الديون

جريمة “أركانة” : في البحث عن إجماع جديد

أغلب الضحايا سياح لم تثنيهم الاحتجاجات الشعبية عن زيارة المدينة، نضالات و مسيرات سلمية تنظم بشكل دوري بالمدينة الحمراء من طرف شابات و شباب 20 فبراير منذ أزيد من شهرين كان آخرها المسيرة الرائعة التي نظمت يوم الأحد الماضي و جابت شوارع المدينة دون أدنى حادث يذكر.

حزن عميق عن منفذ العملية الانتحارية (إذا صدقت رواية الداخلية حتى الآن) حيث يصعب علي تخيل ما يدور في رأسه دقائق قبل تنفيذ عمليته و كيف يمكنه تبرير فعلته هاته.

حزن عميق على عجز الأجهزة الأمنية التي تمتص جزءا هاما من أموال دافعي الضرائب على حماية أحد المناطق الأكثر شهرة في المدينة الأكثر زيارة من طرف السياح في المغرب و ربما في المنطقة ككل. أجهزة أمنية نجدها مجتهدة و “بارعة” في قمع و تعقب المناضلين و شرفاء هذا الوطن.

حزن عميق عن الوضع السياسي، الاقتصادي و الثقافي المنحط الذي شكل دوما الأرض الخصبة للمسئولين المباشرين و الغير مباشرين عن مثل هذه الجرائم الشنعاء في إطار الهمجية المعولمة التي يعيشها عالمنا اليوم أو ما يدعى بصراع الهمجيات حسب تعبير “جلبير الأشقر”[i].

حزن عميق على نوايا مسئولينا الحكوميين و حتى بعض السياسيين الذين سارعوا إلى استغلال هذه الأحداث من أجل الحديث مرة أخرى عن تهديد الاستقرار و ضرورة التصدي بحزم لمن يهدد أمن البلاد بطبيعة الحال و حتى الدفاع عن التراجعات في حقوق الإنسان و الحريات العامة و على رأسها قانون الإرهاب السيئ الذكر.

إن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو من له المصلحة  في توجيه ضربة كهاته و خلق جو من الرعب و الترهيب في هذه الظروف التي تتميز بالتعبئة الرائعة و المتزايدة التي يعرفها المغرب منذ 20 فبراير كان آخرها مسيرات الأحد الماضي 24 أبريل التي عرفت مشاركة قياسية من حيت الأعداد 800 ألف و كذلك عدد المدن الذي انتقل من 53 إلى أزيد من 106 مدينة و هو ما عملت جل وسائل الإعلام الرسمية و الشبه المستقلة على تجاهله أو حتى التنقيص من أهميته أو إعلان تراجعه.

التصريحات المتسرعة و المتسارعة للعديد من المسئولين و السياسيين المحسوبين على دار المخزن ينذر بمحاولة استثمار هذه الأحداث لمهاجمة تطلعات المناضلين و المواطنين المطالبين بالمزيد من الحريات و ذلك بالإشارة مجددا إلى الاستثناء المغربي و “الاستقرار” الذي ينعم به المغاربة … و غيرها من التلميحات للمدافعين عن الوضع القائم – Le statuquo. تصريحات تذكر للأسف بتلك التي ثم التعبير عنها مباشرة بعد أحداث 16 ماي 2003 التي نتذكر جميعا كيف تم استغلالها من أجل اعتقال و تعذيب العديد من المواطنين الأبرياء و تمرير العديد من القوانين التراجعية و تكميم الأفواه باعتماد إستراتيجية الصدمة – La stratégie du choc  – الأمريكية  الصنع باستغلال الحالات الاستثنائية (كوارث بيئية كحالة كاترينا أو تسونامي سيريلانكا، حروب طاحنة كحالة العراق أو هجمات إرهابية كحالة الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في 11 شتنبر 2001) التي يتعرض لها مجتمع ما من أجل تمرير مخططات و قوانين يصعب تمريرها في الأوقات العادية[ii].

تصريحات تنبئ بأن الماسكين بزمام الأمور سيعيدون مسرحية مسيرة البيضاء بعد أحداث مخيم اكديم إيزيك بالعيون[iii]  و سيتم مرة أخرى اقتياد مواطنين من مختلف المناطق مع استعمال كل موارد الدولة من إعلام رسمي و وسائل نقل عمومية و  غيره و تجييش أعوان السلطة في مسيرة رسمية يتقدمها وزراء و مسئولون قد تعيدهم هذه الأحداث إلى الواجهة أمثال لشكر و بنكيران و بيد الله و …. بعد ما تواروا عن الأنظار و قد لفظتهم حركة شباب 20 فبراير.

مسيرة يبحث فيها الماسكون بزمام الأمور عن إجماع جديد يرمم الصدع الذي خلفه تسونامي 20 فبراير حتى داخل الأجهزة القمعية و هو ما يفسر تذبذبها في التعاطي مع الحركة. إجماع يغطي و يحجب مرة أخرى أو على الأقل يوقف تنامي وعي أعداد متزايدة من المواطنات و المواطنين بالجرائم الاقتصادية و استفادة المقربين من الدوائر الحاكمة من العديد من الامتيازات و مراكمتهم لثروات هائلة على حساب الأغلبية المفقرة من شعبنا. إجماع حول عدو مشترك يجب ضمان وحدة الأمة ضده، وحدة الشعب المفقر مع ناهبي المال العام، وحدة ضحايا التعذيب مع جلاديهم، وحدة مناضلين مع “بلطجية” النظام… كل ذلك من أجل مواجهة الخطر الجديد القديم : خطر الإرهاب بعد ما كان الخطر في مسيرة البيضاء البوليزاريو و الحزب الشعبي الاسباني …    

إجماع وطني متحكم فيه عن بعد –  télécommandé – قد ينضاف إلى لائحة الاجماعات التي فرضت على الشعب المغربي منذ الاستقلال السياسي و أدى ثمنها غاليا كادحو هذا البلد ومناضلوه حيث أن أغلب موجات القمع التي تعرض لها أحرار هذا البلد و أبنائه الأكثر كفاءة كانت بدعوى تهديد وحدته و الخروج عن الإجماع الوطني. إجماع كلفنا سنوات من التخلف الاقتصادي و الثقافي. إجماع يهدف بالأساس إلى تكميم كل الأصوات المعارضة و تكريس وضع قائم يخدم مصالح حفنة من الطفيليين.

من هنا تبرز في اعتقادي ضرورة رفض أي إجماع من خارج صيرورة دمقرطة المجتمع المغربي و استعادة المواطنين لتملك مصيرهم السياسي و الاقتصادي التي أطلقتها حركة 20 فبراير و مطالبة المسئولين بالشفافية الكاملة في الكشف عن حقيقية هذا الفعل الإجرامي و المتابعة القانونية للمتورطين فيه بالارتكاز على الضغط الشعبي و النضالات المستمرة التي أثبتت بالملموس فعاليتها  في إطار الصيرورة الثورية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا، نضالات استطاعت أن تحقق و لو بشكل جزئي ما فشلت فيه سنوات من استنجاد و استعطاف الحاكمين من أجل فتات إصلاحات لم يكتب لها أن تكتمل.

البيضاء -29 أبريل 2011
م.جواد
(مناضل أطاك المغرب عضو الشبكة العالمية من أجل إلغاء ديون العالم الثالث)


 [i]  أنظر “صدام الهمجيات”  تأليف: جلبير الأشقر  تاريخ النشر: 01/10/2002  الناشر: دار الطليعة للطباعة والنشر.  جلبير الأشقر مناضل و مفكر أممي معروف بكتاباته حول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا و قد استقبلناه مؤخرا في جامعة  أطاك المغرب الربيعية بداية شهر أبريل 2011.

 

[ii]  أنظر في هذا المجال الكتاب الرائع: “إستراتيجية الصدمة : صعود رأسمالية الكارثة” للصحفية الكندية ناومي كلين شتنبر 2010

 

[iii] أنظر مقال ” بين أحداث مخيم اكديم إيزيك بالعيون و فيضانات البيضاء: ملامح دولة فاشلة” البيضاء -02 دجنبر 2010 م.جواد و م.صلاح

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى