الديون

الاستفتاء على الدستور : بعد النتيجة الحسنية ، لتبدأ الاحتفالات على الطريقة الحسنية!

التقدم الديمقراطي الحقيقي لا يتمثل في خفض مستوى النخبة إلى الحشد،ولكن
 في رفع الحشد إلى مستوى النخبة “- غوستاف لوبون –  “البارحة و غدا”
 

بعد إغلاق مراكز الاقتراع والبيان الذي أدلى به وزير الداخلية حول نتائج الاستفتاء ليلة الجمعة الماضي، احتفل النظام المغربي حسب تقاليده المخزنية ب”النصر” المبين الذي حققه بمباركة “أغلبية” الشعب على دستور المعتصم و المانوني. دستور ثم تقديمه من طرف الملك قبل أقل من 10 أيام في خطاب “تاريخي” ليوم 17 يونيو شأنه في ذلك شأن كل خطابات الملك. عشرة أيام قرر النظام بأنها كافية من أجل أن يستوعب شعبه الذي تفوق نسبة أميته 50 في المائة من أجل فهم مضامين و مقاصد الفصول المائة و الثمانون (180) التي يحتوي عليها هذا الدستور. عشرة أيام قرر النظام أنها كافية لمناقشة دستور و “لأول مرة في تاريخ بلادنا، من صنع المغاربة، ولأجل جميع المغاربة” حسب تعبير الملك في نفس الخطاب.

سارع النظام إذن في الإعلان عن انتصاره على  معارضيه من إسلاميين و يساريين و مواطنين نزلوا بمئات الآلف في أزيد من 115 مدينة و إقليم منذ 20 فبراير، مواطنون مغاربة لا تقل مغربيتهم عن عشرات البلطجية و “بوشاقورات” البؤساء الذين يجيشهم النظام و أزلامه و يستغلون فقرهم المادي و المعنوي الذي خلفته سياساتهم منذ أكثر من نصف قرن.

الخروقات التي سبقت عملية الاستفتاء

إن المتتبع المحايد لعملية الانتخابات لا يمكنه أن يفوت عدد كبير من الخروقات التي قامت بها الدولة حتى قبل التصويت على الدستور. من بين هذه الخروقات تعتبر دعوة المواطنين للتصويت بنعم في خطاب 17 يونيو حملة انتخابية سابقة لأوانها. كذلك تعبئة المقدمية و الشيوخ من أجل إخراج الناس للتعبير عن سعادتهم بالمشروع الجديد حتى قبل انتهاء الخطاب و تغطية ذلك من طرف كل القنوات التلفزية الرسمية و الحديث عن اجماع وطني حتى قبل السماح للمواطنين للإدلاء برأيهم من مشروع الملك يعد خرقا للمنهجية الديمقراطية التي يتحدثون عنها صباح مساء. عرفت تدخلات المنظمات عبر التلفزة تقسيما دكتاتوريا للوقت بين المؤيدين و المعارضين. المنهجية الديمقراطية كما أفهمها و التي لا تقبل الاستثناء كانت تستدعي تقسيمه مناصفة بين المساندين له و المعارضين و ليس بين الأحزاب و المنظمات النقابية لأن التصويت لم يكن على هذه الأحزاب أو برامجها و لكن على الدستور خاصة و أن 99 في المائة منها خاضعة للقصر و تأتمر بأوامره و كانت قبل مدة قصيرة ضد أي تعديلات دستورية و هاهي اليوم تطبل للدستور الجديد. كما أن هذه الأحزاب لا يمكنها أن تدعي تمثيل المغاربة خاصة بعد فضيحة انتخابات 2007 حيث أن كل هذه الأحزاب  مجتمعة و رغم كل الإمكانيات التي منحت لها من أموال دافعي الضرائب (فلوس الشعب) لم تستطع شد انتباه أكثر من 23 في المائة من المغاربة.

أرقام وزير الداخلية حول الاستفتاء: قراءة أخرى ممكنة

هناك مجموعة من المؤشرات الموضوعية التي تدفعنا إلى التشكيك في الأرقام التي قدمها وزير الداخلية السيد الشرقاوي. من بين هذه المؤشرات هناك أولا إشراف نفس الطاقم المجرب تتلمذ على يد وزير الداخلية الأسبق البصري و سهر على تزوير كافة العمليات الانتخابية السابقة. كذلك انعدام أبجديات التنظيم المحايد و المستقل لعملية التصويت على الدستور و هنا تبقى شهادات المواطنين عبر اليوتوب و كذلك شهادة “علي بوعبيد”[i] أكثر من دالة من حيث طريقة احتساب الأصوات و ضبطها.  دون الحديث عن طريقة توزيع البطائق الشبه إلزامية و التي لم تستتني حتى الأموات[ii].

 رغم كل ذلك سأحاول إعطاء قراءة مغايرة لهذه الأرقام التي أعلنها وزير الداخلية في ندوة صحفية فريدة من نوعها و تؤكد الاستثناء المغربي حيت يكتفى الوزير بتلاوة بيانات معدة سلفا و يستثني أسئلة الصحافيين[iii] :

حسب الوزير بلغ عدد المصوتين 9 المليون و 881 ألف من بين 13 مليون و 451 ألف المسجلين أي بنسبة مشاركة تبلغ 73.46 في المائة.  حسب نفس المصدر بلغ عدد المصوتين ب` ” نعم ” 9 المليون و 653 ألف أي بنسبة 98.50 في المائة. في الوقت الذي يريد الإعلام الرسمي تسويق هذا الرقم كما لو أن 98.50 في المائة من المغاربة صوتوا لصالح الدستور الممنوح فبنظرة متأنية و حساب بسيط يمكننا أن نبرهن على أن هذه النسبة و بالاعتماد على أرقام وزارة الداخلية نفسها لا تتجاوز 42 في المائة من مجموع الناخبين في أحسن الأحوال. فحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط يقدر عدد سكان المغرب لهذه السنة 2011 ب 32 مليون و 187 ألف نسمة تقريبا[iv] .بدون احتساب الأجانب المقيمين بالمغرب الذين يقدرون ب 80 ألف مقيم على أقصى تقدير يشكل الناخبون أي ما يفوق سنهم 18 سنة 65 في المائة بالاعتماد على نفس النسبة لسنة 2010 أي 20 مليون و 916 ألف. إذا أضفنا إليهم المغاربة المقيمين بالخارج و يقدرون ب 3 المليون و 200 ألف[v] و نفترض أن نسبة الناخبين أي أكثر من 18 سنة هي نفس النسبة السابقة 65 في المائة نستنتج أن عددهم هو حوالي 2 المليون و 84 ألف.  إذن عدد الناخبين المغاربة في العالم هو حوالي 23 مليون و ليس فقط 13مليون و451 ألف المسجلين حسب وزارة الداخلية دون الحديث عن مشاركة رجال الأمن و العسكر التي ساهمت في النفخ في نتائج المشاركة و التصويت بنعم.  و بالتالي فالنسبة الحقيقة سواء نسبة المشاركة أو المقاطعة أو نسبة المصوتين بنعم يجب أن تحسب على أساس العدد الإجمالي للمواطنين المغاربة الذين يحق لهم التصويت.  و إذا كان من الصعب أن نعلن أن نسبة 57 في المائة التي لم تشارك في الاستفتاء كلها قد قاطعت الاستفتاء من منطلق موقف سياسي واعي للانعدام شروط النزاهة و عدم احترام المنهجية الديمقراطية منذ صياغة الدستور بتفضيل لجنة معينة من طرف الملك عوض لجنة منتخبة من طرف الشعب فلا يمكن البتة قبول تجاهل الدولة لهذا العدد الكبير من المواطنين المغاربة الذين فضلوا عدم المشاركة.

للأسف أن العديد من القنوات التلفزية العالمية و في انحياز كبير، خاصة قناة الجزيرة، لم تكلف نفسها عناء التحقق من الأرقام الرسمية و تبنت في معظم نشراتها الرواية الرسمية.  و هو الشيء الذي يطرح أكثر من علامة استفهام على مهنيتها و مصداقيتها خاصة بعد سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها في التعاطي مع الصيرورة الثورية التي تعرفها المنطقة العربية ككل. سياسة تؤكد الشكوك التي تحوم حول صفقة تكون قد أبرمتها القناة و من ورائها دولة قطر و ربما السعودية و أمريكا من اجل تفادي تغطية ما يقع في بعض البلدان منها المغرب البحرين و الأردن و التركيز على أخرى سوريا و ليبيا … خاصة بعد زيارة عباس الفاسي لأمير قطر في 25 فبراير أي خمسة أيام بعد انطلاق التظاهر بالمغرب و السماح للقناة بالاشتغال من المغرب قبيل الاستفتاء بعد منع طالها منذ أكتوبر 2010.

 بعد النتيجة الحسنية، لتبدأ الاحتفالات على الطريقة الحسنية!

مباشرة بعد الإعلان عن النتائج سارع النظام المغربي بتعبئة كل وسائله و أعوانه و تسخير مجموعة من “الحياحة” و “العياشة ” سواء في القنوات التلفزية أو في الشوارع من اجل إقناع المغاربة سواء من صوت أو حتى من لم يصوت من اجل أن يفرحوا رغما عنهم بهذا الحدث التاريخي “العظيم”.  لكن قمة التعبئة شهدتها و بصدفة غريبة و في نفس التوقيت شوارع المدن التي دعت فيها حركة 20 فبراير للتظاهر عشية يوم الأحد 03 يوليوز 2011. ففي مدينة البيضاء مثلا و دقائق قليلة قبل انطلاق المسيرة الاحتجاجية التي دعت لها تنسيقية 20 فبراير في البيضاء نصبت عشرات الخيام و تعالت أصوات أكثر من 20 “صونو” و مكبرات صوتية بشارع الشجر بحي سباتة بأهازيج متنوعة من الأغاني (الشعبي، الستاتي، دقة المراكشية، اغنية المسيرة الخضراء،… ) بحضور مجموعات موسيقية تم اكترائها لتغني للدستور الجديد في مشهد بئيس يردد فيه بعض من ولاد و بنات الشعب شعارات من قبيل “السرورات على الدستور، الحجابات على الدستور …”. مشهد بئيس يذكر بمشاهد الاحتفالات بعيد العرش في عهد الحسن الثاني حين كانت تُستقدم المجموعات الغنائية الشعبية المتنوعة و تطبخ المؤكولات و توزع المشروبات على الحاضرين من أموال دافعي الضرائب و هو ما يعد الأمس كما اليوم تبذيرا للمال العام وجب محاسبة المسئولين عنه.  

لا للاستسلام لديكتاتورية “أخف الأضرار” “La dictature du moindre mal “[vi]

نجد نفسنا اليوم إذا و كما كان عليه الحال عدة مرات في تاريخ بلدنا أمام مفترق للطرق بين منطقين متناقضين الأول يقضي بضرورة القبول بفتات التغيير الذي يجود به النظام المغربي اليوم تحت ضغط الشارع و ضغط السياق الإقليمي و بين منطق يقضي بضرورة مواصلة النضال  من أجل انتزاع مكتسبات ديمقراطية حقيقية. للأسف تاريخنا حامل بالفرص الضائعة و بتفضيل جزء مهم من النخبة المغربية للخيار السهل أو بالأحرى الخيار “الجبان” تحت ذريعة “أخف الأضرار” خيار كلف شعبنا سنوات من التخلف و الفقر و الأمية. شباب 20 فبراير اختاروا و عبروا من خلال المسيرات الحاشدة التي خرجت نهاية هذا الأسبوع على تفضيلهم لخيار مواصلة النضال حتى تحقيق كل مطالبها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و عدم الرضوخ لديكتاتورية “أخف الأضرار” فهل يلتحق  الديمقراطيون الصادقون بصمود شباب 20 فبراير و يستفيدون من دروس تاريخنا ؟

م.جواد
 الجديدة – 05 يوليوز 2011


[i]  انظر شهادة علي بوعبيد على موقع لكم مباشرة بعد مشاركته في الاستفتاء حيت قال أنه أحس بالمرارة لما رآه من خروقات

[ii]  سجل المواطنون بعض الحالات لمواطنين توصلوا ببطائق أحد أقربائهم رغم وفاته.

“[iii]  انظر في هذا المجال شهادة الصحفي صلاح المعيزي على فايسبوك في مقال تحت عنوان : « Le Maroc des petits rois »

[iv]  الأرقام متوفرة على موقع المندوبية على العنوان التالي : http://www.hcp.ma

[v]  حسب الموقع الرسمي لمغاربة العالم على العنوان التالي : http://www.marocainsdumonde.gov.ma

[vi] “المستحيل، يقع” « L’impossible arrive »سيرج حليمي، لوموند ديبلوماتيك فبراير 2011

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى