق  الملكية  الفكرية) و ضرب الموروث  الثقافي وتنوعه  عبر  فرض  نمودج  magdonalisationثقافي على كل  شعوب  الأرض.

كذلك  العولمة  هي  إعادة  تشكيل  الاقتصاد  العالمي عبر  فرض تحرير  الاقتصادات  الوطنية وإدماجها في  منظومة  الإنتاج الرأسمالي  الشمولي، حيث يجري تحرير الاقتصادات  الوطنبة ورفع  الحواجز  الجمركية و مزيد  من  الضغط عبر  الابتزاز من خلال  فخ  المديونية، مما  يجعل فهم آلية  المديونية  مسألة  أساسية لأجل  فهم  منطق  العولمة  اللبرالية، حيث يمكن اعتبارها أداة  إجرائية لفرض  المنطق  النيوليبرالي.

العولمة  الليبرالية هي أيضا قرار سياسي، وهنا تجدر الإشارة إلى  اتفاقية واشنطن ( البنك العالمي-صندوق النقد الدولي-الخزينة الامريكية) في بداية  الثمانينات  وتتمحور  حول:

– تقليص النفقات العمومية للدولة  من خلال  تقليص الميزانية.

– سن  “إصلاح”  ضريبي كعامل  محفز  لاستثمار  الشركات.

– تحرير  المبادلات  عبر اتفاقيات  بينية و  خلق مناطق  حرة تتكلف  الدولة الوطنية  بتجهيزها على  حساب  دافعي  الضرائب الحقيقيين بطبيعة  الحال.

– إعادة  التقنين  على  أكثر  من مستوى: كإصلاح  مدونة  الشغل عبر  هشهشة  منظومة  التشغيل.

– سن  قانون  للاستثمار كسياسة لجذب  الرأسمال  العالمي عبر  إجراءات  تحفيزية.

– الخوصصة وتراجع  الدولة  كفاعل  اقتصادي وكأول  مشغل.

– الدفاع  عن  الملكية  الفكرية. BREVET*

كما أن العولمة  هي  أيضا  الدور  المتزايد  للشركات  المتعددة  الجنسيات، حيث  أصبح  لها  نفوذ يتجاوز  نفوذ  الدول، إذ  تشكل  75في  المائة  من  حجم  التجارة  العالمية إضافة  إلى  النشاط  البيني  بين  فروعه،  مما يجعلها  أكثر  حرية  في التملص من مراقبة  الدولة  والمساءلة  الديموقراطية، وهنا  تطرح  إشكالية  السيادة  والديموقراطية. كما  أن  دور  الشركات  المتعددة  الأوطان لها  دور  حاسم  في  إعادة  تشكيل  الاقتصاد  العالمي و قسمة  العمل  الدولي بدفع  الدولة  إلى  التراجع  كفاعل  اقتصادي وكأول  مشغل وكساهر  على  توزيع  النتاج  الاجتماعي،  فحجم  المعاملات بين  الفروع  البينية للشركة إضافة إلى  الحجم  الهائل  لتدفق  الأموال 1500 مليار دولار يوميا أغلبها منفلتة  من  المراقبة  يدفع  إلى  الكلام  عن  دور الدولة (السفارات تتحول  الى مجرد بعثات  تجارية) و البرلمانات ومستقبل  الديمقراطية.

وجه  آخر  للعولمة  هي  أيضا الدور  التي يلعبه   ص ن د—م ت ع—البنك  العالمي كحكومة  توتاليتارية  عالمية.

إن العولمة  هي  إعادة  تشكيل  عالم  شمولي لسوق الشغل  بالشكل  الذي تجد فيه نفسها  شغيلة  العالم  في وضعية  تنافس، و  يمكن  أن  نسوق  عدة  أمثلة كعملية  التشطير  بخلق  أقطاب  أو  المقاولة  من  الباطن،  كذلك  ترحيل  الصناعة  بحثا  عن  تنافسية  أكبر ( تكلفة  إنتاج  منخفضة  و سوق  عمل  مهشهشة وحوافز  ضريبية  وجمركية…المناطق  الحرة)  أيضا  مقاربة ليبرالية  للمنظومة  البشرية ( الكفاءة-طرق  التسيير..كالمناولة) إضافة  إلى  سلاح البطالة  الجماهيرية لإخضاع  الحركة  النقابية وترويضها.

 

الحركة  النقابية  والتدابير  الليبرالية

تمثل خوصصة القطاع العمومي في الحقل الإقتصادي السياسي مسألة ذات أهمية كبرى، إذا ما أخذنا بعين الإعتبار التداعيات الممكنة سياسيا و اجتماعيا، و التي قد تصل إلى هزات اجتماعية عصفت أو كادت بالعديد من الأنظمة و انهارت اقتصادات هنا و هناك، كما وصلت بعض الدول على مشارف السكتة القلبية.

أمام هذا الوضع، ارتأت الدوائر المالية العالمية و طبعا من خلال العديد من مراكز البحوث و المنظمات التابعة لها على مرافقة الحكومات المستهدفة من سياسات التقويم من خلال تتبع تعليمات و  توجيهات ليس من زاوية مالية صرفة و لكن من خلال مقاربة معينة للإقتصاد السياسي، الحكومات المعنية بالتقويم من شأنها تمريره بما يعني ذلك من خوصصة المرفق العام و نهج سياسة تقشفية و الهجوم على القدرة الشرائية لفئات واسعة من الشرائح الإجتماعية وتفكيك  المكتسبات  الاجتماعية و ذلك في أحسن الظروف و من دون ثمن سياسي أو إجتماعي محتمل، و تجنيب العملية أي مقاومة سياسية اجتماعية أو نقابية، و لو تعلق الأمر بتفويت قطاعات استراتيجية لحساب الرأسمال العالمي.

و إذا أخذنا بعين الإعتبار حالة المغرب تتجلى هذه المقاربة الإقتصادسياسية لعملية التقويم من خلال عدة أوراش، و المتجلية أساسا في التوافق المخزني السياسي و الاجتماعي، و ذلك بتأهيل الحقل السياسي و النقابي و تجديد نخبته السياسية.

إن خوصصة القطاع العام كمظهر بارز من مظاهر السياسة اللبرالية يطرح سؤالا حول القيمة المضافة التي تنتجها العملية من جهة، و من جهة أخرى الانعكاسات الحتمية على الوضع الاجتماعي، خاصة القدرة الشرائية و جودة الخدمات و مسالة السيادة.

إن القطاعات المستهدفة من خلال عملية التفويت لا تحددها حكومتنا، بل هي على العكس معدة سلفا من طرف الدوائر المالية من خلال مفاوضات الاقتراض و إعادة الجدولة، و تستهدف قطاعات إستراتيجية و ذات قيمة مضافة عالية، كما أن هذه العملية تستهدف هيكلة الاقتصاد الوطني و إدماجه في الاقتصاد العالمي بمنطق قسمة العمل  الدولي . حيث يمكن الجزم أن أي قطاع تتخلله أوراش(السكك-الهاتف…) هو نتيجة اقتراض دولي، مع ما يعني ذلك من أن الاقتراض الدولي هو في حد ذاته ضخ للرساميل الأجنبية في الاقتصاد الوطني و بالتالي هي عملية استثمار حقيقية يحكمها قانون الرأسمال و ليست بمنطق الصدقة و هذا ما يفسر عدم استثمار البنك الدولي في قطاعات كالتعليم و الصحة.

إن أهم ما أطر عملية تفويت القطاع العام هو خطاب الحسن الثاني في افتتاح الدورة الخريفية لسنة 1989 بالإضافة إلى قانون الخوصصة.

كما شكل تقرير البنك الدولي سنة 1995 تحولا هاما في تاريخ خوصصة المرفق العام، وعلى إثره خطاب الحسن الثاني و السكتة القلبية.

لقد تميز المناخ السياسي و الاجتماعي مباشرة بعد ذلك بالتوافق المخزني بين مؤسسة المخزن و الأحزاب الإدارية و الأحزاب الوطنية، هاته الأخيرة متمثلة في الكتلة الديمقراطية التي أضفت نوعا من الشرعية على هذا التوافق، حيث أصبحت الحكومة و كأنها نوعا من حكومة وحدة وطنية، و التي تتبع غالبا أزمات كبرى تصيب دولا هنا و هناك من بقاع المعمور، على مستوى آخر تميزت الحركة النقابية بالتفكك تحت  تاثير  أجندة سياسية لأحزاب  التوافق  المخزني مجردة من سلاح المقاومة للسياسات التقشفية و التي استهدفت خاصة فئات واسعة من الكادحين.

فالحركة النقابية تأثرت بشكل كبير بتأهيل الحقل السياسي و الاجتماعي، كما أن الحقل النقابي كان له نصيبه من التأهيل (إقرار  مدونة  تراجعية  – محاولة  تمرير  قانون  الإضراب- الهجوم  على  أنظمة  التقاعد  المغادرة  الطوعية….)، كان إطاره بطبيعة الحال الحوار الاجتماعي  الذي دشنه  اتفاق فاتح غشت 1996و الذي بقي على علاته و في مجمله حبرا على ورق.

فالتوافق الاجتماعي المخزني كان مقدمة لإبعاد النقابة من ساحة الصراع الاجتماعي و تدجين مضمونها الكفاحي، و يرجع سبب هذا التوافق إلى الأحزاب الوصية على بعض المركزيات أو الطابع البيروقراطي المحافظ لمركزيات أخرى، هذا التوافق يبقى إطارا مناسبا و مناخا جيدا لعملية تفويت المجال العمومي وتعميق  الهجوم  اللبرالي دون أدنى مقاومة سياسية أو اجتماعية، خاصة  على مستوى قطاعات استراتيجية حيث تدخل الأحزاب الوصية( إنزال  القرار  الحزبي  والبيروقراطي  بتفويض الصلاحيات و فعل  ما  شاء بمستقبل  العمال)  على الخط في محطات حاسمة من تبلور الصراع داخل بعض القطاعات و نسف كل الجهد  والتراكم الذي بذله النقابيون و العمال على حد سواء لخلق نوع من التوازن حتى لا تعصف الخوصصة بكل المكاسب.

هكذا تسقط النقابة في مرض انفصام الشخصية، فنجد بعض المناضلين كالببغاوات يرددون كلاما ليس بكلامهم، و عمال حائرون في أمرهم، و تبقى العملية كلها سوق بيد الوصولية و ( الدَّاما) لرموز البيروقراطية والانحراف.

لا شك أنه في كثير من الأحيان أدّت سياسة التقويم إلى احتقان اجتماعي و إفلاس لأنظمة في مناطق عدة من العالم مسببة لشعوبها حالة من “الكّاو” ( حرب أهلية، تفكك السلطة المركزية …)، كما أن الأنظمة الاستبدادية في كثير من الأحيان تجد في النعرات الدينية و العرقية و أزمات الحدود شكل من الهروب إلى الأمام لتحويل الأنظار عن جوهر المشكل.

و في هذا الحال عندما تفقد شرعيتها و مصداقيتها تترك سيادتها للدوائر المالية العالمية، فتلجأ هاته الأخيرة إلى تبرير هذا في هاته البلدان إلى غياب الديمقراطية و أدوات(الحكامة الجيدة) لتدبير الموارد التي في كثير من الأحيان كانت ضحية منشفة الرأسمال العالمي.

منشفة الرأسمال هاته ضحاياه كثر من كادحين و معطلين و متقاعدين من خلال سياسة أسعار ملتهبة و تراجع الخدمات الأساسية.

فماذا يا ترى يمكنها أن تفعل ديماغوجية(الحكامة الجيدة) لتصحيح ما خربته عقود من الفساد السياسي و الإداري و ديكتاتورية الرأسمال العالمي؟

لأنه في كثير من الأحيان تظهر(حكامة) التيقنوقراط و أطراف التوافق المخزني على أنها العصى السحرية لحل جميع المشاكل لكنها في الحقيقة لا تعدو أن تكون طبعة جديدة من برنامج التقويم الهيكلي بمقاربة اقتصاد سياسية،  لا يمكنها في أحسن الأحوال أن تحقق أكثر من إجماع لطبقة سياسية ثبت انصرافها و قطيعتها مع فئات واسعة من الجماهير الشعبية.

و ما عسى حكامة التقنوقراط أن تفعل في واقع حيث 3/1 من الميزانية يذهب إلى مجهود المديونية و الالتزامات الدولية، الرقم ينطق و تجلياته تظهر في جميع مناحي الحياة اليومية من مواد أساسية و خدمات اجتماعية، فلا غرابة إن قلنا أن كلفة المعيشة أغلى من مثيلاتها في إسبانيا، و بالتالي ماذا يمكن أن يفعل وزراء التقنقراط المثقلين بدبلوماتهم أكثر من تطبيق و ترجمة ما يمليه البنك الدولي.

تتجلى المقاربة الاقتصاد سياسية للهجوم  اللبرالي واحتواء  وضبط  الحركة  النقابية في  مايلي:

1.      التقليص من ميزانية الاستثمار لا يثير مشاكل على  سبيل  المثال 40 في المئة في المغرب  1995 في حين أن : برنامج يشهد من جميع المجموعات الاجتماعية يصعب تتطبيقه مقارنة مع برنامج تمييزي يستهدف مجموعة دون أخرى بالشكل الذي يحضى بدعم المجموعة الغير المستهدفة للسياسة الحكومية،

2.      الشيء الأكثر خطورة من الناحية السياسية هو اتخاذ إجراء شمولي من أجل حل أشكال مكرواقتصادية، على سبيل المثال فمن أجل تخفيض الأجور يجب تخفيضها في قطاع و تجميدها في قطاع و رفعها في قطاع  ذو مردودية سياسية (استثناء عمال  النسيج من الزيادة  الأخيرة  بمبرر وضع النسيج في السوق العالمية)

3.      يمكن أن نقدم الكثير من الاجراءات التي لا تثير الكثير من المتاعب السياسية. لأجل حصر عجز الميزانية  يجري تقليص كبير للاستثمار العمومي و تخفيض من ميزانية التسيير لأنه لا يخلق الكثير من الصعوبات السياسية. و إذا ما خفض من ميزانية التسيير يجب أن لا يخفض من حجم الخدمات(إثقال كاهل الشغيلة).

4.      يستحسن استبعاد حذف دعم المواد الأساسية بشكل مفاجئ الشيء الذي ينتج عنه اشتعال الأسعار بشكل مفاجئ مع  مايعني  ذلك  من تفجير  للوضع  الاجتماعي.

5.      وضعية رئيس الدولة تشكل الرأسمال الحقيقي لإنجاح أي إصلاح  و بالتالي فالتحكم في المؤسسة التشريعية و التنفيذية و التحكم في النقابات يشكل الوضع المثالي لإنجاز أي تقويم.

ماذا يفعل وزراء حكومتنا أكثر من تنفيذ ما  حدد لهم  سلفا في  الدوائر المالية  الدولية و منظمات البحث التابعة  لها؟

 

النتائج الاجتماعية للتقويم:

إن الهجوم الليبرالي له نتائج وخيمة اجتماعيا و اقتصاديا لكن وزراء التكنوقراط يحاولون أن يغطوا الشمس بالغربال، فهذا وزير التشغيل يصرح يوم 9/4/2007 أن الأجور مرتفعة في المغرب و هي تشكل عائقا أمام الاستثمار الخارجي كلامه هذا ينسجم مع ما يقوله البنك الدولي في أن ( مؤسسة الحد الأدنى لأجور غير مبررة في دول ذات دخل متوسط)، و في سياق آخر يصرح وزير تحديث القطاعات في معرض دفاعه عن الزيادة في فاتورة الكهرباء و الماء، حيث يقول بأن التسعيرة تخضع لمنطق السوق و تقلباته، في حين نسي السيد الوزير أن في المغرب لا وجود لسوق الكهرباء و لا لسوق الماء و لا وجود حتى لسوق الهاتف لسبب بسيط هو الطابع الاحتكاري الذي يميز هذه القطاعات  من جهة و من جهة أخرى من خلال وكالات حكومية…… في حالة الهاتف تحدد بشكل ضمني التسعيرة من خلال جلسات التحكيم التي تقوم بها بين جميع المتدخلين في قطاع الهاتف على سبيل المثال و تكون غالبا على حساب المستهلك.

إن الأسعار و حقيقتها “طابو” في بلد كالمغرب، فغياب نقاش عمومي حول حقيقة الأسعار يثير أكثر من تساؤل حول الجهة أو الطريقة التي تحدد بها التسعيرة في جميع مناحي الحياة خاصة الأساسية منها. و يبقى مجهود جمعيات حماية المستهلك دون المستوى يعوزها الكثير من الاستقلالية و وضوح الرؤية حتى لا تصبح عرضة للاحتجاج كما حصل مع فاتورة الكهرباء.

الأكيد أن الحكومة بوزرائها المثقلين بدبلوماتهم يتمترسون دائما وراء (منطق السوق) محاولين إضفاء عليه طابع كقوة فوق طبيعية ونوع من القدر المحتوم، و يحاولون أن ينسوننا هول المديونية التي أثقلت كاهلنا من خلال هاته الأسعار الملتهبة، فثلث ميزانية الدولة تمتصه آلية المديونية و هاته حقيقة لا يمكن لهم إخفاؤها و هي حاضرة في أسعار المواد الأساسية و الخدمات و بادية أيضا في نوع البنية التحتية التي يقترحونها علينا. و في هذا الإطار أصبح من اختصاص بعض القوى السياسية بيع الوهم و جرعات الأمل من خلال ما نراه من مشاريع و أوراش لا تثير إلا الغبار، مُوهِمِينَنَا بأن شيء ما يحدث و أن قاطرة التنمية تسير. فكان مبررها بأن هدأ لغطها و ضجيجها الذي ملأت به الدنيا و كان مؤشرا على إفلاس مشروعها (التقدمي) و الذي بالمناسبة لا يعدو أن يكون مشروع (سلم 11) و قد انتهى  مع المغادرة الطوعية.

 

سؤال الفعل النقابي

يتميز الحقل النقابي بالمغرب بالبلقنة و الذيلية و التمييع بعيدا عن نوع من النقابة يكون فيها العمال  أسياد أنفسهم لا مريدي أو رعايا البيروقراطية  النقابية والسياسية فيتنظمون و ينتظمون و يتضامنون. فمن جهة هجوم الباترونا على العمال و مكتسباتهم، من تسريح و إغلاق المعامل و ضرب العمل النقابي المنظم والمنتظم و المتضامن، و من جهة أخرى القيادة النقابية في شخص البيروقراطية النقابية المستمرة في صمتها و انتظاريتها اتجاه قضايا الملف الاجتماعي الساخن من طرد و تسريح و إغلاق المعامل و تجميد الأجور و الهجوم على القدرة الشرائية و البطالة إلخ…

هذا الصمت و الانتظارية و تعويم الصراع الذي تنهجه البيروقراطية هو ثمرة التوافق الاجتماعي المخزني الذي كانت النقابات طرفا فيه، و ذلك على حساب العمال مرورا من مدونة الشغل التي تكرس هشاشة و ليونة العمل كنوع من الحافز اتجاه الرأسمال العالمي بغية جلب الاستثمار، إلى حوارات اجتماعية فارغة يخيم عليها منطق الواقعية النقابية تحت تأثير الجفاف و الالتزامات الدولية و العولمة و ظروف المنافسة الحادة و هشاشة المقاولة المغربية. فما على العمال إلا أن يقبلوا بأي شيء إرضاء لجشع الباترونا و نزولا عند رغبة البيروقراطية.

وضع على هذا الشكل كان وراء حمّى الفئوية حيث أصبحنا نرى فئات هنا و هناك تنتظم للدفاع عن ملفاتها النقابية ضدا على الوصاية البيروقراطية (مهندسون، متصرفون، فئات تعليمية…) فأصبح التذمر من العمل النقابي و إدانة الديناصورات النقابية سيد الموقف. كما أن الوصولية و الانتهازية سمات تميز العمل النقابي و أضحى مهنة و وسيلة للارتقاء الاجتماعي كالوصول إلى كرسي داخل مجلس المستشارين (الدامة) أو الظفر بأحد مفاتيح جمعيات الأعمال الاجتماعية أو التعاضديات (الرضاعة) إنها الدعارة النقابية، حيث نجد من أقسموا  على تفتيت العمل النقابي و ضربه و تمييعه و ممن ظلت أفواههم ملتصقة بالرضاعة على امتداد سنين يطالبون بدون استحياء بدمقرطة الأعمال الاجتماعية، دعارة أخرى تنضاف عندما نجد بيان فاتح ماي لإحدى نقابات (الحداثة) تقتصر في ندائها على مستخدمي الوظيفة العمومية و تستثني عمال القطاع الخاص و العمال الزراعيين و عمال البناء مخافة من أن تتسخ ربطات عنقهم بعرق البذلة الزرقاء، إنها نقابة حزب الاقمصة  البيضاء على حد تعبير بولونتزاس و التي يريدونها مغازلة للباترونا و ديكتاتورية الرأسمال. كما يهدفون من جملة ما يهدفون إلى الرفع من أسهم أحزابهم في بورصة معتملات الحقائب الوزارية.كما  يمكن  أن  نتكلم عن قطاعات  خالية  من  العمل  النقابي كالمناطق  الحرة والأحياء  الصناعية (طنجة مثلا). إن أي قراءة للحقل النقابي تمكننا من تمييز الكائنات النقابية التالية:

نقابة حزبية: تطبع غالبية المكونات النقابية حيث تصير مجرد ملحق تنظيمي لحزب من الأحزاب الأم، الإيقاع نفسه إيقاع الحزب كلما تعلق الأمر بمجموعة من الملفات، كما أن فضاء النقابة يبقى مجال للاستقطاب الحزبي عبر الإكراه التنظيمي فينضاف إلى استبداد البيروقراطية النقابية استبداد البيروقراطية السياسية للحزب الوصي.

نقابة العشيرة و الدوار: أصبح هذا النوع من النقابة يكتسح الساحة النقابية و السبب يرجع إلى ضرورة تحصين محيط الزعيم القائد بعناصر أمينة و لها ولاء مطلق له و تنحدر من نفس الدوار و العشيرة الذي ينحدر منها الزعيم بغية تكريس السلطة المطلقة له و إبعاد الأصوات التي تثير المشاكل و لو في صيغة (عزل إداري) كما ألفتنا بعض النقابات هذه الأيام.

فقد تلجأ نقابة العشيرة و الدوار إلى تقنية افتحاص الحامض النووي لتحديد مدى ولاء أي نقابي .

نقابة الدار: إذا كانت النقابة شر لا مفر منه، فلا بأس حين تلجأ الباترونا في بعض القطاعات (…. السياحة …) إلى فبركة مكاتب نقابية تحت الطلب  لتدجين العمال و قطع الطريق على كل من سولت له نفسه مقاومة تعسف الباترونا و نقابة الدار و فضح الفساد و الحيف الذي يطالهم، حيث في كثير من الأحيان تلجأ الباترونا إلى تشجيع هؤلاء الممثلين النقابيين فوق العادة بأظْرِفَة مالية و علاوات مكرِّسة بذلك الانحراف النقابي و الأخلاقي في كل تجلياته.

فهل يحصل أن تتضامن نقابة الدار مع عمال النسيج و البناء و العمال الزراعيين؟ أكيد هذا لن يحصل في ظِل التوافق الاجتماعي المخزني و التعسف البيروقراطي،

نقابة الإسلام العمالي:  ظاهرة نقابية بدأ نجمها يصعد لسبب من جهة الفساد البيروقراطي و هجوم الباترونا و من جهة أخرى دعم المخزن في إطار ما يسمى بتأهيل المجال السياسي و الديني، هذا الدعم واضح من خلال الحوار الاجتماعي.

كما يبدو جليا تخصص نقابة (الإسلام النقابي) في قطاعات تعتبرها البيروقراطيات الأخرى (أوراق محروقة) و التي تشهد توترا (ديلفي- ديوهريست…) و ذلك ليس حبا في العمال و قضاياهم و لكن فقط  للمزايدة  السياسية و كحضور في حقل اجتماعي أساسي في وقت أصبحت قوى الإسلام السياسي ينحو اهتمامها منحى الاهتمام بأمور (الدنيا) و عدم اقتصارها على أمور (الآخرة).

على صعيد آخر ساعد صعود نجم نقابة (الإسلام النقابي) بعد تراجع قوى تقليدية في مجال الحقل النقابي و كذلك سياسة (حسن النوايا) بين السلطة و تيار الإسلام السياسي.

إن تفحص هاته (الأنواع) النقابية يظهر أن  مايميزها هو تدجين العمال و بيع الوهم و الديماغوجية و بضاعة الانتظارية تحت يافطة الواقية النقابية.

فلا يجب أن نتفاجأ حين نجد أن زعيما قحا  يحاكم بسبب الفساد المالي و الإداري فليس العمال من أبعدوه و لكن من أبعده من النقابة هو الحزب لأنه يشكل (منتف) الحزب .

قادة آخرون يمكن وصفهم بسلاحف الكالاباكوص لأنهم يعمرون كثيرا في كراسيهم حيث يمكن أن نجد في فرنسا أو إسبانيا عدة أجيال نقابية تعاقبت  على قيادة النقابة  أحياء و تقاعدوا من العمل النقابي، لكن لن تجد زعيما نقابي في المغرب إلا و انتهت ولايته في القبر. هؤلاء في برجهم العاجي يحيطون أنفسهم بنوع من التقديس فلا خرجات إعلامية ولا مواقف من السياسة الحكومية خاصة في هذا الظرف الذي يشتد فيه الهجوم الليبرالي (الصمت حكمة).

لقد أدى التضييق البيروقراطي إلى نزوح عدد من النقابيين (جبروها سبا) إلى فضاء جمعيات المجتمع المدني مجسدين بذلك نزوعاتهم  اليسراوية للبرجوازية الصغيرة و الخطاب المزدوج و كثرة الضجيج.

هذا النزيف النقابي لهؤلاء الرفاق ينم كذلك عن نزعة تاريخية للانتهازية اليسارية البرجوازية الصغيرة التي كانت تجد تمظهراتها تاريخيا في ظاهرة (الرفاقية  أطرت جيلا من المناضلين.كظاهرة  مجتمعية و ليس تيارا سياسيا له مشروع مجتمعي هذا السبب من وراء نبذها لأي نزعة عمالية.الشيء الذي ساهم في  إجهاض بلورة أي تيار عمالي وسط  الحركة  النقابية، إضافة إلى هاته الانتهازية اليسارية نجد انتهازية يمينية تختزل النقابة كمهنة فهذا النزيف يحضى بدعم من الدوائر المخزنية لأنه يعمل على فرز نخب محلية موالية له و يحضى بدعم و مساندة المؤسسات المالية العالمية كشكل من (الرضاعة) لهاته الشرائح المجتمعية التي تتقن لعبة الضجيج، و عقابا للسلطة السياسية التي تتمادى في فسادها، و كشكل من توزيع الثروة  يقترحه البنك الدولي و الذي يقتصر على النخب الأكثر ضجيجا

 

خاتمة:

في ظل الهجوم الليبرالي الواسع و في ظل انحسار و تفكك عناصر مقاومته يبقى السؤال الكبير ما العمل؟

الجواب على هذا السؤال يبدأ أولا من أن تكف النقابة أن تصير (مهنة) أو حرفة للارتزاق و ثانيا أن تكون تنظيما للمعنيين بالأمر بعيدا عن استلاب جوهر العمل النقابي.

إن دمقرطة الأجهزة النقابية و التضامن العمالي من جهة و تأطير و تنظيم و تعبئة ضحايا الهجوم الليبرالي المباشرين و غير المباشرين من جهة هو الكفيل بوقفه و الحد من نتائجه الكارثية اجتماعيا اقتصاديا و سياسيا. فإعادة الاعتبار إلى النقابة يبدأ بدمقرطتها نحو نقابة ديمقراطية عمالية متضامنة و من خلال:

دمقرطة التمثيلية: سواء كانت داخل مجلس المستشارين أو داخل مجلس الإدارة للمؤسسات أو اللجان المتساوية الأعضاء و لجان السلامة و يمكن اقتراح والبحث عن آليات لذلك

دمقرطة الشؤون الاجتماعية: تمثل الشؤون الاجتماعية عنصر الانحراف و الفساد النقابي و التبقرط حيث تصبح هذه الفئة من البيروقراطية طبقة قائمة بذاتها لها مصالح واضحة، كما تعمل على إعادة إنتاج هيمنتها على النقابة و تكريس الفساد و الميوعة و نسف أي عمل نقابي عمالي متضامن.

عمل نقابي موحد و متضامن: إن وحدة العمال و تضامنهم هو الكفيل بتحقيق مطالبهم كما أنه الكفيل بخلق قوة ضاغطة وازنة ضد التوجهات الليبرالية المتوحشة.

إن سؤال التضامن العمالي هو المؤشر الحقيقي الذي يعكس فعليا وضعية وسلامة الحقل النقابي و مدى قوته أو ضعفه. فغيابه هو نتيجة خطة ممنهجة لعملية نسف حقيقية تعرض لها من خلال التوافق الاجتماعي المخزني التي كانت البيروقراطية النقابية طرفا فيه. هذا الغياب جعل الباترونا تعمق من هجمتها في كثير من القطاعات دون أن تحرك البيروقراطية ساكنا مخافة الإحراج من مناخ يسوده التوافق المخزني (الصمت حكمة). إن التضامن العمالي يعني تسييس الملف الاجتماعي بشكل واضح، لكن القيادات البيروقراطية تفضل تجزيء الملف الاجتماعي و تكريس الفئوية و التحيز لفئة اجتماعية و ملفات دون أخرى ذات المردودية السياسية كالتي يقترحها البنك الدولي. إضافة إلى نهج سرية المفاوضات في محطات حاسمة تتوج بتصريحات مشتركة لا يكون العمال فيها طرفا كما لا تعني لهم شيء، إذ تبرر البيروقراطية ذلك بالجفاف و المناخ الدولي و وضعية المؤسسة و ظروف المنافسة تحت يافطة (الواقعية النقابية) و ( نقابة الحداثة).

دمقرطة تدبير  المعارك  العمالية  من  خلال إعادة  الاعتبار  للأجهزة  النقابية، حرية  التعبير، شفافية  المفاوضات والتسيير  المالي و الإداري واحترام قرارات الأجهزة النقابية.

إعادة  تسييس  الحركة  النقابية  من خلال إعادة صياغة  عمالية  لعلاقة  السياسي بالنقابي. فتسييس  الحركة  النقابية  لا يعني تحزيبها  وتدجينها  حزبيا بل فهم لميكانيزمات  الهجوم  الليبرالي وأدواته  السياسية

الذاكرة العمالية و التأسيس  لتقاليد  عمالية  في  التأطير  والتضامن  وتدبير  المعارك فليس  من  الطبيعي أن  يسقط  آداؤنا  في  أخطاء  وقعنا  فيها  قبل  عشر  سنوات  خلت (إعادة  تكرار  الهزائم).عشرة  سنين  الأخيرة  كانت  بعشرات  الهزائم  للطبقة  العاملة حوصصة القطاع  العام وتفكيكه وعشرات  المعامل وعشرات  الآلاف من  المسرحين. و نأتي  اليوم  و كأن  شيء  لم  يقع.

القطاعات  الغير  منظمة وهي  بالمناسبة قطاعات  أصبحت  في  تطور  مُطَّرِد  في  ظل  العولمة  الليبرالية و يبقى  التفكير في  الانحراط  الفردي كأحد  الحلول  الممكنة .لقد  عاينّا البيروقراطية تطرد و لا تقبل  قطاعات  برمتها (قطاعات محروقة-أو دون مردودية)

تانيث النقابة حيث أصبحت  المراة أكثر  عرضة  للاضطهاد. ففي ظروف  العولمة ومن خلال تحويل مُطّرِد لبعض  الصناعات (النسيج  الالكترونيات والكابلاج) قدمت  المرأة فاتورة  ثقيلة من خلال غياب  التنظيم  النقابي في  قطاعات  بأكملها المناطق  الحرة  على سبيل  المثال.

إن أكبر شيء يمكن  أن تفتخر به  ديناصورات البيروقراطية النقابية هي أنها جعلت

قطاعات بأكملها  من دون نقابة.

 

 قانوني إبراهيم

أطاك  طنجة

سبق نشر الموضوع بالموقع الالكتروني السابق لجمعية أطاك المغرب:  www.maroc.attac.org

 

زر الذهاب إلى الأعلى